• - الموافق2024/04/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أوصاف القرآن الكريم  ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾

ولا يُربى الأطفال والشباب والفتيات على القرآن الكريم إلا أكسبهم ذكاء ومعرفة وعلما وحكمة، ووسع مداركهم، وزاد في معارفهم، وحسن أخلاقهم، وجمل سجاياهم، وأعلى هممهم، فلا تجدهم إلا حيث تكون معالي الأمور، وكريم الأخلاق

  

الحمد لله الرحيم الرحمن، الكريم المنان؛ امتن على عباده بشعيرة الصيام، واختص بجزائه من بين سائر الأعمال، وأنزل القرآن في رمضان ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يقبل تائبا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، وهو الغني الحميد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان «أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واغتنموا ما بقي من الشهر الكريم؛ فقد ذهب شطره، وبقي شطره الأخير، والشطر كثير، وما بقي منه خير مما مضى منه؛ إذ فيما بقي عشره المباركة، التي اختصت بليلة القدر ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 2 - 5].

أيها الناس: شهر رمضان شهر القرآن، فيه يتلى آناء الليل وآناء النهار، وتضيء المساجد في ليله بالقيام. وللقرآن أوصاف كثيرة جاءت في آياته الكريمة، ومن أوصافه أنه كتاب حكيم، وجاء هذا الوصف للقرآن في آيات عدة، قال الله تعالى ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 58]، وقال تعالى ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس: 1]، وأقسم الله تعالى بالقرآن على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واصفا إياه بأنه حكيم فقال تعالى ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس: 1 - 5]، وقال تعالى ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: 3 - 4].

ولا عجب أن يوصف القرآن بأنه حكيم؛ لأنه كلام الله تعالى، وهو سبحانه الحكيم، والحكمة تصدر من الحكيم، قال الله تعالى ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: 52]، وقال تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: 6]، وقال تعالى ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]، وقال تعالى ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الجاثية: 2].

ووصف القرآن بأنه حكيم؛ لأنه كتاب محكم؛ «أُحكم وأتقن فليس فيه فضول ولا مالا يفيد»، ومن هذا المعنى قول الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: 7]، وقوله تعالى ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]. ولإحكامه ليس فيه تناقض ولا اختلاف ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].

ووصف القرآن بأنه حكيم لأنه الحاكم، «وَالْقُرْآنُ حَاكِمٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَحْكَامَ تُسْتَفَادُ مِنْهُ» ومنه قول الله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ [الرعد: 37]. ولذلك أمر الله تعالى باتباعه وترك أهواء البشر؛ لأنه العلم الذي يحتاج الناس إليه، وهو الحكم فيما اختلفوا فيه، فقال سبحانه ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ [الرعد: 37]. ومنه أيضا قوله تعالى ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: 114]، «أي: موضَّحا فيه الحلال والحرام، والأحكام الشرعية، وأصول الدين وفروعه، الذي لا بيان فوق بيانه، ولا برهان أجلى من برهانه، ولا أحسن منه حكما، ولا أقوم قيلا؛ لأن أحكامه مشتملة على الحكمة والرحمة». قال تعالى ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، «أي: لا أحد أحسن من الله حكما».

ووصف القرآن بأنه حكيم؛ لما فيه من الحكمة الكثيرة في أحكامه وقصصه وأخباره ومواعظه، ولا عجب أن تذيل كثير من الأحكام في القرآن باسم الله العليم واسمه الحكيم واسمه الخبير؛ لأن أحكام القرآن من لدن عليم حكيم خبير، وختم الله تعالى أحكام الزنا والقذف وقصة الإفك بقوله سبحانه ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 18]، وختم أحكام الاستئذان والخلوة بالأهل بقوله تعالى ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 59]، وختم سبحانه أحكام التناكح والفراق بين المؤمنين والكفار بقوله سبحانه ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الممتحنة: 10]. ولما ذكر الله تعالى جملة كبيرة من الأوامر والنواهي والأحكام الشرعية في سورة الإسراء ختمها بقوله سبحانه وتعالى ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ [الإسراء: 39]. ونظائر ذلك كثيرة في القرآن الكريم.

والحكمة هبة من الله تعالى يهبها من شاء من عباده، والقرآن كتاب الله تعالى وهو كتاب حكمة، فالحكمة في أهل القرآن الذين يدمنون قراءته ويتدبرونه ويعملون به، قال الله تعالى ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 269].

والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل ليعلم الناس الحكمة التي تخرجهم من جاهليتهم وظلامهم وضلالهم إلى أنوار الوحي، وعلوم الحكمة؛ كما في قوله تعالى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]. وهذه الآية تدل على أنه لا يكتفى بالقرآن عن السنة؛ إذ السنة وحي وحكمة كالقرآن، فمن زعم أنه يأخذ بالقرآن وحده فقد ترك القرآن، ونبذه وراءه ظهريا؛ لأن القرآن أحال على السنة، وكُرر فيه وجوب طاعة الرسول في أكثر من ثلاثين موضعا.

ولا يلزم عبد القرآن الكريم قراءة وتدبرا وعملا إلا جرت الحكمة على لسانه، وظهرت الحكمة في أفعاله، وملئ حكمة وعلما؛ فالقرآن يؤدب صاحبه ويربيه ويعلمه، ويوسع عقله ومداركه؛ ولذا قالت عائشة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن»، أي: أنه من كثرة تلاوته وتدبره والعمل به تخلق بأخلاق القرآن.

ولا يُربى الأطفال والشباب والفتيات على القرآن الكريم إلا أكسبهم ذكاء ومعرفة وعلما وحكمة، ووسع مداركهم، وزاد في معارفهم، وحسن أخلاقهم، وجمل سجاياهم، وأعلى هممهم، فلا تجدهم إلا حيث تكون معالي الأمور، وكريم الأخلاق؛ وذلك أن القرآن كتاب حكمة، فيزداد به العقل حكمة، والحكمة هي: «فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي».

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يرفعنا بالقرآن في الدنيا والآخرة، وأن يبلغنا العشر المباركة، ويرزقنا فيها القوة على طاعته، والإخلاص في عبادته، إنه سميع مجيب.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: 28].

أيها المسلمون: أيام قلائل وتستقبلون عشرا مباركة هي أفضل ليالي رمضان، فضلت بليلة القدر التي أخبر الله تعالى أنها ليلة مباركة، وأنها خير من ألف شهر ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 3- 4]. قال جمع من السلف: «يُبْرَمُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلُّ أَجَلٍ وَعَمَلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ، وَمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ».

ولأجل ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إحياء ليالي العشر تحريا لليلة القدر؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» متفق عليه، وقَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» رواه مسلم.

وشُرع الاعتكاف فيها لأجل ذلك، واعتكف النبي صلى الله عليه وسلم، واعتكف أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم؛ تحريا لهذه الليلة العظيمة، ورجاء الفوز بها؛ فمن قامها وفاز بها وقبله الله تعالى فكأنما قام ثلاثين ألف ليلة، فياله من عمل قليل، وأجر كثير؛ فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرا، وفرغوا أنفسكم في ليالي العشر للزوم المساجد، ومصاحبة المصاحف، وطول التهجد، وتدبر الآيات، وكثرة الذكر والدعاء؛ فكم من الرحمات والعطايا والهبات تنزل في هذه الليالي المباركة، وكم يستجاب فيها من الدعاء، وكم يقبل فيها من الأعمال؛ فلا يظفر بها إلا موفق مرحوم، ولا يحرم منها إلا مخذول محروم، فجدوا رحمكم الله تعالى واجتهدوا، وأحسنوا الظن بالله تعالى مع حسن العمل، وارجوه سبحانه فإنه قريب من عباده ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

أعلى