• - الموافق2024/10/16م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اغتيال حسن نصر الله وتداعياته على المنطقة.. السيناريوهات المحتملة

لقد شكلت عملية اغتيال حسن نصر الله قفزة بعيدة للعدو الصهيوني، خلط بها الكثير من الأوراق في المنطقة وسيكون له الكثير من التداعيات، الأمر الذي يستدعي العديد من السيناريوهات


لا شك أنه باغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني "حسن نصر الله"، تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة، مما قد يترك تداعيات عميقة على السياسات الداخلية للدول وتحالفاتها، وينذر هذا الحدث المفصلي بتحولات جذرية في المشهد السياسي والعسكري والأمني للمنطقة، قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات الإقليمية، ومن المتوقع أن تطال هذه التطورات من يطلق على نفسه محور المقاومة.

فما هي الحالة التي وصلت إليها جماعة "حزب الله" بعد تلقيها هذه الضربات المتتالية الموجعة من إسرائيل، وكيف سترد على هذه الاعتداءات التي أفقدتها معظم كبار قادتها تقريبًا، وهل ستسمح إيران لها بالتصعيد الشامل أم ستضع الخطوط الحمراء لتجنب الحرب الإقليمية الشاملة، وما هي أبرز السناريوهات المطروحة الآن للتعامل مع إسرائيل بعد اغتيال نصر الله وكبار قادة حزب الله؟

سنقف وقفة متأنية هادئة في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة ولاستشراف مستقبل المنطقة القريب والبعيد، في ظل هذه الصراعات المتصاعدة في قوتها والمتسارعة في توقيتها.

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن القادة الإسرائيليين كانوا على علم بمكان وجود زعيم حزب الله "حسن نصر الله" منذ عدة أشهر، لكنهم قرروا استهدافه الأسبوع الماضي لأنهم اعتقدوا أن لديهم مدة زمنية قصيرة وفرصة سانحة ربما لن تتكرر مجددًا بسهولة، ورأوا أنه يجب استغلال هذه الفرصة المتاحة في أسرع وقت قبل أن يختفي نصر الله في مكان مختلف ويصعب رصده واستهدافه حينها مرة أخرى.

وأشارت الصحيفة إلى أنها استقت معلوماتها هذه من ثلاثة مسؤولين عسكريين إسرائيلين كبارًا تحدثوا جميعهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الحدث.

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن إسرائيل نفذت الضربة القاتلة التي استهدفت الأمين العام لجماعة حزب الله "حسن نصر الله" بعد أن علمت أنه سيجتمع مع عدد من كبار القادة في مقر القيادة المركزية للجماعة تحت الأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأكد المتحدث أنه بعد مشاورات بين القيادة السياسية والعسكرية لإسرائيل توصلوا إلى أن هذا التوقيت هو الأفضل على الإطلاق؛ لأنه يجمع عدة ميزات في آن واحد، حيث سيكون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقتها في الولايات المتحدة لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرسل رسائل طمأنة لنصر الله بأنه آمن في هذا التوقيت، الذي يغيب فيه نتنياهو عن مراكز عمليات قيادة الحرب على لبنان.

 

حزب الله يعرف جيدًا تكلفة الحرب مع إسرائيل، خاصة بعد حرب 2006. لذلك، قد يحاول تجنب صراع مفتوح واسع النطاق، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان والضغوط الداخلية.

كما أنه وفقًا لما أعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فإن العملية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "النظام الجديد" يوم الجمعة تمت بينما كان نصر الله وسلسلة القيادة العليا في حزب الله يجتمعون للتخطيط لتنفيذ المزيد من الهجمات على إسرائيل، وهي الميزة الأخرى التي شجعت على اختيار هذا التوقيت أيضًا.

نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن قائد سرب سلاح الجو الذي نفذ الهجوم قوله إن الطيارين الذين قاموا بهذه العملية لم يتلقوا تفاصيل الهدف إلا قبل وقت قصير من الإقلاع، وبعد تلقي الأوامر شنت مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف 35" غارات "عنيفة وغير مسبوقة" على هدف بمنطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي لـ"حزب الله"، ما أحدث دويًا هائلًا تردد صداه في بيروت ومحيطها، وأثار حالة من الرعب والهلع لدى السكان.

وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت في اليوم الثاني من الاستهداف أن اغتيال حسن نصر الله تم بإلقاء 80 طنًا من القنابل على مكان تواجده بالضاحية الجنوبية، ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن طائرات من السرب 69 أسقطت نحو 85 قنبلة خارقة للتحصينات، تزن الواحدة منها طنًا في عملية اغتيال "نصر الله".

بينما قال مصدر مقرّب من حزب الله لوكالة الصحافة الفرنسية إن 6 أبنية سُوّيت تمامًا بالأرض في حارة حريك، وهو ما أظهرته بالفعل لقطات بنايات مستوية على الأرض، وأخرى مدمرة بالكامل في مكان الهجوم، كما بدت بعض الشوارع محطمة بعد هذه الغارات التي قامت بالعملية، وهي كلها شواهد تؤكد أن إسرائيل لم تترك مجالًا في هذه العملية لاحتمالية نجاة نصر الله والقادة المجتمعين معه في هذا اللقاء.

الخليفة المرتقب

ذكرت مصادر مقربة من حزب الله أن "هاشم صفي الدين" وهو ابن خالة نصر الله، كان واحدًا من قلة من قادة حزب الله الكبار الذين لم يكونوا في موقع الضربة، وذكروا أن صفي الدين، الذي طالما اعتُبر خليفة محتملًا لنصر الله، قد يجري اختياره قريبًا كأمين عام جديد لحزب الله.

الجدير بالذكر أن "صفي الدين" يشرف على الشؤون السياسية لحزب الله وهو عضو في مجلس الجهاد في الجماعة، بجانب كونه رجل دين يرتدي العمامة السوداء في إشارة إلى نسبه إلى النبي محمد، وقد صنفته وزارة الخارجية الأمريكية إرهابيًا عام 2017، وكان نصر الله قد هيأه لخلافته منذ زمن حين بدأ في تخصيص عدة مناصب له داخل مجموعة متنوعة من المجالس المختلفة داخل حزب الله.

وعلى الرغم من أن الصلة العائلية بين صفي الدين ونصر الله وكذلك التشابه بينهما، فضلًا عن مكانته الدينية كلها عوامل تصب في مصلحته، إلا أن عملية اختيار القادة في حزب الله قد تشهد بعض المفاجآت في اللحظات الأخيرة، خاصة أنه ستكون هناك ضرورة لإلمام خليفة نصر الله بالملفات الداخلية والإقليمية المعقدة، لأن نصر الله كان يقود أطرافًا متعددة ضمن المحور الإيراني، مما يشكل تحديًا كبيرًا لمن سيخلفه في منصب الأمين العام.

المأزق الإيراني

 الفارق بين اغتيال الشخصيات الإيرانية سابقًا واغتيال حسن نصر الله هذه المرة برفقة عدد آخر من كبار القادة المقربين من طهران، أنها جاءت بعد دقائق فقط من تهديد "بنيامين نتنياهو" الجمهورية الإسلامية "إيران" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلًا: "أن أي مكان في إيران ستصله ذراع إسرائيل الطويلة في حال هاجمت كيانه".

وفضلًا عن المواقف الرسمية المعتادة، من تنديد شديد اللهجة على لسان الرئيس مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي، وتأكيدهما وقوف طهران إلى جانب لبنان ومقاومته بمواجهة العدوان الإسرائيلي، استضافت قناة "خبر" الرسمية 3 شخصيات تمثل مكتب المرشد الأعلى والبرلمان والمؤسسة العسكرية.

السيناريوهات المحتملة

من غير المحتمل أن يتراجع حزب الله بشكل كامل أو يظهر ضعفًا في حال اغتيال حسن نصر الله، وذلك لعدة أسباب مرتبطة بطبيعة الحزب، دوره الإقليمي، وتركيبته التنظيمية. لكن يمكن أن تختلف استراتيجيات الحزب بناءً على الظروف المحيطة.

الأسباب التي تجعل من التراجع غير محتمل:

1. أهمية الحفاظ على قوة الردع:

حزب الله يعتبر المقاومة ضد إسرائيل جزءًا جوهريًا من هويته، واغتيال شخصية بوزن نصر الله سيعتبر ضربة كبرى ليس فقط للحزب، بل لما يمثله من مقاومة. لذلك، سيكون من المهم بالنسبة للحزب الرد بشكل قوي للحفاظ على مكانته وهيبته داخل لبنان والمنطقة.

2. تأييد جمهوره الداخلي:

قاعدة حزب الله الشعبية تتوقع رداً على اغتيال قائدها. التراجع أو إظهار الضعف قد يؤدي إلى تقويض الثقة في الحزب داخل مجتمعه الأساسي، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان.

3. الدعم الإيراني:

حزب الله مدعوم بشكل كبير من إيران، التي قد ترى في اغتيال نصر الله ضربة لمصالحها الإقليمية. من غير المتوقع أن تسمح إيران للحزب بالتراجع، بل قد تدعمه لتصعيد المواجهة كجزء من استراتيجيتها الإقليمية.

4. الديناميكية الإقليمية:

في ظل الصراعات القائمة في المنطقة، خصوصاً بين محور المقاومة (إيران، سوريا، حزب الله) والمحور المعادي (إسرائيل وحلفائها)، التراجع قد يُفسر كعلامة ضعف قد تؤدي إلى تصعيد أكبر ضد حزب الله أو إيران.

سيناريوهات التحرك بحذر أو ضبط النفس:

مع ذلك، هناك بعض الظروف التي قد تجعل الحزب يتحرك بحذر أو يتخذ خطوات محسوبة أكثر من التصعيد الفوري:

1. التقييم الاستراتيجي:

قد يقوم الحزب بتقييم شامل للوضع الإقليمي والدولي قبل الرد، خصوصاً إذا كان هناك ضغط دولي أو تحذيرات من تصعيد كبير. الرد قد يكون تدريجيًا أو عبر عمليات سرية أو غير مباشرة.

2. تفادي حرب شاملة:

حزب الله يعرف جيدًا تكلفة الحرب مع إسرائيل، خاصة بعد حرب 2006. لذلك، قد يحاول تجنب صراع مفتوح واسع النطاق، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان والضغوط الداخلية.

3. قيادة بديلة:

الحزب لديه هيكل تنظيمي متماسك، وإذا اغتيل نصر الله، من المحتمل أن يتولى قيادي آخر زمام الأمور. هذه القيادة الجديدة قد تتخذ نهجًا أكثر حذرًا أو استراتيجيًا لحماية الحزب من صدامات كبيرة.

الخلاصة: التراجع الكامل لحزب الله في حالة اغتيال نصر الله غير محتمل، لكن الحزب قد يختار التصرف بحذر أو التدرج في الرد بناءً على الظروف المحيطة، مع الحرص على الحفاظ على هيبته وقوته.

ربما تكون إسرائيل نجحت بالفعل في الجولة الحالية بعد توجيهها ضربات متتالية لحزب الله أفقدته القدرة على الاستمرار في مواجهتها على الساحة الشمالية لها، ولكنها في ذات الوقت أشعلت روح الانتقام لدى أيّ قائد جديد سيخلف حسن نصر الله، بجانب أن إيران أصبحت في موقف حرج للغاية يتنبأ معه البعض صعوبة قدرتها على المناورة السياسية، ولكن في ذات الوقت كل الخيارات التي تواجه إيران صعبة ومكلفة ومحدودة، واختيار أي توجه ستكون تكاليفه مرتفعة للنظام، وهذا هو السبب وراء بقاءه عالقًا في لعبة الخطاب الإعلامي في الوقت الحالي، ويبدو أن خطط نتنياهو القادمة ربما ستكون هي المحدد الأكبر لموقف إيران، تلك الدولة التي صاحبة أطول صبر استراتيجي في العالم.

أعلى