• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حكم التهنئة بدخول شهر رمضان

حكم التهنئة بدخول شهر رمضان

 

هذا بحث مختصر حول : (حكم التهنئة بدخول شهر رمضان) ، حاولت أن أجمع فيه أطرافه ، ملتمساً في ذلك طلب الحق إن شاء الله (تعالى) .

قبل البدء بذكر حكم المسألة لا بد من تأصيل موضوع (التهنئة) .

فيقال : التهاني من حيث الأصل من باب العادات،والتي الأصل فيها الإباحة ،حتى يأتي دليل يخصها ،فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر .

قال الشيخ العلامة (عبد الرحمن ابن سعدي) (رحمه الله تعالى) في منظومة القواعد .

والأصلُ في عاداتنا الإباحةْ       حتى يجيءَ صارفُ الإباحةْ 

وليس مشروعاً من الأمور       غير الذي في شرعنا مذكور [1]

 ثم قال (رحمه الله) معلقاً على ذلك : (وهذان الأصلان العظيمان ذكرهما شيخ الإسلام (رحمه الله) في كتبه ، وذكر أن الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه : أن العادات الأصل فيها الإباحة ، فلا يحرم منها إلاّ ما ورد تحريمه ... إلى أن قال : فالعادات هي ما اعتاد الناس من المآكل والمشارب ، وأصناف الملابس والذهاب والمجيء ، وسائر التصرفات المعتادة ، فلا يحرم منها إلاّ ما حرّمه الله ورسوله ، إما نصّاً صريحاً ، أو يدخل في

عموم ، أو قياسٍ صحيح ، وإلاّ فسائر العادات حلال ، والدليل على حلها قوله (تعالى) : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة : 29] ، فهذا يدل على أنه خلق لنا ما في الأرض جميعه لننتفع به على أيّ وجهٍ من وجوه الانتفاع) [2]  .

وإذا كانت التهاني من باب العادات،فلا ينكر منها إلاّ ما أنكره الشرع،ولذا  مرّر الإسلام جملة من العادات التي كانت عند العرب،بل رغب في بعضها،وحرّم بعضها ، كالسجود للتحية .

حكم التهنئة بدخول الشهر الكريم : روى ابن خزيمة (رحمه الله) في صحيحه (3/191) عن سلمان (رضي الله عنه) قال : خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان،فقال: (أيها الناس ، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك ،شهر فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، .... ) الحديث .

قال ابن رجب (رحمه الله) : ( ... هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان) [3]  .

وإنما تأخر الاستدلال به على مسألتنا لأنه لم يثبت،بل هو حديث منكر كما قال الإمام أبو حاتم الرازي [4] ،ولذا : بوّب عليه الإمام ابن خزيمة في صحيحه بقوله : (باب فضائل شهر رمضان ، إن صحّ الخبر) [5].

وفي سنده (علي بن زيد بن جُدْعان) وهو (ضعيف) [6]  .

وذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن التهنئة بالعيد لا بأس بها ، بل ذهب بعضهم إلى مشروعيتها ، وفيها أربع روايات عن الإمام أحمد (رحمه الله) ،ذكرها ابن مفلح (رحمه الله) في (الآداب الشرعية) ، وذكر أن ما روي عنه من أنها لا بأس بها هي أشهر الروايات عنه [7].

(قال الإمام أحمد (رحمه الله) : ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد : تقبّل الله منا ومنك .

وقال حرب : سئل أحمد عن قول الناس : تقبل الله منا ومنكم ؟ قال : لا بأس،يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل : وواثلة بن الأسقع ، قال : نعم ، قيل : فلا تكره أن يقال : (هذا يوم العيد) ؟ ، قال : لا .... ) [8]  .

فيقال : إذا كانت التهنئة بالعيد هذا حكمها ، فإن جوازها في دخول شهر رمضان الذي هو موسمٌ من أعظم مواسم الطاعات ، وتنزل الرحمات ، ومضاعفة الحسنات ، والتجارة مع الله .. من باب أولى ، والله أعلم .

تحقيق بعض العلماء في المسألة : ومما يُستدَل به على جواز ذلك أيضاً : قصة كعب بن مالك (رضي الله عنه) الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما ، وقيام طلحة (رضي الله تعالى عنه) إليه .

قال ابن القيم (رحمه الله) ضمن سياقه لفوائد تلك القصة : (وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية ، والقيام إليه إذا أقبل ، ومصافحته ، فهذه سنة مستحبة ، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية،

وأن الأَوْلى أن يقال : يهنك بما أعطاك الله ، وما منّ الله به عليك ، ونحو هذا الكلام ، فإن فيه تولية النعمة ربّها ، والدعاء لمن نالها بالتهني بها) [9]  .

ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكه نعمةٌ دينية ، فهي أولى وأحرى بأن يُهنّأ المسلم على بلوغها ، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله (عز وجل) ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول ؟ ، ونحن نرى العشرات ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر .

وقال الحافظ ابن حجر (رحمه الله) : (ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة ،أو يندفع من نقمة : بمشروعية سجود الشكر ، والتعزية [10] ، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك ... ) [11]  .

ونقل القليوبي عن ابن حجر أن التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مندوبة .

وقد ذكر الحافظ المنذري أن الحافظ أبي الحسن المقدسي سُئِل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين : أهو بدعة أم لا ؟ ، فأجاب : بأن الناس لم يزالوا مختلفين في ذلك ، قال : والذي أراه أنه مباح ، ليس بسنة ولا بدعة [12]  .

خلاصة المسألة :

وبعد هذا العرض الموجز يظهر أن الأمر واسع في التهنئة بدخول الشهر ، لا يُمنع منها ، ولا ينكر على من تركها ، والله أعلم .

هذا ، وقد سألت شيخنا العلامة (محمد بن صالح العثيمين) عن التهنئة بدخول شهر رمضان ، فقال : (طيبة جدّاً) ، وذلك في يوم الأحد 8/9/1416هـ ، حال بحثي في هذه المسألة ، والتي أسأل الله (عز وجل) أن أكون قد وفقت فيها للصواب،فإن كان كذلك فمن الله وحده ، وإن كان ما قلته خطأً فأنا أهلٌ له ، والله ورسوله منه بريئان ، وأستغفر الله العظيم .

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

 

 


(1) المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي ، 1/143 .

(2) انظر (الموافقات) للإمام الشاطبي ، 2/212 246 ، ففيه بحوث موسعة حول العادات وحكمها في الشريعة .

(3) لطائف المعارف ، ص 279 ، ط دار ابن كثير .

(4) علل الحديث للرازي ، 1/249 .

(5) صحيح ابن خزيمة ، 3/191 .

(6) تقريب التهذيب ، رقم الترجمة (4734) .

(7) الآداب الشرعية ، 3/219 .

(8) المغني لابن قدامة ، 3/294 .

(9) زاد المعاد ، 3/585 .

(10) كذا في الموسوعة الفقهية التي نقلت عنها .

(11) الموسوعة الفقهية الكويتية ، 14/99100 ، وانظر ، وصول الأماني ، للسيوطي وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم اهتد إليه .

(12) وصول الأماني ، 1/83 (ضمن الحاوي للفتاوي) .

 

أعلى