أشارت دراسة صادرة عن منظمة "عير عميم" الحقوقية المختصة في رصد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة، إلى أن الجماعات الصهيونية الفاعلة والتي تنادي بهدم الأقصى وقبة الصخرة وبناء الهيكل الثالث المزعوم، قد باتت منتشرة بقوة وتحظى بدعم حكومي وشعبي كبيرين
حين وُلِدَ الائتلاف الحاكم حاليًا في إسرائيل، والمسمى بكتلة التغيير، كانت عملية
تشكيله من 8 أحزاب متناقضة في أغلبها أشبه ما يكون بصياغة معادلة معقدة تجمع بين
المتناقضات، كان العامل المشترك الأوحد الذي جعل تلك الأحزاب تتجرع كأس السم كي
تتحالف هو إزاحة بنيامين نتنياهو عن منصب رئيس الحكومة الذي قضى فيه 12 عاماً
متوالية، لم تكن المهمة سهلة في ظل حقيقة الاختلافات الأيديولوجية العميقة بين
الأحزاب المشاركة فيه، لكن في النهاية أصبح نفتالي بينيت، زعيم حزب يمينا، رئيسًا
للحكومة التي يفترض أن تحكم الكيان الصهيوني لمدة 4 أعوام، على أن يتناوب بينت
المنصب مع يائير لابيد، زعيم حزب يش عتيد، في العامين الأخيرين من العمر الافتراضي
للائتلاف، إلا أن الائتلاف ومنذ توليه الحكم لا يزال يجابه العديد من الأزمات
والتحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما يجعل احتمال تفكك الحكومة
الإسرائيلية قائمًا بشكل كبير، لا سيّما في ظل تصاعد الهاجس الأمني في أعقاب
اقتحامات جماعات اليمين الصهيوني المتطرف للأقصى تحت حماية قوات الاحتلال،
والاستفزازات المستمرة، وهو ما انعكس برد فعل فلسطيني قوي من قِبل المقاومة، كانت
أخر صوره هي عملية "إلعاد"، التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 4 أخرين في
البلدة الواقعة قرب تل أبيب، ولم تستطع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الوصول إلى
منفذيها أو حتى معرفة هويتهم (حتى لحظة كتابة هذه السطور)، وهو ما يؤشر بأي حال إلى
عطب المنظومة الأمنية التي لطالما تفاخر الصهاينة بها وبقدرتها على منع المقاومة من
تنفيذ عملياتها في العمق الإسرائيلي.
شهدت الساحة الفلسطينية تصاعدًا في أعمال العنف خلال الشهر الماضي، في ظل تصعيد
القوات الإسرائيلية للاعتقالات والغارات في الضفة الغربية المحتلة ومهاجمتها
للفلسطينيين في القدس، حيث ينظر الفلسطينيون إلى الاقتحامات اليهودية للأقصى والتي
تتم بمرافقة الشرطة على أنها استفزاز يحرض في كثير من الأحيان على المواجهات
العنيفة، ولا شك أن عملية "إلعاد" تعدّ نموذجًا جديدًا على ردود الفعل حيال
الاستفزازات الإسرائيلية، لقد بدأت الاجتياحات الإسرائيلية للحرم القدسي الشريف منذ
العام 1967، بعد وقت قصير من بدء الأردن عمله كوصيّ على المكان ضمن الأوقاف
الإسلامية التي يتكفل بصيانتها وترميمها، ففي نفس العام دخل الجنرال مردخاي غور،
نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، إلى البلدة القديمة واستولى عليها وأطلق عبارته
الشهيرة "جبل الهيكل في أيدينا" في اليوم الثالث من حرب 67، رفع غور العلم
الإسرائيلي من على قبة الصخرة، وأحرق نسخًا من القرآن الكريم، ومنع المصلين من
الصلاة في الأقصى، توالت الاقتحامات للحرم القدسي الشريف وصولًا إلى عام 2000، حين
قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية وجرحت العشرات من المصلين في الأقصى بعد أن اقتحم
أرييل شارون، المسجد، برفقة تواجد أمني مكثف، وهو ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة
الثانية التي استمرت 5 سنوات وأودت بحياة آلاف الفلسطينيين، في أعقاب الانتفاضة
بدأت عمليات التوغل الإسرائيلية بشكل يومي في شكل جولات تحميها الشرطة، يخشى
الفلسطينيون من أن هذه الزيارات تهدف إلى تقسيم المسجد بين مسلمين ويهود على غرار
تقسيم المسجد الإبراهيمي في الخليل في التسعينيات، ولإنهاء تلك التوغلات التدنيسية
للمسجد، ينظم الفلسطينيون بانتظام اعتصامات في داخله، يرابطون بالساعات والأيام
لمنع اليهود من دخوله، لا سيما في فترات الأعياد اليهودية، خاصة ما يُطلقون عليه
عيد الفصح اليهودي.
أشارت دراسة صادرة عن منظمة "عير عميم" الحقوقية المختصة في رصد الانتهاكات
الإسرائيلية في القدس المحتلة، إلى أن الجماعات الصهيونية الفاعلة والتي تنادي بهدم
الأقصى وقبة الصخرة وبناء الهيكل الثالث المزعوم، قد باتت منتشرة بقوة وتحظى بدعم
حكومي وشعبي كبيرين، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن أكثر من 15 ألف يهودي يزورون
الحرم القدسي كل عام، وأن جهات إسرائيلية عديدة بدأت في السنوات الأخيرة تضع مجسمات
ضخمة للقدس تستبدل فيها قبة الصخرة بالهيكل المزعوم، هذا التغيير الخطير في الرؤية
المكانية والدينية بدأ غداة توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، والخوف من إنجاز تسوية
مع العالم الإسلامي تشمل تنازلًا عن جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف)، وهو ما دفع
العديد من الجهات الرسمية والمجتمعية في الكيان الإسرائيلي إلى تكريس التعليم
والإعلام للتأكيد ضرورة بناء الهيكل مهما تكلف الأمر من تضحيات، ومما يدعم هذا
التوجه أيضا تكثيف الاقتحامات لباحات الحرم القدسي، وقد صادقت حكومة بينيت قبل عدة
شهور على خطة خمسية لتحديث البنية التحتية وتشجيع الزيارات اليهودية لحائط البراق
الملاصق للمسجد الأقصى بمدينة القدس الشرقية بقيمة 35 مليون دولار، حيث تشمل الخطة
تعزيز خدمات النقل والارتقاء بها وصياغة وسائل جديدة للوصول إلى الحائط الغربي من
خلال منصات تكنولوجية حديثة، وتحفيز زيارات الطلاب والمهاجرين والجنود إلى المكان.
تعكس عملية "إلعاد" حالة فقدان الأمن الشخصي للإسرائيليين، وهو ما يدفعهم في
النهاية إلى عدم الثقة بحكومة بنيت، ولا بالأجهزة الأمنية لدولتهم المزعومة، خاصةً
وأن هذه هي العملية السابعة التي تحدث خلال ما لا يزيد على شهرين، وقد أثارت
العملية العديد من الاتهامات لحكومة بينيت بالعجز وقلة الخبرة في إدارة الملف
الأمني. من جهة أخرى فإن بنيامين نتنياهو لم يفقد وهجه وجاذبيته كزعيم لليمين، ولم
يفوت هذا الوضع الذهبي بالنسبة له كي يدق مزيدًا من المسامير في نعش حكومة بينيت،
إذ كثّف من دعواته لأنصاره إلى بالمطالبة بـ "الإطاحة بالحكومة وتشكيل حكومة يمين،
حان وقت الوحدة والعودة إلى الوطن، وتنحية كل رواسب الماضي جانبا والعودة إلى
المعسكر الوطني، هذه الحكومة ضعيفة وتضر بالهوية الوطنية لإسرائيل، يجب أن ترحل
لأنها تجفف الاستيطان وضعيفة أمام إيران"، كما أغرى أعضاء أحزاب اليمين في حكومة
بينيت بقوله: "بابنا مفتوح لكل من تم انتخابه بأصوات اليمين ويريد إعادة إسرائيل
إلى طريق الانتصار"، ملّمحًا إلى إعطاء بعضهم مناصب وزارية في حالة وصوله مجددًا
إلى رئاسة الحكومة.
تفاخر بينيت بأنه هو من قرر السماح باستئناف اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد
الأقصى والصلاة فيها فورًا مع انتهاء موسم عيد الفطر المبارك، متجاهلًا التحذيرات
الأمنية ومتحديًا جميع الدعوات التي أطلقتها بعض الجهات الفاعلة في القضية
الفلسطينية من أجل الحفاظ على حالة التهدئة القائمة، قرار بينيت لا يمثل تحديًا
للوضع التاريخي القانوني القائم فحسب، بل ربما قد يدفع باتجاه فرض واقع جديد،
فسياساته التي تقود لإشعال حرب دينية في المدينة المقدسة، تجعل الوضع الأمني على
وشك الانفجار، وإذ يشكل الأمن الأولوية الأولى للإسرائيليين فإن فقدانه أو زعزعته
في الوقت الراهن قد يعجل بانهيار حكومة بينيت، وفي ظل الحديث عن استقالات محتملة من
الائتلاف الحاكم، بدأت تلوح بالأفق عدة سيناريوهات؛ من بينها سقوط الحكومة والعودة
إلى الانتخابات المبكرة، أو تشكيل اليمين لحكومة جديدة، أو ربما بقاء الحكومة لكنها
لن تتمكن من تمرير أي تشريع في الكنيست، بسبب فقدانها الأغلبية المطلوبة، وهو ما
يجعلها تدخل في حالة شلل قد تنتهي باستقالتها والعودة إلى صناديق الانتخاب مجددًا،
فهل ستكون اقتحامات الأقصى هي القشة التي قصمت ظهر حكومة بينت وأفشلت ائتلافه
الحاكم؟!