• - الموافق2024/11/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أنتم تدرسون العقيدة الوهابية!

أنتم تدرسون العقيدة الوهابية!

شاركت قبل سنوات خلت في ندوة علمية في إحدى الدول الآسيوية، وفي مداخلة لأحد الحضور (كان يعمل قاضيًا) قال لي: أنتم في السعودية تدرسون العقيدة الوهابية، فقلت له: سأقدم جوابًا عمليًّا من واقع الحال في الجامعات السعودية:

 أنا مدرس في كلية الشريعة وأصول الدين منذ ما يزيد على ثلاثة عقود (قاربت اليوم على العقد الرابع، ولله الحمد)، وتخصصي الدقيق هو العقيدة والمذاهب المعاصرة، والمرجع الرئيس الذي ندرِّسه في العقيدة لطلابنا في كليات الشريعة وأصول الدين هو العقيدة الطحاوية للإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي مع شرحه المسمى «شرح العقيدة الطحاوية» للإمام علي بن علي بن أبي العز الحنفي؛ فأنت ترى أن صاحب الأصل وصاحب الشرح كلاهما من علماء الحنفية، والمذهب الفقهي السائد في المملكة هو المذهب الحنبلي في الغالب.

وبيان ذلك أن باب العقيدة ليس فيه مذهب حنفي أو مالكي أو شافعي أو وهابي أو غيره، وليس لأي واحد من هؤلاء الأئمة عقيدة تخصه، لا أبو حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد، ولا ابن تيمية، ولا ابن عبد الوهاب، ولو جاء أي واحد من الأئمة بعقيدة من عنده - وحاشاه أن يتعمد ذلك، وإن كان غير معصوم من الخطأ - لما كان نصيبها إلا الرد، لأن العقيدة المعتمدة هي ما تلقاه الصحابة - رضوان الله عليهم - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال البخاري - رحمه الله -: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي - رحمه الله -، فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فقال: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال الرجل للشافعي: ما تقول أنت؟! فقال: سبحان الله! تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! ترى على وسطي زنَّارًا؟! أقول لك: قضى رسول الله، وأنت تقول: ما تقول أنت؟![1].

ولما عقدت المناظرة لشيخ الإسلام ابن تيمية للسؤال عن عقيدته التي يدعو إليها قال: «أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله، وما أجمع عليه سلف الأمة، فما كان في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة مثل صحيح البخاري ومسلم»[2].

ويخطئ بعض الناس فينسب الاعتقاد إلى المذاهب الفقهية، فيقول: هذه عقيدة الحنابلة أو الشافعية أو المالكية، وهذا خطأ؛ لأن هذه المذاهب مدارس فقهية، وليست فرقًا أو طوائف عقدية.

وأئمة هذه المذاهب الفقهية عقيدتهم واحدة، وإنما اختلفت أقوالهم في المسائل الاجتهادية، كما أنه من الخطأ أيضًا إدراج الطوائف الخارجة عن السنة على أنها مذاهب شأنها شأن المذاهب الفقهية الاجتهادية.

وقد وقفت على كتاب صنفه بعض الأدباء سماه «إسلام بلا مذاهب»، تضمن عجائب وغرائب؛ ومن خاض في غير فنه أتى بالعجائب، ومن هذه الغرائب والعجائب أنه ساوى بين المذاهب الفقهية الاجتهادية والطوائف الخارجة عن الإسلام كالقاديانية، وهذا جهل أو تجاهل، يضلل ولا يهدي.

وقد أنشأ بعض ملالي إيران دارًا في مصر سموها «دار التقريب بين المذاهب»، حاولوا تلبيسًا وتدليسًا أن يجعلوا المذاهب الفقهية طوائف، وأن يجعلوا الطوائف كالخوارج والرافضة مذاهب، فسموا الجميع مذاهب ولم يفرقوا - بقصد أو غير قصد - بين الطوائف الخارجة عن السنة، بل الخارج بعضها عن الإسلام كغلاة الرافضة والباطنية، وبين المذاهب الفقهية ذات العقيدة الواحدة، والمورد الواحد، وقد استراب أهل العلم في أمرها، وشكوا في أهدافها، قال عبد اللطيف محمد السبكي (عضو جماعة كبار العلماء بالأزهر في زمنه): «ورابني ويجب أن يرتاب معي كل عضو بريء أنها تنفق عن سخاء دون أن نعرف لها موردًا من المال، ودون أن يطلب منا دفع اشتراكات تنفق على دار أنيقة بالزمالك في القاهرة فيها أثاث فاخر، وفيها أدوات قيمة، وتنفق على مجلتها فتكافئ القائمين عليها، وتكافئ الكاتبين فيها، وتتأنق في طبع أعدادها، وتغليف ما يطبع، إلى غير ذلك مما يحتاج إلى مورد فياض.. فمن أين ذلك؟! وعلى حساب من يا ترى؟!»[3].

ثم اكتشف الناس حقيقتها، وأن الغاية منها هي نشر عقيدة الرافضة في أرض الكنانة تحت شعار التقريب؛ فأغلقت. وقد زرتها عام 1399هـ فرأيتها موصدة الأبواب، لا أثر لأي نشاط فيها، حتى وصف الشيخ محب الدين الخطيب ما آل إليه أمرها بقوله: «انفض المسلمون جميعًا من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب، ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعي من استأجرها»، وذكر أن العلماء المخلصين من أهل مصر انكشف لهم المستور من حقيقتها، فانفضوا عنها وعن الألاعيب التي كان يراد إشراكهم في تمثيلها[4].

ومن الغريب شيوع هذا الوهم، وهو دعوى أن تعدد المذاهب الفقهية معناه تعدد المذاهب العقدية، مع أن جميع الأئمة ما كانوا يدعون في باب الاعتقاد إلى مذهب حنبلي أو مالكي، أو غيرهما، قال ابن تيمية: «مع أني في عمري إلى ساعتي هذه لم أدع قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها»[5].

لقد كان معتقد الأئمة الأربعة واحدًا؛ لأن مصدرهم في التلقي واحد، ووحدة اعتقادهم مسألة مقررة معلومة لدى أهل العلم، ولذا قال السبكي: «هذه المذاهب الأربعة - ولله الحمد - في العقائد واحدة إلا من لحق منهم بأهل الاعتزال والتجسيم، وإلا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفًا وخلفًا بالقبول»[6].

وليست وحدة الاعتقاد خاصة بالأئمة الأربعة وحدهم، بل جميع الأئمة وسلف الأمة كانوا على القول الحق الواحد في هذا الباب؛ لأن المذهب هو مذهب الصحابة الذي تلقوه عن نبيهم، و«الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على عقيدة واحدة؛ لأنهم أدركوا زمن الوحي وشرف الصحبة»[7]، وتلقوا الاعتقاد من منبع واحد وهو منبع الوحي، ولم يكدروا صفوه بموارد أخرى، ولذا فهم «بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الاعتقاد، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم»[8]، واتبعهم في ذلك بقية سلف الأمة وأئمتها بإحسان.

ووحدة الاعتقاد من خصائص أهل السنة، وسبب ذلك اتباعهم للوحي الإلهي الذي لا اختلاف فيه، ولا تناقض لأنه من عند الله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [النساء: ٢٨]. ولذا كان أئمة السنة على الحق سائرين، وبالحق قائمين، وعلى الحق متحدين؛ حيث لا يجمعون على ضلالة. وكما أن الاجتماع والاتفاق من خصائص أهل السنة فإن التنازع والتنابذ والتكفير من سمات المبتدعة، ولهذا يسمى أهل السنة بالجماعة لأنهم لا يكفر بعضهم بعضًا، وليس بينهم خلاف يوجب التبري والتكفير، فهم إذن أهل الجماعة القائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، وليس فريق من فريق المخالفين إلا وفيهم تكفير بعضهم لبعض، وتبري بعضهم من بعض، كالخوارج والروافض والقدرية حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد، فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضًا[9]؛ لأنهم يستقون دينهم في غالب مسائله من غير مصدره المنزل من عند الله، بل إنهم لا يعولون على النقل مطلقًا في مقام النظر والاستدلال والاعتقاد، وما كان من عند غير الله فلا يثمر إلا الخلاف والاختلاف، ولذا تجد المبتدعة كما قال الإمام أحمد: «مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين»[10].

ذلك أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا تامًّا يتعمد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم[11].

ولذا استفاض النقل عن الأئمة بألا يؤخذ من قولهم إلا ما وافق الكتاب والسنة وأن الأصل قول الله ورسوله.

قال الإمام مالك: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافقهما فاتركوه»[12]، وتواتر عن الإمام الشافعي أنه قال: «إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط»[13]، وجاء هذا المعنى عن الباقين، فكلهم على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أتباعه وأنصاره، فلا معصوم عندهم سواه، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك قرر أهل العلم أنه إذا جاء عن بعض الأئمة قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد أن يكون له عذر في تركه، وجماع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك.

الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.

وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة[14].

وعقيدة هؤلاء الأئمة التي تلقوها عن نبيهم، واجتمعوا عليها باقية محفوظة بحمد الله؛ لأن الله جل شأنه حفظ مصدرها: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، والقائمون بها المنافحون عنها المبينون لها باقون إلى أن تقوم الساعة، لا يفتنون جميعًا ولا يضلون، كما لا يفنون كلهم بحرب نووية ولا بكارثة عامة، بهذا جاءت البشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه: «لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى أن تقوم الساعة»[15]، كما جاءت البشرى أيضًا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها[16].

فسلك الأئمة طريق الاتباع لا الابتداع، وكان متبوعهم وقدوتهم وأسوتهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا الباب هو ما جاء به إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن دين الأنبياء واحد، وإن تنوعت شرائعهم، كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد»[17]، قال النووي: «قال جمهور العلماء: أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها اختلاف»[18]، وقال ابن حجر: «معنى الحديث أن أصل دينهم واحد وإن اختلفت فروع الشرائع»[19]، وهذا صريح قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقوله جل شأنه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. ولهذا قال سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، وإنما خص نوحًا وإبراهيم موسى وعيسى بالذكر لأنهم أرباب الشرائع وأولو العزم من مشاهير الأنبياء ولبيان الحق لمن يدعون متابعة بعضهم كاليهود الذين يزعمون اتباع موسى والنصارى الذين يزعمون اتباع عيسى، وإلا فما من نبي إلا وهو مأمور بما أمروا به من إقامة دين الإسلام وهو التوحيد وأصول الإيمان، وكذا الشرائع والأحكام التي لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار[20].

فدين الإسلام الذي شرع الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، هو دين الأنبياء كلهم: {إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 19]، فقد شرع الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء، ثم بين ذلك بقوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، وهو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلمًا لم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسن أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48][21].

فالرسل متفقون في الدين الجامع للأصول الاعتقادية والعملية، فالاعتقادية كالإيمان بالله وبرسله وباليوم الآخر والعملية كالأعمال العامة المذكورة في الأنعام والأعراف وسورة بني إسرائيل، كقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} [الأنعام: ١٥١] إلى آخر الآيات الثلاث. وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ} [الإسراء: 23] إلى آخر الوصايا. وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، وقوله: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]. فهذه الأمور هي من الدين الذي اتفقت عليه الشرائع.

كما أن السور المكية على وجه العموم تضمنت الأصول التي اتفقت عليها رسل الله[22].

وبالجملة فقد اتفق الرسل - عليهم السلام - على أصول ثلاثة:

الأول: تعريف الناس بربهم ومعبودهم بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

الثاني: تعريف الناس بالطريق الموصل إليه، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه.

الثالث: بيان حالهم بعد الوصول إليه، وما ينتظرهم من جزاء وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار[23].

وهذا الدين الذي اتفق عليه الرسل هو دين الإسلام، قال تعالى: {إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 19]، ولا يقبل الله من الأولين والآخرين دينًا سواه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

وجميع الأنبياء من لدن نوح - عليه السلام - إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على دين الإسلام، قال الله تعالى عن نوح: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس: 71] إلى قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ}.

وقال عن إبراهيم: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] إلى قوله: {إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: ١٣١] إلى قوله: {فَلا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132].

وقال عن موسى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس: 84].

وقال في خبر المسيح: {وَإذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْـحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ 111} [المائدة: ١١١].

وقال فيمن تقدم من الأنبياء: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: ٤٤].

وقال عن بلقيس أنها قالت: {رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: ٤٤].

فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا عن عبادته، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده.

والأصل الذي عليه علماؤنا «أن من نصب إمامًا فأوجب طاعته مطلقًا اعتقادًا أو حالًا فقد ضل في ذلك»[24].

فليس هناك عقيدة وهابية أو حنبلية أو شافعية، بل هي عقيدة الإسلام التي بلغها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغتها الأمة جميعًا علمًا وعملًا.

فهم أهل الحق، ومن عداهم أهل البدعة؛ لأنهم الصحابة - رضي الله عنهم - الذين عاصروا التنزيل وعرفوا التأويل، وسلكوا سواء السبيل، ومن سلك نهجهم من خيار التابعين - رحمة الله عليهم -، ثم أصحاب الحديث، ومن اتبعهم من الفقهاء جيلًا فجيلًا إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها[25] - رحمة الله عليهم -، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 29].

 

:: مجلة البيان العدد  344 ربـيـع الثاني  1437هـ، يـنـايــر  2016م.


[1] شرح الطحاوية 2/500، وينظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 9/106، سير أعلام النبلاء 10/34.

[2] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/161.

[3] مجلة الأزهر 24/286.

[4] «الفتح»، العدد 848، العام السابع عشر شوال 1366هـ.

[5] المصدر السابق: 3/229.

[6] معيد النعم ص22-23.

[7] مفتاح السعادة 2/143.

[8] أعلام الموقعين 1/49.

[9] الفرق بين الفرق ص361.

[10] الرد على الجهمية ص52 (ضمن مجموع عقائد السلف).

[11] رفع الملام ص10.

[12] معنى قول الإمام المطلبي ص105.

[13] إعلام الموقعين 2/282.

[14] ينظر للتفصيل: رفع الملام ص10 وما بعدها.

[15] انظر: صحيح البخاري (مع الفتح) 13/293.

[16] أخرجه أبو داود 11/385-386، قال السيوطي: اتفق الحفاظ على تصحيحه منهم الحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل، وابن حجر وغيرهم (انظر: عون المعبود 11/396).

[17] أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (2365).

[18] شرح صحيح مسلم: 15/120.

[19] فتح الباري 6/489.

[20] انظر: روح المعاني 25/19.

[21] انظر: «تفسير القرطبي» 16/10، فتح القدير للشوكاني 4/515، تفسير ابن كثير 4/117، أنوار التنزيل للبيضاوي 5/52.

[22] انظر: مجموع الفتاوى 15/159-160.

[23] انظر: مجموع الفتاوى 19/95.

[24] مجموع الفتاوى 19/69.

[25] ينظر: «الفصل» 2/107.

أعلى