• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ظاهرة ضعف الإيمان أعراضها أسبابها علاجها

ظاهرة ضعف الإيمان أعراضها أسبابها علاجها

 إن ظاهرة ضعف الإيمان مما عم وانتشر في المسلمين ؛ وهناك من الناس من يشتكي من قسوة قلبه ، وتتردد عباراتهم : (أحس بقسوة في قلبي) ، (أقع في المعصية بسهولة) وكثيرون آثار المرض عليهم بادية .

وهذا المرض أساس كل مصيبة وسبب كل نقص وبلية . وموضوع القلوب موضوع حساس ومهم ، وقد سمي القلب قلباً لسرعة تقلبه ، قال عليه الصلاة والسلام : (إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً  لبطن) [1] . وهو شديد التقلب كما وصفه النبي-صلى الله عليه وسلم- بقوله :   (لقلب ابن آدم أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً) [2] .

وحيث (أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه لن ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم) وأن الويل {لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ } [الزمر : 22] وأن الوعد بالجنة لـ { مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } [ ق : 33] كان لا بد للمؤمن أن يتحسس قلبه ، ويعرف مكمن الداء وسبب المرض ، ويشرع في العلاج قبل أن يطغى عليه الران فيهلك ؛ والأمر عظيم والشأن خطير ؛ فإن الله قد حذرنا من القلب القاسي والمقفل والمريض والأعمى والأغلف والمنكوس والمطبوع والمختوم عليه .

وفيما يلي محاولة للتعرف على مظاهر مرض ضعف الإيمان وأسبابه  وعلاجه :

أولاً : مظاهر ضعف الإيمان : إن لمرض ضعف الإيمان أعراضاً ومظاهر متعددة ، منها :

1- الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات : من العصاة من يرتكب معصية معينة يصر عليها ، ومنهم من يرتكب أنواعاً شتى من المعاصي ، وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها إلى عادة مألوفة ، ثم يزول قبحها في القلب تدريجياً حتى يقع العاصي في المجاهرة بها ويدخل في حديث : (كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... إلخ) [3]  .

2- ومنها : الشعور بقسوة القلب وخشونته : حتى يحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً لا يترشح منه شيء ، ولا يتأثر بشيء ، والله جل وعلا يقول : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة : 74] .

وصاحب القلب القاسي لا تؤثر فيه موعظة الموت ولا رؤية الأموات ، وربما حمل الجنازة بنفسه ، وواراها بالتراب ، لكن سيره بين القبور كسيره بين الأحجار .

3- ومنها : عدم إتقان العبادات : ومن ذلك شرود الذهن أثناء الصلاة ، وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها ، وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار .

4- ومن مظاهر ضعف الإيمان : التكاسل عن الطاعات والعبادات ، وإضاعتها ، وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها ، وقد وصف الله عز وجل المنافقين بقوله : { وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى }[النساء : 142] ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة ؛ وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر .

5- ومن المظاهر : ضيق الصدر ، وتغير المزاج ، وانحباس الطبع حتى كأن على الإنسان ثقلاً كبيراً ينوء به فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء .

6- ومن المظاهر أيضاً : عدم التأثر بآيات القرآن لا بوعده ولا بوعيده ، ولا بأمره ولا نهيه ، ولا في وصفه للقيامة ، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن ، ولا تطيق نفسه مواصلة قراءته فكلما فتح المصحف كاد أن يغلقه .

7- ومنها : الغفلة عن الله عز وجل عن ذكره ودعائه سبحانه وتعالى فيثقل الذكر على الذاكر ، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي ؛ وقد وصف الله المنافقين بقوله : { إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً } [النساء : 142] .

8- ومن مظاهره : الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة ؛ فتراه مرتعد الفرائص ، مختل التوازن ، شارد الذهن ، شاخص البصر ، يحار في أمره عندما يصاب بملمة أو بلية ، فتنغلق في عينيه المخارج ، وتركبه الهموم ؛ فلا يستطيع مواجهة الواقع بجنان ثابت وقلب قوي ، وهذا كله بسبب ضعف إيمانه .

9- ومنها : الشح والبخل : فلا شك أن ضعف الإيمان يولد الشح ؛ قال : (لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً) [4]  .

10- ومن مظاهر ضعف الإيمان : التعلق بالدنيا ، والشغف بها ، والاسترواح إليها ، فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة أن يحس بالألم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن ، ويعتبر نفسه سيئ الحظ ، ويحس بألم أكثر إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ الدنيا .

11- عدم الاهتمام بقضايا المسلمين ، ولا التفاعل معها لا بدعاء ولا صدقة ولا إعانة ؛ فهو بارد الإحساس تجاه ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والاضطهاد والكوارث ، فيكتفي بسلامة نفسه ؛ وهذا نتيجة ضعف الإيمان .

ثانياً : أسباب ضعف الإيمان :

1- الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة : وهذا مدعاة لضعف الإيمان في النفس ، يقول الله عز وجل : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد : 16] .

2- ومن الأسباب : الابتعاد عن طلب العلم الشرعي والاتصال بكتب السلف والكتب الإيمانية ، التي تحيي القلب ؛ فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه الإيمان ، وتحرك الدوافع الإيمانية الكامنة في نفسه ؛ وعلى رأس هذه الكتب : كتاب الله تعالى وكتب الحديث ، ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ الذين يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب ، مثل : كتب العلامة ابن القيم ، وابن رجب ، وغيرهما .

3- ومنها : وجود الإنسان في وسط يعج بالمعاصي ؛ فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها ، وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها ، وثالث يدخن ، ورابع يبسط مجلة ماجنة ، وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم ... وهكذا ، أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما لا يحصى كثرة .

4- طول الأمل : قال الله تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الحجر : 3] وقال علي رضي الله عنه : (إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل . فأما اتباع الهوى : فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل : فينسي الآخرة) [5]  وجاء في الأثر : (أربعة من الشقاء : جمود العين ، وقسوة القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا) . وقيل : (من قصر أمله قصر همه وتنوّر قلبه ؛ لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة) [6] .

5- ومن أسباب ضعف الإيمان وقسوة القلب : الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة ، وكثرة الضحك ؛ فإن الوقت الذي لا يُملأ بطاعة الله تعالى ينتج قلباً صلداً لا تنفع فيه زواجر القرآن ولا مواعظ الإيمان .

ثالثاً : علاج ضعف الإيمان :

روى الحاكم في مستدركه والطبراني في مجمعه عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (إن الإيمان ليَخلق في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب ؛ فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) [7]  والرسول-صلى الله عليه وسلم- يقول : (ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر ، بينما القمر مضيء إذا علته سحابة فأظلم ؛   إذ تجلت عنه فأضاء) [8]  .

وقبل الشروع في الكلام عن العلاج يحسن أن نذكر ملاحظة وهي : أن كثيراً من الذين يحسون بقسوة في قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الآخرين مع أن بمقدورهم علاج أنفسهم بأنفسهم وهذا هو الأصل ؛ لأن الإيمان علاقة بين العبد وربه .

وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه ويزيل قسوة قلبه بعد الاعتماد على الله عز وجل وتوطين النفس على المجاهدة :

1- تدبر القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل تبياناً لكل شيء ونوراً يهدي به سبحانه من شاء من عباده ، ولا شك أن فيه علاجاً عظيماً ودواءاً فعالاً ؛ قال الله عز وجل : { وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء : 82] أما طريقة العلاج فهي : التفكر ، والتدبر .

2- استشعار عظمة الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته ، والتدبر فيها ، وعقل معانيها ، واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب ؛ فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه ؛ فإذا صلح صلحت ، وإذا فسد فسدت .

3- لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب : منها ما يحصل فيها من ذكر الله ، وغشيان الرحمة ، ونزول السكينة ، وحف الملائكة للذاكرين ، قال : (لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده) [9]  .

4- ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة ، وملء الوقت بها ؛ وهذا من أعظم أسباب العلاج ؛ وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير .

5- تنويع العبادات : من رحمة الله وحكمته أن نوّعَ لنا العبادات ؛ فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة ، ومنها ما يكون بالمال كالزكاة ، ومنها ما يكون بهما معاً كالحج ، ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء . وهكذا فإن من يتتبع العبادات يجد تنويعاً عظيماً في الأعداد ، والأوقات ، والهيئات ، والصفات ، والأحكام ؛ ولعل من الحكمة في ذلك أن لا تمل النفس ويستمر التجدد .

6- ومن علاج ضعف الإيمان : الخوف من سوء الخاتمة ؛ لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة ، ويجدد الإيمان في القلب . وأما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة : منها ضعف الإيمان ، والانهماك في المعاصي .

7- ومن الأمور بالغة الأهمية في علاج ضعف الإيمان : ذكر الله تعالى وهو جلاء القلوب وشفاؤها ، ودواؤها عند اعتلالها ، وهو من روح الأعمال الصالحة وقد أمر الله تعالى به فقال : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً }   [الأحزاب : 41] .

8- ومن الأمور التي تجدد الإيمان في القلب : الولاء والبراء أي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين ؛ وذلك أن القلب إذا تعلق بأعداء الله يضعف جداً وتذوي معاني العقيدة فيه .

9- وللتواضع دور فعال في تجديد الإيمان وجلاء القلب من صدأ الكبر ؛ لأن التواضع في الكلام والأفعال والمظهر دال على تواضع القلب لله ، وقد قال : (البذاذة من الإيمان) [10]  وقال أيضاً : (من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء   يلبسها) [11]  .

10- ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان يقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } [الحشر : 18] .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) ، وقال ابن القيم رحمه الله : (هلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها) ، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجدد الإيمان في قلوبنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان  واجعلنا من الراشدين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجهم وسلم تسليماً كثيراً .

 

 


(1) رواه أحمد ، 4/408 وهو في صحيح الجامع ، 2365 .

(2) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة رقم 226 وإسناده صحيح : ظلال الجنة ، 1/102 .

(3) رواه البخاري ، فتح ، 10/486 ، ط دار الفكر .

(4) رواه النسائي : المجتبى 6/13 ، وهو في صحيح الجامع ، 2678 .

(5) فتح الباري ، 11/236 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ، 1/52 رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن .

(6) فتح الباري ، 11/237 .

(7) رواه الحاكم في المستدرك 1/4 ، وهو في السلسلة الصحيحة ، 1585 .

(8) رواه أبو نعيم في الحلية ، 2/196 ، وهو في السلسلة الصحيحة ، 2268 .

(9) صحيح مسلم ، 2700 .

(10) رواه ابن ماجة ، 4118 ، وهو في السلسلة الصحيحة ، 314 [اراد التواضع في الهيئة واللباس انظر النهاية لابن الأثير ، 1/110] .

(11) رواه الترمذي رقم 2481 ، وهو في السلسلة الصحيحة ، 718 .

أعلى