• - الموافق2025/01/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الحمد لله (الأمر بحمد الله تعالى)

القرآن والسنة مملوءان بحمد الله تعالى، والثناء عليه بما هو أهله، والعباد مهما حمدوا الله تعالى فلن يبلغوا حمده حق الحمد، ويفتح للنبي صلى الله عليه وسلم من المحامد في المقام المحمود، وهو مقام الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق يوم القيامة ما لم يفتح لأحد قبل


الحمد لله المستحق للحمد كله، مدبر الأمر كله، عالم الغيب كله، لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له؛ المحمود في الأرض والسماء، المعبود في كل الأحوال، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أتقى العباد وأخشاهم لله تعالى، وأكثرهم له حمدا وشكرا، وأشدهم له حبا وقربا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأكثروا حمده وشكره؛ فإنه سبحانه أوجدكم من العدم، وأفاض عليكم النعم، ودفع عنكم النقم، فهو ربكم ومولاكم، ولا غنى لكم عنه في كل أحوالكم ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: 102].  

أيها الناس: القرآن والسنة مملوءان بحمد الله تعالى، والثناء عليه بما هو أهله، والعباد مهما حمدوا الله تعالى فلن يبلغوا حمده حق الحمد، ويفتح للنبي صلى الله عليه وسلم من المحامد في المقام المحمود، وهو مقام الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق يوم القيامة ما لم يفتح لأحد قبله، ولا يفتح لأحد بعده، مما يدل على أن البشر بكل محامدهم، والملائكة معهم، ومؤمنو الجن؛ لم يبلغوا تلك المحامد فضلا عن أن يبلغوا الحمد كله، وفي ذلك يقول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ: «فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي».

والله تعالى أمر عباده بحمده في كثير من الآيات، فخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر الإسراء ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111]، وقد دلت الآية على أنه سبحانه يُحمد في هذه الآية على أمور ثلاثة: عدم الولد والشريك والولي من ذل، وسبب ذلك أنه مستغن عن ذلك كله بكماله عز وجل، فمن كان بهذا الكمال كان مستحقا الحمد كله. وفي الآية حمدُ شكرٍ لله عز وجل؛ لأنه لو اتخذ ولدا لحاباه دون خلقه كما يحابي ملوك الدنيا أولادهم، فلما لم يتخذ ولدا علم أن معاملته لعباده عدل ورحمة، وليس فيها شيء من الظلم. ولو كان له شريك في الملك لاحتار الناس من يعبدون ومن يطيعون، فلما كان أحدا لا شريك له توجهت القلوب له وحده، وهذا يستوجب حمده سبحانه على هذه النعمة العظيمة. ولو كان له ولي من الذل لكان ضعيفا فكيف يعز غيره، وكيف يلجأ الناس إليه لطلب العزة، فلما لم يكن كذلك كان عزيزا معزا ولا تطلب العزة إلا منه. وحري بالمؤمن أن يتأمل هذه الآية، وأن يقف عندها ليحمد الله تعالى؛ لأن فيها أمرا بالحمد.

وأمر سبحانه وتعالى نبيه بحمده في قوله تعالى ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: 59]، وهو أمر لأمته أن يحمدوا الله تعالى، وهذه الآية جاءت بعد قصص سليمان وصالح ولوط عليهم السلام، وكيف أن الله تعالى أظهرهم وأعزهم ونصرهم، وقطع دابر أعدائهم، فأُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحمد الله تعالى على تحقق وعده سبحانه بنجاة المرسلين وأتباعهم، وهلاك المكذبين.

وأمر سبحانه وتعالى نبيه بحمده في قول تعالى ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 93]؛ فهو أمر بحمد الله تعالى على الآيات التي يريها عباده ليعرفوه ويعبدوه ويوحدوه، ولولا أنه سبحانه أراهم آياته الدالة على وحدانيته وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله لما عرفوه. وهذا يدل على رحمته سبحانه بعباده، وعدله فيهم؛ فهو لم يعذب المستكبرين عن عبادته إلا بعدما أراهم آياته، وأقام عليهم حججه، وقطع عذرهم، فالحمد لله الذي عرفنا به، وهدانا إليه، وحببنا فيه.

ومن الآيات التي أراها عباده ليؤمنوا به، ويحمدوه عليها: آية الخلق الدالة على ربوبيته وقدرته، المستلزمة لألوهيته وعبوديته وحده لا شريك له، وهي آية تستوجب حمد الله تعالى عليها؛ كما قال تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [لقمان: 25]، والمؤمن يحمد الله تعالى على هذه الآية، كما يحمده سبحانه على الاهتداء بها لعبدة الله تعالى وتوحيده.

ومن الآيات التي أراها عباده ليؤمنوا به، ويحمدوه عليها: آية إنزال الغيث، وإنبات الزرع، وإحياء الأرض؛ كما قال تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: 63].

وأمر الله تعالى نبيه نوحا عليه السلام أن يحمد الله تعالى على نجاته والمؤمنين معه من الغرق الذي عم الأرض فقال سبحانه وتعالى ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: 28]. فمن نجي من بلاء نزل بقوم وجب عليه أن يحمد الله تعالى، وكذلك من نجي من ظالم يقصده بالأذى يجب عليه حمد الله تعالى لأنه هو الذي نجاه من ذلك.

وهذه المواطن يتأكد فيها حمد الله تعالى لأمره سبحانه بحمده فيها، وإلا فإن الله تعالى يحمد على الدوام، وفي كل الأحوال؛ لأن نعمه لا تنفك عن العباد في لحظة من ليل ونهار، ويكفي منها نعمة النفس التي لو انقطع عن العبد لحظات لهلك، ونعمة عمل قلبه الذي لو توقف لمات العبد، ونعمة تلبسه بالإيمان والانقياد، ونعمة حفظه من الشرور والآفات، وغيرها من النعم التي لا تعد وتحصى؛ فوجب على العباد اللهج بحمده سبحانه. اللهم لك الحمد فألهمنا الحمد، ووفقنا للمزيد منه، وتقبله منا.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه، واحمده حق حمده ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الجاثية: 36-37].

أيها المسلمون: كما أن في القرآن حمدا لله تعالى كثيرا، وأمرا بأن يحمده العباد؛ لأن حمده من عبادته، بل كل العبادة حمد له سبحانه وتعالى؛ فإن في السنة أيضا حمدا كثيرا لله تعالى، وأمرا بحمده سبحانه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله تعالى في أحاديث كثيرة، منها ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ؟ قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ...» رواه مسلم. وطلب علي بن أبي طالب وزوجه فاطمة رضي الله عنهما من النبي صلى الله عليه وسلم أن يهبهما خادما من السبي فقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» رواه الشيخان.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من حدثت له نعمة كمن رأى رؤيا تسره أن يحمد الله تعالى عليها؛ كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» رواه البخاري.

فعلى المؤمن أن يلهج بحمد الله تعالى في كل حين، حمدا مطلقا؛ عبودية لله تعالى، وتقربا إليه سبحانه بحمده، ويحمده حمد شكر على نعمه مع استحضاره لها، ويحمده في كل نعمة متجددة تحصل له؛ ليستغرق أغلب وقته في حمد الله تعالى، ويتعود لسانه على الحمد، مع مواطأة قلبه عليه؛ فيجد عقبى ذلك في الدنيا مزيدا من النعم والخير، وفي الآخرة أجورا عظيمة مدخرة له بسبب الحمد، والحمد لله رب العالمين.

 وصلوا وسلموا على نبيكم...

أعلى