أي هجوم صيني على تايوان، التي تقع على بعد 100 ميل فقط من ساحل البر الرئيسي للصين، سيتطلب قدرات عسكرية ساحقة، وحتى لو سيطرت القوات الصينية على الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، فإن الحرب ستهز اقتصاد الصين وعلاقاتها الدولية بشدة
لم تسفر المكالمة المطولة بين الرئيسين الأمريكي والصيني، جو بايدن وشي جين بينغ،
والتي استمرت لأكثر من ساعتين، عن نتيجة واضحة من شأنها تقليل حدة التوتر بين
البلدين بشأن جزيرة تايوان، إذ حذّر شي نظيره الأمريكي من "اللعب بالنار" فيما
يتعلق بتعزيز العلاقات مع تايوان، وزيادة وتيرة زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى
الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، لم تعط الحكومة الصينية في بيانها الصادر في
أعقاب المكالمة أي إشارة إلى أن شي وبايدن ناقشا الخطط المحتملة لرئيسة مجلس النواب
الأمريكي، نانسي بيلوسي، التي من المحتمل أن تزور تايوان خلال الفترة المقبلة خلال
جولة آسيوية، إلا أن البيان أكد على التزام الصين بحماية سيادتها الوطنية وسلامة
أراضيها، وأن هذا التوجه يمثل الإرادة الراسخة لأكثر من 1.4 مليار صيني، تشير اللغة
القاسية من الرئيس الصيني خلال مكالمته مع بايدن، والذي يحاول عادة أن يبدو فوق
الخلافات السياسية ويدلي بتعليقات دبلوماسية عامة خلال محادثاته مع القادة الأجانب،
إلى أن القادة الصينيين يعتقدون أن واشنطن لا تزال غير مدركة لجدية التحذيرات
الصينية السابقة بشأن تايوان، فهل ستكون الجزيرة الواقعة في بحر الصين سببًا
لاشتعال حرب طويلة الأمد بين بكين وواشنطن؟
انقسمت تايوان والصين في عام 1949 بعد حرب أهلية انتهت بانتصار الشيوعيين في البر
الرئيسي للصين، ليس بين الجانبين الآن علاقات رسمية وطيدة ولكنهما مرتبطان بمليارات
الدولارات من التجارة والاستثمارات، قد يتماهى الجانبان حول فكرة أنهما دولة واحدة،
لكنهما يختلفان حول هوية الحكومة التي يحق لها قيادة الجزيرة التايوانية. يحاول شي،
الذي يتولى السلطة في الصين منذ عام 2012، كسر التقاليد ومنح نفسه فترة ولاية ثالثة
لمدة 5 سنوات كزعيم للحزب الشيوعي الحاكم، نجح شي في تنمية اقتصاد البر الرئيسي
للصين ليصبح ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة، طيلة السنوات الماضية ضخ مئات
المليارات من الدولارات في تطوير ترسانة بلاده العسكرية، وأضاف المئات من الطائرات
المقاتلة والعديد من الأسلحة الأخرى عالية التقنية إلى صفوف قواته، بما في ذلك
تدعيم القوات البحرية الصينية لمنع البحرية الأمريكية من المساعدة في الدفاع عن
تايوان، إذا ما قررت بكين غزو الجزيرة، كما تعهد شي بقيادة ما أسماه "التجديد
العظيم للأمة الصينية"، بما في ذلك إخضاع تايوان لسيطرة بكين، إلا أن سياساته
المتشددة في الحكم من غير المرجح أن تجعل تايوان توافق عن طيب خاطر على شروط الصين،
خاصة بعد أن خنق شي الحريات السياسية في هونغ كونغ.
بالرغم من أن الولايات المتحدة تعترف بسياسة "الصين الواحدة"، في إشارة إلى أن البر
الرئيسي للصين وتايوان دولة واحدة، ورغم تأكيدات إدارة بايدن المتكررة بأن الولايات
المتحدة لا تدعم استقلال تايوان عن الصين، فإن واشنطن تقيم علاقات تجارية واسعة
وعلاقات سياسية غير رسمية مع تايبيه، ومن فترة لأخرى يذهب بعض المسؤولين إلى هناك
في زيارات تصفها بكين دائما بالاستفزازية، وبالرغم من أن رئيسة مجلس النواب
الأمريكي لم تؤكد بعد ما إذا كانت ستذهب إلى تايوان أم لا، لكنها إذا قررت السفر
إلى تايبيه، فإنها ستكون أعلى مسؤول أمريكي منتخب يزور تايوان منذ رئيس مجلس النواب
السابق، نيوت جينجريتش، الذي زارها في عام 1997، لكن الصراع حول زيارة بيلوسي
المحتملة أكثر حساسية بالنسبة لبكين لكونه يكرّس تعامل تايوان بشكل مستقل مع حكومات
ومسؤولي دول العالم، في هذا الإطار أرسل جيش التحرير الشعبي الصيني أعدادًا متزايدة
من الطائرات المقاتلة والقاذفات للتحليق بالقرب من تايوان في محاولة لترهيب حكومتها
المنتخبة ديمقراطيًا، ولإرسال رسائل للخارج بأن بكين يمكنها السيطرة على الأمور في
أي لحظة متى اقتدت الأمور.
في تايوان، عززت الاستفزازات العسكرية الصينية من الدعم السياسي الخارجي لتايوان،
حيث سعى قادتها إلى إقامة علاقات مع الدول المجاورة التي تشعر بالقلق بشكل متزايد
من الصين أيضا، كما دأبوا على تعزيز قدراتهم الدفاعية ومكانة جزيرتهم الدولية، على
أمل تأخير أو منع التدخل العسكري الصيني، إلا أن الاستعداد العسكري التايواني غير
واضح، خاصةً بعد أن ألغت حكومة تايوان التجنيد الإجباري لمعظم الشباب، مما أدى إلى
تدهور حالة جيشها بشكل مطرد، وبعد عقود من تأييد الرأي القائل بأن الجزيرة ليست
بحاجة إلى الحفاظ على حالة تأهب عسكري عالية، هناك الآن أصوات كثيرة تطالب بالتخلي
عن هذا التوجه فورًا وإعادة هيكلة وتدريب القوات العسكرية للجزيرة لتكون مستعدة
لكافة الاحتمالات، خاصةً بعد قيام وزارة الدفاع التايوانية بإجراء تقييم داخلي
لقدرات الجيش الصيني، والذي أظهر على سبيل المثال أن الجيش الصيني طوّر قدرات خاصة
على شلّ الاتصالات حول الجزيرة مما يعيق وصول التعزيزات الأمريكية إليها، وقد صرّح
وزير الدفاع التايواني، تشيو كو تشينج، أمام برلمان تايوان، قائلًا: "هذه حقا أسوأ
الأوقات التي رأيتها خلال أكثر من 40 عامًا من العمل في الجيش التايواني، الصين
باتت لديها بالفعل الوسائل الكاملة لغزو تايوان، ونحن نفتقر للدفاع الحقيقي عن
أنفسنا".
في ظل الغزو الروسي المستمر الآن للأراضي الأوكرانية، والمساعدة الفاترة من الدول
الغربية لحكومة كييف، تلك التي تحافظ على حالة الصراع قائمًا ومستعرًا دون وجود أي
مؤشرات لإنهائه، فإن الأسئلة تتكاثر حول مدى إمكانية وقوف الدول الغربية، وفي
مقدمتها الولايات المتحدة، في مساندة تايوان، إذا ما قررت الصين غزوها على غرار ما
فعلت روسيا مع أوكرانيا، ففي السيناريو الأكثر إثارة للقلق، ستشن بكين هجومًا
صاروخيًا مفاجئًا، ليس فقط على دفاعات تايوان ولكن ربما أيضًا على القوات البحرية
والجوية الأمريكية المتمركزة في بعض القواعد الواقعة في غرب المحيط الهادئ، من
الخطأ التنبؤ بحرب قصيرة ومحددة جغرافيًا على تايوان في حالة حدوث غزو صيني
لتايوان، إذ من المرجح أن يكون الصراع طويل الأمد. لم تصل الأمور إلى ذروتها من قبل
سوى ثلاث مرات؛ في عام 1955، تبادلت القوات الصينية والتايوانية إطلاق النار بعد أن
قصف الجيش الصيني الجزر البحرية التي تسيطر عليها تايبيه، وفي عام 1958، انتصرت
تايوان في معركة بحرية أثارتها بعد جولة أخرى من قصف الصين للجزر البحرية، وبعد 40
عامًا تقريبًا حدثت ما يسمى بأزمة مضيق تايوان الثالثة، حيث أطلقت بكين عددًا من
الصواريخ على المياه قبالة الأطراف الشمالية والجنوبية للجزيرة، وذلك بعد أن سمحت
واشنطن لرئيس تايوان آنذاك، لي تنغ هوي، بزيارتها في عام 1995، وفي مرة أخرى عندما
أرادت الصين تحذير تايوان من انتخاب رئيس مؤيد للاستقلال في عام 1996، ردت الولايات
المتحدة على الفور بإرسال سفن حربية إلى المنطقة المجاورة في أكبر عرض لقوتها
العسكرية في آسيا منذ حرب فيتنام، حينها هدأ الجانب الصيني ولم يُقدم على أي خطوة
استفزازية، لكن الصين في عام 1996، لم يكن لديها أي وسيلة لإغراق حاملة طائرات، أما
اليوم فلديها صواريخ متطورة يمكنها فعل ذلك.
أي هجوم صيني على تايوان، التي تقع على بعد 100 ميل فقط من ساحل البر الرئيسي
للصين، سيتطلب قدرات عسكرية ساحقة، وحتى لو سيطرت القوات الصينية على الجزيرة التي
يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، فإن الحرب ستهز اقتصاد الصين وعلاقاتها الدولية
بشدة، هذا بخلاف الخسائر البشرية الكبيرة، يخشى القادة الصينيون أن يؤدي الدعم
الأمريكي لتايوان إلى ترسيخ الاتجاهات المؤيدة لاستقلالها، وبالرغم من أن التحركات
الأمريكية لا تعدّ جديدة تمامًا، لكن في ظل تعمق العداء المتبادل، ترى بكين أن
واشنطن تزيد من استراتيجيتها العدوانية بشكل كبير لاحتواء الصين عبر استخدام ورقة
تايوان، يخشى القادة الصينيون أيضا من أن أي استخدام ولو محدود للقوة من قبل بلادهم
الآن قد يعزز فرص فوز مرشح أكثر راديكالية، ومؤيد لاستقلال تايوان في الانتخابات
الرئاسية المقبلة في عام 2024. لكن الصينيون يدركون أيضا أن دفاع التايوانيين عن
أنفسهم لن يكون كدافع الأوكرانيين الأكثر عددًا وعتادًا، كما أن إمداد تايوان
بالأسلحة سيكون أصعب بكثير على الغرب من إمداد أوكرانيا الملاصقة لهم والتي تشترك
في حدود برية طويلة معهم، يعلم الصينيون أيضا أن التكاليف الاقتصادية لفرض عقوبات
على بكين ستكون أعلى بالنسبة للغرب من فرضها على روسيا، والحرب المطولة على تايوان
قد تكون مدمرة للاقتصاد العالمي أكثر من الحرب التي طال أمدها على أوكرانيا حتى
الآن، فمن شأن الحرب حول جزيرة تايوان أن تحول أجزاء من المنطقة الأكثر ديناميكية
من الناحية الاقتصادية على وجه الأرض إلى منطقة خالية من السفن بعد تهديد ممرات
الشحن البحري الحيوية التي ربما يمر من خلالها ثلث حركة المرور المحمولة بحرًا في
العالم.
لأكثر من 70 عامًا، أبقى الزعماء الشيوعيون للصين على مطالبهم بالتمسك بتايوان كجزء
من بلدهم، وتعهد كل منهم منذ ماو باستيعابها، لكن شي هو أول من يقود جيشًا قويًا
بما يكفي لجعل التوحيد القسري أمرًا ممكنًا، وإن كان لا يزال تحقيق ذلك مهمة صعبة،
لقد أصبحت تايوان في قلب الخلاف المتعمق بين الصين والولايات المتحدة، وبات مصير
الجزيرة لديه القدرة على إعادة تشكيل النظام الإقليمي وحتى إشعال حرب عسكرية طويلة
عن قصد أو بغير قصد.