• - الموافق2024/10/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الجيل الجديد للجماعة الإسلامية في لبنان  والتطبيع مع حزب الله

ما الذي يجري داخل الجماعة الإسلامية في لبنان؟ ما هي توجهات القيادة الجديدة للجماعة؟ هل تستطيع أن تواجه التحديات المختلفة التي تمر بلبنان والمنطقة؟ وكيف ستتعامل مع حزب الله والنظام السوري؟


سؤالان أساسيان يُطرحان بشأن مستقبل الجماعة الإسلامية في لبنان، بعد انتخابات مجلس الشورى في الصيف الماضي، والتي أسفرت عن وصول قيادة بيروتية شابة إلى منصب الأمانة العامة للجماعة لأول مرة منذ تأسيس الجماعة قانونياً عام 1964. فهل باتت الجماعة في معسكر حزب الله وإيران والنظام السوري، لا سيما أنّ الانتخابات المذكورة وقعت أحداثها قبل أشهر قليلة من سفر وفد قيادي لحماس إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري في 19 الشهر الحالي، لأول مرة منذ القطيعة الناتجة عن ثورة الشعب السوري عام 2011؟ وهل تكرّس الانتقال بسلاسة بين الرعيل المؤسس للجماعة إلى الجيل الرابع دفعة واحدة كما يقال في الإعلام اللبناني، دونما تحضير مسبق، ولا وقاية محتملة من الارتدادات والعواقب؟

بشأن السؤال الأول، يقال بأنّ الجماعة الإسلامية وبضغط من حركة حماس الفلسطينية بزعامة يحيى السنوار في قطاع غزة المقرّب من الحرس الثوري الإيراني، جرى استبعاد الجناج التركي في الجماعة عن مواقع القيادة، والمقصود على وجه الخصوص الشيخ أحمد العمري. ويقال أيضاً إنّ لحماس نفوذاً قوياً في الجماعة بسبب أنّ كثيراً من كوادرها كانوا أعضاء في الجماعة، في المخيمات الفلسطينية في لبنان وخارجها، قبل تأسيس الحركة عام 1987، ثم انضمامهم لاحقاً إليها، وهي التي باتت معلومة تحالفاتها الوثيقة مع إيران. وعلى هذا، دفعت إلى تظهير قيادة جديدة للجماعة في لبنان غير متصادمة مع الحزب الإيراني الانتماء.

 

 في انتخابات مجلس الشورى في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، فكان مفاجأة غير متوقعة، لجهة وصول شخصية بيروتية شابة إلى منصب الأمين العام للجماعة، في حين أنّ كل الأمناء السابقين أتوا من طرابلس، المعقل التاريخي للجماعة

في هذا المجال، تؤكد المعلومات، أنّ حزب الله في لبنان، بذل جهداً لقطع الطريق على وصول الشيخ أحمد العمري للأمانة العامة، لأنه من المنتقدين علناً للحزب ومحور الممانعة. وبالمقابل، كان الحزب يؤيد وصول العضو القيادي للجماعة في صيدا محمد الشيخ عمار، إلى هذا المنصب.

 إمساك العصا من الوسط

لكن القيادة العميقة في الجماعة والمتحلّقة حول نواة صلبة تمثّل الرعيل المؤسس منذ الخمسينيات، هي التي تولّت تصدير القيادي الدعوي الشيخ محمد طقوش (49 عاماً) في انتخابات مجلس الشورى في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، فكان مفاجأة غير متوقعة، لجهة وصول شخصية بيروتية شابة إلى منصب الأمين العام للجماعة، في حين أنّ كل الأمناء السابقين أتوا من طرابلس، المعقل التاريخي للجماعة، وهو الذي لم يسبق له أن مارس السياسة في صفوفها، ولا ترشّح للنيابة في البرلمان اللبناني، ولا كان مرشحاً لتولي هذا الموقع من قبل. بل كان عاملاً في المجال التربوي (مدرّساً في مدارس الإيمان التابعة للجماعة)، وفي المجال الدعوي (رئيس الدائرة الدعوية في الجماعة). فهل كان هذا الخيار نوعاً من التسوية التي تُرضي حماس وحلفاءها الإقليميين دون إغضاب القاعدة العريضة للجماعة والتي هواها مطابق لهوى أهل السنة في لبنان، لجهة الموقف المناهض للحزب وللنظام السوري وإيران؟ أم كان فلتة شوط ويمكن أن يكون بانتظارها تداعيات سلبية كانشقاقات محتملة وانسحابات، وتفعيل حزب الإصلاح والتنمية الموسوم على غرار حزب العدالة والتنمية في تركيا وأحزاب أخرى شبيهة في العالم العربي؟

ما جرى كما يؤكد الضليعون في شؤون الجماعة، هو سياسة تقليدية اعتاد عليها المؤسسون الكبار الذين حنّكتهم التجارب والمآسي، وضرّستهم الدنيا المتقلّبة بأنيابها، فكما تعايشوا مع معاداة الدولة اللبنانية لنشاط الجماعة منذ ظهورها في الخمسينيات والستينيات، وكما تعاملوا بمرونة نسبية مع التيار القومي العربي، الناصري الهوى، الكاسح في الستينيات والسبعينيات، وكما صمدوا في العواصف العاتية للحرب الأهلية ما بين عامي 1975 و1990، فشاركوا في الحرب دفاعاً عن طرابلس وصيدا السُنّيتين، كذلك تكيّفوا مع مرحلة البناء والإعمار بعد الحرب، وواجهوا الشخصية الجذابة لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، بمزيج من التودّد والنقد، ثم انكفؤوا عمداً بعد اغتياله عام 2005، وتعاطوا مع ابنه سعد الدين زعيماً أوحد للسنة دون محاولة استفزازه أو تحدّيه.

والآن بعد أن استنكف الحريري الابن عن السياسة، تاركاً الساحة السنية من قيادة سياسية ذات تأثير، فإن الجماعة التي تعرف حدود قوتها وشعبيتها، ما زالت تمسك العصا من الوسط، وتمعن في الجَوَلان في الرقعة الرمادية، فهي لا تقطع شعرة معاوية مع الحزب، ومن باب أولى لا تبتعد عن حماس الحركة الشقيقة. والأهم، أنّ الجماعة تراعي الرأي العام السني في الحدّ الأدنى، كي لا تفقد حاضنتها الشعبية نهائياً.

أما أن يؤدي اختيار أمين عام يفتقر للخبرة السياسية إلى إضعاف الجماعة، فللقضية وجهان متقابلان، فانتخاب شاب للأمانة العامة، يفتح المجال واسعاً أمام الشباب كي يتفدموا إلى الصفوف الأولى، وقد يكون العكس، أي أن يكون طقوش قوة طاردة للشباب الطامح، فيصبح إطلاق حزب الإصلاح والتنمية هو المعبر الإلزامي من أجل البقاء، علماً أنّ التفكير بفصل السياسة عن الدعوة، موجود قبل زمن طويل في أذهان قياديي الجماعة سواء في لبنان أو سواها من البلدان. لكنه القرار الذي لم يرَ النور إلا في السنوات الأخيرة، وكان أحياناً كثيرة نوعاً من التمرّد على التنظيم الأصل، وانتفاضاً على جيل الكبار الذين يرفضون التجديد.  

 

لجوء الجماعة "العتيقة" إلى الجيل الشاب عديم الخبرة سياسياً، فهو دليل أزمة أعمق في تدافع الأجيال في الجماعة، التي قاوم المؤسسون فيها زمناً طويلاً تطلّع الشباب فيها إلى استلام مناصب قيادية،

أزمة أجيال الجماعة

أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني، وهل ينجح الانتقال الاضطراري من جيل المؤسسين إلى جيل الشباب؟ فقد كان معلوماً أنّ الجماعة وقد أصابها الخمول والجمود بل الشيخوخة منذ أمد بعيد، بسبب كبر سنّ الأمناء العامين السابقين الذين مرّوا بتجارب كثيرة، قد أثمرت خبرتهم الطويلة تردّداً في المواقف وعدم وضوحها من فرط اللجوء إلى المنطقة الرمادية بين المعسكرين المتناقضين في لبنان: 8 و14 آذار، منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005. فالتزم الجماعة الإقامة الجبرية في العتمة السياسية، فأضحت في ظلمات فوقها ظلمات، وكأن قطار الزمان قد فات الجماعة، تتجاوزها الأحداث، وتفقد بريقها بنظر الجمهور. ولولا خشية الشارع البيروتي من فوز جماعة الأحباش الموالية لدمشق بمقعدين في بيروت في الانتخابات النيابية الماضية في أيار/مايو الماضي، لما فاز مرشحها المخضرم عماد الحوت، بمقعد نيابي، بينما خسر مرشح الجماعة في طرابلس معقلها الأساسي (الأمين العام آنذاك عزام الأيوبي) فيما فاز مرشح الأحباش لأول مرة في المدينة (طه ناجي)، وخسر مرشحون آخرون في دوائر انتخابية أخرى ذات غالبية سنية؛ إذ مع عدم قدرة الحوت على الانضمام إلى لائحة تيار المستقبل في بيروت عام 2018، خسر الحوت مقعده، وكاد الحال أن يتكرر هذا العام مع اعتكاف تيار المستقبل عن الترشح أو الانتخاب، بأوامر من رئيسه سعد الحريري الذي يعمل حالياً في قطاع الأعمال من مكان إقامته في الإمارات. وفوزه بهذه الطريقة دليل تراجع وانحسار، لا مؤشر انتصار.    

أما لجوء الجماعة "العتيقة" إلى الجيل الشاب عديم الخبرة سياسياً، فهو دليل أزمة أعمق في تدافع الأجيال في الجماعة، التي قاوم المؤسسون فيها زمناً طويلاً تطلّع الشباب فيها إلى استلام مناصب قيادية، فانسحب منها مع جريان الزمن، قيادات نشطة أسست جماعات وجمعيات إسلامية لم تكن بأي معنى لتجاري أو تضاهي الجماعة الأم.

الآن وقد انتخب الشيخ محمد طقوش خلفاً للأمين العام السابق عزام الأيوبي (55 عاماً) الذي شغل هذا المنصب من عام 2016، وكان فوزه في ذلك العام، في مواجهة أحد مؤسسي الجماعة التاريخيين وهو غسان حبلص، فإن التحدّي الذي واجه الأيوبي آنذاك، سيواجه طقوش بدرجة أكبر، حتى قيل إنّ الجماعة انتقلت دفعة واحدة من جيل المؤسسين التاريخيين أصحاب السيرة العريضة كلّ في مجاله (فتحي يكن الخطيب والمنظّر والكاتب، وفيصل مولوي الفقيه والقاضي المستشار، وإبراهيم المصري الناشط الرائد والإعلامي منذ الخمسينيات) إلى جيل شاب نسبياً بتأخير يبلغ عشرات السنين، وهو ما أسهم بنظر منتقدي سياسات الجماعة الداخلية في الركود التنظيمي والتردد السياسي في أدق المراحل التي مرّ بها أهل السنة والجماعة في لبنان، لا سيما منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، ودخول الجماعة معترك الانتخابات النيابية لأول مرة في تاريخها عام 1992.

صحيح أنّ بعض القيادات الشابة برزت في السنوات الأخيرة، مثل الدكتور عماد الحوت والشيخ أحمد العمري في بيروت، وعزام الأيوبي وإيهاب نافع في طرابلس، لكن ثمّة شخصيات أخرى تميل إلى التقاطع مع حزب الله، كحزب مقاومة لإسرائيل، وككيان سياسي لبناني، له مشتركات مصلحية مع الطوائف التي تعيش معاً على أرض واحدة. وهؤلاء لا ينحازون إلى الخط الإيراني، كما تفعل حركة حماس في قطاع غزة، فما يحتاج إليه الحمساويون في غزة من سلاح ومال للصمود أمام إسرائيل، لا يحتاج إليه الجماعة الإسلامية في لبنان، وهم يتعاطفون تماماً مع ثورة الشعب السوري، ويسترجعون المجازر التي ارتكبها جيش الأسد في طرابلس في ثمانينيات القرن الماضي، بعد مجزرة حماة الشهيرة، كما يرفضون التعرّض الإعلامي والأمني لدول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية، التي يرون فيها مرجعية سنية قوية في الإقليم.

لكن هل يمكن أن يتحوّل الاتجاه الحالي غير الحاسم حتى الآن بدفع من حماس ومصالحها الاستراتيجية مع إيران إلى أكثر مما انحازت إليه الجماعة أخيراً، عندما اختارت وسط العصا، لا طرفاً من طرفيها؟ لا شيء يمنع مبدئياً من تطبيع العلاقات مع محور الممانعة مع الوقت، على نحوٍ خاص مع وجود قيادة غير متمرّسة في الموقع الأول للجماعة، ويمكن أن تجد مبرّرات للانفتاح على حزب الله، لتحقيق مصالح ودرء مفاسد كما تفعل الآن حماس، لكن ما تفعله بحماس منقطع النظير، ما استفزّ شريحة واسعة من الإسلاميين على مختلف توجهاتهم، وأثار فيهم الغضب والاشمئزاز. والفارق بين الحالتين، أنّ الجماعة الإسلامية بوزنها المنحسر لن تلفت النظر لو بدّلت تحالفاتها من معسكر إلى آخر، بخلاف ما أثارته حماس بتظهير موقفها المعروف أصلاً.

أعلى