الحكومة العراقية.. إنهم يفضلونها ضعيفة!

الحكومة العراقية.. إنهم يفضلونها ضعيفة!

 

مناقشة لواقع العملية السياسية بعد أكثر من 15 عاماً على احتلال العراق، وفي ظل حكومات أمريكية (عسكرية ومن ثم مدنية) لعام كامل، وانتقال بين خمس حكومات هي (علاوي، الجعفري، المالكي - مرتان، العبادي)، ومع اختلاف آلية تشكيل تلك الحكومات وفترتها الزمنية إلا أنها كانت تحمل الصبغة الطائفية ذاتها ووفق المحاصصة الحزبية ضمن الطائفة الواحدة، وإذا كانت المعضلة الأساسية في تشكيل حكومات (المالكي والعبادي) بوزارتي الدفاع والداخلية، إلا إن الأمر تعدى في هذه المرة الوزارتين ليصل إلى ثماني وزارات بينها الدفاع والداخلية مع بقائهما المعضلة الرئيسية، في ظل خلاف بين أكبر تيارين متحالفين يمكن أن يطلق عليهم الأخوة الأعداء هما سائرون والفتح، وهما من اختار رئيس الوزراء، بمخالفة أو احتيال قانوني على الدستور وقرار المحكمة الاتحادية بكون المرشح لرئاسة الوزراء من الكتلة الأكبر، تلك الكتلة التي لم تتضح صورتها حتى بعد تشكيل جزئي للوزارة، وإذا كان هذا ما يميز هذه المرحلة بعدم وجود ما يطلق عليه الكتلة الأكبر التي تقف خلف رئيس الوزراء والتي تفاوض بالنيابة عنه وتدعمه إذا ما أريد إقالته، فهل سيكون رئيس الوزراء الحالي في مهب الريح لأي عاصفة؟ ستسبقها الاستقالة الجاهزة في جيبه كما قال، أم سيكون الإخوة الأعداء حليفاً يمنع إقالته مهما حدث؟! أسئلة وإشكاليات تثار للمرحلة القادمة التي قد تستمر لأربع سنوات كاملة أو لا تستمر.

في العودة لأساس هذه المشكلة والتي انبثقت مع نتائج الانتخابات التي كادت أن تسقط العملية السياسية برمتها بعد كيل الاتهامات بين جميع الأطراف عن عمليات تزوير وتشكيك بما أفرزته الأجهزة الإلكترونية للعدّ والفرز، والتي تستخدم لأول مرة في العراق دون أن يسبقها عملية تجريبية مع ظهور لعشرات التقارير التي تتحدث عن إمكانية التلاعب بها، خاصة بعد أن أظهرت النتائج نسبة مشاركة لم تكن حقيقية باتفاق الجميع، فبينما تشير كل الدلائل وآراء المراقبين من كل الكتل والأحزاب فضلاً عن الشارع المقاطع أن النسبة لم تتجاوز 22% أظهرت الإعلانات الرسمية عن نسبة مشاركة فاقت 44%، ومع كثرة الاتهامات والطعون جرى تبديل المفوضية العليا (المستقلة) للانتخابات بقضاة، لإعادة العد والفرز يدوياً وبنسب مختلفة اعتماداً على الطعون وإمكانية العد والفرز اليدوي، بنسبة تراوحت بين 5-10%، مع المطالبة بمحاكمة المفوضية بتهمة التلاعب والتزوير، ولكن النتائج بعد الفحص اليدوي كانت كما يقول كريم النوري القيادي في منظمة بدر والمرشح عن قائمة الفتح بزعامة هادي العامري بتغريدة له: «رماد الصناديق في الرصافة مطابق للعد والفرز اليدوي 100%»، وجاء ذلك بعد عمليات حرق لصناديق الانتخابات.

وأمام كل الإشكاليات التي صاحبت عمليات العد والفز وما صدر من تهديد بين الكتل كاد أن يوقع العراق بمأزق كبير لو خرجت بغير ما أقرته عمليات العد والفرز الأولية، وهو ما أكده عدد من النواب الفائزين والخاسرين، وهكذا تم تلافي التزوير الفاضح كما في كل الانتخابات السابقة، فالاتفاقيات الجانبية وعمليات البيع والشراء فضلاً عن التهديدات بالضرب تحت الحزام لها الأثر الأكبر في ما يخرج من نتائج، فيما الواقع يختلف كثيراً عن النتائج المعلنة، وهذه الإشكالية لا تحتاج إلى جهد كبير لبيانها ولكنها تحتاج لمجال واسع لسردها لكثرتها.

وإذا ما تم تلافي هذه الإشكالية ظهر على السطح الخلاف على تعيين الكتلة الأكبر والتي أفرزت طبيعة هذه الكتلة منذ انتخابات 2010م، والمشكلة التي حصلت حينها عندما فاز إياد علاوي بفارق صوتين عن قائمة المالكي، فخرجت المحكمة الاتحادية بفتوى لم يسبق لها مثيل بحسب معرفتنا، فعرفت الكتلة الأكبر بأنها التي تتشكل بعد ظهور النتائج، فيما المتعارف عليه دولياً هو للقائمة الفائزة بالانتخابات، وتم تمرير فوز المالكي حينها بعد اتفاقه مع أحزاب وتكتلات شيعية أخرى لمنع صعود علاوي، والتي تكونت قائمته آنذاك من أكثرية مهيمنة من النواب السنة، ولكن إذا كانت تلك الفتوى في حينها قد أتت وفق مزاج القوى المهيمنة آنذاك، لكنها اليوم أوقعتهم وأوقعت العملية السياسية في حيرة عندما لم تسفر التحالفات بعد الانتخابات عن الكتلة الأكبر، خاصة بعد الصراع على نيل هذه التسمية فتم تشكيل كتلتين إحداهما ضمت (النصر للعبادي، سائرون لمقتدى، الحكمة لعمار الحكيم) والقوى المنضوية معها، فضلاً عن قائمة علاوي وبعض القوى السنية وتمت بتوقيع من قادة الكتل وزاد عددهم عن 180 نائباً، وإذا كان المرشح لاحقاً من الكتلة المضادة لوزارة الداخلية (فالح الفياض) والمنشق مع عدد من نواب قائمة العبادي، فضلاً عن عدد من النواب من القوائم السنية فساعد ذلك على تشكيل كتلة من عدد من النواب بتواقيع فردية ليشكلوا مع قائمتي (الفتح لهادي العامري، ودولة القانون للمالكي)، بما قيل حينها إنها ضمت أكثر من 145 نائباً، وكلا القائمتين خلت من الأكراد، وكلا القائمتين تتصارع لنيل لقب الكتلة الأكبر، وعندها لم تستطع المحكمة الاتحادية وبصورة واضحة أن تتجاوز المحنة التي وضعت العراق به بفتواها السابقة.

وإذا ما تم تجاوز هذه المشكلة مرحلياً في ظل ما نتجت عنه التهديدات بجر العراق وخاصة المناطق الشيعية لحرب تأكل الأخضر واليابس تقوده الكتل المشاركة بالانتخابات إن لم تُمنح هي دون غيرها الكتلة الأكبر، وهكذا تم الانتقال من هذه المشكلة تحت تهديد السلاح دون وجود وصف لها، فنقول إن تجاوز هذه المشكلة بهذه الصيغة سيعيد العملية السياسية بل العراق إلى نقطة الصفر، في حالة إقالة أو استقالة رئيس الوزراء الحالي، وأن أي تفسير حينها لن يقنع الطرف الخاسر.

فمع تجاوز العقبة الثانية بما تبقيه من قلق مضاف للواقع العراقي غير المتزن، فقد أفرزت لنا عملية اختيار الوزراء حقيقة الصراع بين القوائم المتصارعة على الفوز بالقائمة المؤثرة على العملية السياسية وهي تتجاوز الفوز بالكتلة الأكبر، فإذا ما تم تمرير 14 وزيراً لتحصل به الوزارة على النصاب القانوني، بعملية أقل ما يمكن القول عنها محاولة مؤقتة لتجاوز نفس المشكلة، فيما تمضي الأيام والأسابيع ولا يوجد اتفاق على الوزراءالثمانية المتبقين لإكمالها[1]، مما يظهر حجم المشكلة بين الطرفين خاصة إذا ما رجعنا إلى تصريحاتهم بمنحهم الثقة والحرية لرئيس الوزراء باختيار من يراه مناسباً، فإذا كان يمتلك الحرية الكاملة ووقع التأخير بهكذا عدد من الوزارات المتبقية، مع العلم أن الوزارات السابقة قد أُنجزت بخلاف حقيبتين وزاريتين، فإن ما يجري يظهر الخلاف الحقيقي الذي تم تجاوزه، ولا نعتقد أن إشكالية وزارة الداخلية هي العقبة الحقيقية، وإن كانت تمثل مشكلة لقائمة العبادي الذي انشق عنه المرشح فالح الفياض ويمنعه من تشكيل الكتلة الأكبر والفوز برئاسة ثانية، ولكن المشكلة الحقيقية هي بين سائرون والفتح.

وبالعودة لجذور القوى المتحالفة والتي استطاعت أن تتجاوز إشكالية الكتلة الأكبر والاتفاق على اسم رئيس الوزراء، والتي تتكون بصوة واضحة من كتلة سائرون والفتح المرتبطة بزواج كاثوليكي بين قائمتي المالكي، وبين سائرون والفتح بشقيها صراع مرير يعود للسنوات الماضية ولا يمكن تجاوزه بسهولة وخاصة من قبل التيار الصدري بعد وقوع دماء كثيرة من أتباعه؛ فجذور الخلاف بين التيار الصدري وفيلق بدر تعود للسنوات الأولى من الاحتلال والتي وقعت فيها تصفيات بين الطرفين بحسب التصريحات الرسمية وبشكل خاص من أتباع الصدر، وصرح مقتدى الصدر قبيل الانتخابات وبعدها أنه لا يمكن أن يتعاون أو يتفق مع من أسماهم حلفاء إيران ويقصد بذلك كتلة الفتح، وفي كل المظاهرات التي يخرج بها أتباعه كان هتافهم: «بغداد حرة حرة، إيران برة برة»، ولكنه وفي ظل ما سمعناه من تهديدات بحرب شيعية - شيعية تم في اللحظات الأخيرة الاتفاق على تشكيل حكومة، توافق على أساسها سائرون والفتح.

وذات الخلاف بين التيار وبين المالكي، الذي أراد تجريدهم من سلاحهم بعملية عسكرية وقع ضحيتها العشرات من جيش المهدي، بما أطلق عليه «صولة الفرسان 2007م»، وإذا كان الفيتو قد رفع عن العامري ومعه قيس الخزعلي زعيم العصائب والمنشق عن جيش المهدي والذي يحمله مقتدى الدماء التي سالت بالعراق ودائماً ما يطلق عليه وعلى أتباعه «المليشيات الوقحة»، نتيجة الخلافات بينهم، إلا إن الفيتو عن المالكي ما زال ساري المفعول ولم يلتقِ الطرفان برغم كل الوساطات التي حاولت تهدئة الأمر، ومن المعلوم أن الوزراء من ممثلي التيار الصدري في حكومتي المالكي دائماً ما كانوا يقفون مع أي قوى تعارضه متهمين إياه بالفساد وبأنه هو من أحدث الفوضى بالعراق عام 2014م، فكانت صفة ميزت شخصية التيار الصدري بكونهم جزءاً من العملية السياسية وفي الوقت ذاته في المعارضة، واستمر الأمر حتى في حكومة العبادي، فكانت هذه السمة البارزة لها، فضلاً على انسحابهم والتراجع لأي موقف يتخذونه تحت أي تهديد باستخدام السلاح بحرب شيعية شيعية، فشكل ذلك نقطة ضعف معروفة عند خصومهم، وعدم اتخاذهم لموقف حازم تجاه الحكومات السابقة برغم اجتياحهم للمنطقة الخضراء مقر الحكومة وفرار الوزراء والنواب من مقراتهم، وكأن العراق عاش حينها انقلاباً، إلا إن الأمر للمتظاهرين بالانسحاب الذي صدر من مقتدى الصدر شكل بارقة أمل للحكومة ولأي حكومة بأن أقصى ما يمكن أن يفعله مقتدى الصدر وأتباعه لن يؤدي لإسقاط الحكومة.

وأما هذه الميزة فهي تبرز لنا شخصية عادل عبد المهدي والتي لا تختلف عن سابقتها، فهو في تنقل بين البعث والشيوعية والإسلامية، فقد وصل لدرجة عضو شعبة في حزب البعث، قبل أن يغادره لينتمي للتيار الديني وتحت راية فيلق بدر، ليكون قيادياً فيه، ولم يختلف الأمر كثيراً فبعد أن تسلم منصب وزير النفط استقال منه ومن ثم كان الشيء ذاته عندما كان نائب لرئيس الجمهورية، وها هو اليوم يهدد بأن الاستقالة في جيبه، كيف لا وهو واقع بين تهديدات حليفين غير منسجمين، وهما كما تشير جميع الأخبار الواردة من أعضاء مجلس النواب أكثر من يضغط عليه في إكمال الحقائب الوزارية، والكلام على التفويض الحر الممنوح له مجرد كلام لا يؤيده الواقع، فحرية الاختيار والإعلان عن تشكيل الحكومة عبر البوابة الإلكترونية، وأن لا يكونوا وزراء ونواباً، كذبه الواقع أيضاً، فبعض من تم اختيارهم لا ينتمون للأحزاب والكتل السياسية كما كان يحصل بالسابق، بل تجاوز الأمر ليتم الترشح ضمن العائلة، فإذا كانت الوزارات في السابق هي وزارات أحزاب فالآن أصبحت وزارات عائلات.

وأمام التحديات التي ستواجه رئيس الوزراء كعامل سلبي يعيق من تحركاته واستمراره فهي نقص الخدمات وكثرة العاطلين، فضلاً عن كونه لا يتمتع بأغلبية مريحة كونه لم يأتِ من حزب سياسي معين، إلا إن نقاط قوته تتمثل باتفاق الجميع على عدم الوصول لمرحلة الصراع والانشقاق الذي يجعل من العملية السياسية تذهب بمهب الريح، ابتداءً من المشاركين بالعملية السياسية، وصولاً للموقف الدولي المتمثل بالدور الأمريكي، وإن كان دون المستوى في تشكيل هذه الحكومة إلا إننا نعتقد أنها لو لم تأتِ بما لا يخالف مصالحه لكان له دور أكبر، ولذلك نرى تدخله هذه المرة بصورة غير واضحة لأن السفينة لا تسير بخلاف ما يريد.

والتدخل الأكثر أهمية كان التدخل الإيراني وهو الحاضر في كل مناسبة كانت فيها العملية السياسية على المحك أو أثناء الصراع بين الكتل والأحزاب السياسية الشيعية؛ فرئيس الوزراء الحالي ما كان له ليحصل على الدعم برغم الخلافات الكبيرة بين القوائم لولا الموافقة الإيرانية على ترشيحه وتمرير وزارته بالحد الأدنى لتجاوز مرحلة زمنية مرتبطة بالتوقيتات الدستورية.

وملخص القول إننا أمام مشاكل خطيرة وهي ما يحدد مسيرة السنوات القادمة، فإذا كان للقوى السياسية الداخلية والخارجية من دور مؤثر في نجاح وفشل العملية السياسية فهو ليس من خلال اللعبة السياسية المقررة بالدستور، ولكن من خلال اللعب على وتر الطائفية والعنصرية، فأصبحت تلك السياسات تلامس بعضاً من الشخصية العراقية وبشكل خاص إذا ما استخدم التهديد الوهمي من عودة الماضي، وغيره من القضايا التي تثير الشارع وفقاً لمصالح الأحزاب لا لمصالحة العراق، فيما ستكون المشكلة الأكبر والتي تشكل عقبة قد لا يمكن تجاوزها بسهولة كونها تتعلق بمزاجية وشخصية الطرفين المؤثرين على الساحة، هما شخصية قادة سائرون وتقلباتها بل وانهزاميتها كما يرى البعض، مع شخصية عادل عبد المهدي المماثلة.


 


[1] مما يجدر ذكره أن التصويت على الوزارة تم يوم 24/10/2018م، ومضى ما يقارب الشهر حتى كتابة هذه السطور ولا بوادر على تجاوز هذه المحنة بإكمال الوزارات المتبقية.

 

 

أعلى