• - الموافق2024/05/02م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التيار الصدري من النشأة حتى الصِدام

كان الظهور الحقيقي للتيار مع بداية الاحتلال الأمريكي حيث سعى “التَّيار الصَّدري. إلى الهيمنة على الشارع من خلال تصريحاته ضد الاحتلال الأمريكي، كما هيمن جناحه العسكري “جيش المهدي” على المدن العراقية، وعلى وجه الخصوص بغداد ومدن الجنوب والوسط، حيث الكثافة ال


ارتبط التيار الصدري باسم عائلة الصدر التي تعد المؤسس الحقيقي للنشاط الشيعي السياسي في العراق منذ نشأة العراق الحديث، وعائلة الصدر كان لها حضور بارز حتى إبان العهد الملكي وما بعده،  فحزب الدعوة الذي ينتمي إليه نور المالكي رئيس الوزراء الأسبق يرجع في تأسيسه لـمحمد باقر الصدر الذي شكل بجانب مجموعه من رفاقه نواته الأولى، وأسهم في إخراجه للساحة السياسة، وتتمتع عائلة الصدر بشكل عام بنفوذ واسع داخل الطائفة الشيعية ليس على العراق وحده، بل نافذة أيضاً في لبنان وسوريا وبلاد أخرى، وتتميز بكونها مرجعية شيعية عربية إذ تنحدر أصولها من الحجاز، ولديها مرجعان كبيران في التاريخ العراقي المعاصر هما محمد باقر الصدر، ومحمد صادق الصدر والد مقتدى.

يعود بروز التيار الصدري بقوة إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي، فكان لنشاط السيد محمد صادق الصدر في النجف دور كبير في نشأة التيار خاصة أنه يسعى أن تكون المرجعية للطائفة الشيعية عربية وأن يكون مقرها النجف في العراق وليس قم في طهران، وبدأ يخرج عن المرجعيات الإيرانية التي سادت تاريخ تلك المؤسسة الدينية منذ الصفويين.

الاحتلال الأمريكي وبروز التيار.

ولد هذا التَّيار قبل الاحتلال الأمريكي لبغداد بعدة سنوات، حيث التفت كتل عديدة من الشباب الشيعي  حول محمد محمد صادق الصَّدر والذي قُتل 1999، خلال صلاة الجمعة بمسجد الكوفة، والذي استفاد مِن “الحملة الإيمانية”، التي أعلنها النظام السَّابق (1993/1994)، وبطلب من النِّظام العراقي لصنع مرجعية شيعية عربية، فوقع الخيار على الصَّدر، وفتح له المجال للحركة وإلقاء الدروس والخطب.

يرى البعض أن النظام العراقي هو من تخلص منه لتعديه الخطوط الحمر، وقيل: إن  مجموعات تابعة لإيران هي الفاعل، ولا يمكن تأكيد أي من الروايتين.

كان الظهور الحقيقي للتيار مع بداية الاحتلال الأمريكي حيث سعى “التَّيار الصَّدري. إلى الهيمنة على الشارع من خلال تصريحاته ضد الاحتلال الأمريكي، كما هيمن جناحه العسكري “جيش المهدي” على المدن العراقية، وعلى وجه الخصوص بغداد ومدن الجنوب والوسط، حيث الكثافة الشِّيعية.

قصة التيار الصدري مع إيران:

بعد 2003 بدأ التيار يحاول إعادة تنظيم نفسه والتفوا حول الشاب مقتدى الصدر وريث العائلة الصدرية،  فتحول هذا الشاب الصغير إلى قائد ديني وسياسي بارز في العراق، وازداد أتباعه بعد تركيزه على فقراء الشيعة ومصالحهم في العراق، وعمد إلى تشكيل "جيش المهدي"  والذي برز دوره بقوه بعد تفجير مرقد العسكريين في سامراء عام 2006 الأمر الذي أشعل فتيل الحرب الطائفية في العراق وتسبب في مقتل الآلاف من السنة وتشريدهم وطردهم من بيوتهم، ونتيجة ذلك اتسعت شعبية مقتدى الصدر بين الأوساط الشيعية الفقيرة.

وخلال هذه الفترة انفرد جناح من "جيش المهدي" - بخلاف أهل السنة - بمجابهة الوجود الأمريكي في العراق لاعتقاد التيار الصدري، وحالت طهران الاستفادة  من موقف الصدريين من الاحتلال الأمريكي، فالصراع بين التيار الصدري والأمريكان يفتح لها الطريق للانفراد والهيمنة بشأن العراقي، ومما يدفع للتأكيد على هذا الاتجاه قيام (أبو مهدي المهندس) بدعم التيار الصدري والقتال مع جيش المهدي ودعمه ماديًا، وتدريب قواعده عسكريًا، وحين ضيق الأمريكان  الأمر على التَّيار الصَّدري استقبلت إيران مقتدى الصَّدر، تحت غطاء الدراسة الدِّينية.

وبما أن مقتدى الصدر لم يكن أبدًا محل ثقة طهران، فحرصت طهران على تمزيق تياره خاصة بعدما تحقق لها المراد من إضعاف الدور الأمريكي في العراق، فمن جهة أغرت المقربين منه  بالانفصال عنه مقابل الحصول على دعمها، كما فعلت مع قيس الخزعلي والتي أوزعت له بتشكيل “عصائب أهل الحق”، وميليشيات أُخر، أطلق عليها مقتدى الصَّدر تسمية الميليشيات “الوقحة”، ومن جهة أخرى حاولت احتوائه على قدر الإمكان. فإيران تريد أن تكون كافة الفصائل الشيعية مرتبطة بها وتأتمر بأمرها في حين أن الصَّدر يحاول توسيع دائرة علاقته بمحيطه الإقليمي,

كذلك يسعى الصدر إلى تكوين تحالفات ومد جسور التعاون مع بقية مكونات الشعب العراقي خاصة القوى المدنية والشعبية الأخرى في العراق وهو الأمر الذي يقلق طهران لذا فإن الدور الإيراني الساعي إلى احتواء التيار من جهة ومحاولة تفتيته من جهة أخرى قائم إلى الآن.

موقف التيار بين البندقية والسياسة:

مع بداية تجميد نشاط "جيش المهدي" بدأ التيار في الاتجاه إلى تنظيم نفسه سياسيًا، ومحاولة التواصل مع قواعده الشعبية والتركيز على الكتل الشعبية التي تجلب له أصواتًا انتخابية، ونجح التيار في الحصول على حصص معقولة في كافة الانتخابات التي خاضها. فقد حصل التيار الصدري في انتخابات 2014 على 40 مقعداً من أصل 70 داخل "التحالف الوطني" الذي كان ائتلافاً مشتركاً بين القوى الشيعية التي تحاول استبعاد المالكي من رئاسة الوزراء في انتخابات.

كانت مواقف التيار الصدري السياسية منفصلة بشكل واضح عن السياسة الإيرانية التي تريدها للعراق، فدعم التيار الصدر موقف القوى التي حاولت سحب الثقة عن المالكي في يونيو 2012،  كما أن اعترض بقوة على تشكيل "الحشد الشعبي" الذي يمثل قمة تطور النفوذ الإيراني في الداخل العراقي، ورفض الصدر كذلك موقف تلك المليشيات مستخدمًا مصطلح "الميليشيات الوقحة" لتوصيف تلك الفصائل ودعا  الحكومات المتعاقبة إلى حصر السلاح بيدها.

كما سعى التيار الصدري إلى النأي بالنفس عن الحكومات العراقية واصفًا إياها بالفاسدة المفسدة، كما انسحب التيار الصدر من الحكومة في العام  2007 متعللاً برفضها تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من البلاد.

وأعلن التيار كذلك في 2014 أنه سينسحب من ساحة العمل السياسي. في مناورة منه لتبييض سمعته من جراء الارتباط بطبقة الحكم التي يرى أنها فاسدة وتابعة لقوى خارجية.

ورغم أن التيار الصدري كان يحقق دائمًا انتصارات ونسب مرتفعة في الانتخابات إلا أنه لم  يشغل مناصب إدارية عليا معتبرة في العراق.

وفي الانتخابات الأخيرة حقق التيار أكبر فوز له حيث حصد للتيار الصدري 73 مقعدًا، يليه تحالف "تقدم الوطني" برئاسة محمد الحلبوسي (38 مقعدًا) فكتلة "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (37 مقعدًا) ثم الحزب "الديمقراطي" الكردستاني (32 مقعدًا) يليه تحالف "الفتح" برئاسة هادي العامري (14 مقعدًا).

وكانت تلك الانتخابات هي الأولى في تاريخ التيار التي يدخلها باسمه الصريح فدخل تحت اسم "الكتلة الصدرية"، وقد سعى التيار لتشكيل  حكومة أغلبية تستبعد الإطار التنسيقي حلفاء طهران، وعلى الرغم من تشكيله تحالفًا ثلاثيًا مع قوى كردية وسنية، حصل على أكثر من نصف مقاعد البرلمان.

إلا أن حلفاء طهران في المنظومة القضائية حالوا دون تلك الخطوة بإصدار قرار من المحكمة الاتحادية بضرورة الحصول على أغلبية الثلثين لتحقيق نصاب جلسة انتخاب الرئيس، وهو الامر الذي قوض طموحات التيار الصدري بتشكيل حكومة يتزعمها التيار مع تحالفه الثلاثي.

وهو الأمر الذي تطور إلى انسحاب أعضائه واستقالتهم جميعًا من البرلمان ثم تطور الأمر إلى مظاهرات واعتصامات داخل البرلمان والمطالبة بانتخابات برلمانية مبكرة، وصولاً إلى حالة النزاع المسلح بين الفصائل الشيعية. ورغم أنه قد تم نزع فتيل الأزمة وإعلان مقتدى الصدر اعتزال الحياة السياسية إلا أن الأمر لم ينته بعد، فلا هي أول مرة يعلن الصدر اعتزاله، ولا التيار يمكن إلغائه بكلمة هنا، أو بيان هناك.

وما زال قوس التيار الصدري مفتوحًا لم يغلق بعد خاصة أن جموعًا كبيرة من الشعب العراقي ومن الطائفة الشيعية باتت تدرك أن إيران وأذنابها هم مصدر الفساد، وأصل الداء.

 

أعلى