الحرب الطائفية الإقليمية المقبلة تدبير من؟ ولحساب من؟
هناك ظاهرة تاريخية خطيرة جديرة بالتأمل والدراسة، تكررت كثيرًا في عقود الوهن العام الذي اكتنف أحوال أمتنا بعد سقوط أو إسقاط كياننا الإسلامي العالمي السابق ممثلًا في دولة الخلافة العثمانية، وذلك خلال ما مضى من عقود، بل قبل سقوط الخلافة بعهود. وتلك الظاهرة هي استمرار أعدائنا في ضرب أعدائهم بنا.. واستمراؤهم ضرب فريق من المنسوبين للأمة بفريق آخر، مع إعانة كلا الفريقين في حربهما لإنهاك بعضهما ببعض، أو إنهاء بعضهما على يد بعض، دون تدخل من هؤلاء الأعداء إلا بإعانة كلا الفريقين على بعضهما البعض، وإذا حدث أن انتصر أحد هذين الفريقين أو أبدى قدرة على الصمود؛ رموه عن قوس واحدة واجتمعوا عليه حتى لا يعود قادرًا على الصعود.
وفي كل مرة تحل أحكام الله القدرية في من يتنكر لسنته الكونية بخذلان من والى الكفار واتخذ منهم مستشارين ناصحين وبطانة مؤتمنين، والأمر كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: ١١٨].. ولكن من يتعقل ويتفكر ويتذكر؟!
الذاكرة ملأى بتجارب مضت في عهود انقضت، وحادثات مماثلة في الماضي القريب، وأحدث منها ماثلة أمام المتابع الرقيب:
هل نتحدث هنا عما حدث لمحمد علي باشا في حروبه التوسعية التي أراد بها الإضرار بالدولة العثمانية بعد أن كان أحد قادتها؛ حيث حاول الاستقلال بمصر والسودان، ثم طمع في الحجاز ونجد، وتطلع للتوسع في الشام، بل تجرأ على عاصمة الخلافة نفسها بمباركة من الدول الاستعمارية آنذاك، حيث كان الأعداء يؤزونه ويؤازرونه، حتى إذا ما أكمل المهمة المرسومة تنكروا له ثم انقلبوا عليه، وذلك لما رأوا أنه كاد يقيم كيانًا فتيًّا بديلًا للكيان الموجود بعد أن أصابه الترهل والجمود، فتآمروا عليهما ثم اجتمعوا ضدهما في معركة «نافارين» البحرية عام 1827م ودمروا أسطوله البحري الذي تطلع أن يقيم به إمبراطورية كبرى، وأجبروه بعد ذلك على القبول بولاية صغرى في مصر يرثها هو وأبناؤه!
هل نستدعي بعد ذلك ذكريات «الشريف حسين» وكيف كرر التجربة البائسة بضرب دولة الخلافة من الظهر بدعوى «الثورة العربية الكبرى»، لإنشاء كيان وهمي قادم على أنقاض كيان حقيقي قائم، أغراه به النصارى ووعدوه بدعمه بعد سقوط دولة آل عثمان! ثم ماذا كان؟ لقد جحدوه بعد هزيمة تركيا التي شارك في صنعها، وخلعوه من وهم الخلافة قبل أن يحظى بها حتى مات حسيرًا كسيرًا بعدما سقطت دولة الترك، ولم تقم دولة العرب!
وهل نتذكر ما حدث بعد عقود مع جمال عبدالناصر، الذي تُرك يفرق العرب باسم الوحدة العربية، ويفقر شعبه باسم الاشتراكية، ويحارب الدين على أنه «رجعية»، ويتظاهر ببطولات زائفة لم يظهر لها أثر إلا في توهين أمر المسلمين في مصر وغيرها، حتى إذا ما انتهى من معاركه الاستعراضية ضد الأخيار، خلّى أولياؤه بينه وبين اليهود الأشرار، فهُزم جيشه بقسوة على أيديهم في حرب الفضيحة عام 1967م، وذهب بعدها فلم يحرر هو ومن معه من الضباط «الأحرار» ما ضاع من فلسطين، بل أضاعوا أضعافًا أخرى منها ومما حولها!
هل ننسى مسلسل الأحداث مع من ضاهى عبدالناصر في الرمزية القومية؛ وهو صدام حسين؟ لقد سُلط بعمد وهُيئ بقصد لقصقصة أجنحة الكيان الشيعي الثائر في إيران، التي كانت ثورتها الثورة الوحيدة التي سُمح لها بالنجاح والاستمرار مع ادعائها نصرة الإسلام؛ وذلك لأغراض لا تخفى. وكان الغرب يدعم كلًّا من إيران والعراق بالسلاح في حرب الخليج الأولى التي امتدت لثماني سنين، حتى إذا ما كَسَر صدام كبرياء الفرس، وتهيأ للزعامة على عموم العرب، أُغري بنقض عُرى «القومية العربية» بغزو دولة عربية، لتتسلسل الأحداث بعد ذلك في حرب خليج ثانية عام 1991 أسقطت فيها هيبته، ثم ثالثة عام 2003 أسقطت فيها دولته!
ودعونا نتأمل أيضًا: كيف ضُرب الروس بالمجاهدين في أفغانستان إبان الغزو السوفييتي؛ بدعم معلن من الغرب والأمريكان، ثم أطلقت فتن المخابرات الدولية للإيقاع بينهم في «معارك ما بعد النصر» حتى كاد المجاهدون القدامى يُفني بعضهم بعضًا في حرب أهلية عبثية! ثم هُيئت حركة طالبان لتُجهز في بضع سنين على الجميع، كي يُجهز على دولتها بعد ذلك في بضعة أسابيع!
وفي الصومال: جمعت حركة المحاكم الإسلامية أوراق شتات الصوماليين بعد أن كاد القراصنة ينشئون دولة على أشلائها، وكسر رجال الحركة ظهر اللصوص وقطاع الطرق وأعادوا الأمور إلى نصابها، وما أن تهيأوا للعودة بأحوال الصومال إلى مصاف الدول المعترف بها بعد فراغ في السلطة لنحو خمسة عشر عامًا؛ حتى سُلط الأحباش النصارى على منقذي الصوماليين المسلمين، فاجتاحوا البلاد، ثم جرى لقادة المنقذين احتواء ثم استعباد، لتجيء حركة الشباب الإسلامي لتطيح بما تبقى قبلها.. ثم لا تبقى بعدها!
وفي العراق بعد الغزو الأمريكي، بدا للعيان أن الأمريكان ومن شايعهم من عملاء إيران مقبلون على هزيمة منكرة على أيدي مجموعات المجاهدين العراقيين القادمين من وراء الحدود نصرة لإخوانهم من أهل السنة، فلم يجد الغزاة والمتواطئون معهم مخرجًا من الورطة إلا بإخراج أدعياء للسنة لمقاومة المقاومين من أهل السنة، في جيش من العملاء قوامه خمسون ألفًا تحت رايات صليبية وشيعية وبمسمى «الصحوات»! لتصبح الساحة بعد زمن قليل شبه خالية إلا من إيران التي تقاسمت الغنائم مع الأمريكان!
هل سنعيد السيناريو من جديد؟!
تشير شواهد عديدة إلى أن المنطقة بأسرها تجري تهيئتها منذ سنوات لتجربة جديدة من ضرب أعدائنا لأعدائهم بنا، وبناء المزيد من أمجادهم على أشلائنا وأنقاضنا، في نموذج قريب جدًّا من تجربة الجهاد الأفغاني الأول، الذي رأت أمريكا من خلاله أنه قد آن الأوان لتحويل الحرب الباردة ضد ندها (الاتحاد السوفيتي) إلى حرب ساخنة، لا تباشرها بجيوشها ولا أموالها ولا أرواح جنودها، بل تخوض تلك الحرب الفاصلة بالمسلمين الموحدين ضد غرمائها ومنافسيها في زعامة العالم من الروس الشيوعيين، فاستغلت حادثة غزوهم لأفغانستان لتستنفر العالم الإسلامي كله بحكوماته وشعوبه وشبابه وعلمائه ومجاهديه للاتحاد في وجه عدوها لمواجهة «خطر الإلحاد»! وقد كان حقًّا أن يتحد الموحدون ضد الملحدين نصرة لإخوانهم، ولكن السؤال الذي لم يطرح وقتها وللآن هو: هذه الحرب «من تدبير من؟ ولحساب من؟»، وهو السؤال الذي عنونا به في هذا المقال.
لقد حشدت أمريكا عموم العالم الإسلامي في حربها ضد الروس، حتى كانت حركات الجهاد الأفغانية التي سوندت بمؤازرة إسلامية عالمية سببًا مباشرًا في الهزيمة المنكرة للروس؛ لا بل كانت سببًا بارزًا ومبكرًا في إسقاط الاتحاد السوفييتي ثم المعسكر الشيوعي كله، وإخلاء الأجواء أمام أمريكا كي تتفرد بزعامة العالم، ولم تُزهق في أفغانستان إلا أرواح المسلمين ودماء المسلمين وأموال المسلمين من أنحاء العالم على مدى عشر سنين!
لا نقول هذا إبطالًا لمشروعية الجهاد الإسلامي وقتها - معاذ الله - بل لنتساءل - كما ينبغي أن نتساءل اليوم - هل كان يمكن للمسلمين أن يخوضوا معاركهم المفروضة لحسابهم ولمصلحة بلادهم دون أن تتحول في النهاية لحساب المتلاعبين بهم من حسادهم وأعدائهم؟
عدوان وسيتحاربان ..
الغرب وإيران عدوان؛ وبغض النظر عن البغض المشترك بينهما لنا نحن العرب والمسلمين السنة، وبرغم ما بينهما من رغبة جامحة في تفريقنا وإضعافنا، ومع الاعتراف بما بين الطرفين من ترتيبات كانت خفية فأصبحت علنية لقهرنا وإذلالنا، برغم كل ذلك فهم أعداء حقيقيون لبعضهم، لا تصنعًا ولا تظاهرًا، فالطرفان في النهاية «فرس وروم».. وسيظل الفرس فرسًا، والروم هم الروم؛ أمتان سُجلت عداوتهما وحروبهما في القرآن في سورة سميت باسم إحداهما وأشارت إلى الأخرى، وذلك في قول الله تعالى: {آلـم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْـمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: ١ - ٥]، وقد تواطأت نصوص السنة على بقاء الروم رومًا معادين حتى آخر السنين، عندما يجمعون لحروب المسلمين التي وصفت بـ«الملاحم»، التي خصصت معظم كتب السنة أبوابًا لها.
أما الفرس فإنهم لليوم يفخرون بأنهم امتداد لأمجاد فارس، وقد كانت إيران قبل حكم الشاه رضا بهلوي تسمى «بلاد فارس»، وهي لليوم تصر على تسمية الشواطئ المحاذية لها بـ«الخليج الفارسي» وتقاطع أي فاعليات أو إجراءات أو مناسبات يستخدم فيها وصف «الخليج العربي»!
قوة إيران ليست مطلوبة عند الغرب إلا بقدر إضعاف وإرجاف العرب السنة؛ فطهران منذ قامت ثورتها وإلى اليوم تلاعب الغرب في أخطر منطقة في العالم إستراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا، وهي المنطقة المسماة بالشرق الأوسط.. صحيح أنها تناور بذكاء الخبثاء، وتحاور بمكر الدهاة للوصول بمشروعها الإمبراطوري إلى غايته حيث السيطرة الكلية على «أملاك» فارس التاريخية المزعومة من العراق إلى اليمن، لكنها في النهاية ترى نفسها أحق من الغرب ببلاد العرب التي كانت مرتعًا للفرس طوال قرون، قبل أن يكسر الإسلام كبرياء فارس ويطفئ المسلمون نار المجوس.
لإيران حقًّا مشروع توسعي إمبراطوري ديني ومذهبي، معادٍ لأهل السُنة مذهبيًّا وللعرب عنصريًّا، لكن مشروعها ليس صديقًا ولن يكن صديقًا للنصارى الغربيين، الذين يضيق بعضهم ببعض عند الطمع، بل يحارب بعضهم بعضًا بسبب الجشع، كما حدث في الحربين العالميتين السابقتين، وما قد يلحق بعدهما من أخرى ثالثة. فالعداء بين طوائف النصارى مستحكم، كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: ١٤]، هذا فيما بينهم؛ فكيف بينهم وبين الفرس أعدائهم التاريخيين؟
لن تسكت أمريكا ولا الغرب على تهديد مصالحهم في منطقة الخليج المليئة بالمصالح، ولن يُمرروا خطف إيران لثمرات غزو العراق، ولا يمكن أن يتسامحوا معها في وضع أيديها على اليمن حيث مضيق باب المندب الذي يتحكم في قناة السويس، ولن يتركوها تمرح ثم تفرح بثروات البترول والغاز الهائلة على الضفاف الشرقية للجزيرة العربية، ولن يبتلع نصارى الروم تسلل الفرس وتسليحهم لحلفائهم في الشام وفلسطين حيث مهد المسيح الأول وأرض ميعاد عودته الثانية، ولن يدعوا من يسمون أنفسهم «حزب الله» بأن يهددوا من يدعون معهم أنهم «أبناء الله وأحباؤه» تحت أي ذريعة أو شعار!
ليس كل ما بين إيران والكيان الصهيوني من النزاع المعلن تصنعًا أوتمثيلًا، فطهران تحارب أمريكا بالوكالة في الأرض المقدسة وما حولها على يد ذراعها العسكري المسمى «حزب الله».. لا لقداسة فلسطين التي يعدون الكوفة أقدس منها، ولكن لوقوع مناطق في الشام على أرض التنافس والتماس بين المشروعات الأساسية المتصارعة في المنطقة: المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني والمشروع الأمريكي. وقد أظهرت تداعيات وتطورات الثورة السورية والثورة اليمنية أن طهران لن تتباطأ في استخدام كل إمكاناتها الإستراتيجية وأذرعها العسكرية للاستماتة في الدفاع عن مشروع «قم» الطامح لمنافسة ما تبقى من مشروع «القرن» الأمريكي.
الطرفان ندان، وسيتحاربان، ولكن كيف ومتى؟
سيناريو الصدام.. بين الواقع والمتوقع:
تطورات الأحداث في المنطقة منذ غزو أمريكا لأفغانستان ثم غزوها للعراق لا تدع مجالًا للتخيل أن أمريكا سترتكب مرة أخرى حماقة التدخل العسكري المباشر بجنودها في الشرق الأوسط طوعًا، ولكن مسارعة الإيرانيين في اختصار المراحل نحو إنجاز مشروعاتهم المناقضة لمصالح الغرب؛ لا تمهل الأمريكيين وحلفاءهم ليلاحقوا القفزات الإيرانية الجامحة والطامحة لوضع الأيدي على المستطاع من إمكانات ومقدرات المنطقة.
وهنا يبرز سيناريو إسقاط الاتحاد السوفيتي السابق ذكره، بمعني تعمد أمريكا والغرب إشعال أوار حرب دينية إقليمية، يستنفر فيها السواد الأعظم من المسلمين السنة في المنطقة والعالم باسم الدفاع عن الحرمات والمقدسات. والعدو هنا - إيران وحلفاؤها - لا يمكن التشكيك في عداوته وخطورته وأطماعه، خاصة بعد أن أعلن غايات مشروعه وحقيقة أطماعه التي تستهدف سياسيًّا هدم دول في المنطقة وإنشاء بدائل موالية للمشروع الإيراني بدلًا من الأمريكي، وتستهدف إستراتيجيًّا الهيمنة على أهم الأجواء والممرات المائية التي تتحكم في تسيير الحروب الدولية وتيسير التجارة العالمية، وتستهدف اقتصاديًّا الاستيلاء على أكثر منابع النفط ومواضع الثروات المائية والمعدنية، وتستهدف دينيًّا الوصول إلى زعامة دينية وقيادة مزعومة مذهبية لفرض الإرادة الشيعية على المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة!
ولإشعال عود الثقاب لإلهاب تلك الحرب الإقليمية الطائفية يكفي أن نتصور قيام إيران في فورة الأحداث بخطوة ما، من شأنها أن تهدد بالاقتراب من تهديد الحرمين الشريفين، وهي خطوة لا نستبعد تواطؤ الغرب وعملائه على القيام بها.. ماذا سيحدث حينها؟! لا شك أن كل المسلمين الصادقين في العالم سيسارعون - وهم محقون - في بذل الغالي والنفيس لفداء أقدس المقدسات، وخوض حرب الفريضة المفروضة للدفاع عن تلك المقدسات ضد عدو سيحشد الإعلام العالمي ما في وسعه وفوق ما في وسعه للتضخيم من خطره والتهويل من قوته.
عند ذلك سوف تستنفر الأمة بشعوبها من رجالها وشبابها وعوامها وعلمائها، وبكثير من حكوماتها بمؤسساتها السياسية والعسكرية والدينية والإعلامية لخوض حرب الغرب بالنيابة! ولتكرر أمريكا والغرب انتصارهم على عدوهم - كما حدث في حرب أفغانستان: بأرواحنا ودمائنا وأموالنا ومستقبل أجيالنا!
هل يفعلونها.. وهل نتورط فيها؟
لا نتحدث هنا عن أوهام أو أحلام؛ فوسائل الإعلام ومراكز التفكير وخبراء الإستراتيجية في وقتنا الراهن يكثرون الأحاديث والتحليلات عن احتمالات وسيناريوهات الحرب الإقليمية المذهبية التي تساق إليها المنطقة، لكن هذا السيناريو المذكور هنا بالذات - فيما نعلم - لا يتحدث عنه أحد، ولا يراقب شواهده أو يحلل تداعياته أحد.
الواضح والراجح أنهم سيحاربونها، ولكن كيف والفريقان يتظاهران هذه الأيام بالسلام والوئام بعد اتفاق «لوزان» بشأن البرنامج النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى؟
الاتفاق - عند التأمل - ليس إلا توريطًا لإيران والبلدان السنية المحيطة بها للانهماك في الاستعداد لحرب دمار ينهك فيها كل منهما الآخر، حيث يمكن بعدها - لو استدعى الأمر - أن تتدخل أمريكا أو الكيان الصهيوني عسكريًّا للإجهاز على ما تبقى من طموح المشروع الإمبراطوري الفارسي وطموحه النووي!
نتساءل: ماذا يمكن أن يجنيه الجُناة من وراء المضي في هذا الدرب الرهيب والسيناريو المرعب؟ إنها مغانم كثيرة لهم ومغارم كثيرة على المسلمين:
إشغال الأمة بصراع طويل وبديل تُستنزف فيه الطاقات وتُهدر الثروات وتُزهق فيه الأرواح.
تعطيل مسيرة التنمية في دولنا النامية لعدة عقود تحت الشعار المستعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
إحداث طفرات جبارة في تجارة السلاح العالمية المليارية، الغربية وأيضًا الشرقية، لأن طرفي النزاع لن يستمرا في صراع سياسي أو دبلوماسي على الموائد، بل سيكون صدام الدم والهدم في الميادين المتعطشة إلى سلاح البر والبحر والجو.
تجريب الأسلحة الجديدة ميدانيًّا، وتخريب البنى التحتية بها واقعيًّا، حتى تستعد شركات استثمار المصائب لعمليات نهب جديدة باسم «إعادة التعمير»!
إدخال الأنظمة العربية أو ما تبقى منها في أتون خلافات جديدة، ربما تجهز نهائيًّا على ما كان يسمى «النظام العربي».
جر رجال الأمة وشبابها ومجاهديها بعيدًا إلى ساحات قتال ونزال غير ساحاتهم، وترك الانشغال بعدو الله وعدوهم من الذين يفوقون الإيرانيين بغيًا وطغيانًا وإضرارًا وطمعًا في المسلمين، وعلى رأسهم كيان اليهود المعتدين ومن وراءهم من أعوانهم.
قطع الطريق على طموحات المشروع الإيراني المناوئ للمشروع الأمريكي، بإهدار ما سيحصل عليه الإيرانيون من الأموال المجمدة في بنوك الغرب بعد الاتفاق النووي (150 مليار دولار) لتشتعل أوراقها في أوار الحرب ومحارق المعارك.
إدخال دول الخليج في جولة حروب جديدة مرفوضة لكنها مفروضة، بغرض الاستحواذ على ما حصل لها من وفرة برغم جولات الحروب الخليجية الثلاث السابقة، التي كانت تكفي نفقاتها لا لأجيال شعوبها فحسب، بل لكفاية ما حولها من أوطان العوز وشعوب الفقر والفاقة من المسلمين!
هذا وغيره ليس غريبًا ولا مستبعدًا ممن قال الله تعالى فيهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْـمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: ١٠٥]، وقال: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: ١١٨]، وقال: {إن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: ٢]، وقال: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: ٨٩].
ونعيد السؤال:
هل عدم المسلمون المعاصرون وسيلة يخوضون بها معاركهم المشروعة إذا فُرضت عليهم، دون أن تتحول في النهاية إلى انكسار لهم وانتصار لأعدائهم، ودون أن تدون نتائجها لغير صالحهم بل لحساب غيرهم؟!
لنكن جادين من الآن فصاعدًا للجواب عن هذا السؤال قبل أن تدهمنا الأحداث بالانشغال عن حل هذا اللغز العضال.
:: مجلة البيان العدد 340 ذو الحجة 1436هـ، سبتمبر - أكتوبر 2015م.