فالشريعة الإسلامية لم تجعل شيء في فطرة الإنسان إلا وجعلت له قنوات شرعية طاهرة نقية فحينما نتحدث عن حب الرجل للمرأة فقد أوجدت له طريق الحلال وهو الزواج وفصلت شروطه وأحكامه في تفاصيل دقيقة شاملة
كثير ما يرد السؤال حول "هل الحُب في الإسلام حلال؟" فقبل أن أجيب على هذا السؤال
لابد من الحديث عن بعض مواقف الحُب في الإسلام، والتي من أجملها حُب المؤمن لله
تعالى حيث يقول الله عزوجل في كتابه العزيز: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا
لِّلَّهِ﴾
[البقرة:165].
ومن جمال الشريعة الإسلامية أنها مبنية على الحبُ، فحب الله تعالى وطاعته، ومحبة
الرسول(عليه أفضل الصلاة والسلام) هي عقيدة المسلم الصحيحة حيث يقول سبحانه وتعالى:
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
[آل
عمران:31].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ".
والعمل المُتقن من الأعمال التي يُحبها الله سبحانه وتعالى عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا
عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ" ليس ذلك فحسب؛ بل جعل حب الخير للغير
من الإيمان عَنْ أَنَسٍ(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"....فكل شيء مرتبط بالحُب وحينما نريد الحديث عن
الحُب بين الزوج وزوجته فخير الحديث بذلك عن الرسول(صلى الله عليه وسلم) وزُوجه
خديجة(رضي الله عنها) فمن المواقف التي تحمل الكثير من الحُب عندما كان رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) يرتجف لهول الأمر حينما نزل عليه جبريل (عليه السلام) في غار
حراء، فما وجد خطوات أقدامه إلا وقد ساقته إلى زوجته المحبة خديجة (رضي الله عنها)
فلم يذهب في هذا التوقيت إلى عمه أو إلى أصحابه رغم عظم الأمر؛ لأنه في هذه اللحظة
شعر أنه يحتاج إلى قلب من نوع أخر يحتويه، وهو قلب خديجة، فلم يجد في ذلك ضعف؛ بل
وجد القوة التي يحتاجها الزوج من زوجته في مثل هذه الظروف فقال لها:
"زملوني...زملوني".
فجاء مباشرة الاحتواء والشعور بالحنان والأمان من الزوجة الوفية، فهي لم تسأل ماذا
حل بك؟، لأنها تدرك أن زوجها في هذه اللحظة يحتاج الاحتواء لتهدأ وتطمئن نفسه، وما
إن شعر قلبه بهذا الحب والأمان حتى ذكرتهُ في جميل فعله، لتزيد من شعوره
بالاطمئنان:" أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث،
وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" حيث ذكرت محاسنه حتى تُسند قوته
أكثر وتهدأ نفسه أكثر فما حدث معه بالأمر العظيم.
في لحظات يحتاج الرجل قوة من نوع أخر لن يجدها عند الرجال، إنما سيجدها عند زوجته
المحبة، فهذا لن يضعف رجولته كما يتوهم البعض، بل هي الرجولة ذاتها التي يتنامى بها
الحب بين الزوجين في الشعور بالأمان المتبادل، ولنا في رسول (صلى الله عليه وسلم)
أسوة حسنة.
ومن صور الحب بين الزوجين التي ظهرت واضحة حينما سألوه " مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ
إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ "، وكان يشرب من ذات الإناء التي تشرب منه، بل ونفس
موضع فمها، رغم أنها حائض، ولما كانت تشتكي وجعًا كان يتلطف بها لطفًا خاصًا، ويضع
يده الشريفة على موضع ألمها، ويدعو لها.
هذا الحُب الذي نريد الحديث عنه، الحُب الجميل الحلال الطاهر العفيف الذي يجعل
البيوت دافئة مباركة مهما صعبت عليها ظروف الحياة فهي قوية بهذا الحُب الذي يُحبه
الله تعالى.
وحينما نجد صور الحُب فهي تتمثل في كافة علاقاتنا الطاهرة فهي تتمثل في الأسرة
المسلمة، بين حب الزوج لزوجته، وحب الأب والأم لأبنائهما، وحب الأخ لأخته، وحب الجد
لأحفاده.
وحب الصاحب لصاحبه في قوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنَا﴾
[التوبة:40].
والآن الإجابة على سؤال "هل الحُب في الإسلام حلال؟" إن كان الحُب الذي وصف سابقًا
فهو حب حلال طاهر يحبه الإسلام ويحثه عليه إما إن كان حُب لإرضاء شهوة بمخالفة شرع
الله تعالى فهو لا يجوز فالشريعة الإسلامية لم تجعل شيء في فطرة الإنسان إلا وجعلت
له قنوات شرعية طاهرة نقية فحينما نتحدث عن حب الرجل للمرأة فقد أوجدت له طريق
الحلال وهو الزواج وفصلت شروطه وأحكامه في تفاصيل دقيقة شاملة... فلا تبعث بقلبك
وقلب غيرك بالسير وراء الحرام بحجج واهية فالحلال بين والحرام بين.
"اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالْعَمَلَ الَّذِي
يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي
وَأَهْلِي وَالْمَاءِ الْبَارِدِ آمين"
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي بالعفو والمغفرة ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ
أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
[يوسف:21].
المصادر:
* الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسننه
وأيامه (صحيح البخاري) لمحمد بن إسماعيل البخاري.
* مسند أبي يعلى لأحمد التميمي المشهور بالموصلي.
* شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية لمحمد بن عبد الباقي المشهور
بالزرقاني.
* السنن الكبرى لأحمد بن الحسين المشهور بأبي بكر البيهقي.
*مسند الدارمي المعروف بـ (سنن الدارمي) لمحمد عبد الله الدارمي.