مآلات التطرف الغربي وأثره على الأمة
«الهزات الارتدادية التي ستولدها أفعالي سوف تفعل فعلها لسنواتٍ قادمة وتوجه الخطاب السياسي والاجتماعي وتوجد مناخ الخوف والتغيير اللازم».
هذا جزء من وثيقة كتبها برينتون تارنت الإرهابي الأسترالي البالغ من العمر 28 سنة المتهم بقتل ما يقرب من خمسين مسلماً وعشرات الجرحى الذين كانوا بصدد تأدية صلاة الجمعة في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية يوم الخامس عشر من مارس الماضي.
وتشي هذه الكلمات أن ما ارتكبه هذا الإرهابي الأسترالي لم يكن عملاً عشوائياً أو ارتجالياً ناتجاً من ردة فعل عاطفية تجاه حدث ما أغضبه بل هو فعل مخطط ومدبر له ما بعده.
لقد طرحت حادثة مسجد النور في نيوزيلندا العديد من التساؤلات وأثارت كثيراً من الشجون حول واقع المسلمين ليس في الغرب فحسب ولكن في شتى بقاع الأرض وخاصة ما يتعلق بدوافع هذا الحدث وامتداداته وانعكاسه على وضع الأمة الإسلامية وتقدمها نحو مكانتها في العالم كخير أمة أخرجت للناس ومن يحاول وقف هذا التقدم.
ولكن نقطة البداية في تشخيص ما جرى هي تحديد دوافع هذه الجريمة أو بالأحرى ما هو الهدف الإستراتيجي الذي سعى هذا الشاب لتحقيقه من تلك الفعلة؟ وما هي إستراتيجيته لتحقيق هذا الهدف؟
باستقراء الكتابات التي سطرها الإرهابي الأسترالي على سلاحه الذي هاجم به المساجد، ومن خلال الملف الذي نشره إلكترونياً وعنوانه «الاستبدال العظيم»، وهو عنوان مأخوذ من نظرية لكاتب فرنسي اسمه رينو كامو، الذي اعتبر أن الهدف الحقيقي من سياسة استقبال المهاجرين في فرنسا وأوربا من العالم العربي وإفريقيا هو استبدال المواطنين البيض الفرنسيين والأوربيين بالعرب والإفريقيين. وحتى من خلال الموسيقى المصاحبة للبث الحي من خلال الإنترنت نستطيع أن نتعمق في فكر هذا الشاب الذي عمد إلى ترك ما يثبت دوافعه نحو هذا العمل ورسالته من خلاله.
الهدف الإستراتيجي:
لم يستق الشاب آراءه على ضوء ما قرأه فقط فقد تجول في دول كثيرة ومن خلال الجولة التي قام بها زار فرنسا ودخل أحد المولات حيث لاحظ أن أغلب زبائنه من المهاجرين فأيقن أن هناك زحفاً إسلامياً جديداً إلى أوربا..زحف من نوع جديد فأوربا منذ عام 2015م تتعرض فيما أطلق عليه الأوربيون «موجة اللجوء المليونية».
تساءل الشاب الإرهابي في بيانه: «لماذا نفذت الهجوم؟» وجاءت إجابته على هذا السؤال: «هو إظهار للغزاة أن أراضينا لن تكون أبداً أرضهم، وأن وطننا هو وطننا، وأنه طالما بقي رجل أبيض فلن يغزوا أرضنا ولن يحلوا محل شعبنا أبداً».
ويضيف: «الهجوم وقع للانتقام من الغزاة ولمئات الآلاف من الوفيات الناجمة عن غزو الأجانب للأراضي الأوربية عبر التاريخ. وللانتقام من استعباد الملايين من الأوربيين الذين أخرجهم العبيد الإسلاميون من أراضيهم. وللانتقام لآلاف الأرواح الأوربية التي فقدت بسبب الهجمات الإرهابية عبر الأراضي الأوربية. ولخفض معدلات الهجرة مباشرة إلى الأراضي الأوربية عن طريق تخويف الغزاة».
الشاب ببساطة يريد وقف زحف المهاجرين نحو الغرب، هذا الغرب عنده متمثل في كل أرض سواء نشأ فيها العنصر الأبيض أو احتلها بعد ذلك، وحدد في بيانه الأمريكيتين وأوربا وأستراليا ونيوزيلندا.. فاستمرار الهجرة يهدد العنصر الأبيض البشري بالزوال. يقول تارنت في بيانه المنشور على الإنترنت: «نشهد غزواً على مستوى لم يسبق له مثيل في التاريخ، الملايين من الناس يتدفقون عبر حدودنا بشكل قانوني وبدعوة من الدولة لتعويض واستبدال الأشخاص البيض الذين فشلوا في الإنجاب وفشلوا في توفير العمالة الرخيصة والمستهلكين الجدد والقاعدة الضريبية التي تحتاجها الدول لتزدهر».
ويبدو خوف الشاب من تلاشي البيض من خلال هذه الكلمات المعبرة: «حتى لو قمنا بترحيل جميع غير الأوربيين من أرضنا غداً فسيظل الشعب الأوربي يتلاشى وسيكون الموت مصيره في نهاية المطاف، كل يوم يصبح عددنا أقل ونكبر سناً ونصبح أضعف في النهاية، يجب أن نستعيد مستويات الخصوبة أو سننهار».
ويضيف تارنت في بيانه مستنكراً: «لكن برغم معدل الخصوبة الضعيف فإن عدد السكان في الغرب يتزايد وبسرعة. كيف يكون هذا ممكناً؟ إنها الهجرة الجماعية وارتفاع معدلات الخصوبة للمهاجرين أنفسهم هي التي تسبب هذه الزيادة في عدد السكان».
«فالهجرة الجماعية ستحرمنا من حقوقنا وتخرب دولنا وتدمر مجتمعاتنا وروابطنا العرقية وثقافاتنا وشعوبنا وبالتالي فيجب قبل أن نتعامل مع معدلات الخصوبة أن نتعامل مع كل من الغزاة داخل أراضينا والغزاة الذين يسعون لدخول أراضينا».
ولكن العنصر الأبيض الذي يتعصب له المهاجم الأسترالي ما هي هويته؟ هل هو الجنس الأبيض فقط؟ إذا كان هذا فقط فلماذا يستهدف الرجال البيض المسلمين؟
يجيب هذا الإرهابي على هذه الأسئلة في ملفه الذي رفعه على الإنترنت قبل الحادث فيسأل:
«هل أنت عنصري؟.. نعم بحكم التعريف أعتقد أن الاختلافات العرقية موجودة بين الشعوب ولها تأثير كبير علي، كما أننا بصدد تشكيل مجتمعاتنا أعتقد أيضاً أن معدلات الخصوبة جزء من تلك الاختلافات العرقية، وأن المهاجرين في أرضنا ذوي الخصوبة العالية يجب أن يُجبروا على الخروج لضمان بقاء جنسنا. نعم نعم أنا عنصري».
وأضاف: «هل أنت مسيحي؟.. هذا معقد عندما أعرف سأخبرك». هل كنت فاشياً؟.. نعم فعلاً. لمرة واحدة فإن الشخص الذي سوف يطلق عليه الفاشي هو فاشي حقيقي. أنا متأكد من أن الصحفيين سوف يحبون ذلك، والأمة ذات القيم السياسية والاجتماعية الأقرب لبلدي هي جمهورية الصين الشعبية».
وبذلك أخذ تارنت يشرح هويته أنه عنصري فاشي ولكنه رفض الإجابة أنه مسيحي واعتبر الأمر معقداً، ولكن المسيحية هي إحدى مكونات العنصر الأبيض والرجل لا يريد الإفصاح عن ذلك. فالملف الذي بثه على الإنترنت يعج بالتعصب الديني فيقول: «سنأتي من أجل القسطنطينية، سوف ندمر كل مسجدٍ ومئذنةٍ في المدينة، سوف تتحرر كنيسة القديسة صوفيا من المآذن وستعود القسطنطينية ملكيةً مسيحيةً من ج ديد»، إذن هي المسيحية في قلبه ووجدانه وجزء مهم في هويته.
وفي النهاية يقول: «لقد استهدفت هؤلاء الناس لأنهم كانوا مجموعة كبيرة من الغزاة من ثقافة ذات معدلات خصوبة أعلى وتقاليد قوية تسعى إلى احتلال أراضي شعبي وتحل محل شعبي... يجب أن نضمن وجود شعبنا ومستقبل للأطفال البيض».
إستراتيجية لوقف الهجرة:
ماذا يفعل تارنت لوقف الهجرة؟
يقول الإرهابي: «كانت هناك فترة من الزمن قبل الهجوم أدت إلى تغيير آرائي بشكل كبير. هذه الفترة الزمنية بداية من أبريل 2017م حتى نهاية مايو 2017م ففي خلالها حطمت سلسلة من الأحداث تحفظاتي وكشفت عن حقيقة الوضع الحالي للغرب».
وتابع: «حولت هذه الأحداث أفكاري وكشفت الحقيقة أمامي بدلاً من السعي إلى حل ديمقراطي وسياسي فأيقنت أن الحل العنيف والثوري هو الحل الوحيد الممكن لأزمتنا الحالية».
الشاب ترك الحل الديمقراطي السياسي إلى حل عنيف وثوري، وعلى ما يبدو وطبقاً للكلمات التي كتبها على سلاحه فهذا الإرهابي الأسترالي يستحضر الملك الفرنسي شارل مارتل الذي يشتهر في الذاكرة الأوربية بأنه القائد الذي أوقف الزحف الإسلامي إلى وسط أوربا عندما تغلب على جيش المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي في معركة تور بواتيه أو بلاط الشهداء وذكر الإرهابي أيضاً تاريخ معركة فيينا في عام 1683م والتي يمجدها القوميون البيض باعتبارها اللحظة الحاسمة التي حالت فيها أوربا دون تقدم الإمبراطورية العثمانية وحمت نفسها من الإسلام.
فهؤلاء القادة الأوربيون المسيحيون أوقفوا الغزو الإسلامي على أوربا البيضاء من الشرق عندما تغلبوا على الأمويين، ومن الغرب عندما صدوا جيوش العثمانيين، أما الآن فالهجرة القادمة إلى قلب أراضي البيض هي أيضاً غزو، وبرغم أنها هجرات سلمية بحثاً عن الرزق أو طلباً للأمان، ولكن وفقاً لهؤلاء الإرهابيين فإنه يجب وقفها بالسلاح والحرب كما أوقفها هؤلاء الأبطال من قبل.
ولكن هل يعمل تارنت لوحده أم من خلال مجموعة وتنظيم؟
كعادته في بيانه المنشور يسأل تارنت نفسه: «هل أنت جزء من أي مجموعات أو حركات سياسية؟» فأجاب قائلاً: «لست عضواً في أي منظمة أو مجموعة برغم أنني تطوعت بالعديد من المجموعات القومية وتفاعلت مع العديد من المجموعات الأخرى.
لقد تعمد تارنت كما ذكر أنه سيستخدم ما أطلق عليه «الهزات الارتدادية التي ستولدها أفعالي»، وقبلها قال: «سيتم نسياني بسرعة هذا لا يزعجني أنا في نهاية الأمر إنسانٌ تهمه الخصوصية وانطوائي عموماً... عليك أن تتوقع الموت... أن تتوقع النضال... أن تتوقع خسارةً لن تنساها أبداً... لا تتوقع أن تنجو، الشيء الوحيد الذي يجب أن تتوقعه هو حربٌ حقيقية وأن تموت ميتة جندي حقيقي».
يستخدم تارنت لغة بسيطة شبهها أحد الكتاب بأنها لغة تغريدات تويتر أو منشورات فيسبوك، وبذلك سهل أن تصل إلى المتابعين وأصحاب الفكر المشابه، وعلى ما يبدو فقد آتت إستراتيجية الهزات الارتدادية فعلها، فهجمات الإرهابي الأسترالي ألهمت الإرهابيين الآخرين فجرأتهم على مزيد من الإرهاب فتزايدت حوادث اليمين المتطرف تجاه المسلمين، فقد تم تسجيل ستة اعتداءات على المسلمين ببريطانيا بعد مذبحة نيوزيلندا، وأكدت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية وفق ما نشرته بي بي سي أن المهاجمين لديهم أفكار يمينية متطرفة.
وقالت الشرطة: اعتقل رجل خمسيني بتهمة تتعلق بـالإرهاب وإطلاق عبارات عنصرية بعدما طعن شاباً مسلماً (19 عاماً) في مقاطعة ساري جنوب شرق إنجلترا.
وبينت الشرطة أنها اعتقلت رجلاً (33 عاماً) وامرأة (34 عاماً) بتهمة الاعتداء لفظياً على سائق باستخدام عبارات عنصرية تتعلق بالاعتداء على مسجدي كرايست تشيرش.
كذلك أوضحت الشرطة أن امرأة (38 عاماً) في روشديل القريبة من مانشستر نشرت تعليقات متصلة بهجمات نيوزيلندا واعتُقلت بسبب ذلك، إضافة إلى رجل (24 عاماً) في بلدة أولدهام شمال غربي إنجلترا لعلاقته باتصالات مسيئة ذات صلة باعتداءات نيوزيلندا الإرهابية.
ولم تقتصر الاعتداءات على المسلمين على الطعن فقط والإساءة على الإنترنت، إذ كتبت عناصر اليمين المتطرف في أوكسفورد وسط إنجلترا شعارات عنصرية ضد المسلمين على جدران قرب مدرسة في المدينة.
كما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر مهاجمة ثلاثة أشخاص عدداً من المسلمين أمام مسجد في لندن مع ترديدهم شعارات عنصرية ضد المسلمين.
ومنها أيضاً ازدياد عدد المواقع الإلكترونية التي دشنت حملات مشابهة لما ارتكبه الإرهابي الأسترالي، ومنها موقع يعرف باسم «شان 8» وهو معروف بترحيبه بالعنصريين ومثلي الجنس وكارهي الإسلام، ويحتوي الموقع الآن على العديد من المنتديات التي تمجد مرتكب مجزرة كرايست تشيرتش وتدعو للسير على خطى تارنت والتعلم من العملية التي قام بها. فقد نشر مجهول صورة عتاد وأسلحة كتب عليها بشكل يحاكي ما قام به مرتكب المجزرة قائلاً بشكل تحريضي: «عتادي جاهز ماذا عنك؟».
بينما قام آخر بتحليل العملية من الناحية العسكرية وتقديم دروس ليستفيد منها الذين ينوون اتباع نفس الخطى ودراسة الأخطاء التي وقع فيها مرتكب المجزرة حتى تحدث عملياتهم الإجرامية أثراً أكبر. وقد أبدى العديد من رواد الموقع دعمهم لما قام به القاتل وأكدوا أن ما كتبه في دليل العملية يعتبر مرجعاً لهم.
وحتى الآن لم يظهر على السطح أو تتوفر معلومات ذات مصداقية حول انتماء تارنت إلى بنية تنظيمية عالمية أو محلية تقف خلفه، فهو يتبع ما يعرف بإستراتيجية الذئاب المنفردة، وهي تشبه ما يقوم به أشخاص ينتمون فكرياً لتنظيم الدولة، حيث بات يُنظر إلى تلك الظاهرة على أنها وجه جديد للأعمال العسكرية يستطيع من خلالها الشخص أن ينفذ هجماته في أي وقت وفي أي مكان. ولأن الذئب المنفرد فرد واحد غير مرتبط بجماعة أو غير موجه من منظمة خارجية ويعمل دون توجيه من جماعات تنظيمية فقد أضحى يشكل تهديداً مختلفاً عن أولئك الذين يرتبطون بجماعات هيكلية. ويرى الباحث الأمريكي دانيال بايمان في مقال له نشر في دورية فورين أفير: إنه على عكس كثير من التحليلات التي تربط ظاهرة الذئاب المنفردة في الوقت الحالي بالمتطرفين الإسلاميين فإن هذه الظاهرة منذ بداياتها الأولى مارستها كل الحركات المتطرفة من جميع الانتماءات والمشارب، ففي عام 1995م قام العنصري الأبيض تيموثي ماكفي بشن أعنف هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية قبل الحادي عشر من سبتمبر عندما قصف مبنى ألفريد مورا الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي، مما أسفر عن مقتل 168 شخصاً وجرح المئات، وفي 2010م قام جيمس لي الذي يحمل مشاعر عدائية للمهاجرين باحتجاز ثلاثة أشخاص كرهائن في ولاية ميريلاند، كما قتل العنصري الأبيض ديولن رووف تسعة من الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية في الكنيسة التاريخية للسود بتشارلتون بولاية ساوث كارولينا عام 2015م.
وما لم يذكره بايمان أن العنصري الأبيض لويس بيم قد قام بالتنظير لظاهرة الذئاب المنفردة منذ عام 1983م عندما دعا إلى مقاومة بلا قيادة للحكومات الاتحادية حيث إن الجماعات التنظيمية التقليدية أصبحت فريسة سهلة للاختراق الحكومي من وجهة نظره، لذا شجع الجماعات الصغيرة والأفراد على العمل بشكل مستقل.
ومن بين ما كشفت عنه جريمة المسجدين في نيوزيلندا أيضاً أن هناك صراع هوية بدأ يتفاعل في الغرب على عدة محاور، فعلى المستوى الشعبي أخذ هذا الصراع في البروز مختلطاً فيه العرقي والديني ليس على مستوى الأفكار فقط ولكن بدأ يتخذ طابعاً مسلحاً يعمل على استئصال الآخر من أرضه، وهذا لا يمنع وجود جموع شعبية أخرى ترفض هذا التوجه المتعصب.
ويرى أيان بوروما وهو خبير هولندي متخصص في اليمين المتطرف أنه حتى وقت قريب لم تكن الشخصيات المنتمية إلى اليمين المتطرف تتمتع بأي هيبة أو مكانة على الإطلاق، بل كانت أغلب المجتمعات تدفعهم إلى هوامشها بسبب الذكريات الجمعية لفظائع النازية والفاشية، وكان مثل هؤلاء الرجال (لم يكن بينهم أي نساء تقريباً) تحيط بهم أجواء قذرة كتلك التي تحيط برعاة السينما الإباحية في الشوارع الخلفية، ولكن الكثير قد تغير الآن، فكثيراً ما نجد الأعضاء الأصغر سناً في اليمين المتطرف وخاصة في أوربا يرتدون حللاً مصممة لهم خصيصاً وهم لا يصرخون أمام حشود كبيرة من الغوغاء بل هم مؤدون بارعون في أستوديوهات الراديو والتلفزيون وهم مستخدمون بارعون لوسائط التواصل الاجتماعي. بل إن بعضهم يتمتع بحس الدعابة. يكاد هذا النموذج الجديد لليمينيين يشبه ما يسميه الألمان «صالون فاهيغ» (الشخص الأنيق حسن المظهر)، وهو شخص يتمتع بالقدر الكافي من الاحترام للتنقل في الدوائر العليا. وهو يكبت مشاعره العنصرية العلنية ويغلف تعصبه بقدر كبير من الثرثرة الذكية. وهو يتوق إلى الهيبة والمكانة.
أما على مستوى الحكومات الغربية فإنها تنقسم أيضاً في هذا التعامل مع هذه الحالة، فهناك حكومات اخترقها اليمين المتطرف بشكل ما، فهي تميل إلى أخذ موقف من الآخر على أساس الهوية، أما الأخرى فتفضل الجانب البراجماتي في التعامل واحتواء الصراع بشكل ما.
وقد برز نفوذ التيار اليميني بصورة واضحة وأصبح له حضور على مستوى المنافسة السياسية في عدد من الدول الغربية من خلال تمثيله ما بين أحزاب اليمين العنصري واليمين الفاشي واليمين الراديكالي، ليس فقط في دول أوربا كألمانيا وفرنسا وهولندا بل ودول شرق أوربا وبعض بلدان أوربا الشمالية، وانعكس ذلك على النتائج الأولية لبعض الاستحقاقات الانتخابية التي جرت على مستوى معظم الدول الغربية مثل: الولايات المتحدة والسويد والنمسا وهولندا وسويسرا والدنمارك وبريطانيا وأستراليا وفرنسا، وكُلل هذا الصعود بوصول دونالد ترمب إلى رئاسة أكبر الدول وأهمها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الذي يجب أن يدركه المسلمون أنهم باتوا يواجهون ليس إرهابيين أفراداً أو ذئاباً منفردة فحسب، ولكنهم يواجهون أيدلوجيا عالمية للقومية البيضاء والتفوق الأبيض، وهذه لا بد لها من إستراتيجيات جديدة في التعامل كعائق جديد يعترض طريق الأمة إلى الصعود.