• - الموافق2024/10/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المصالحة التركية السورية.. هل تشهد تطبيعًا قريبًا؟

ما طبيعة المصالحة التي تدور راحتها الآن في الكواليس بين تركيا وسوريا؟ ما الأسباب التي دعت تركيا لأخذ تلك الخطوة الآن؟ وكيف ستتعامل مع ملف المعارضة السورية التي تبنته لفترة طويلة؟


تطفو على السطح من وقت لحين فقاعات بارزة تجذب انتباه الجميع وتجعله يتساءل ما الذي يحدث؟، وهو عين ما تعيشه السياسة التركية في المرحلة الحالية، حيث مصالحة مع كافة الخصوم في المنطقة، والحديث الآن أصبح يدور عن مصالحة مع النظام السوري بعد أكثر من عقد من الخلاف الدبلوماسي، وهو النظام الذي مازال يقبع في الحكم منذ اشتعال شرارات الثورة السورية عام 2011، فما طبيعة هذه المصالحة وما أبرز مؤشراتها وما الداعي لها؟

بدأ التحسن في العلاقات بين تركيا وسوريا تدريجيًا بداية من لقاء محدود تم بين وزير الخارجية التركي ونظيره السوري، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في بلجراد في أكتوبر عام 2021 بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسها، وتلا ذلك لقاءات على مستوى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدين، وعلى مدى العاميين الماضيين لم تتأثر محاولات التقارب بين الجانبين بالتهديدات التركية المستمرة بشن عملية عسكرية رابعة ضد قوات سوريا الديمقراطية المتمركزة في الشمال السوري، في الوقت الذي تعتبر فيه تركيا هذه العملية حماية لأمنها القومي، وبدت بعد ذلك أبرز تلك المؤشرات في الاجتماع الثلاثي الذى تم عقده في 28 ديسمبر 2022، وجمع وزراء دفاع كل من روسيا وتركيا وسوريا في العاصمة الروسية موسكو.

اللافت في الاجتماع الأخير هو مستوى التمثيل، حيث كان على مستوى وزراء الدفاع، بين النظراء الثلاثة التركي والروسي والسوري في العاصمة الروسية موسكو، وهو الأمر الذي ينم عن خطوات مقبلة تتعلق بطبيعة الصراع العسكري على الأرض، وفى مقدمتها الوجود العسكري التركي في الشمال السوري الذي أستطاع السيطرة على مناطق حدودية واسعة خلال الفترة (2016 - 2019)، عبر ثلاث عمليات عسكرية هي: درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام.

بعد انتهاء هذا الاجتماع الثلاثي ذكرت وزارة الدفاع التركية في بيان لها أن الاجتماع ضم وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة.

 

يأتي في صدارة الأولويات التركية بند إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل الانتخابات التركية المرتقبة هذا العام، فمن خلال عقد هذه المصالحة تستطيع تركيا أن ترفع عن كاهلها عبء اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم أربعة ملايين

وأضاف البيان أن الاجتماع التركي الروسي السوري في موسكو ناقش "الأزمة السورية، ومشكلة اللاجئين، والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سوريا"، وأكد البيان اتفاق المجتمعين خلال اللقاء "الذي عُقِد في أجواء بنّاءة" على استمرار الاجتماعات الثلاثية، من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة.

صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أيام قلائل في البرلمان التركي مخاطبًا أعضاء حزبه أنه اقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين تأسيس آلية ثلاثية مع سوريا، لتسريع المسار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق، وأوضح أردوغان أن المقترح التركي ينص على اجتماع بين أجهزة مخابرات الدول الثلاث أولًا، يتبعه لقاء على مستوى وزراء الدفاع ثم الخارجية، ثم قمة على مستوى القادة.

وقد جاءت تصريحات أردوغان بالتزامن مع حشد القوات التركية على الحدود تمهيدًا لتوغل جديد في الشمال السوري، وذلك لمواجهة التهديدات التي يشكّلها نفوذ وحدات "حماية الشعب" الكردية.

سيتم عقد لقاء بين وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري في النصف الثاني من يناير كما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو في خطوة جديدة للتقارب الذي بدأ بين أنقرة ودمشق، حيث صرح وزير الخارجية التركي للصحفيين وفق ما نقلت قناة NTV" " التركية قائلًا: "قررنا عقد اجتماع ثلاثي في النصف الثاني من يناير، وقد يُعقد الاجتماع في بلد آخر".

 أولويات الطرفين  

تتمحور النقاشات التركية السورية بشكل كبير حول سيادة سوريا على أراضيها، ما يعني انسحابًا تركيًا من القواعد العسكرية في الشمال السوري، وقيام الفصائل المسلحة المدعومة من قبل تركيا بتسليم المناطق التي تسيطر عليها إلى الحكومة السورية، وتقدّر مساحتها بما يقارب 11% من الجغرافيا السورية، إضافةً إلى عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى ديارهم، والتخلص من الإرهاب والذي يعني بالنسبة للأتراك التخلص من سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على مناطق الشمال الشرقي السوري والتي تقدر مساحتها بما يقارب 25% من الجغرافيا السورية.

وبالنظر لما يدور في أروقة المفاوضات بين الجانبين، يتباين ترتيب أولويات الحكومة في سوريا عن أولويات الأتراك، فالأولوية في سوريا هي لخروج الجيش التركي من سوريا، والتخلص من المجموعات المسلحة في إدلب وجوارها، ثم إنهاء السيطرة الكردية في الشمال الشرقي، حيث إن تحرير تلك الأراضي يسهم في تخفيف أزمة الطاقة والغذاء السورية حسب تحقيقات ميدانية صحفية.  

بينما يأتي في صدارة الأولويات التركية بند إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل الانتخابات التركية المرتقبة هذا العام، فمن خلال عقد هذه المصالحة تستطيع تركيا أن ترفع عن كاهلها عبء اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم أربعة ملايين، ويشكلون أزمة حاليًا في المجتمع التركي، الذي أصبح أغلبه يؤيد إعادتهم إلى بلادهم، بعد أن نجحت المعارضة في استغلال ملفهم لإشاعة الكراهية والبغضاء ضدهم، بعد تحميلهم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تركيا، وهي الخطوة التي ستجعل الحكومة التركية تُفقد أحزاب المعارضة ورقة هامة من أوراق الضغط التي بحوزتهم، خصوصًا أن قادة هذه الأحزاب أعلنوا أن من أولوياتهم حال فوزهم في الانتخابات، إحياء العلاقات التركية مع نظام الأسد.

 

من الواضح أن روسيا قد أقنعت الأسد بأن يغير سياسته ويتواصل مع تركيا بحثًا عن تسوية قبل الانتخابات؛ لأن روسيا لا تريد مزيدًا من الاستنزاف على الجبهة السورية، حيث يكفيها انشغالها في أوكرانيا

الموقف الشعبي السوري

خرجت المظاهرات الشعبية الحاشدة في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، الجمعة، رفضًا للمصالحة مع النظام السوري وللتنديد بالتقارب التركي معه، فيما لم يصدر موقف رسمي عن المعارضة ممثلة بـ "هيئة التفاوض" و"الحكومة المؤقتة" و"الائتلاف الوطني" الذي نشر بيانًا على صفحته الرسمية على "فيسبوك" ذكر فيه أن "المظاهرات خرجت للمطالبة بإسقاط النظام وتحقيق الانتقال السياسي". 

أنقرة تطمئن المعارضة السورية

على إثر تلك الاحتجاجات طالب "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" بعقد اجتماع عاجل مع مسؤولي الحكومة التركية؛ لبحث مسألة التقارب مع النظام السوري، التي تتطور على نحو متسارع، وتوضيح بعض الأمور والمستجدات حولها، وذلك في أعقاب اللقاء الذي عقد بين وزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات تركيا وسوريا وروسيا في موسكو.

وعلى الفور استجاب الوزير لمطلب المعارضة والتقى جاويش أوغلو في أنقرة برئيس "الائتلاف الوطني السوري" سالم المسلط ورئيس "هيئة التفاوض السورية" بدر جاموس ورئيس "الحكومة المؤقتة" عبد الرحمن مصطفى، وكتب الوزير التركي عبر "تويتر" عقب اللقاء: "تمت مناقشة آخر التطورات حول سوريا.. أكدنا دعمنا للمعارضة والشعب السوريين وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254".

وكان جاويش أوغلو قد أكد في تصريحات سابقة غداة اجتماع وزراء الدفاع في موسكو، أن تركيا "لن تتحرك ضد حقوق المعارضة السورية رغم خطوات التطبيع مع النظام السوري، وأنها ترى ضرورة تحقيق التوافق بين المعارضة والنظام من أجل التوصل إلى حل الأزمة وتحقيق الاستقرار في سوريا".

روسيا ترد الجميل

من الواضح أن روسيا قد أقنعت الأسد بأن يغير سياسته ويتواصل مع تركيا بحثًا عن تسوية قبل الانتخابات؛ لأن روسيا لا تريد مزيدًا من الاستنزاف على الجبهة السورية، حيث يكفيها انشغالها في أوكرانيا، كما أن تركيا تلعب دورًا مهمًا في الوساطة مع أوكرانيا والغرب، ورفضت تطبيق الإجراءات العقابية ضد روسيا التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير الماضي.

والسؤال الآن هل سيتم التوافق بين البلدين لضمان تحقيق هذه المطالب، ووضعها موضع التنفيذ الفعلي حتى ولو بشروط محددة أو اتفاقات أمنية وسياسية تفضي إلى تحول المصالحة التركية – السورية لحقيقة، هذا ما ستوضحه وتجيب عنه مجريات الأحداث خلال الأيام المقبلة.

أعلى