إنا نراك من المحسنين

إنا نراك من المحسنين

 

حين عاش يوسف عليه السلام في السجن كان شامة بين الناس في إحسانه إليهم وسمو أخلاقه معهم ؛ لذا جاءه الرجلان يستفتيانه في رؤياهما مستشهديْن بما عرفاه من حاله وإحسانه للناس . واستثمر يوسف عليه السلام هذا الموقف في دعوتهما إلى توحيد الله عز وجل وبيان حال ما هم عليه من الأرباب المتفرقين بعد أن وعدهما بتأويل رؤياهما ناسباً الفضل في ذلك إلى ربه عز وجل .

إن هذا الموقف تتجلى فيه أثر نظرة الناس إلى الداعية وإحسانه إليهم في قبولهم لدعوته وسماعهم لكلمته .

ولذا فقد كان سيد الدعاة وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم متمثلاً لهذا الجانب ، ومتصفاً بتلك الصفة .

تقول خديجة رضي الله عنها في وصفه : ( إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَلَّ ؛ وتُكسِبُ المعدومَ ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق )[1] والسيرة حافلة بأخبار من أسلموا متأثرين بما رأوا من حاله صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه .

وأخبر تبارك وتعالى أن العفو ودفع السيئة بالتي هي أحسن مدعاة لأن تنقلب حال العدو إلى صداقة : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34] .

لذا فالدعاة الذين يتأسون بمنهجه صلى الله عليه وسلم حري بهم أن يُعنوا بهذا الجانب ويهتموا به ، ومن ذلك :

1- الاهتمام بالناس ، والاعتناء بهم ، وقضاء حوائجهم ، والحذر من اعتبار ذلك وقتاً ضائعاً أو على حساب الدعوة إلى الله عز وجل ؛ وها هو النبي صلى الله   عليه وسلم يجد سعة لأن يهتم بحاجة رجل رقيق يريد العودة إلى زوجته ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن مغيثاً كان عبداً فقال : يا رسول الله ! اشفع لي إليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا بريرة ! اتقي الله ؛ فإنه زوجك وأبو  ولدك ) فقالت : يا رسول الله ! أتأمرني بذلك ؟ قال : ( لا ، إنما أنا شافع ) فكان دموعه تسيل على خده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : ( ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه ؟)[2]  .

2 - الاعتناء بالمحتاجين والفقراء وبذل المال لهم ، وإيصال زكوات المسلمين وصدقاتهم إليهم ، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم طائفة من الناس  وكانوا أهل حاجة نهى أصحابه عن ادِّخار لحوم الأضاحي من أجل أن يعينوا هؤلاء ، وحين قدم قوم من مضر رقَّ لما رآه من سوء حالهم ، فخطب أصحابه حاثاً   على الصدقة والإحسان والبذل في سبيل الله[3]  .

3 - أن يعتني الدعاة إلى الله بالمشروعات العامة التي تعين الناس وتيسر لهم أمورهم ، من خلال إنفاقهم وبذلهم ، أو الشفاعة لدى المحسنين ، أو رفع مطالبات الناس ومتابعتها في ذلك .

4 - السعي لإيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الناس ، والتي زادت حدتها في هذا العصر ، وعانى منها كثير من المسلمين ، كالمشكلات التربوية ، والمشكلات الزوجية ، والخلافات بين الناس ؛ وبخاصة أن كثيراً ممن يتصدون لهذه المشكلات ويطرحون آراءهم للناس فيها من خلال الصحف ووسائل الإعلام ليسوا من أهل الصلاح .

5 - المبادرة لإعانة الناس في الحوادث العامة والأزمات ، كالأعاصير والزلازل ونحوها ؛ وما رأيناه في أكثر من موقف من سعي الأعداء للحيلولة بين قيام الدعاة إلى الله بالأعمال الإغاثية في الأزمات لخير دليل على أهميتها وأثرها .



(1) رواه البخاري (4) ، ومسلم (160) .

(2) متفق عليه ، واللفظ لأبي داود (2231) .

(3) رواه مسلم (1017) .

 

أعلى