لبنان وتراكم الأزمات.. كيف السبيل للخروج منها؟

يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، حيث أن العملة اللبنانية فقدت نحو (90%) من قيمتها


تعصف بلبنان حاليًّا مجموعة أزمات متعددة ومركبة في آن واحد، على رأسها الأزمة الاقتصادية المالية جراء السياسات المالية والاقتصادية التي اتُبعت على مدى العقود الماضية، وجراء تفشي ظاهرة الفساد بشكل واسع في الإدارة اللبنانية، وسياسات الحصار والعقوبات التي انتهجتها الإدارة الأمريكية ضد لبنان على خلفية محاولة معاقبة "حزب الله"، ومواقفه تجاه القضايا العربية، وقد كان لكل تلك الملفات تأثير كبير جعل حجم الدين العام يتجاوز المائة مليار دولار، وجعل لبنان بحاجة إلى الدعم الدولي الدائم من أجل استمرار دورة اقتصاده.

لبنان الدولة التي ابتليت بالأزمات المالية والاقتصادية غير المسبوقة، يرافقها الجمود السياسي المستمر منذ شهور بشأن تشكيل حكومة جديدة، فمن انقطاع للكهرباء لساعات طويلة، إلى شح الوقود، وارتفاع سعر الخبز، ونقص السلع الأساسية وارتفاع ثمنها بسبب احتكار التجار، لتبرز اليوم أزمة كبيرة ومشكلة جديدة لتفاقم المشكلات السابقة وتزيد من معاناة المواطنين.

هذه الأزمة المتمثلة في قيام وزارة الطاقة اللبنانية برفع أسعار الوقود بنسبة 35%، تعد من بين أسوأ الأزمات التي تهدد لبنان، وقد تكون جس نبض ومقدمة وخطوة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع حاد قادم في أسعار السلع الأساسية.

ومنذ أواخر العام 2019، تعصف بلبنان أزمة اقتصادية حادة، ما أدى إلى تضخم مالي وانهيار القدرة الشرائية لمعظم سكان البلاد، وارتفاع غير مسبوق بمعدلات الفقر وسجلت العملة المحلية انهيارات إضافية في الأيام القليلة الماضية، حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد 17.500 ليرة بالسوق الموازية (السوداء)، في حين أن سعر الصرف الرسمي للدولار يبلغ 1515 ليرة.

كما يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، حيث أن العملة اللبنانية فقدت نحو (90%) من قيمتها، محطمة مستوى قياسيا للهبوط في وقت سابق من هذا الشهر بلغ (18000) ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق (السوداء)، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي للدولار 1507 ليرة.

ويشهد لبنان أزمة نقص في الوقود في الأساس، وتعاني الحكومة من نقص العملات الأجنبية الصعبة اللازمة لتأمين الوقود ودعم الواردات التي تتضمن معظم السلع الأساسية والأدوية في البلاد.

لكن مصرف لبنان أعلن أنّه فتح الاعتمادات، بعد أن نفذت المديرية العامّة للنفط  كل مطالبه، وسلّمت الجمارك الأرقام التي طلبتها بشأن كميّات الوقود. كما أكد أنه سيقوم ببيع الدولار الأمريكي للمصارف التي تتقدم لفتح اعتمادات لاستيراد كافة أنواع المحروقات ابتداءً من الاثنين 28 حزيران، بعد أن تكون قد تحصلت على موافقة مسبقة لهذه الاعتمادات على سعر (3900) ليرة لبنانية للدولار الواحد، على أن تسدّد هذه المصارف قيمة الاعتمادات (100%) بالليرة اللبنانية.

يذكر أن مصرف لبنان المركزي كان قد أكد في آب / أغسطس 2020، أنه لن يتمكن من دعم الوقود والقمح والدواء في ظل تناقص احتياطيات العملات الأجنبية، مشيرا إلى أنه أبلغ الحكومة بقيامه بإيقاف الدعم حينها لمنع نزول الاحتياطيات دون (17.5) مليار دولار.

السلطة السياسية في لبنان تحاول الاحتيال على مصرف لبنان تحت عناوين إنسانية ومعيشية من خلال تنفيذ عملية قضم لهذا الاحتياطي، الأمر الذي لن  يقبل به مصرف لبنان مشيرا إلى أنه "إذا أرادت السلطة في لبنان دعم المحروقات على أساس (3900) ليرة للدولار، فعليها أن تصدر تشريعاً عبر المجلس النيابي تحدد فيه قيمة الأموال التي تريد رصدها لهذه العملية، وتحديد المدة الزمنية لهذا الدعم، وتحديد كيفية رد هذه المبالغ لمصرف لبنان، وتحديد الفترة الزمنية لردها". وبذلك يكون مصرف لبنان قد أخلى مسئوليته كاملة ويجعل من السلطة في لبنان مسئولة عن أي ضياع يطال الاحتياطي الإلزامي، علماً أن الحل يبقى بتحرير كل القطاعات من الدعم على أن تقوم الحكومة بدعم مالي مباشر للناس، ستكون كلفته مهما ارتفعت الشريحة المستفيدة أوفر من قيمة الدعم الحالي وتداعياتها.

وما يزيد من تفاقم الأوضاع سوءا، خلافات سياسية تحول دون تشكيل حكومة جديدة، لتخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 آب/ أغسطس 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي في مرفأ بيروت.

هذه الأزمات تحاصر محاولات لبنان استقطاب السياح والعملة الصعبة، على ضوء تراجع الخدمات التي تجذب السائحين الذين عبروا عن استياءهم من الصعوبات التي تحول دون ضمان اقامات مريحة لهم، من بينها انقطاع الكهرباء المتواصل وأزمة النقل المترتبة على أزمة البنزين وارتفاع تكلفتها، ونقص السلع الغذائية والطبية التي يستهلكها السائحون والمغتربون اللبنانيون القادمون لقضاء إجازات الصيف في البلاد.

وعبثاً تحاول الحكومة احتواء الوضع عبر تدابير مختلفة، كدعم سلع استهلاكية وملاحقة المتاجرين بالعملة، ووقف تهريب الدولار والمواد الغذائية المدعومة للخارج،  لكن تدهور الليرة، ونفاد احتياطي المصرف المركزي من الدولار الذي يُستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، شكل ضربة قاصمة لجهود الحكومة التي وجدت نفسها عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، والنزيف مرشح للاستمرار.

أعلى