تأتي نتائج الانتخابات السويدية في وقت تستعد فيه السويد لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الأول من يناير ولإنجاز آلية ترشيحها التاريخي للانضمام إلى الحلف الأطلسي وهو ما يعني أن تلك الحكومة اليمنية المتطرفة ستكون على رأس الاتحاد الأوروبي.
مثل العقد الأخير صعودًا بارزًا لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، مر هذا الصعود من
مشاركة ضعيفة لتلك الأحزاب لا تقوى على التمثيل في البرلمان إلى أن باتت إحدى أكبر
الكتل البرلمانية، لكنها لم تستطع أن تحصد الأغلبية وتصل إلى المشاركة في الحكم،
إلا أن الانتخابات البرلمانية التي أعلنت نتائجها منذ أيام في السويد شكلت صدمة
انتخابية حيث فاز ائتلاف يضم عددًا من الأحزاب من اليمين واليمين المتطرف بنتائج
الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 11 سبتمبر 2022. يحدث هذا في واحدة من أكثر
البلدان الأوروبية انفتاحًا، صحيح أن الفوز جاء بفارق ضئيل لم يتعد ثلاثة مقاعد حيث
حصد ائتلاف المحافظين الذي يضم أحزابًا من اليمين واليمين المتطرف على 176 مقعدًا
مقابل 173 مقعدًا للأحزاب اليسارية، إلا أنه مكن هذا الائتلاف من إسناد تشكيل
الحكومة الجديدة إليه.
أحد أعضاء هذا الائتلاف الفائز هو حزب اليمين المتطرف "ديموقراطيي السويد" والذي
تشكّل من فلول النازيين الجدد، ودخل البرلمان للمرة الأولى عام 2010، وفاز بـ5,7
بالمئة من الأصوات ثم ارتفعت حصته إلى 17.5 في المائة في انتخابات عام 2018م. أما
في النسخة الأخيرة للانتخابات وتحت زعامة جيمي أكيسون نجح في حصد 20.7 % وبذلك أصبح
أكبر أحزاب اليمين، وثاني أحزاب البلاد.
يقوم الخطاب السياسي لهذا الحزب على رفض الهجرة واستقبال اللاجئين التي يتهمها
بأنها وراء ارتفاع معدلات الإجرام والاغتيالات في السويد. ومحاولة تغيير الهوية
المسيحية للبلاد.
إثر هذه الهزيمة التي حُسمت بفارق ضئيل جدًا، وبالرغم من إحراز حزبها الاشتراكي
الديمقراطي نتيجة جيدة، قدمت رئيسة الوزراء ماغدالينا أندرسون استقالتها تاركة
المجال للائتلاف الجديد لتشكيل الحكومة.
تأتي نتائج الانتخابات السويدية في وقت تستعد فيه السويد لتولي الرئاسة الدورية
للاتحاد الأوروبي في الأول من يناير ولإنجاز آلية ترشيحها التاريخي للانضمام إلى
الحلف الأطلسي وهو ما يعني أن تلك الحكومة اليمنية المتطرفة ستكون على رأس الاتحاد
الأوروبي.
|
تأكد تلك الانتخابات أن اليمين المتطرف صعد من كونه تيارًا هامشيًا لا يحظى
بموضع قدم في أوروبا، إلا أنه بات الآن أقوى وأكبر الأحزاب، وأصبحت أوروبا
قاب قوسين أو أدنى أن تحكم من قبل هذا التيار. |
في إشارة إلى هذا التحول، وجه رئيس المفوضية الأوروبية السابق جون كلود يونكر في
آخر خطاباته حول حالة الاتحاد (عام 2018 ) سهام نقده لما وصفها بـ"القومية غير
الصحية" في القارة، مضيفًا أن "حب الوطن فضيلة. ولكن النزعة القومية الخارجة عن
السيطرة مليئة بالسم والخداع".
اليميني المتطرف والصعود المستمر:
كذلك كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا، حيث انحصرت المناسفة الرئاسية بين
ماكرون وماري لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا والتي حظيت بأعلى نسبت تصويت بين
المترشحين للرئاسة مع رئيس فرنسا الحالي ماكرون. الذي حسم السباق الانتخابي في
الأخير لصالحه، لكن من يدري ربما تكون فرنسا على موعد مع رئيس يميني متطرف في
الانتخابات الرئاسية القادمة.
كما باتت إيطاليا هي الأخرى على موعد مع هذا السياق حيث يتصدر ائتلاف بين اليمين
واليمين المتطرف أيضًا استطلاعات الرأي قبل انتخابات مقررة في 25 سبتمبر. تتوقع
استطلاعات الرأي حصول حزب اليمين المتطرف "إخوان إيطاليا" على نسبة 24 في المائة من
الأصوات في الانتخابات البرلمانية القادمة، ما سيعطي الفرصة لرئيسته جورجيا ميلوني
لتزعم حكومة ائتلاف يميني.
وقد وُجهت انتقادات إلى حزب "إخوان إيطاليا" بسبب أصوله التي تعود إلى الحركة
الاجتماعية الإيطالية التي أسسها فاشيون سابقون في أعقاب الحرب العالمية الثانية،
ولسياساته المعادية بشدة للهجرة. ولا يزال رمز الحزب يحتوي على شعار الحركة الفاشية
(الشعلة ثلاثية الألوان).
يشار إلى أن ميلوني أعربت عن رغبتها في إغلاق الموانئ الإيطالية أمام المهاجرين
القادمين من ليبيا. ولميلوني روابط بأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، كحزب التجمع
الوطني الفرنسي وحزب فوكس الإسباني، وكذلك اليمين الأمريكي، وسبق وأن أعربت عن
إعجابها برئيس وزراء المجر الشعبوي فيكتور أوربان.
وقد تحدث كل من سالفيني وميلوني مرارًا عن أن هدفهما هو حماية تراث أوروبا المسيحي
من خلال حماية حدودها من تدفق المهاجرين[1].
ولكن بغض النظر عن الأسباب، فإن هذا الصعود أدى إلى تعميق الانقسامات في المجتمعات
الأوروبية بين المعسكر "الليبرالي" والمعسكر اليميني الذي يعارض أي شكل من أشكال
التعددية ويسعى إلى الحفاظ على ما يعتبره قيمًا تقليدية ترسم ملامح هويته المسيحية.
وسوف تشكل نتيجة تلك الانقسامات، برأي مراقبين، مستقبل الهجرة إلى أوروبا، فضلاً عن
مستقبل الاقتصاد الأوروبي، ومستقبل الاتحاد الأوروبي نفسه.
اليميني المتطرف وتداعيات الصعود
جاء صعود هذا التيار على وقع أزمة تجتاح المجتمعات الأوروبية يشكل بعدها الاقتصادي
قوامها بازدياد معدلات البطالة وارتفاع مستوى الأسعار، حيث تم إلقاء تهمة الفشل
الاقتصادي على وجود المهاجرين واللاجئين، أما بعدها الآخر فهو حالة التردي المجتمعي
التي يعيشها المجتمع الغربي، حيث تعاني أوروبا حالة من التفكيك على كافة مستويات
البنى الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة التي تعرضت لحالة انهيار شبه تام وهو الأمر
الذي أثر على انخفاض معدل المواليد، وازدياد معدلات الجريمة، وفي الوقت الذي تدعم
فيه الأحزاب اليسارية الأقليات والمهاجرين فإنها في الوقت نفسه تدعم الحريات
الجنسية والإجهاض والمثلية، وهو الأمر الذي باتت تضج منه المجتمعات الغربية بشكل
عام.
ومع صعوبة وضع تعريف محدد لليمين المتطرف، ولكن السمة الرئيسة الغالبة على الجماعات
والأحزاب المنضوية في إطاره، سواء كانت راديكالية تعمل في إطار عملية ديمقراطية أو
أخرى معارضة لها، هو الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد
مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على
الهوية الوطنية - من ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.
لذا فليس من المستبعد أن ينجذب الناخب الأوروبي إلى تلك الأحزاب الذي ترفع شعار
القومية وترفض وجود المهاجرين كما أنها تعارض انتشار قوانين الإجهاض والمثلية.
|
أضف إلى ذلك روح العدائية المستبطنة في الوجدان الجمعي لدى المجتمعات
الأوروبية التي عاشت قرونًا طويلة تتغذى على العداء تجاه الإسلام والمسلمين |
ورغم صعود العلمانية في العقود الأخيرة إلا أنها لا تمثل إلى قشرة أو غلالة رقيقة
فوق ركام من الأحقاد الدفينة.
وفي الأخير ورغم فزع كثير من المحللين الأوروبيين من سيناريوهات صعود اليمين
المتطرف على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد حيث يرون أن صعود اليمين
المتطرف يعني ازدياد حالة الركود الاقتصادي وعلى المستوى المجتمعي يعني تفشي
الانقسام المجتمعي وغياب الاستقرار، أما بالنسبة لمسلمي أوروبا فإن صعود اليمين
المتطرف يشكل كابوسًا للمسلمين إذ تشرع تلك الأحزاب فور وصولها للسلطة أو المشاركة
فيها بسن قوانين من شأنها التضييق على المسلمين سواء في ممارستهم العبادات ومنع
بناء المساجد أو حظر الحجاب في المجال العام، فضلاً عن عمليات التهجير وإعادة
اللاجئين إلى بلادهم.
وفي الوقت الذي تتجه المجتمعات الأوروبية لدعم هويتها المسيحية، إلا أن نخبنا
السياسية والمرتزقة من حولها يحدثوننا عن العلمانية ونبذ الهوية الدينية ويقولون
لنا لا دين للدولة ولا تقدم لنا إلا بحصاره في المجال العام، وهكذا تقدم الغرب،
ويأتي كبير الغرب يكذبهم فيقسم على الحفاظ على الهوية المسيحية لبلاده. هكذا أقسم
الملك الجديد "تشارلز" لبريطانيا عند توليه العرش.
إنها هويتنا الإسلامية التي لو حافظنا عليها في بلادنا ما اضطر شبابنا أن يبحث عن
أحلامه المغتالة عند بائعي الأعراض أعداء الإنسانية. ينتظرون في ضعف نتائج انتخابات
الغرب، ويخافون في الوقت نفسه أن يعودوا إلى بلادهم، وما بين ضعف وخوف قد يُخرج
الله جيلاً يمحو ركام هذا الوهن ويعيد للأمة أيام عزتها من جديد، وما ذلك على الله
بعزيز.
[1]
https://www.bbc.com/arabic/world-62871139