ندوة الديمقراطية والإسلام..
أعدّه: أ. أحمد أبو دقة
لقد آثار
مصطلح الديمقراطية ولا يزال جدلاً داخل العالم الإسلامي، وازداد هذا الجدل بعد ما
يسمى بالربيع العربي، مابين طرف يرى الديمقراطية طريقا أوحد للخلاص من وطأة
الاستبداد، و استنشاق عبير الحرية، وبين طرف يرى فيها استبدالاً للذي هو أدني بالذي
هو خير، وعدولاً عن شريعة أحكم الحاكمين، إلى حكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى
{أفحكم الجاهلية يبغون}.. وبين هذين الطرفين من
يرى الفصل بين الديمقراطية كمفهوم ونظرية وبين آلياتها ووسائلها، ولاستجلاء مواقف
واتجاهات الإسلاميين من الخيار الديمقراطي نظم مركز الدراسات والبحوث التابع
لمجلة البيان الإسلامية ندوة فكرية
تناقش مفهوم الديمقراطية في العالم الإسلامي بعنوان (الإسلاميون والديمقراطية رؤية
شرعية وسياسية)، بحضور نخبة من الأكاديميين و المفكرين الإسلاميين المتابعين لهذا
الملف.
وفي
بداية الندوة ألقى الدكتور
محمد مفتي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك السعود كلمة أوضح فيها المعنى السياسي لكلمة
الإسلاميين، وقال،:"هناك لبس يقع فيه كثير من الناس حينما يفرقون بين الإسلامي وبين
الكاتب في المجالات الإسلامية، المجال الإسلامي مفتوح للكاتب والصحفي والطبيب ورجل
الأعمال".
وأضاف أن
البعض يجمع هؤلاء الناس كلهم تحت الغطاء الإسلامي.. مثل قول البعض الإسلاميين
يقولون كذا، ويرى أن تعريف الإسلامي هو أي ناشط سياسي يسعى إلى تغيير الواقع
منطلقاً من القرآن الكريم و السنة النبوية، فهو إسلامي أما الكاتب الذي يكتب في
الصحيفة أو المفكر الذي يعمل في الجامعة أو الأديب الذي يتبنى الإسلام أو الفقيه
الذي يفتي الناس في كافة المجالات فيما يتعلق بالسياسة الشرعية، هذا لا يطلق عليه
إسلامي، ولذلك يفضل أن لا يتم تعميم هذه المسألة.. أحيانا تلصق بالإسلاميين أفكار
وأشياء ليس من صميم أفعالهم ..".
وتابع
مفتي قائلاً : "الناشط السياسي الإسلامي ينقسم إلى قسمين، ناشط سياسي مستقل وهو
يتبنى رؤية عامة فقط، وناشط سياسي حركي، الناشط الفرد يعبر عن رأيه، صحيح أنه يمتلك
رؤى لتغير الواقع لكن الناشط السياسي الحركي فهو يعبر بالضرورة عن رؤية الحركة الذي
يمثلها .. لذلك عندما نتحدث عن الإسلاميون والديمقراطية فالمفترض أن يكون حديثنا
مقتصراً على الناشطين السياسيين.. وأهمية طرح هذا الموضوع تكمن في أن فريقاً من
الإسلاميين أصبحت تتسع قاعدته بدأ يرى أن في الديمقراطية مجالا رحبا مناسبا للعمل
السياسي.
ثم تحدث
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود عن التغيرات الثورية في العالم الإسلامي
وما يطلق عليه بالربيع العربي وتأثيره على موضوع النقاش قائلاً: "أول سؤال يبرز في
إطار الربيع العربي والتغييرات الثورية في بلاد المسلمين، العلاقة بين الإسلام و
الديمقراطية ورؤية الإسلاميين لهذه الديمقراطية، و ما هو السبب الذي يدفع
الإسلاميين المناداة لتغير الواقع في إطار ديمقراطي، أنا رؤيتي بأن أمة محمد صلى
الله عليه وسلم منية بالاستبداد الفردي وحكم الطغيان لسنين طويلة، وقد بدأ المسلمون
بالبحث عن مخرج لمعالجة ظاهرة الاستبداد الفردي و الطغيان.. وبرز في ذلك مدارس
أولها المدرسة العلمانية التغريبية وكان لها رؤية سياسية محددة وهي أن الإسلام دعوة
روحية محضة لا علاقة لها بالظاهرة السياسية من قريب أو بعيد وهذا سهل عليهم أن
ينادوا باقتباس النموذج الغربي.. على أساس أنه لا يوجد ما يقابله في الإسلام".
ويرى
مفتي أن المدرسة الثانية التي خرجت تبحث عن حلول للاستبداد في العالم الإسلامي هي
مدرسة العلمانية التوفيقية التي أثرت كثيراً في الواقع السياسي الإسلامي، واستفادت
كثيرا بحسبه من مرونة الإسلام وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان. وعلى حد وصفه
ينطبق على هذه المدرسة القول الدارج" كلمة حق يراد بها باطل".
وبنت هذه
المدرسة رؤيتها على أساس أن الإسلام وضع قواعد عامه لبناء النظام السياسي واكتفى
بوضع قواعد مثل العدالة والشورى واستقلال القضاء وأحياناً الحرية التي تكاد تكون
مطلبا شرعيا يطالب به الكثير من الناس في هذا الزمان.
ويكمل
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود قائلاً : "هذا الأمر فتح الباب على
مصراعيه لتقبل أفكار الغرب ومفاهيمه لمعالجة وقعنا، ثم طرحت في الساحة الكثير من
الدراسات التي تتناول الإسلام والنظام الغربي، الشورى والديمقراطية والعدالة
والاشتراكية حتى أصبحت هذه الفكرة مقبولة لدى الكثير من الناس".
ويؤكد
مفتي أن الإسلاميون تقبلوا هذه الفكرة وبحثوها بحثا عقليا، ثم طرحت تساؤلات أيهما
أفضل للأمة ؟، الاستبداد الفردي أم الحرية التي تأتي بها الديمقراطية. ويضيف أن من
الإسلاميين من جعلوا هذا السؤال قاعدة للانطلاق الفكري لتبني الديمقراطية هربا من
الاستبداد الفردي، ثم يضيف أن هؤلاء الإسلاميين اعتقدوا أن شيوع الديمقراطية سيؤدي
حتماً إلى ازدهار الإسلام و إتاحة فرصة لنشر مفاهيمه و أفكاره في الدولة التي يشع
فيها النظام الديمقراطي وذلك لأن البيئة الديمقراطية توفر فرصة للنقاش وتمنحهم فرصة
لطرح أفكارهم وتبنيها.
ويؤكد
مفتي أن الكثير من الإسلاميين تبنى شروط الديمقراطية ودعا إليها كما يدعوا إليها
العلمانيون ومن هذه الشروط التي تحملها الإيمان بالتعددية وتداول السلطة، فأصبحت
التعددية عندهم جزء من النظام الذي أتى به الرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه
الصلاة والسلام، وأصبح تداول السلطة حقاً للجميع، فتحولت المسألة من مجرد مناداة
لتخفيف القيود وفتح الباب قليلا أمام الناس للتنفيس إلى منادة لتبني الشروط التي
تقوم عليها الديمقراطية الغربية، ويتابع قائلا:" الديمقراطية نظام لا ديني للحياة
و الإسلاميون الديمقراطيون يهربوا هرباً شديداً من القاعدة الفكرية للديمقراطية
الغربية".
ويرى ضيف
الندوة أن من الأسباب التي دفعت الناشطين السياسيين الإسلاميين إلى المشاركة في
الانتخابات البرلمانية وجود هيئة تشريعية تتمثل في البرلمان، وهذا لا يقابله هيئة
تشريعية في الإسلام لأن مصدر التشريع هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وليس
البشر، وكذلك وجود مجلس شورى وهو مجلس سياسي وهو يبدي رأيا لأن الأمة ليست هي
المشرعة للقوانين لكن في النظام الغربي البرلمان هو المشرع للقوانين.
ويقول
مفتي : "إن الإسلاميون يعتقدون أن الاشتراك في العملية الديمقراطية يمنحهم مكاسب
أولها استخدام البرلمان كوسيلة لتغيير القوانين وسن قوانين تشريعية تعالج الواقع من
منظور إسلامي ثم يتم تبني قوانين إسلامية بدلا من القوانين الوضعية المعمول بها.
ومن
الأسباب أيضا التي شجعت على المشاركة في هذه الحالة السياسية، أن البعض من هؤلاء
النشطاء يعتقد أن استغلال الديمقراطية سيكون فرصة لشرعنة العمل الإسلامي وإضافة
صبغة قانونية عليه و لإيجاد مساحة سياسية للتحرك داخل المجتمع في ضل أنظمة قمعية.
وتابع
قائلاً : "تؤمن بعض الحركات السياسية بأن المشاركة السياسية هي الوسيلة الأنجع
لإصلاح الواقع للأنظمة السياسية وأن البديل لمشاركة سيكون أما الانسحاب وترك
المجال للعلمانيين والليبراليين وغيرهم للسيطرة على السياسية أو تبني العنف كخيار
لمقاومة الأنظمة القمعية".
وخلال
حديثه عن الواقع التي تعيشه الأمة الإسلامية يقول الدكتور محمد مفتي إن الأنظمة
السياسية تمكنت من تقليص الخيارات لدى الحركات السياسية حتى قسمتها إلى تصنيفات
سواء من خلال تطويعها لتقبل شروط العمل السياسي و السماح لها داخل النظام، أو
محاربتها وتصنيفها على أنها منظمات "إرهابية".
ومن أقوى
الأسباب التي جعلت الإسلاميين يتبنون هذا الخيار أيضا، هو الاعتقاد بان الديمقراطية
نظام يمكن من خلاله تقديم الإسلام كبديل لمعالجة الواقع، بالإضافة إلى أن فريق من
الإسلاميين يرى أن آليات الديمقراطية من الاستفتاء والتصويت تمثل فرصة لاستخدامها
كوسيلة للتأثير على العملية السياسية في الدولة والحضور المباشر.
كما
يعتقد البعض منهم بحسب مفتى بأن المشاركة السياسية في البرلمان فرصة لإعطاء انطباع
قوي للدول الكبرى بأن الإسلاميين يرون أن الديمقراطية نظام حكم مقبول و لا يوجد
غضاضة في تبنيها، والبعض يسمي هذا بالتكتيك السياسي، و يرى آخرون أنه بالإمكان
استخدام الديمقراطية كحصان طروادة يتم من خلالها الاستيلاء على مفاصل الدولة وفرض
النظام الإسلامي لاستئناف الحياة الإسلامية.
ويختتم
الدكتور محمد مفتي أستاذ العلوم السياسية حديثه بالقول: "إن تحول العمل السياسي
الشرعي من السعي لإيجاد دولة الخلافة الشرعية التي تمثل المسلمين إلى العمل السياسي
الوطني الإسلامي الراغب في الحفاظ على المكتسبات الوطنية مع السعي لإدخال تعديلات
من هنا ومن هناك تعزز الواقع السياسي للدولة من خلال تعزيز القيم الإسلامية
الوطنية، ولما تحولت الدعوة الإسلامية إلى وطنية لم يرى الإسلاميين بأساً في
المشاركة في الانتخابات البرلمانية الوطنية".
ويتابع
متسائلاً :"للإسلاميين تجربة في المشاركة في البرلمانات، ماذا أثمرت؟! هدف النشطاء
السياسيين الإسلاميين ترقيع الواقع المعاش، إذا شاركنا في البرلمان نحن شرعنا
النظام الذي نعتقد أنه غير شرعي، شخصياً لا أعتقد ذلك مطلقاً، كنت أعتقد أن الثورات
العربية كانت فرصة لكي يفرض الإسلاميين وجودهم لكنهم أضاعوا الفرصة و رضوا أن
يكونوا مع "الخوالف"، وأصبحنا جزء من دولة ذات نسيج متنوع علماني ويساري و ليبرالي
وإسلامي.. ثم تحدث منهيا حديثه .. "المسألة فكرية حتى لو كنا في حالة الضعف، لا
نحارب لكن لا يعني ذلك أن نستسلم"..
بعد أن
وضع الدكتور محمد مفتي السيناريو السياسي للتعامل مع مفهوم الديمقراطية في العالم
الإسلامي بدأ الدكتور
سعد بن مطر العتيبي أستاذ مساعد في قسم
السياسية الشرعية في المعهد العالي للقضاء بالحديث عن الديمقراطية من مفهوم شرعي،
وبدأ حديثه بالقول : "إن تنزيل الأحكام التكليفية على المسائل يجب أن يتطلب معرفة
العلوم التي لابد منها لفهم النازلة ومعرفة مفاهيمها وظروفها ومآلاتها، و تبقى
الأحكام الشرعية التي يطلقها الفقهاء هي محاولة للوصول للحكم الشرعي قد تكون صوابا
توافق الحق وقد تكون اجتهادا يخالفه، إذا أردنا أن نتصور الديمقراطية من خلال
تعريفاتها فسنجد الأمر ليس سهلا لأن تعريفاتها اختلفت في المعنى القانوني والسياسي
حتى بلغت أكثر من ثلاثمائة تعريف".
وأشار
خلال حديثه على إشكاليات تكتنف التعامل مع مفهوم الديمقراطية، وتابع قائلاً:
"الديمقراطية ليست مفهوماً مفرداً يمكن تحديده دون ربطه بمنظومة متكاملة من
المفاهيم، الأمر الأخر أن مفهوم الديمقراطية ليست ثابتا بل يتطور وتنوع ويتعدد، كما
أن تطبيقات الديمقراطية متعددة، فكل نظام سياسي ينتمي لدولة تتبنى الديمقراطية،
يتخذ أسلوبا يناسب عقائده مهما كان حجمه حتى أصبحت صراع أيدلوجي في العالم المعاصر،
فوجدنا مصطلحات مثل (الديمقراطية الليبرالية، و الاشتراكية وديمقراطية العالم
الثالث، والديمقراطية الإسلامية).
ويرى
العتيبي أن الديمقراطية مفهوم له أبعاد وتغيرات مرتبطة بتطور مشكلة الحكم، كما أنه
حمل أكثر مما يحتمل. وذكر بأن الديمقراطية ليست مذهباً واحداً في تطبيقها، مشيراً
إلى وجود الديمقراطية العلمانية التي منها الاستبدادية ومنها دون ذلك،وكذلك
الديمقراطية الليبرالية و ديمقراطية أصولية تتخذها بعض القوى الدولية وسيلة للعولمة
بحسب اعتقاده.
وتابع
حديثه للحاضرين قائلاً: "فهم الديمقراطية يتطلب دراسة تاريخها، وتاريخها يبين أنها
تعطي الشعب السيادة والحكم المباشر من الشعب، فالنظام النيابي لم يكن معروفا في
السابق، وسلطة الدولة فيها سلطة مطلقة، و يلزم المواطنين التزام دين الدولة، لا
حرية دينية لديهم، كما يخضعون لها بأموالهم".
وخلص إلى
القول بأن الديمقراطية فكرة تعني أن السيادة والسلطة للشعب، وما نستطيع فهمه من
ذلك أنها نظام يسعى لفصل الدين عن الدولة، من خلال عملية تداخل مع فصل السلطات، و
ترتكز الديمقراطية فلسفيا على التخلص من السلطة الدينية و الخضوع لسلطة اللادينيين.
وأشار أيضا إلى أن الديمقراطية تميزت بوضوح معالمها الرئيسية من خلال صياغتها
للقواعد الدستورية و مضيفا بأن القانون أعطاها صبغة يمكن الحكم عليها من خلاله.
ويواصل
الدكتور العتيبي حديثه قائلا إن من أبرز خصائص الديمقراطية الحديثة مبدأ سيادة
الأمة بمعنى أن التشريع و وضع القواعد التشريعية من حق الشعب ويأتي ذلك من خلال
ممثليه في المجالس النيابية والبرلمانية، وكذلك فإن الأمة مصدر السلطات وهي التي
تختار الجهات التي تحكمها.
ويضيف
قائلاً: "هناك خاصيتين من خصائص الديمقراطية الحديثة و القديمة مشتركة و تتمثلان في
احترام مبدأ الحقوق والحريات ومن ضمنها الحرية العقدية، احترام ما يعرف بمبدأ
المساواة بين الأفراد بمعنى أن الأفراد جميعا متساوون أمام القانون في الحقوق
والواجبات دون الاعتبار لنسب أو جنس أو لون .. واعتماد ما يعرف بالتعددية السياسية
ومن نتائج ذلك تعدد التيارات السياسية المشاركة في السلطة والتي تجمع الأفراد
الذين يؤمنون بأفكار وينظمون تحالفات، ولها تداخل مع المفهوم الفلسفي للتعددية
الدينية".
كما نوّه
الدكتور العتيبي إلى اعتماد آليات الانتخابات حتى أصحبت جزءاً من الثقافة العالمية
و أصبحت الديمقراطية والانتخابات مترادفتان لا تنفصلان، بالإضافة إلى آليات مراقبة
الرأي العام، واعتماد مبدأ فصل السلطات حتى لا تطغى أحدهما على الأخرى، و اعتماد
التعددية الدينية كمقدمة للتعددية السياسية، وتبنى العولمة الأمركة العالمية
للنموذج العلماني الأمريكي الذي يتخذ من الدولة المدنية بمفهومها العلماني كمنطلق
لغزو العالم فكرياً وسياسياً واقتصادياً..
ومن أهم
الأهداف التي تسعى إليها الديمقراطية بحسب العتيبي هو منع قيام الدولة على أساس
ديني، و كذلك فإنها تؤكد أيضا على رفض أي نص دستوري يؤكد الهوية الإسلامية للدولة
باعتباره تناقض مع مبادئ الديمقراطية وحرية الاعتقاد، ومن هذا المنطلق يمكن ترسيخ
مبدأ التعددية الدينية، ويعتقد أستاذ العلوم السياسة الشرعية في المعهد العالي
للقضاء سعد العتيبي أن مبدأ الحرية الدينية يفتح المجال أمام الردة في البلاد
الإسلامية والتنصير تحت شعار عدم التمييز على أساس الدين.
ويقسم
ضيف الندوة مواقف الفقهاء في العالم الإسلامي من "الديمقراطية" إلى قسمين،
الأول
يتزعمه الدكتور يوسف القرضاوي وهم يجيزون استخدام وسائل وآليات الديمقراطية ويرون
بأنها لا تخالف الإسلام، والبعض منهم من ذهب إلى القول بأنها من صميم الإسلام،
مستدلين بحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم
شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان
متصارمان"..
ويقول
العتيبي: "كيف يصل الفقيه إلى سبب الخلاف في مسألة ما؟، إذا لم ينص العلماء على
أسباب الخلاف ويمكن اخبتارها ففي هذه الحالة تظهر أسباب الخلاف بين الأقوال.. وهذا
يظهر استدلال الشيخ القرضاوي في الحديث السابق، فهو يتكلم عن قضية الاختيار وليس عن
فلسفة الديمقراطية".
وينقل
الدكتور العتيبي عن هذا الفريق تبريراتهم لاستغلال الديمقراطية بالقول بأنها عبارة
عن وسيلة صالحة للحكم وإدارة أمور الدولة، وليس في الإسلام ما يمنع من الانتفاع من
هذه الوسيلة، حتى وإن كان الذين توصلوا إليها من غير المسلمين واستدل في ذلك على
فكرة حفر الخندق الفارسية وغيرها.
وأشار
إلى استدلال بعضهم بآيات قرآنية ونصوص شرعية يذكر فيها ذم الطغاة و الظلمة
وأعوانهم، وينظرون إلى أن الديمقراطية و ما يترتب عليها خير من الاستبداد والظلم،
وكذلك يلحقها البعض بالشورى في الإسلام .
أما
الفريق
الثاني
الذي يراه الدكتور العتيبي فهم يرفضون الديمقراطية وعلى رأسهم الشيخ عبدالكريم
زيدان والشيخ جعفر شيخ إدريس والشيخ محمد شاكر الشريف ومن القانونيين الشرعيين
والدستوريين الدكتور عبد الحميد متولي، واستدلوا بنصوص نزول الحكم بما أنزل الله، و
كذلك أن مبدأ الديمقراطية سيادة الأمة وهذا المبدأ يتناقض مع مبدأ الحاكمية وحق
التشريع لله وحده وعليه أنه أساس باطل بحكم الشرع ولا يجوز اعتقاده، لأنه يجعل
الأمة صاحبة الأمر والنهي وليس الله جل جلاله وأنها لم تستمد هذه السلطة من غيرها،
وهي صاحبة السلطة العليا، وصاحبة الأمر والنهي ولا سلطة عليها ولا فوقها وهذا
المبدأ يغلق الباب أمام التوبة إلى الله عز وجل.
وفي نظر
العتيبي فإن دعاة الديمقراطية من الإسلاميين الحركيين لم يقصدوا أن يجعلوا الشعب
حاكماً مطلقاً لا يتقيد بشرع ولا دين، وإنما عبر بعضهم عن السيادة قاصدا السلطة وهو
يجهل الفرق بين السيادة التي تعني حق التشريع والسلطة التي تعني تنفيذ التشريع.
ويستذكر
المحاضر في الندوة الفتوى الصادرة عن المجمع الفقهي حول حكم العلمانية قائلاً: "يجب
التفريق بين فلسفة الديمقراطية وآلياتها، فالفلسفة مرفوضة و الآليات تخضع للحكم
الشرعي، كما أن البعض يرى الديمقراطية أقل ضررا مع قصد التدرج في إحلال سيادة
الشرع بدلا من سيادة الشعب".
ومن
أسباب الخلاف بين الطرفين بحسب الدكتور سعد العتيبي أن الفريق المجيز نظر إلى
جزئية معينة بمعزل عن الأساس الفكري والفلسفي للديمقراطية، ضمن خطاب سياسي يساير
قاعدة التدرج في التطبيق لا إقراراً بحكم الباطل .
ويتابع
قائلاً: "إن الإشكال الكبير هو عدم ضبط الخطاب السياسي الذي يظن أنه داخل في
السياسة الشرعية الذي للأسف تحول الخطاب السياسي الذي كان من المفترض أن يخدم
الفقه السياسي تحول إلى تثبيت المتغيرات دون أن ينظر إليها كمتغيرات، وهنا أتت
الإشكالية.. وأختم بأنه لا يوجد أحد من علماء المسلمين أقر بالديمقراطية كفلسفة".
ثم بعد
ذلك تحدث الدكتور
لطفي الله خوجه المحاضر في جامعة أم
القرى في مداخله، "قائلا إن الديمقراطية نقيض لحكم الله سبحانه وتعالى ففي الإسلام
الحكم لله وحده و الديمقراطية تعنى حكم الشعب. ويعتقد خوجه بأن الذين يتسابقون على
الديمقراطية باعتبارها طوق نجاة من حكم الاستبداد والظلم لم يستطيعوا علاج الخلاف
على تطبيق الشريعة في ظل مجلس تشريعي خليط فيه من لا يؤمن بالشريعة ومن يؤمن
العلمانية ومن لا يؤمن بالإسلام أصلا".
ويرى
أيضاً أن هذا الأمر أصبح معقلاً من معاقل الخلاف بعد الثورات العربية في تونس ومصر
والمغرب، مضيفا بأن هذا الطرف تنصل من شعارات تحكيم الشريعة واستبدلها بشعارات
تطالب بالحرية قبل الشريعة، لافتاً إلى وجود استحالة لتطبيق الشريعة مع وجود من
يعارضها في البرلمان وخارجه .
ويقسم
الدكتور خوجه الدول التي تتعاطى مع مفهوم الديمقراطية إلى أربعة أقسام، وأولها
أنظمة ديمقراطية قائمة وهذه لا يختلف فيها القول بجواز المشاركة استنادا لفتاوى
أئمة سابقين.
والنوع
الثاني دول ذات حكم فردي، لكنه مثال لربما مثل المدينة الفاضلة عن الفرابي وهي
محققة للعدل تماما وهي ليس بحاجة على ديمقراطية، و النوع الثالث بينهما النظام فيها
حكم علماني فردي والفساد مستشري وأن تطرح الديمقراطية بديلا في هذه البيئة إذا تعذر
البديل الأصلح المتفق عليه مع الشريعة، لأن الوضع القائم سيئ وتخفيف الفساد
ومقاومته بوسائل الديمقراطية أفضل من قبول ذلك الحكم الفاسد.
أما
النوع الرابع من الأنظمة بحسب خوجه فهو حكم فردي وفيه فساد إلا أنه يمتاز بميزتين
الأول أنه مصدره في التشريع الشريعة و الثاني ألف بين أعراف وجمع شتات وجهات
ومناطق، في هذه الأحوال طرح الديمقراطية بديلا لهذا النمط السياسي القائم الحافظ
لمصدر التشريعي والجامع للشتات يعني ذلك تهديد هاتين الخاصيتين بالتغيير ربما الكلي
والجذري، مضيفاً بأن الديمقراطية كبديل لا يعني الضمان لكبح جماح الفساد المستشري،
ونحن نرى في الثورات العربية إرهاصات بعدم تغيير في الأوضاع الاقتصادية وبعض
الثورات لم تغير شيئا مثل الثورة الروسية البلشفية.
وينهي
خوجه مداخلته بالقول: "نحن أمام منحى خطير فالديمقراطية تفتح طريق للمعارضة
والمحاسبة لكن الأطراف المنتفعة محصنة ومستعدة دائما وتجيد الخداع والحيلة وتدرك
خفايا العمل السياسي وإلى أن تستفيق الجموع وتدرك وتتمرس على المقاومة والفهم
السياسي والعمل تتفاقم الأوضاع سوءا، ثم لا ندري المكاسب المتحققة سابقا هل
ستتلاشى مع التغيير وهو محتمل جدا وعليه إرهاصات. وإذا قال قائل ما العمل فالعمل في
القرآن واضح بدون تحريف".
ثم تحدث
الدكتور
عبد الله الصبيح من جامعة الإمام في
مداخلة إن الديمقراطية في بلاد المسلمين قدمت على أنها مفهوم جامد ومتماسك وهذا
ينافي الحقيقة لأنها ليست كذلك. ويرى أن الكثير من الممارسات التي أضيفت
للديمقراطية ساهمت في تحسينها، لذلك يرى بأنه من الضروري الاجتهاد في تحقيق مفهوم
الديمقراطية، لأن الديمقراطية التي يجري الحديث عنها الآن ليست هي التي جاءت من
الثورة الفرنسية أو التي مارسها اليونان، ويعتقد المتداخل بأن المفاهيم مختلفة
تماما.
وينبه
أيضاً إلى ضرورة أن يتم تنبيه المثقف المسلم إلى هذا الأمر، مشيرا إلى أن بعض
الإسلاميين يتحدثون عن الديمقراطية و ينادون إليها وهم في الحقيقة يتحدثون عن أماني
أنفسهم وليس عن الديمقراطية،
ويتابع
الصبيح قائلاً: "إن الانتخابات ليس أداة جاءت من الديمقراطية وحدها لكنها تستخدم
في الديمقراطية وفي غيرها، بعضهم قال إن الديمقراطية هي نظام حكم القانون، ومن ثم
فالديمقراطية عملية محمودة، يجب أن نفهم ما المقصود بها حتى يسهل الحكم عليها، خاصة
أن الديمقراطية دخل عليها عدد من المفاهيم مثل العلمانية و الليبرالية، و
الديمقراطية لا تفهم في عالمنا العربي إلا بارتباطها بالعلمانية والليبرالية ".
وفي ختام
الندوة طرح الشيخ سعد بن مطر العتيبي وجهة نظره من عدد من القضايا حيث أكد أن
الإسلاميون الحركيون الذين يمارسون السلطة الآن ينقسمون إلى قسمين وفقا لبيئاتهم
المختلفة، فمنهم من سار في ركاب العلمانيين، ومنهم من يعمل بصفته الشخصية ويمكن
تسميته تابع لغيره. وأضاف أن الدعوات لتطبيق الإسلام كثيرة لكن هناك فرق بين أن
يطبق الإسلام كنظام في الحكم أو يكتب في كتب ومجلدات ويوضع على الرفوف، مشيرا إلى
أن جميع المجالات التي تنسب إلى الديمقراطية درست من ناحية شرعية، وما هو الصحيح
فيها و ما هو خلاف ذلك حتى الأحزاب نفسها تم دراستها.
وقال:
"هذا جاء نتيجة عطاء فقهي استمر على مدار مائة سنة وليس اليوم فقط". وتابع أيضا:
"نريد أن نقول للذين يتحدثون عن وجود مفاهيم مختلفة للديمقراطية، إن الفقيه حينما
يبحث عن الحكم في القضية يبحث عن الفكرة وحكم المسألة، المهم ما هو الذي يتعارف
عليه الناس، آليات الديمقراطية، قضية الاختيار مثلا قضية واضحة مثل لما قال الرسول
صلى الله عليه وسلم في مكة " اختاروا اثني عشر رجلا منكم..."..
ثم تطرق
العتيبي إلى قضية الانتقال من الخلافة إلى الملك في العصر الأول، وذكر أن قضية
الانتقال كانت جزء من التشريع الأصلي و الاستثنائي.. لأن النبي صلى الله عليه وسلم
أشار إلى هذا كما ذكر ابن تيمية رحمه الله في قوله "خلافة
على منهاج النبوة ثم ملك ورحمة...".
و أشار
أستاذ السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء إلى مفهوم الملكية التي كانت في
الإسلام قائلا :"بأنها لم تكن هي الملكية التي كانت في أوروبا، بل كان الفرق بينها
وبين الخلافة، هي أنها ليس فيها اختيار، ولا يظهر فيها الزهد، الحكم الإسلامي يرتكز
على قضيتين حفظ الدين وشكل النظام وهي قضية ثانوية، هناك قضية أصلية وهي اختيار
الخلافة و الاستثنائية وهي مرتهنة بالواقع وتغير الحياة".
ثم عرج
الشيخ العتيبي في كلمته الختامية على قضية إنشاء الأحزاب الإسلامية قائلاً: "الدول
التي قمعت فكرة الأحزاب هي دول كانت تقول بأنها ديمقراطية، دول الغرب التي تحارب
الأحزاب الإسلامية، معروفة بأنها ديمقراطية، ويقول إن الأمة أمام متغيرات واستبداد
محلي في العالم العربي واستبداد إقليمي، و لا يجب تحميل العلماء والمشايخ المسؤولية
في هذا الموضوع ".
وذكر
العتيبي مثالاً عن التجربة الحزبية في تركيا ودور الإسلاميين فيها قائلاً: "التحالف
مع الأحزاب العلمانية، العلمانية الإستئصالية في تركيا، الفقهاء هناك أجازوا ذلك
وهذا التحالف هو الذي ولد أول وصول للإسلاميين للسلطة في عهد نجم الدين أربيكان..
وجدت مدارس الخطباء وأعيد الأذان باللغة العربية بالإضافة إلى فوائد أخرى".
ويرى
العتيبي أن الفترة الأخيرة شهدت تبني بعض الإسلاميين لقضايا على أسس مرحلية ثم أتى
من هم من تابعيهم أو بعض تلامذة الغرب و سعوا إلى ترسيخ هذه المفاهيم الخاطئة على
حساب قلب المفاهيم الشرعية.
وأكد
الدكتور سعد بن مطر العتيبي في ختام حديثه على أن مصادر التشريع في الإسلام خمسة
مستدلا بقول الله سبحانه وتعالى:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
ويشير
الشيخ العتيبي إلى أن مبدأ تحديد السلطات بثلاثة سلطات وفقا للرؤية التي تطرحها
فلسفة الديمقراطية،يناقض الإسلام، لأن الديمقراطية ترى وجوب الفصل بين "السلطة
التشريعية، والتنفيذية، و القضائية" بينما الإسلام لا يقر بوجود سلطة تشريعية على
الأرض سوى سلطة الله عز وجل، لأن الله عز وجل هو المشرع وليس البشر، وذكر أن هذا
مبدأ علماني ولا يجب التعاطي معه.