• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانتخابات الليبية بارقة أمل أم وقود حرب جديدة؟

ما هي فرص إجراء انتخابات في ليبيا؟ هل تمثل المبادرات الجديدة واللقاءات بين الفرقاء بارقة أمل حقيقية للخروج من الأزمة؟ ما هي الشروط الواجب توافرها للخروج من حالة الانقسام التي يعيشها الليبيون؟


منذ عام 2011م، وهو العام الذي شهد سقوط نظام الرئيس معمر القذافي لم تشهد ليبيا استقرارًا، بل باتت في حالة من الصدام العسكري، والانقسام السياسي بين الليبيين أنفسهم، استدعى بدروه انقسامًا إقليميًا ودوليًا، زاد من حالة الانقسام والتشظي والاقتتال الذي تشهده البلاد.

اقترب المشهد المنقسم على ذاته من نهايته – نظريًا- بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020م، وإجراء انتخابات في 24 ديسمبر في العام 2021م، ولكنه كان مجرد حلم عابر، إذ زادت حدة الانقسامات السياسية في البلاد، فيما صمد وقف إطلاق النار إلى تلك اللحظة الراهنة، ولم يخلُ الأمر من مناوشات بين الحين والآخر بين تلك الميليشيات، والقوى العسكرية المتناحرة.

تجدد الأمل مرة أخرى، وباتت تلوح في الأفق -فيما يبدو- نهاية سعيدة لكابوس طويل الأمد، بالاتفاق على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، واتخاذ خطوات مهمة لإخراج المرتزقة من البلاد في نوفمبر من العام الحالي 2023م.

 

جذور الاختلافات ما زالت قائمة وبقوة، خاصة حول ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لتلك الانتخابات، حيث يصر مجلس الدولة على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، في حين يصر مجلس النواب على عكس ذلك

البداية الجديدة كانت في اتفاق رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في اجتماعهما بالقاهرة أوائل شهر يناير 2023م على وضع الوثيقة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات، فسبب الخلاف حول تلك الوثيقة والاختلاف على شروط الترشح أحد أسباب فشل تحديد موعد إجراء الانتخابات عدة مرات سابقة.

هذا اللقاء وما تمخض عنه من تفاصيل وضعنا أمام سؤال محير: هل نحن أمام بارقة أمل أم وقود حرب جديدة؟

فيما يخص ظروف عقد اللقاء، يبدو أنه لم يخرج من رحم معاناة الليبيين أنفسهم كمحاولة لإخراج البلاد من أزمتها؛ بل جاء إثر ضغوط وتلويحات خارجية، حيث دعت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وألمانيا وإيطاليا في 25 ديسمبر 2022 عقيلة صالح وخالد المشري إلى عقد لقاء برعاية أممية من أجل الاتفاق على أساس دستوري لإجراء الانتخابات.

 ولوحت تلك الدول باللجوء إلى ما أسمتها بـ"آليات بديلة" حال إخفاق رئيسي المجلسين في التفاهم على قاعدة دستورية، ما يعني أنهما استشعرا خطر فقدان دورهما، وليس ببعيد أن لقاءهما كان محاولة لكسب المزيد من الوقت، أو محاولة لاتهام كل طرف منهما بأنه السبب الرئيس في عرقلة الانتخابات.

أما عن التفاصيل، فإن جذور الاختلافات ما زالت قائمة وبقوة، خاصة حول ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لتلك الانتخابات، حيث يصر مجلس الدولة على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، في حين يصر مجلس النواب على عكس ذلك، وهو ما يعني عمليًا أننا ما زلنا قريبين للغاية من نقطة الصفر، إذ إن هذه النقطة تعد مفصلية لدى كافة الفاعلين الداخليين والخارجين في الشأن الليبي.

ولنأخذ مثالًا على ذلك، فمنع ترشح العسكريين يعني من الناحية السياسية القضاء على أحلام قائد قوات شرق ليبيا اللواء خليفة حفتر، ويعني كذلك أن القوى الإقليمية التي تسانده ستفقد ورقتها التي تظنها رابحة في الداخل الليبي، ومن ثم ستتلاشى أحلامها التي راودتها للسيطرة على الشأن الليبي بدعم حفتر وقواته على مدى السنوات السابقة.

الأمر ذاته ينطبق تمامًا على القوى الدولية التي تعول على حفتر لبقاء نفوذها واستمراره، وعدم وصوله للرئاسة، يعني بصورة أولية أن خصومها السياسيين المرتهنين بأجندات دولية أخرى ستكون حظوظهم أوفر في الوصول للرئاسة، وهو ما يعني  خسارة المعركة لصالح خصومها على الساحة الدولية.

وإذا خرجنا إلى الدائرة الأوسع، فسنجد عقبات تقوض من فرص عقد تلك الانتخابات، إذ إننا بحكم الأمر الواقع أمام بلد منقسم من الناحية المؤسسية السياسية إلى حكومتين:

واحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتسيطر على طرابلس وأجزاء من غرب البلاد، وتحظى باعتراف دولي، وباتت ولايتها منتهية.

 والأخرى برئاسة فتحي باشاغا في سرت، وتسيطر على أجزاء من ليبيا لكنها لا تحظى بشرعية دولية.

ولا يخفى أن وجود حكومتين سيكون سببًا في تضخم الخلافات بشأن قانون الانتخابات، وشروط المرشحين، ومن ثم الفشل في صياغة القاعدة الدستورية التي ستجري على أساسها تلك الانتخابات، فضلاً عن امتلاكهما قوات العسكرية قادرة ربما على قلب الأوضاع وزيادة مواجع الليبيين.

 

إذا ذهبنا ننظر إلى المرشحين للرئاسة، فإن تلك النظرة تقودنا إلى نتيجة مفادها أننا أمام مرآة تعكس التنافس الإقليمي والدولي، وهو تنافس صفري، لا مجال فيه إلا لفوز لواحد فقط ويخسر بقية الأطراف، وهو ما يصب كذلك في مسار صعوبة إجراء تلك الانتخابات الرئاسية المأمولة.

والأمر ذاته ينطبق على المؤسسة العسكرية المنقسمة، هي الأخرى، والتي لم تنجح جميع الحكومات منذ انهيار نظام الرئيس السابق معمر القذافي على توحيدها، فثم قوات الجيش الوطني الليبي برئاسة حفتر، وتسيطر على المناطق الشرقية وبعض المناطق الجنوبية، وأخرى في الغرب تابعة للحكومة المعترف بها دوليًا.

هذا الانقسام يقابله انقسام للميلشيات على الأرض، يدعم بعضها قوات حفتر، وأخرى تدعم الحكومة المعترف بها دوليًا، وبعضها يعمل لحسابات أخرى خاصة، ولا يجمعهم سوى أنهم مرتزقة يعملون لصالح أجندات خارجية لها أهدافها السياسية والاقتصادية الخاصة في دعم بعض الفصائل العسكرية ضد بعض.

وليس خافيًا أن هذا الانقسام العسكري -الذي تغذيه مرتزقة من جهات خارجية شتى- لن يدخر جهدًا في إفشال العملية الانتخابية في مهدها، إذا ما بدت مؤشراتها ورياحها في الذهاب إلى نتائج لا يرغبها، وتخالف أجندته، أو أجندة القوى الإقليمية والدولية التي تدعمه.

وإذا ذهبنا ننظر إلى المرشحين للرئاسة، فإن تلك النظرة تقودنا إلى نتيجة مفادها أننا أمام مرآة تعكس التنافس الإقليمي والدولي، وهو تنافس صفري، لا مجال فيه إلا لفوز لواحد فقط ويخسر بقية الأطراف، وهو ما يصب كذلك في مسار صعوبة إجراء تلك الانتخابات الرئاسية المأمولة.

ولنأخذ مثالًا واضحًا، وهو المرشح الرئاسي، سيف الإسلام القذافي، الذي قدم أوراق ترشحه رسميًا لهذا الاستحقاق، حيث يتطلع أنصار النظام السابق لعودته إلى السلطة، ويحظى بدعم روسي بدا واضحًا من القوات التي صاحبته أثناء تقديم أوراق ترشحه.

 ولكن هذا الدعم الروسي يقابله من ناحية أخرى (فيتو) غربي صريح وقوي، حيث تقود بريطانيا مساعٍ حثيثة للحيلولة دون ترشحه مدفوعة بأسباب عدة، أبرزها أنه سيكون معارضًا قويًا وحجرة عثرة في طريق مصالحها الاقتصادية والسياسية، كرد فعل على دعمها للثوار الذين أطاحوا بوالده، وقربه من روسيا الذي يعني كذلك خسارة فادحة لصالح الخصم الدولي اللدود.

وأخيرًا، فإنه قد يكون صحيحًا أن ليبيا في إطار "الفرصة الأخيرة" للوصول إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية، والابتعاد عن شبح تجدد الحرب الداخلية.

 وقد يكون صحيحًا، كذلك، أن القادم لن يكون الأفضل، إن لم تجرَ الانتخابات التي قد يؤدي تأخيرها إلى محاولة حسم الخلافات بالقوة العسكرية...

لكن ومع ذلك، فإن ما سبق من مؤشرات ووقائع ودلائل لا يؤكد أننا نسير في اتجاه عقد تلك الانتخابات، إذ إن ظروف عقدها في الوضع الحالي لن تحقق الهدف المرجو وهو وجود مؤسسات سياسية تساهم في استقرار ليبيا ووضعها على الطريق الصحيح.

وعلى فرض عقدها مع بقاء الظروف الحالية، فإن فرصة فشلها وتجدد الحرب الأهلية ستكون كبيرة للغاية في ظل الاستقطاب السياسي والعسكري الحاد، وعدم توافق البيئة الاقليمية والدولية على مسار يُنهي الوضع الشائك في ليبيا.

وبرأينا، فإن أية انتخابات في ليبيا محكومة بالفشل ما لم يسبقها العمل على ثلاثة مسارات متوازية:

الأول: مسار سياسي يجمع شتات المؤسسات السياسية، ويجعل ليبيا بحكومة واحدة وبرلمان واحد، بعيدًا عن الارتهان للقوى الإقليمية والدولية.

الثاني: مسار عسكري ينهي حالة انقسام المؤسسة العسكرية، ويجعل قيادتها حيادية، وقادرة على فرض كلمتها بعيدًا عن السياسة، وبعيدة عن الأطماع السياسية، مع طرد المرتزقة والميلشيات المدفوعة بتحقيق مصالح قوى خارجية.  

الثالث: مسار قانوني يهيئ الظروف القانونية، والأسس الدستورية، لإجراء الانتخابات، مع توفير العدالة الانتقالية التي تجعل الدولة تحت مظلة قانونية بعيدة عن الانتقام القبلي والشخصي.

وإغفال أي مسار من تلك المسارات يجعل إجراء الانتخابات الرئاسية عملية محفوفة بمخاطر شديدة، وقد تكون عواقبها أشد ألمًا على واقع ليبيا ومستقبلها.

 

 

أعلى