سوريا.. تحولات الموقف الدولي ومستقبل الثورة
العملية ضد النظام لم تكن ثلاثية ولم تأتِ رداً على الهجوم الكيميائي، ففي العاشر من شهر أبريل الماضي وقع في دمشق أمر كبير لم يكشف عنه حتى الآن، وكانت القوات الأمريكية تحشد التأييد منذ عدة أسابيع لشن ضربة قيل إنها ثلاثية، ثم تبين أنها كانت رباعية بامتياز، حيث حظيت تل أبيب بالنصيب الأوفر من خطة التنفيذ، إلى جانب القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية.
ومن خلال استعراض التحضيرات المسبقة للعملية المشتركة يمكن الجزم بأنها لم تأتِ رد فعل على استخدام نظام بشار السلاح الكيميائي ضد المدنيين بدوما؛ إذ تبدأ قصة الضربة من زيارة قام بها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في مارس الماضي حيث روج أنه عرض على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خطة عمل عسكري ضد المواقع الإيرانية في سوريا، وناقش معه سبل قطع طريق طهران - بغداد - دمشق - بيروت، ومنع المليشيات التابعة لها من توطيد نفوذها في المحافظات الجنوبية بسوريا؛ الأمر الذي دفع ترمب إلى تكليف البنتاغون بإعداد خطة تتضمن الخيارات الأمريكية لتنسيق ضربات مشتركة مع سلاح الجو الصهيوني، وتأسيس قوة مهام تقوم فيها تل أبيب بالتخطيط وقيادة قوات برية وبحرية مختلطة وفقاً لقواعد اشتباك مشتركة، وجلب 2500 جندي أميركي من أوربا إلى الكيان الصهيوني عبر مركز القوات التابعة للقيادة العسكرية الأميركية بألمانيا.
واستمرت التحضيرات الأمريكية - الصهيونية لتوجيه ضربة ضد النظام وحلفائه الإيرانيين في سوريا طوال شهر مارس ومطلع أبريل، حيث تم تعزيز قاعدة «التنف» بنحو مئتي مقاتل أمريكي، وصدرت أوامر لقيادة القوات الجوية الأمريكية في العراق والخليج العربي بمضاعفة طلعاتهم الاستطلاعية وضرب الأهداف دون الرجوع لواشنطن في حال رصد محاولات المليشيات الموالية لإيران عبور نهر الفرات من الجهة الغربية أو عبور الحدود السورية من العراق.
وتؤكد تلك التحركات العسكرية أن الضربة الموجهة لنظام دمشق لم تكن مرتبطة لا بالهجوم الكيميائي ولا بالنظام وحلفائه، بل كانت تنتظر انتهاء المعارك بدوما، ورحيل آخر حافلة من المهجرين قسراً من السنة، لتدشن القوات الغربية فصلاً جديداً من الصراع الدولي على سوريا.
في هذه الأثناء عمد النظام إلى تنفيذ خطة إعادة انتشار شاملة قامت من خلالها بتوزيع القوات والآليات على مخابئ في مناطق سكنية بهدف تقليل خسائر القصف المرتقب.
وفي 12 أبريل خرج بشار الأسد من قصره المتاخم لقاسيون إلى وجهة غير معروفة، وانضم إلى عائلته التي غادرت قبله بيومين (10 أبريل)، وبقي متوارياً عن أعين رؤساء أجهزته الأمنية وحرسه الخاص، ولم يعرف أحد مكانه باستثناء أشخاص معدودين في موسكو، لكن جهات غربية مختصة تؤكد أنه لم يغادر دمشق، وأنه بقي على اتصال مع جنرالات النظام وإيران وروسيا الذين تواروا كذلك في مخابئ تحت الأرض.
كان ماهر الأسد يتظاهر أنه المستهدف الرئيس نظراً لاعتباره المتهم الرئيس في العمليات الكيميائية الماضية، ولارتكازه على قاعدة صلبة من قيادات الحرس الثوري الإيراني، ولذلك فقد تم إفراغ مقرات الفرقة الرابعة وألوية الحرس الجمهوري الثلاثة المتمركزة في محيط دمشق، وتم توزيع مدرعاتها وآلياتها في مخابئ أعدت على عجل بمناطق ريفية مجاورة للعاصمة.
وكذلك كان الحال بالنسبة لقوات «النمر» التي تتمتع بتجهيزات أفضل، حيث تم إخفاء دباباتها الروسية الثلاثمئة من طراز (تي 90) في مستودعات يتسع الواحد منها إلى خمس دبابات لتجنب استهدافها من قبل المقاتلات والصواريخ الغربية الموجهة.
كما تم إفراغ مباني الأركان ووزارة الدفاع والأمن العام من العناصر والتقنيات، وأُخليت القواعد الجوية بالناصرية، والمزة، ومرج السلطان، والضمير، والصيقل، والشعيرات، ومنغ، وأفرغت جميعها من العناصر، وأُرسلت مروحياتها ومقاتلاتها إلى الشمال الشرقي، في حين تحولت قاعدة الطياس إلى ركام بعد قصفها للمرة الثانية من قبل سلاح الجو الصهيوني في 9 أبريل.
ورصدت الاستخبارات العسكرية الغربية انسحاب مقاتلي «فرقة الرضوان» التابعة لـ«حزب الله» من جنوب القنيطرة وحوران، متخذين مواقع دفاعية في منطقة يبرود بجبال القلمون على الحدود مع لبنان، فضلاً عن إخلاء المليشيات التابعة لإيران المربع الأمني بقلب العاصمة، ونشرها في المناطق السكنية المجاورة.
خطة «الصقور» لتقطيع أوصال الأفعى الإيرانية:
تؤكد التحضيرات السابقة للضربة أن العملية العسكرية ضد النظام لم تأتِ رد فعل على الهجوم الكيميائي؛ بل جاءت كحلقة في سلسلة مواجهات غير مسبوقة بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، بهدف رسم خطوط التماس وتحديد مناطق النفوذ بالحديد والنار، ففي 7 فبراير الماضي أطلق سلاح الجو الأمريكي النار على فرقة روسية تتبع شركة «فاغنر» الأمنية وأسقط نحو 300 من عناصرها ما بين قتيل وجريح.
والتزمت روسيا الصمت المطبق إزاء خسائرها غير المسبوقة، والتي شملت استهداف مقاتلة «سوخوي» بمضادات أمريكية الصنع (3 فبراير)، وإعطاب العديد من مقاتلاتها الرابضة في حميميم بطائرات آلية في عملية نوعية لم يتوقعها ضباط القاعدة الروسية من قبل (6 يناير).
وفي 10 فبراير قامت مقاتلات صهيونية بقصف مواقع للنظام وإيران في حمص، الأمر الذي دفع بالقيادة العسكرية الروسية لإصدار أوامر باستهداف إحدى المقاتلات المشاركة في الهجوم من طراز (إف 16).
وعلى إثر هذه المواجهات غير المسبوقة بين القوى الفاعلة على الأرض؛ بادر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى إقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون، وتعيين مدير المخابرات المركزية مايك بومبيو وزيراً للخارجية، وعين جينا هاسبل المقربة من الدوائر الصهيونية والمتهمة بقضايا تعذيب مديرة للوكالة، وعين اليميني المتطرف جون بولتون مستشاراً للأمن القومي وهو المعروف بتشدده ودعواته لإعادة تقسيم المنطقة، وذلك بالتزامن مع الترويج لخطة أمريكية شاملة شعارها المعلن إضعاف إيران ابتداء من سوريا، ويبدو أن الهجوم الكيميائي قد مثل الفرصة السانحة للبدء فيها بمشاركة فاعلة لبريطانيا وفرنسا إلى صفها، وتم حشد الدعم الأوربي للعمليات العسكرية خارج المظلة الأممية.
وتشير المصادر إلى أن الخطة التي أعدها فريق «الصقور» لإضعاف إيران ابتداء من سوريا تتضمن:
• طرد المليشيات التابعة لإيران في المحافظات الجنوبية.
• إنشاء حائطي صد على الحدود السورية العراقية وعلى نهر الفرات.
• إعادة نشر القوات الأمريكية وتعزيز قدراتها العسكرية في عشرة مواقع في المناطق التابعة لقوات سوريا الديمقراطية تمتد من عين دادا غرباً إلى رميلان شرقاً.
• استهداف القواعد الإيرانية في المحافظات الوسطى، حيث يستمر الطيران الصهيوني في قصف مطارات الضمير، بعد تدمير سائر الدفاعات الجوية جنوب البلاد.
وتتضمن المرحلة الثانية من الخطة:
• استبدال الوحدات العسكرية الأمريكية بقوات عربية للمساعدة في تأمين شمال البلاد، وبناء قوة عربية من عشائر شرق الفرات تملأ الفراغ في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا والأردن، وذلك بالتعاون مع الأردن وبعض الشركات الأمنية، وتوفير الغطاء الجوي لها من قبل القوات الصهيونية وبعض الدول العربية الحليفة.
• الاستعانة ببعض بالدول العربية للإسهام في مشاريع إعادة إعمار شمال سوريا.
وتؤكد مصادر عسكرية مطلعة أن تل أبيب بدأت تغير من إستراتيجيتها منذ مطلع 2018م، حيث ترغب في الانتقال من مرحلة «الحياد السلبي» الذي اتبعته منذ سبع سنوات، والعمل على مواجهة المحور الإيراني في الجولان، والتحالف مع الأكراد السوريين في الشمال والدروز في الجنوب، ودعمهم لإقامة كيان سياسي كردي أو حكم ذاتي لا يرتبط أهله بصراعات دينية أو قومية مع الكيان الصهيوني والغريب هنا أن الكلام كله عن إيران، والذي يقلق حقاً هم جيران الشمال.
وتأمل تل أبيب وبعض العواصم العربية في كسب موسكو لصالحهم في صفقة تتضمن التخلي عن إيران مقابل الاحتفاظ بنفوذها والبدء في عملية إعادة إعمار يبقى بموجبها بشار الأسد في الحكم للإشراف على عملية إصلاح دستوري تتضمن؛ التصويت على دستور معدل عام 2018م، وإجراء انتخابات بلدية في 2019م، ونيابية في 2020م، ورئاسية في 2021م، بحيث يكمل بشار الأسد فترته الرئاسية شريطة التخلي عن الإيرانيين.
ما هي حقيقة الموقف الروسي؟
بات من المؤكد أن العملية العسكرية لم تكن مفاجئة بالنسبة للقوات الروسية؛ فقد استبقت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية بتحذير أطلقته قبل العمليات بنحو شهر (17 مارس)، أكدت فيه أن الولايات المتحدة تحضر لاستهدف مواقع تابعة لنظام الأسد، وقال رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي إن: «واشنطن تحضر لتوجيه ضربات ضد أهداف حكومية سورية باستخدام الصواريخ المجنحة».
وكان من المثير للانتباه إخلاء القوات الروسية مواقعها في القواعد الجوية التابعة للنظام، وسحبها منصاتها الصاروخية الروسية (إس 300) و(إس 400) إلى قواعدها غربي البلاد، ومغادرة قطعها البحرية الاثنتي عشرة ميناء طرطوس متجهة نحو المياه الإقليمية في البحر المتوسط، وإطفاء الرادارات ليلة 14 أبريل لمنح المقاتلات البريطانية والفرنسية والصهيونية حرية تنفيذ عملياتها الجوية.
بل إنها قامت بدور إيجابي لصالح القوات المهاجمة تمثل في تحديد المسارات الجوية التي يمكن للمقاتلات الغربية أن تسلكها لضرب مواقع النظام وإيران، وذلك وفق اتفاق سابق بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن تنسيق العمليات الجوية.
ويتردد الحديث في بعض العواصم العربية والغربية عن تحول في الموقف الروسي إزاء إيران، إذ يزداد التوتر بين البلدين، خاصة بعد عمليات الغوطة، حيث تشعر طهران بالقلق من التقدم الروسي في دمشق عقب عملية الغوطة، وذلك في مقابل استبعاد مشاركة المليشيات الإيرانية والعراقية التي وصلت إلى محيط الغوطة وأطراف دمشق دون المشاركة في القتال، حيث أمر الضباط الروس قادة المليشيات بالبقاء على مسافة تفصلهم عن أي نقطة اشتباك.
وتعكس وسائل الإعلام الإيرانية مخاوف طهران من النوايا الروسية في سوريا، وما يُنظر إليه على أنه محاولات روسية لتجاوز إيران، التي دفعت ثمناً باهظاً لإبقاء بشار الأسد في السلطة في دمشق، خاصة بعد اصطدام المصالح الإيرانية والروسية في الحصول على حق استخراج الفوسفات في سوريا، فقد حصلت إيران على حق إدارة مناجم الفوسفات في عقد أبرمه رئيس وزراء النظام عماد خميس في طهران، لكنه أُرغم بعد ذلك على إبرام اتفاقيات مع شركات روسية من أجل تطوير المناجم نفسها.
وفي حادثة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين؛ بادرت موسكو إلى الزج بشركة «ستروي ترانس غاز» التي يملك فيها الملياردير الروسي غينادي تيموشينكو الحصة الأكبر، منهية مشروع إيران بتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرافئ التصدير. وتحدثت المصادر عن لجوء الشركات الروسية إلى «قوات النمر» لتهديد الشركات الإيرانية وإبعادها عن حقول الفوسفات، تبعها قصف لحمولة إيرانية خرجت من المناجم، وشن هجوم مفاجئ أسفر عن تمكين الشركة الروسية من الاستيلاء على المناجم بالقوة وطرد المليشيات الإيرانية منها.
ويبدو أن بوتين يتبع نهجاً جديداً يتمثل في الاحتفاظ بمناطق النفوذ الخاصة به، بعد أن فقد الأمل في المحافظة على التوازن بين المصالح الإيرانية من جهة والغربية - الصهيونية من جهة ثانية، الأمر الذي دفعه لإبرام صفقات مع الأتراك شمال غربي سوريا، وإتاحة المجال الجوي لقصف القواعد الإيرانية، مما يحفظ نفوذ روسيا ويعزز قبضتها على دمشق.
مستقبل الثورة السورية:
في أتون هذه المعركة متعددة الأقطاب؛ يتحدث المحللون العسكريون عن انتقال الأزمة السورية إلى مرحلة التقسيم الفعلي، ففي أعقاب سقوط الغوطة الشرقية؛ تمعن القوى الدولية في إضعاف فصائل الثورة مقابل إنشاء كيانات إثنية وطائفية على أنقاض الكيان الجمهوري، حيث تستمر إيران في سياسات التهجير القسري وتوطين عناصر المليشيات الشيعية وعائلاتهم في دمشق وحمص وحلب، في حين تعمل الولايات المتحدة على بناء دولة للأكراد شمال شرق سوريا، وتعزز القوات التركية وجودها غربي الفرات بهدف ربط مناطق «درع الفرات» بمنطقة «غصن الزيتون»، وتوسيع منطقة نفوذ تركيا لتكون الثالثة من حيث المساحة بعد منطقة النفوذ الأمريكي البالغة ثلث مساحة سوريا (185 ألف كيلومتر مربع) وقوات النظام وروسيا وإيران التي تسيطر على نصف مساحة البلاد.
وفي هذه الأثناء تتعالى الأصوات في تل أبيب لانتهاز فرصة احتدام الصراع لتقسيم سوريا لتحقيق اعتراف دولي بسيادته على الجولان المحتل، حيث يدور الحديث عن اكتمال التحضيرات لانتهاز هذه اللحظة التاريخية لإعلان السيادة على الجولان، واتباع نهج طهران وأنقرة اللتين أصبحتا تمتلكان أذرعاً طويلة داخل الأراضي السورية عبر التدخل المباشر.
ويمكن تحديد أبرز ملامح المرحلة المقبلة فيما يلي:
- تراجع المشروع الفصائلي نتيجة الاقتتال الداخلي والانكسارات الأخيرة وتوقف الدعم الخارجي.
- ضعف المشروع السياسي إثر تدجين أجساد المعارضة بشخصيات وجماعات لا تنتمي للحراك الثوري.
- انهيار مشاريع التطرف والإرهاب متمثلة في تنظيمي داعش والقاعدة.
- تنامي مظاهر ضعف النظام برغم تقدم قواته على الأرض.
- تعثر الدبلوماسية الدولية إثر تراجع الوساطة الأممية في جنيف، وانهيار تفاهمات أستانة نتيجة التصعيد الممنهج الذي يقوم به «ضامنو» وقف القتال.
- الانتقال من مرحلة الصراع بالوكالة إلى الصراع المباشر بين القوى الدولية نتيجة توتر العلاقات بين روسيا والدول الغربية مما ينذر باندلاع حرب في الجنوب.
- بداية مرحلة التقسيم الفعلي من خلال إنشاء مناطق نفوذ للأتراك والأمريكان والإيرانيين والروس.
- توجه الدول «الصديقة» لدعم مشروع «إصلاح دستوري» تحت رعاية نظام بشار وإعادة تأهيله.
- ضعف المواقف العربية مقابل تنامي النفوذ الإيراني - التركي - الصهيوني، وربما الكردي في المنطقة.
تدفع تلك التحولات الكبرى في مشهد الثورة السورية - التي تزامنت ذكرى سنويتها السابعة مع سقوط الغوطة الشرقية - إلى الدعوة لتبني مشروع تحول شامل يعالج المخاطر ويستجيب لعمق التحولات، وذلك من خلال الارتكاز على أربعة أعمدة رئيسة هي:
إنشاء تيار وطني وحدوي يمثل الأغلبية المطلقة من السوريين الذين يرفضون مشاريع اقتسام مناطق النفوذ الدولي لبلادهم، ويواجه مشاريع التوسع الفارسية والروسية ومحاولات إعادة تأهيل نظام بشار المتهالك من جهة، ويمنع تمرير مشاريع التقسيم الغربية والنزعات الانفصالية لبعض الفئات السكانية على حساب مشروع الإصلاح الوطني من جهة ثانية.
إعادة التشكيل البنيوي وفق ما يمثل قوى الثورة وليس وفق مصالح وإملاءات القوى الخارجية، فعلى ضوء الدبلوماسية «السرية» التي تناقش فيها الدول الفاعلة مناطق السيطرة والنفوذ؛ يتعين على قوى الثورة أن لا تركن إلى الوساطة الأممية ومفاوضاتها المتعثرة كسبيل أوحد لتقرير مصير سوريا، بل يجب عليها العمل على معالجة هذه المسألة من خلال برنامج تحول وطني شامل، يعالج معضلة الاختراق الواسع للجسد السياسي الذي أُقحمت فيه عناصر لا تنتمي للمعارضة في تمثيلها السياسي، وذلك من خلال إيجاد آليات تمثيلية أكثر نضجاً وأقدر على إعادة تنظيم الحراك الشعبي وتحشيد سوريي الخارج والمناطق المحررة.
تعزيز ثوابت الثورة، وذلك من خلال التوصل إلى الحد الأدنى من المبادئ التي يمكن أن تنضوي سائر القوى الوطنية تحت مظلتها، شريطة الخروج من بوتقة العموميات إلى تفصيل المبادئ التي يتعين الالتزام بها وعدم الحياد عنها، وإنشاء تحالف من القوى والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية لدعم المبادئ وتحقيق التمثيل الفعلي للثورة وفق توافقات سورية محضة.
إعادة تشكيل الجسد الفصائلي وفق متطلبات المرحلة، عبر تبني إستراتيجية بديلة تتحرر من «عبء النطاق الجغرافي» وتركز على المرونة في التشكيل والسيولة المتاحة لإسقاط بشار الأسد ونظامه، وذلك من خلال تعزيز مفاهيم: «الأمن الاستباقي» و«اختراق المناطق الآمنة للعدو»، ووضع خطة ميدانية تحول زخم العمليات إلى المناطق الآمنة للنظام وتسحب زمام المبادرة منه، وذلك من خلال إنشاء غرفة عمليات موحدة وتأسيس بنك للأهداف التي يتوجب ضربها في المناطق الآمنة للنظام، وإضعاف معنويات مقاتليه والمليشيات الموالية له.
ولا شك في أن استعادة الحراك الشعبي هي الفيصل والجزء الأهم في أي إستراتيجية مقبلة، إذ إن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه السياسيون والعسكريون هو البعد عن الحاضنة التي أوقدت نيران الثورة، ولعل مسيرة التيه التي تمر بها الفصائل، ومحاولات التدجين التي يواجهها السياسيون في الأروقة الدولية تدفع بالقوى السياسية والميدانية للعمل على إيجاد تمثيل شعبي حقيقي.