الضابط ماكنتوش وأزمة الهوية في الأردن

تنقل صحيفة "تايمز" عن جنرال أردني متقاعد قوله " إن ماكنتوش قد أصبح ذا نفوذ كبير في الأردن وبدأ يتدخل كثيرًا في أمور داخلية، والحقيقة أننا شهدنا بعض الحالات لضباط أجانب في الأردن أصبحوا متغطرسين كثيرًا فقط لأنهم كانوا يلتقون بالملك"


يحاول النظام السياسي في الأردن التشبث بعوامل الاستقرار مدفوعاً بالحفاظ على أهم أوراق نفوذه وهي ورقة الحفاظ على اتفاقية السلام مع الاحتلال الصهيوني مقابل الدعم الأمريكي والغربي سياسياً ومالياً وعسكرياً، فقد لعبت السلطات الأردنية دوراً مهماً في الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان والحملة الدولية على تنظيم "داعش" في سوريا وتزامناً مع "الربيع العربي" هاجم بصورة شرسة جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وقام بحل الجماعة بقرارات قضائية كانت تشي بحالة غليان يشهدها النظام من الداخل انعكست لاحقاً على الأوضاع الاقتصادية في البلاد وظهور ما عرف بـــ"قضية الفتنة"، التي تورط فيها الأمير حمزة ابن الحسين شقيق الملك عبدالله وإتهامه بمحاولة تدبير إنقلاب بدعم خارجي ضد شقيقه الملك، ورغم تسوية هذه الأزمة داخل الأبواب المغلقة في القصر الملكي الأردني، إلا أن الغيمة السوداء لا تزال تحوم فوق العاصمة الأردنية عمان، فقد أعلن الديوان الملكي الأردني مؤخراً أن الأمير علي بن الحسين قد أدى اليمين الدستورية، نائباً للملك عبد الله الثاني، خلفاً للأمير فيصل بن علي الذي لم يمضي على تعيينه في منصبه سوى أسابيع!.

أتت الخطوة الأخيرة عقب إعلان وزارة الدفاع البريطانية عن إنهاء خدمات العميد إليكس ماكنتوش من منصبه كمستشار دفاعي للملك عبدالله الثاني عقب معلومات تحدثت عن إفشاله صفقة لبيع مروحيات حربية خارج الخدمة للجنرال الليبي خليفة حفتر كانت ستسهم في تغيير موازين معركة طرابلس لصالحه. وفيما ذكرت مصادر صحفية ألمانية أن ماكنتوش هو أحد 20 جنرالاً بريطانياً يحيطون بالملك عبد الله الثاني، فإنها أشارت إلى أن الصفقة التي تزيد قيمتها عن 80 مليون دولار وتتم بوساطة من الأمير فيصل بن الحسين، كانت سبباً بالإطاحة بماكنتوش عقب تدخله لإقناع الملك عبد الله الثاني بضرورة إبطالها بسبب مخاوف من تأثيرات سلبية لها.

تنقل صحيفة "تايمز" عن جنرال أردني متقاعد قوله " إن ماكنتوش قد أصبح ذا نفوذ كبير في الأردن وبدأ يتدخل كثيرًا في أمور داخلية، والحقيقة أننا شهدنا بعض الحالات لضباط أجانب في الأردن أصبحوا متغطرسين كثيرًا فقط لأنهم كانوا يلتقون بالملك". ماكنتوش لم يكن آخر أزمات النظام السياسي في الأردن، لاعتبارات أهمها طبيعة المهمة التي أصبحت أحد ركائز النظام السياسي في الأردن وهي المحافظة على إتفاقية السلام مع الدولة العبرية، وهذا الامر تحدثت عنه دراسة مؤخراً لمركز "بيسا" الصهيوني، فقد أشارت إلى أن الأردن والحكومة الصهيونية بدأتا صفحة جديدة، توجتها لقاء سري بين الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بنيت، وعقب هذا اللقاء وافقت حكومة الاحتلال على تزويد الأردن بملايين الأمتار المكعبة من المياه من بحيرة طبريا، كما ستسمح سلطات الاحتلال للواردات الأردنية بدخول الأراضي الفلسطينية.

لا يبحث النظام السياسي في الأردن عن مكتسبات سياسية دائماً فهو يبحث عن دوافع البقاء والصمود في وجه أزمة إقتصادية طاحنة تضرب البلاد، لذلك يعد الملف الفلسطيني أحد أهم أوراق القوة التي يمتلكها للحصول على مراده، فعلى المدى الطويل كما يقول مركز الدراسات الصهيوني، كان دور الأردن في احتواء الحركة الوطنية الفلسطينية أكبر عوامل التوافق مع الدولة العبرية، لذلك حينما أعلن خطته لفك الارتباط بالضفة المحتلة عام 1988، كانت الغاية عدم ربط الأردن بفكرة تقرير مصير الحركة الوطنية الفلسطينية، ودفعت الأردن باتجاه إتفاق "أوسلو" عام 1993 لإظهار نواة مشروع السياسي فلسطيني يضمن عدم ضياع هويتها بسبب النزاع الديمغرافي في الداخل الأردني، لكن إنهيار "أوسلو" وصعود اليمين الصهيوني خلال العقد الماضي وإلتزام الأردن بجانبها من الإتفاقات مع الاحتلال الصهيوني وتركزيها على المكتسبات المادية أكثر من الحفاظ على مصالحها السياسية، جعل دولة الاحتلال الصهيوني تسعى لا سيما في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى تجاوز الأردن في الملف الفلسطيني والتشبيك مع بعض الأطراف الخليجية مثل الإمارات عقب طرح "صفقة القرن"، وكذلك عودة بعض الإطروحات السياسية اليهودية للتخلي عن حل الدولتين والإشارة إلى فكرة الوطن البديل التي تقترن دائماً بالأردن. واستخدمت دولة الاحتلال التغول الإيراني في المنطقة كذريعة لزيادة توثيق علاقتها بمنطقة الخليج على حساب مستقبل الأردن ودوره السياسي بالمقابل يحاول الأردن الحفاظ على دوره المهم في ضمان أمن الدولة العبرية والنجاة من الأزمات عبر إعادة التموضع دائماً، وهذا الأمر ظهر في يونيو الماضي حينما إلتقى العاهل الأردني برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وجرى الحديث عن تشكيل محور إقتصادي جديد في المنطقة وتوج هذا اللقاء باتفاق على مد خط أنابيب من العراق إلى مصر عبر الأراضي الأردنية لنقل النفط العراقي إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. عقب اللقاء الثلاثي بدأت وسائل الإعلام الرسمية الأردنية تتحدث عن سبل تعزيز التعاون مع النظام الإيراني، وعقب زيد النابلسي، عضو المجلس الاستشاري للملك على ذلك بالقول: "السياحة الدينية الإيرانية ستعيد الحياة إلى الأردن". ويجري الحديث عن اقتراح لبناء مطار في مدين الكرك جنوب عمان لتسهيل وصول السياح الشيعة إلى ضريح الصحابي جعفر بن أبو طالب رضي الله عنه، وقد قام العاهل الأردني مؤخراً بزيارة الضريح للترويج لزيارته.

الصحفي الأردني، موفق محادين، أحد الإعلاميين الأكثر قرباً من البلاط الملكي في الأردن، نشر شائعة مؤخراً قال فيها " إن ثمانون بالمائة من شيعة لبنان هم من الكرك"، وتداولت وسائل إعلام اردنية الكثير من الأخبار حول وعد إيراني بتزويد المملكة بالنفط مجانا. قرب الولايات المتحدة من توقيع صفقة مع إيران بشأن الاتفاق النووي وتساهل واشنطن مع المليشيات الشيعية في المنطقة قد يكون أحد دوافع النظام السياسي في الأردن لإعادة تموضعه لا سيما في ظل حديث متواصل عن خلافات بين الأردن وأطراف خليجية، لكن مهما بلغت حدود مناورات النظام السياسي في الأردن فإن أمن دولة الاحتلال الصهيوني سيبقى تميمة النجاة التي تمنحه الحياة، فمؤخراً حولت واشنطن 600 مليون دولار للخزينة الأردنية ضمن منحة سنوية تبلغ 1.65 مليار دولار ستقدم للاردن على هيئة مساعدات اقتصادية وعسكرية تحصل عليها بصورة دورية منذ توقيع إتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، ومثل هذا الدعم يكن غالباً صمام استقرار للنظام السياسي في الأردن وضمان للحفاظ على الدور الوظيفي له في المنطقة.

 

 

 

أعلى