• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الأوبئة (هل كورونا مؤامرة؟)

الأوبئة (هل كورونا مؤامرة؟)


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 أيها الناس: ابتليت البشرية في هذا العام بوباء أثقل الدول، وغيّر حياة الناس، وقلب الأمور رأسا على عقب، ولا يعلم أحد متى يزول؟ وإذا زال هل يستجد مرة أخرى أم لا؟ كل ذلك في علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وأما البشر فيتوقعون ويتخرصون ويظنون، ولا يملكون يقينا في ذلك {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].

والبشر كذلك مختلفون في هذا الوباء هل هو صناعة بشرية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية؟ أم هو خطأ بشري كلّف الدول والأمم خسائر لا تحصر؟ أم هو تسليط رباني محض لا يد للبشر فيه بوجه من الوجوه؟ والناس يخوضون في ذلك ويحللون ويختلفون؛ لأن الأمر يمسهم، ويؤثر في حياتهم، فحق لهم أن يكون هو جل أحاديثهم.

ومن الناس من جعل الوباء صناعة بشرية عبر تطوير الفيروسات، واستخدامها في حرب جرثومية تدور رحاها بين الدول الكبرى، وأن نشره في الناس لإخضاع دول، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية فيما يعرف بالحرب الباردة بين أقطاب العالم المتنازعة.

ومن الناس من جعل الوباء تسربات غير مقصودة من معامل لتخزين الفيروسات وتعديلها ودراستها، كما تسربت الإشعاعات من مفاعل نووية في بعض الدول النووية.

ومن الناس من يرى أن الوباء مؤامرة على البشرية تهدف إلى تقليل أعداد البشر، باعتبار أن موارد الأرض وخيراتها لا تكفيهم، وهو مذهب قديم يتبناه متوحشو الرأسمالية؛ إذ يرون وجوب تخلص الأقوياء من جموع الضعفاء؛ لضمان رفاهيتهم، فيما يعرف بالانتخاب الطبيعي، والبقاء للأصلح، والأصلح هو الأقوى، بعيدا عن القيود الدينية والأخلاقية؛ إذ يرى هذا الفريق المتوحش من الرأسماليين تحطيم كل القيود لسحق الشعوب من أجل رفاهيتهم.

وهذه النظريات الثلاث هي الأقرب للواقع، وإلا فإن أزمة الوباء قذفت بنظريات كثيرة، بعضها غارق في الخيال، بعيد عن الواقع. وبعضها مبني على خرافات وأساطير وأوهام.

وإزاء هذا الاختلاف في حقيقة الوباء ومسبباته؛ فإنه ينبغي للمؤمن أمور عدة:

منها: أن يكون متوازنا في نظرته لأسباب الوباء، فلا يغرق في الخيال، ويصدق الأساطير والأوهام، ولا ينفي ما يكون قريبا من الواقع، ولا يجزم بشيء إلا بعلم، مجتنبا التخرص والوهم والظن.  والملائكة عليهم السلام حين سئلوا عما لا علم لهم به {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] والرسل عليهم السلام أجابوا عما لم يعلموا فقالوا  {لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109] فالمؤمن لا يتكلم إلا بعلم، أو يصمت فيما لا علم له به.

ومنها: اجتناب المبالغة والتهويل في أخبار الوباء، واجتناب النفي القاطع لوجوده أو التهوين من آثاره، والرجوع في ذلك كله إلى أهل الشأن والخبرة. فمن الناس من يهول الوباء وينشر الذعر في الناس، حتى قال قائلهم: لو علم الناس حقيقة الوباء لاختفوا منه في الكهوف والجحور، ومنهم من ينفيه نفيا تاما، ويجعله أكذوبة دولية على الشعوب؛ فيصرف الناس عن الاحتراز منه. والله تعالى يقول {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].

ومنها: أن يوقن المؤمن أن الوباء من خلق الله تعالى، وأنه إن كان نشره بفعل البشر قصدا أو خطأ فإنه أيضا بأمر الله تعالى، ولن تتحقق أهداف من نشروه في البشر إلا إذا أراد الله تعالى لها أن تتحقق لحكمة يريدها، وأن مكرهم وكيدهم لا يغلب قضاء الله تعالى وقدره، وقد يرتد عليهم مكرهم فيفشل مخططاتهم، ويدمر مشروعاتهم، ويهلكهم قبل هلاك غيرهم {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46] {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 15 - 17].

ومنها: اشتغال المؤمن بما ينفعه، وتركه ما لا ينفعه وقد يضره؛ فإن الإغراق في تتبع أخبار الوباء، وأقوال المحللين لأسبابه، ومتابعة الحوارات والمهاترات في هذا الباب مضيعة للوقت، واستنزاف للجهد. ومع إدمان ذلك فقد يَرسخ في قلب العبد خوف وفزع من المستقبل المجهول، أو يمتلئ قلبه بتعظيم البشر والخوف منهم وخشيتهم أشد من خشية الله تعالى، بحجة أن الدول القوية تستطيع إفناء البشر بما أوتيت من علم وقوة بنشر الأوبئة أو بالحروب الجرثومية أو الكيماوية أو النووية. وإذا استولى هذا الخوف على القلب نغص على المرء عيشه، وقدح في توحيده، وأضعف إيمانه، وتسلطت عليه أمراض الخوف كالاكتئاب والقلق والأرق، فكان فريسة للوحدة والعزلة ونقص المناعة، وكانت فرص إصابته بالوباء أكثر من غيره، وما ضرَّ إلا نفسه، وقد قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» رواه أحمد وصححه ابن حبان. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «...احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ» رواه مسلم. ولن يكون نفع المؤمن بالإغراق في تتبع أخبار الوباء وآثاره وأقوال المحللين فيه، فذلك لا يصلح دينه ولا دنياه، وليس يعنيه لأنه لا أثر لآحاد الناس على نتائج الوباء وتأثيراته، وإنما هذا شأن أولى الأمر وأهل الطب.

جعلني الله تعالى وإياكم هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، ونظمنا في عباده الصالحين، إنه سميع مجيب.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

أيها المسلمون: إن كان الوباء بفعل بعض البشر للإضرار بآخرين منهم فلن يفلحوا أيًّا كان هدفهم وغايتهم. فإن أفلتوا من عقاب الله تعالى في الدنيا فلن يفلتوا منه في الآخرة، والقواعد الشريعة تنص على أنه (لا ضرر ولا ضرار) (والضرر يزال) والله تعالى يقول {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] وأذية الناس في حياتهم وصحتهم ومعايشهم من أعظم الأذى الذي لن يفلح أصحابه، ولن ينجوا من العقوبة.

وتفريعا على ذلك: فإنه يحرم على من أصيب بالوباء أن يخالط الناس في مساجدهم وأسواقهم وأماكن تجمعهم، ويجب عليه أن يعزل نفسه ويعالجها. ومن أحس بأعراض الوباء فلا يحل له أن يغامر بنفسه وأهله ولا بغيرهم من الناس عبر مخالطتهم. ومن خالط موبوءا فيجب عليه أن يعزل نفسه ولو لم تظهر عليه أعراض الوباء حتى تتبين سلامته. ولا يحل لأحد أن يتساهل في الأخذ بالأسباب المشروعة لاتقاء الوباء، والعمل بالاحتياط اللازم لذلك؛ فإن كانت نفسه رخيصة عليه فالناس لا يرخصون أنفسهم، وخير الناس من طال عمره وحسن عمله. ويا حسرة من تساهل في هذا الأمر فتسبب في نقل الوباء إلى غيره، ولا سيما إن كانوا والديه أو زوجه وأولاده وقرابته، فضرهم باستخفافه وتساهله، وقد كان واجبا عليه أن يمنعهم ويحفظهم وينفعهم. ومن أصيب بالوباء مع احتياطه واحترازه فلن يندم على ما أصابه؛ لعدم تفريطه، وليقينه بأنه قدر الله تعالى عليه، ولكن المفرط يندم، ولات حين مندم {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].

وصلوا وسلموا على نبيكم...  

 

 

أعلى