شهادات الناجين من كابوس العصر الجديد
عقائد وأفكار «حركة العصر الجديد» تنتشر في العالم بدرجات متفاوتة برفع شعارات براقة عن الإنسانية، والسلام، والشفاء الذاتي، وتفجير طاقات الإنسان، والتواصل الكوني، وتقتحم بهذه الشعارات وغيرها مجالات مهمة وحيوية كالتعليم والصحة والفنون وعلم النفس والتنمية البشرية.
وإذا كانت ثورة الاتصالات اليوم جعلت انتقال الأفكار ونفوذ الحركات لا تحده الحدود المكانية، فإن الأمر بالنسبة لحركة مثل «العصر الجديد» يزداد خطورة، حيث تدعو أدبيات الحركة وأسسها الفكرية إلى النظر إلى العالم كقرية واحدة، وإزالة الهويات وخاصة الدينية، فهذه الحركة لا تستهدف الإنسان الغربي وحده، بل العالم كله، وقد تأثر العالم الإسلامي بالباطنية الآتية من الشرق قديماً، وهو اليوم يتعرض لخطرها الآتي من الغرب في ثوب أكثر جاذبية متمسحاً بالعلم وحماية الإنسانية.
من أبرز الناجين من براثن الحركة «كونستانس كمبي»، الذي ألف كتاباً في نقدها أطلق عليه: المخاطر الخفية لقوس قزح (The Hidden Dangers of the Rainbow: The New Age Movement and Our Coming Age of Barbarism).
وأكد في كتابه أن هذه الحركة تجذب الناس بشعارات الخلاص والعمق الذاتي والوصول للنور، مشيراً إلى أنه ليس من الغريب اعتناقه وانتظامه في هذه الحركة، التي كان مرشداً اجتماعياً بها، لأنها بالفعل تجذب الملايين، ولكن الأغرب هو خروجه ونجاته منها، فعلى حد تعبيره: «كثيرون يدخلون ولا يخرجون».
في هذا المقال نستكشف شهادات لأشخاص خاضوا غمار هذه الحركة، ووجدوا أن هذه الشعارات سطحية وترويجية، وتُخفي في أعماقها أفكاراً وممارسات شديدة التطرف والغرابة والخطورة على النفس والمجتمع، وسطر العديد منهم تجاربهم الواقعية والممتدة على مدار سنوات.
راندال بيير، صاحب كتاب «داخل كابوس العصر الجديد» (Inside the New Age Nightmare)، يقول إنه كانت لديه شكوك وتساؤلات كثيرة حول المسيحية عندما كان مراهقاً وبدأت تتوافد على عقله أسئلة عديدة عن الرب والكتاب المقدس لكنه لم يجد من يناقشه فيها أو يعطيه إجابات شافية ومقنعة، وفي سن الرابعة عشرة لم يعد راغباً في الذهاب إلى الكنيسة على الإطلاق، وبدت له خدمات الكنيسة والمجموعات الدراسية المسيحية عقيمة وبلا روح، وكغيره من المراهقين والشباب في ستينات وسبعينات القرن الماضي بدأ يتولد لديه شغف بالقراءة عن مذهب العصر الجديد، وبدأ يقرأ عن الدين والفلسفة والتنجيم، كانت أفكار المذهب شيقة جداً على المستويين الفكري والروحي بالمقارنة مع تجمد المسيحية، وعندما أتم 15 عاماً بدأ في ممارسة اليوجا والتأمل، والاعتقاد بوحدة الوجود.
تشجيع المخدرات لخوض التجارب الروحية:
كشف «بيير» في كتابه عن دور المخدرات في ممارسات «العصر الجديد» للوصول إلى الحالة الروحانية المزعومة، فيقول: برغم نجاحي بقوة في دراستي إلا أن شغفي بأفكار العصر الجديد جعلني أبدأ في تناول الماريجوانا - أحد أنواع المخدرات - من أجل التمتع بالعمق الروحي، وبالفعل كانت لي تجربة شعرت أني عائم في الكون، وخارج حدود جسدي، وبدأت أشعر بالخفة وأني حققت ما تحدثت عنه الفلسفات الدينية الشرقية عن التنوير، وشعرت بأن الطبيعة مصدر السلام والحقيقة، وبدأت في تعاطي المزيد من الماريجوانا وانتقلت منها إلى عقاقير الهلوسة لتكرار التجربة والوصول إلى مشاعر أعمق، لم يصل إليها في اعتقادي إلا المتصوفون.
وتكررت التجربة واستمر في الشعور بما سماه «أبعاداً استثنائية خارقة للطبيعة» لا توصف، ويرى كائنات من الطاقة، وهيئ له أنه اتحد مع الكون، والتقى بما يطلقون عليها «أرواح السادة».
وبعد سنوات قليلة من الاعتماد على المخدرات لاختبار تجارب الخروج من الجسد، مع قراءة الكتب الهندوسية والطاوية والبوذية، وممارسة اليوجا، بدأ في الوقوع في هوة سحيقة من تلاعب الشيطان.. في إحدى المرات بعد تناوله عقاقير الهلوسة حدث له ما ذكره في كتابه قائلاً:
«لم يعد لي سيطرة على نفسي، وأخذت القوة الشيطانية تتحكم بي، بدأت أشاهد رؤى ظلامية بشعة، وساعات من التعذيب الداخلي الهائل، كأن الشيطان يفجر روحي ويتركني دمية خرقاء، لم أستطع الكلام لمدة يومين، واستغرق الضرر النفسي الناتج 6 أشهر للشفاء.. وعلمت أن علي الإقلاع عن المخدرات».
تعاطي المخدرات ليس حالة فردية وإنما هو وسيلة أساسية لدى كثير من أتباع الحركة، والفكر الثيوصوفي بشكل عام، لما يعتبرونه تحفيزاً للوعي الداخلي، وقد دافع عنها اثنان من أشهر دعاة الحركة، مثل عالم النفس ريتشارد ألبرت، وتيموثي ليري، اللذين اعتبرا تناول عقاقير الهلوسة أمراً مهماً للوصول للخبرات الصوفية.
وفي حديثها عن تجربتها داخل مجموعات العصر الجديد، قالت الكاتبة والمحللة الاقتصادية الأمريكية Naima Feagin إن من أسوأ الأمور التي رأتها وسط هؤلاء الناس الإفراط في تعاطي المخدرات، بزعم الحصول على النشوة الروحية، ورؤية المستقبل، والفقراء منهم يلجؤون لطرق مختلفة من الاحتيال لتوفير المال اللازم لشراء هذه العقاقير المهلوسة والمخدرات.
ومن تداعيات الإفراط في تناولها بقاؤهم في غرف مغلقة دون استحمام ولا تهوية لأيام، وتسلط مشاعر الشك وجنون العظمة عليهم بتأثير الهلوسة.
عبادة الشيطان:
يحكي راندال بيير عن محاولاته للوصول للنيرفانا البوذية أو التنوير الروحي المزعوم بعيداً عن المخدرات، بعد تجربته المريرة معها، حيث انخرط في منهج السيلفا للتحكم في العقل، وعن طريق أحد الكورسات التقى بدليلين روحيين لا وجود لهما في الحقيقة، مشيراً إلى أن منهج سيلفا مبني على أفكار باطنية غامضة أعيد تشكيلها لتناسب العقلية الغربية، والطبقة المتوسطة في أمريكا، وأنه يتم من خلالها دعوة الشياطين متنكرة في زي الأصدقاء والوسطاء الروحيين.
وبرغم أنه كان طبيباً إلا أنه افتتن بالممارسات العلاجية للعصر الجديد، وخاصة العلاج بالألوان والروائح وموسيقى «الزن»، حتى وصل إلى الإيمان بقوة الكريستال، التي كانت مع طقوس أخرى بداية لخوض أوهام جديدة من الخوارق.
شُغف راندال وزوجته باستخدام أحجار الكوارتز وتشكيلها بطرق معينة في طقوس غامضة للتحدث مع ما يُسمى بالأرواح العليا، وقد ألف قبل انعتاقه من هذا المذهب كتاباً بعنوان: «بلورات الكوارتز والتحول الذاتي»، وكانا يسمعان أصواتاً لما ظنا أنها أرواح حلت فيهما، مثل روح موسى، ومريم، والكائنات الذهبية وغيرها.
بدأ في تعليم الآخرين هذه الطريقة، وكان يحضر له شخصيات مرموقة وشهيرة، في برنامج أعده للتدريب على استخدام قوة الكريستال، حيث أعد في منزله ما سماه «دائرة الصعود»، في غرفة مليئة بالبلورات، وأشكال الأهرامات والرموز الغامضة، وموسيقى العصر الجديد، ومعدات خاصة وأفلام لتحفيز حضور الأرواح، وتجارب الخروج من الجسد.
يقول: وفي ليلة بينما كنت في غرفة الصعود أعيش حالة التجوال الروحي وأشعر بموجات من النور المشع تسري داخلي رأيت وجوهاً بشعة تشع كراهية وعنفاً، كنت وجهاً لوجه مع الشياطين، بدأت أرتجف، واستمر كابوس رؤيتهم لمدة أسبوع كامل، شعرت أنني سأجن خلاله.
ويستكمل: عند هذه النقطة ظهر لي الوجه الحقيقي للعصر الجديد: عبادة الشيطان نفسه.
اتخاذ وسطاء للوصول إلى إبليس:
ونعود إلى كونستانس كمبي صاحب كتاب: «المخاطر الخفية لقوس قزح»، والذي تحدث عن عبادة الشيطان داخل حركة العصر الجديد، وبرغم أن الكثير من معتنقي هذا الفكر يعتقدون أنهم يمارسون ما يطلقون عليه «السحر الأبيض»، وينكرون تماماً أنهم يقعون في عبادة الشيطان، إلا أن هذا هو ما يحدث بالفعل، فإلى جانب ممارستهم لطقوس شيطانية مثل السحر والتنجيم، فإنهم لا ينكرون محاولتهم للتواصل والمناجاة الروحية لآلهة وثنية، مثل: شيفا، بوذا، كوكب الزهرة (فينوس)، والوثن الهندوسي سانت كومارا، ولوسيفر الذي هو إبليس.. وغيرها من الأسماء التي ذكرها رئيس كهنة عبادة الشيطان أنتون ليفي عام 1969 في كتابه الذي سماه «إنجيل الشيطان» وعنون لها بـ«الأسماء الجهنمية» واعتبرها كلها مرادفة للشيطان وموصلة له.
أحد هؤلاء الناجين وهو «جيريمي جيمس» أمضى 33 عاماً في الترويج والشرح لأفكار العصر الجديد، سافر إلى العديد من الدول، ونشر كتابين لهذا الغرض، يحكي في ورقة بحثية له عما سماه «اللقاء المروع مع الشيطان» في رحلته الأخيرة لندوة عن أفكار العصر الجديد في إفريقيا، حيث التقى بالشياطين في حالة الخروج من الجسد أثناء اليقظة، وكذلك في نومه، ويقول: «رأيت الشر بذاته، الشيطان بكل كرهه لي وللبشر، يجذبني بشراسة ويشعل المكان من حولي ولا أحد ينقذني».
الثرثرة دون عمل:
تحكي الكاتبة الأمريكية فيجن عن أحد أهم الأمور التي جعلتها تبتعد عن مجموعات العصر الجديد، وهي كثرة الكلام دون عمل، فتقول في مدونتها الشخصية:
«لا أستطيع أن أحصي كم اللقاءات على سكايب، أو البرامج الإذاعية والمناقشات التي شاركت فيها، الناس في هذه المجموعات لا يريدون سوى الجلوس والتحدث لساعات حول النظريات والأفكار، ويعتبرون هذا عصفاً ذهنياً لكنه في الحقيقة لم يكن إلا إضاعة للوقت، وجدت نفسي أتحدث على الهاتف لمدة عشر ساعات يومياً، وبدأت أدرك أن هذه المؤتمرات والجلسات فلسفة دون توقف ودون أن يتبعها أي عمل».
ولعل فكرة قانون الجذب، وهي من الإفرازات الأكثر انتشاراً لعقائد العصر الجديد، مثال على إهدار قيمة العمل، فكتاب «السر» (The secret)يؤكد على المعجزات التي تحققها الأفكار والمشاعر وحدها.
السرقة:
ترى فيجن أن أحد أسوأ الأمور التي واجهتها على مدار عامين في مجموعات العصر الجديد هي السرقة، وتقول: الناس في هذه المجموعات يتعاملون معاً بطريقة سيئة جداً، هناك قدر كبير من عدم النضج في التفكير والعاطفة، وسلوكيات متطرفة من نفاق وخيانات ومؤامرات، والاتهامات المتبادلة والسرقة، سرقة الوقت والأموال.
تشابه الفكر الباطني:
فكر العصر الجديد ليس بجديد على الإطلاق، إنه ضارب بجذوره في تاريخ الفكر الباطني الغامض، المنطلقات والممارسات نفسها، مع صياغة تناسب العقلية الغربية المعاصرة.
وإذا كان هذا الفكر استطاع أن ينتشر في الغرب بهذه الصورة، وأصبحت مفاهيمه مبسطة جداً لتصل إلى الصغار قبل الكبار، عبر آلة ترويجية ضخمة تستند على داعمين كثر وبارزين في الفكر والسياسة والإعلام والسينما والصحة والأدب - فإن خطره على العالم الإسلامي أكبر؛ ذلك أنه ليس بمستحدث ولا مستغرب، حيث أصابت لوثتها العقيدة والشعائر والأفكار وامتدت تأثيراته على الحياة الدينية والاجتماعية منذ القرن الثالث الهجري، وتستر أتباعه بثوب التصوف والزهد والمجاهدة، متكئين على تحريف النصوص والتلاعب بها، والاعتقاد بوحدة الوجود، والممارسات الشيطانية الغامضة مثل: السحر، والتنجيم.
الأفكار والمصطلحات نفسها التي يرددها دعاة العصر الجديد رددها الباطنيون من قبلهم، فعقيدتا وحدة الوجود والحلول والاتحاد هما المرتكز للباطنية التي ظهرت في العالم الإسلامي، كما أنهما مرتكز الباطنية الحديثة في الغرب، ووجود الرتب مثل: أرواح السادة والوسطاء الروحيين وحاملي النور، وحاجة المبتدئ للمرشد الروحي تتماهى مع مصطلحات الأقطاب والأبدال والأوتاد والنقباء والنجباء، وتسلط الشيخ على المريد لدى الباطنية الصوفية المتمسحة بالإسلام. وكذلك تعاطي المخدرات، والاستماع لموسيقى مخصوصة، وتجارب الخروج من الجسد، التي سُميت في العالم الإسلامي بـ«الفناء»، وكذلك السعي لحدوث الخوارق مثل التخاطر وتحريك الأشياء عن بُعد ومعرفة الغيب لدى العصر الجديد هو ذاته ما توسع فيه باطنية المتصوفة بزعم «كرامات الأولياء». أما الاتصال بالموتى وحضورهم لمقابلة الأتباع بعد طقوس معينة فهو ذاته ما عُرف لدى الباطنية بـ«الحضرة».
وإذا كان دعاة العصر الجديد في الغرب غالباً ما يهاجمون المسيحية، وينابذونها العداء، فيما عدا حالات يتسللون منها عبر أنشطة الكنيسة، فإن اختراقهم للمسلمين كان دوماً عبر التلاعب بالنصوص لا إنكارها، والتزيي بزي أهل الصلاح والذكر.
وتظل لدى المسلمين قوة الوحي، هي وحدها طريق النجاة من الوقوع في خديعة الشيطان الكبرى التي تستنزف عقول وقلوب الفارين من المسيحية غرباً.
وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى جانباً من تجربة عبد القادر الجيلاني الذي قال: رأيت عرشاً بين السماء والأرض، فناداني صوت قال: يا عبد القادر أنا ربك قد أسقطت عنك الفرائض، وأبحت لك المحارم كلها، أسقطت عنك جميع الواجبات، قال: فقلت له: اخسأ يا عدو الله، فتمزق ذلك العرش، وذلك النور، وقال: نجوت مني بحلمك وعلمك يا عبد القادر وقد فتنت بهذه الفعلة سبعين صديقاً أو كما قال. قيل له: كيف عرفت يا عبد القادر أنه شيطان. قال: عرفت بقوله: أسقطت عنك الواجبات، وأبحت لك المحرمات، وعرفت أن الواجبات لا تسقط عن أحد إلا من فقد عقله، وقال: إنه لم يستطع أن يقول: أنا الله، بل قال: أنا ربك. (مجموع الفتاوى الجزء الأول 169).
:: مجلة البيان العدد 351 ذو القعدة 1437هـ، أغسطس 2016م.