• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الخيارات الأمريكية في نشر الفوضى

من يراقب اللعبة السياسية الأمريكية جيداً فإنه يعي أن واشنطن تريد فتح قنوات إتصال مباشرة مع الجماعة وتحويلها لورقة من أوراق التفاوض مع إيران، وكذلك أداة للضغط على المملكة العربية السعودية، فقد حاربت واشنطن طالبان 20 عاماً ثم جلست معها على طاولة واحدة


إنتهت الإدارة الأمريكية الجديدة بقرار أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية بأن "جماعة أنصار الله" اليمنية والمعروفة بإسم مليشيات الحوثي ليست منظمة إرهابية وبذلك يمكن إجراء تعاملات مالية معها دون أي عواقب وخيمة. عقب قراءة القرار الأمريكي استرجعت بذاكرتي العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الكثير من المنظمات والجمعيات الإسلامية الخيرية وكذلك بلدان مثل العراق والسودان وليبيا وقطاع غزة، كلها تمت في نفس السياق الذي تتذرع به الإدارة الأمريكية وهو " الإرهاب"، وتساءلت هل الأمر يتعلق بالمعايير التي تضعها الإدارة الأمريكية لتحديد مفهوم "الإرهاب"، أم بفهمنا نحن لطبيعة العلاقة الإيرانية الأمريكية في المنطقة، وخلصت إلى أن ما تريده الإدارة الأمريكية في المنطقة هو مصالح تتعلق بالأمن القومي الأمريكي وللأمر ارتباط مباشر بــ"إسرائيل"، لذلك عقب فشل مشروع الإدارة الأمريكية والدولة العبرية في إنشاء دولة كردية في الشمال السوري، وفشل محاولات التغيير التي استهدفت تركيا طوال العقد الماضي لإعادتها للحاضنة الغربية واشتداد التوتر بينهما، بدأت الإدارة الأمريكية بممارسة سياسات تتعلق بتدجين النظام الإيراني ليكون البديل الأكثر قرباً من مصالحها الأمنية في المنطقة والتي تركز فيها على إستدامة عوامل تفتيت فرص الوحدة والتحرر في العالم الإسلامي.

لذلك كانت الحرب في اليمن فرصة كبيرة لتدخلات دولية متنوعة تحولت إلى استثمارات أمنية وسياسية، فقد كانت هجمات الحوثيين على سفن شحن التجارية فرصة للمزيد من التدخلات الخارجية في البحر الأحمر، كما ساهمت المليشيات المدعومة إيرانياً بتحويل الملف اليمني إلى ورقة دبلوماسية في يد طهران، واتخذت الولايات المتحدة هذا الملف ذريعة إنسانية للضغط على المملكة العربية السعودية وكذلك فعلت الدول الأوروبية، لذلك مع رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي صنف في آخر أيامه جماعة الحوثي منظمة إرهابية، وقدوم الرئيس الجديد جو بايدن الذي ألغى قرار سلفه بدأ الترقب يسود منطقة الشرق الأوسط حول القيم السياسية التي ستتحرك من خلالها الإدارة الديمقراطية الجديدة.

لكن مع التناقض العجيب بين النقد الأمريكي الصريح للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي على الأراضي السعودية بطائرات مسيرة أو صواريخ أي كان تسميتها، وإلغاء تصنيفها كمنظمة إرهابية، فإن السياسة الأمريكية مع الملف اليمني لن تكون أفضل منها مع الملف الفلسطيني، فقد لا يعلم الكثير من مراقبي الحراك الأمريكي في المنطقة عن وجود أكثر من 5000 آلاف أسير فلسطيني في سجون الإحتلال بينهم مئات النساء والأطفال وأقدمهم الأسير نائل البرغوثي الذي قضى 42 عاماً في سجنه، لكن العالم بأسره سمع عن لجين الهذلول!

تبرر الإدارة الأمريكية قرارها الخاص بإلغاء تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية في سياق عدم قطع الطريق على منظمات العمل الإنساني للعمل في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، لكن من يراقب اللعبة السياسية الأمريكية جيداً فإنه يعي أن واشنطن تريد فتح قنوات إتصال مباشرة مع الجماعة وتحويلها لورقة من أوراق التفاوض مع إيران، وكذلك أداة للضغط على المملكة العربية السعودية، فقد حاربت واشنطن طالبان 20 عاماً ثم جلست معها على طاولة واحدة وحيدت نفسها من المعارك بين طالبان والحكومة الأفغانية.

لكن السؤال المطروح في حال صح هذا التوقع، هل اللعبة الدبلوماسية الأمريكية الجديدة التي قد تُبادر إليها إدارة بايدن لاسيما مع نيتها العودة للإتفاق النووي الإيراني، تقتضي تنظيف السجل الدموي لجماعة الحوثي طوال السنوات الماضية بحق الملايين من ضحاياها في اليمن وشرعنة سجلها السياسي؟! وهل ستتجاهل الإدارة الأمريكية السلطة الشرعية في اليمن التي رفضت الحوار مع جماعة الحوثي واعتبرتها منظمة إجرامية؟! رغم ذلك فإن الخيار الأمريكي سيعتبر من قبل جماعة الحوثي هو إعلان إنتصار، بل وستزيد من جرائمها ومحاولاتها للسيطرة على المزيد من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية وتواصل اعتدائها على الأراضي السعودية، لذلك عقب القرار الأمريكي مباشرة صدرت تصريحات سعودية واضحة باستمرار الحرب على الجماعة في إشارة إلى رفض المملكة للخطوة الأمريكية.  

التجربة الأمريكية في اليمن يمكن الإستدلال بها على أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط لا تعترف بأي قيم أو شراكات بل تسير وفق المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة سواء كانت مصالح أمنية أو إقتصادية، فرغم مساندة النظام السياسي العربي بكامله لحرب الرئيس الأمريكي الاسبق جورج دبلو بوش على "الإرهاب"، والتي أسفرت عن تدمير دول مثل العراق وأفغانستان إلا أن تلك الحرب كانت أكبر محفزات الفوضى والتدخل الإيراني في الشرق الأوسط وبرعاية أمريكية.

فالسلاح الأمريكي سلاح قاتل سواء حمله الديمقراطيون أو الجمهوريون، لذلك حينما تتصالح الولايات المتحدة مع أي نظام سياسي عربي تتصالح لأجل مصالحها وحينما تروج لنشر "ديموقراطيتها" في الشرق الأوسط فتكون أمام خيارين إما إنشاء نظام ديمقراطي علماني يؤمن بالإمبريالية الأمريكية وينعكس ذلك في قدرته على خدمة الإمبراطورية الأمريكية وإما تحويل تلك البلد إلى فوضى مطلقة كما جرى في ليبيا أو العراق أو سوريا، وتلك الفوضى بالضرورة ستخدم المصالح الأمريكية سواء من خلال سرقة النفط كما جرى في العراق وسوريا أو منع صعود أنظمة قد تعادي المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن أي نظام سياسي في المنطقة يمثل إرادة الشعوب فهو بالضرورة يصادم المصالح الأمريكية، لذلك منذ نشر الفوضى في عدة بلدان العربية إثر "الربيع العربي"، أصبح صانع القرار الأمريكي يؤمن بأن الديمقراطيات في الشرق الأوسط ستجلب حكومات ترفض الوجود الأمريكي في المنطقة، لذلك تلجئ إلى عمليات ضغط طويلة الأمد تراهن فيها على تغير الأجيال وصنع نماذج يمكن أن تكون أدوات للفوضى والتحرر من القيم السياسية التي تحافظ عليها شعوب الشرق الأوسط، والنقطة الأخيرة قد تكون إحدى علامات الفشل الأمريكي في المنطقة. فقد خسرت في الفترة الماضية نماذجها الديمقراطية التي أرادت تصديرها للمنطقة بمحاولة إتباع سياسة فيها الكثير من ازدواجية المعايير مثل حربها على النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين ثم دعمها لنظام جديد أكثر دموية بقيادة إيران!، وكذلك تقديم دعم إنساني للسلطة الفلسطينية والصمت إزاء حصار قطاع غزة من قبل "إسرائيل" طوال 15 عاما!. وأخيراً ما جرى في اليمن.

بداية خسارة الولايات المتحدة في العالم ليس فقط على صعيد الوضع الداخلي وتضخم الفجوة بين المجتمع القومي الأبيض المسيحي وبين المهاجرين الملونين، بل أيضاً بظهور لاعبين جدد مثل الصين وروسيا وتأثيرهما في الشرق الأوسط، لذلك يمكن القول إن العالم يشهد تحول متعلق بالتأثير الأمريكي، فالكثير من الدول أصبحت لا تريد التخلي عن علاقتها بالولايات المتحدة لكنها أيضاً لا تريد خسارة علاقتها بالصين وروسيا.

لذلك تعتبر الفرصة مواتية أمام بلدان العالم العربي والإسلامي سواء بكتلتها النفطية أو هويتها الأيديولوجية أن تمنح نفسها فرصة لتُشكل ثقلا سياسياً مستقبلياً في التغيرات التي تجري على مستوى العالم، وأن تتوقف عن الرهان على التحالفات الإقليمية والعالمية لفرض قواعد اللعبة السياسية والأمنية في المنطقة.

 

أعلى