• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الجيش السني في العراق ضرورة ووقاية

الجيش السني في العراق ضرورة ووقاية

كانت المؤسسة العسكرية في العراق قبل أن يدخل الاحتلال الأمريكي مؤسسةً وطنيةً ذات عقيدة عسكرية ولاؤها للوطن، يجتمع فيها كل المكونات دون تمييز وعلى أساس الخبرة، حتى أقدم بريمر حاكم العراق بعد الاحتلال على قرار حل الجيش العراقي ليتبع هذا القرار حالة من الفوضى يعيشها العراق إلى الآن بسبب الفراغ الأمني الذي خلفه.

وعمد الاحتلال منذ بداياته إلى تعزيز حالة الانقسام التي يعيشها العراق بين مكونات ثلاثة، صارت واقعاً سياسياً جغرافياً اجتماعياً أمنياً، وأصبح لكل مكون من هذه المكونات مشروع وقضية بعيدة تماماً عن المكونات الأخرى، وترك الأهداف الإيرانية تبني نفسها في العراق وتغزل أنسجتها فيه تحت رعايته – المحتل - حتى مكنها من سيادته.

المكون السني الذي كان غالب جمهوره يحمل هماً وطنياً، حمل قضية إخراج المحتل من وطنه ومقاومته، فرفض حكومة احتلاله وقاومها بالسلاح، مستخدماً سلاح الجيش السابق وبما يملك من خبرات ضباطه، حتى أثخن في الاحتلال واستنزفه، ليرغمه لاحقاً على الانسحاب، وبينما هم منشغلون في مقاومته كان المكونان الآخران يعملان لقضايا أخرى مختلفة تماماً عن تلك القضية، فكان المكون الكردي يبني لقضية دولته الحلم، والمكون الشيعي يعمل لمشروعه الصفوي تحت الإشراف الايراني وتحت عين الاحتلال الأمريكي، وأسس المكونان لقضيتهما الفردية بعيداً عن القضية الوطنية العامة.

وتعزيزاً لهذه المكتسبات التي جاء بها المحتل، أمضى الأخير الدستور، في مسرحية هزيلة رفضها المكون السني، لكنها مضت بسبب مشاركة البعض شكلياً ممثلين للمكون السني، غير أن هذا الدستور على ما يبدو لا يطبق على المكونين الآخرين، فقد بدا ذلك الدستور الذي يمنع تشكيل أي مليشيا خارج إطار الدولة – المادة التاسعة من الدستور - مجرد أوراق بالية لا تعني شيئاً للواقع، وليضاف إلى جملة المخالفات الدستورية التي صارت واقعاً في الشأن العراقي، وعلى ما يبدو فإن تلك الأوراق البالية لا تطبق إلا على مكون السنة دون غيره في كل تلك المخالفات، إذ استطاع المكونان الشيعي والكردي إيجاد المبررات لمليشياتهما لتعمل الأخيرة من أجل قضيتهما ومشروعهما، فالكرد وجدوا في تاريخ البيشمركة بمحاربة النظام العراقي السابق مبرراً لمخالفة الدستور وإعطاء الصبغة الرسمية له، وكذلك فعل الشيعة حينما وجدوا قتال «داعش» مبرراً لشرعنة عصابات ومليشيات يعلم المجتمع الدولي قبل العراقي بإجرامها وتطرفها الفكري وولائها المطلق المعلن للأهداف الإيرانية تحت راية رسمية «الحشد الشعبي».

أما بالنسبة للمؤسسة العسكرية العراقية فقد استبدل الاحتلال الأمريكي الجيش العراقي بجيش يسميه العراقيون «جيش الدمج»، إذ قام المحتل بدمج المليشيات الشيعية التي أسسها الحرس الثوري لمحاربة النظام العراقي في الحرب الإيرانية (بدر، جيش المهدي، حزب الله، وغيرها)، والضابط الأعلى رتبة فيه هو الأكثر عمالة لإيران وأكثرهم خدمة لها، فكان الأساس في إنشاء هذا الجيش هو الولاء لولاية الفقيه وليس الوطن!، أما الكرد فكان لهم مليشياتهم التي حُولت إلى جيش إقليمهم النظامي أساسه الولاء لقضية «دولة كردستان»، حتى استيقظ السنة على دولة يتسلط فيها الشيعة بأجندة خارجية والكرد عزلوا أنفسهم وبنوا لمشروعهم، وحاول بعض السنة الدخول مع شركائهم في تلك المؤسسة، باءت تلك المحاولات بالفشل بسبب عدم وجود إرادة بإشراكهم فيها، وتعزيزاً لذلك وضعوا شخوصاً سنية عسكرية رمزية وشكلية لا سلطة لها ولا تملك أدنى قرار، والتي هي أصلاً ليست أهلاً لقيادة المؤسسة العسكرية كما هم أقرانهم من المكونات الأخرى لأن «السيد» الفقيه هو من يرسم لهذه المؤسسة استراتيجيتها، وبات ميزان القوى مكوناً شيعياً متسلطاً، وكردياً عزل نفسه وبنى جيشه، وسنياً مهمشاً مقصى عن المؤسسة العسكرية ممنوعاً من إنشاء قوة تحميه.

وحتى «الصحوة»، كان يخشى الشيعي من أن تكون تلك القوة السنية التي ستواجه مشروع هيمنته، «الصحوة» الذي أسسها المحتل لتخفيف وطأة المقاومة العراقية بحجة محاربة القاعدة، والتي كان يراهن البعض عليها في أن تحمي السنة وتنهي تهميشهم، فما أن انتفت الحاجة منها بعد أن أضعفت المقاومة العراقية حوربت وتم حلها وتفكيكها، كي يبقى المشروع الصفوي متسلطاً على القرار ويبقى ميزان القوى على حاله.

وعلى هذا الحال خرج المحتل من العراق مسلماً البلد لإيران على طبق من ذهب وسط تفرج من الدول الإقليمية المجاورة في البلاد العربية وتركيا، ومن ثم تحول العراق بعد أن هيمن عليه المشروع الصفوي تلك الحية الرقطاء إلى نقطة انطلاق لبث سمها في أرجاء الشرق الأوسط، وسخرت ثرواته الغزيرة واقتصاده نصرة لقضياها في الشام من دعم لنظام بشار وفي اليمن دعماً لنظام الحوثي ولبنان دعماً لحزب الله، ولخلاياها النائمة في منطقة الخليج وحتى وصلت الجزائر ومصر والسودان. أما من خرج يمثل المكون السني في تلك الحكومة الشكلية من سياسيين، فهم عكس سياسيي المكونات الأخرى الذين يملكون مليشيات تعمل تحت إمرتهم، ولأن المشهد العراقي صار يحكمه قانون الغاب الذي يتسيد فيه القوي، بات سياسيو السنة ضعفاء عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم فضلاً عن نصرة أهلهم، بإرادتهم أو بغيرها، وصاروا بين خيارين، إما أن يخضعوا للإرادة الإيرانية ويمضوا لها مشروعها وهكذا فعل الكثير منهم، أو إذا واجه المشروع الصفوي ولو بالكلمة فمصيره الإبعاد والملاحقة أو الاعتقال أو السجن وأحياناً يصل الأمر إلى القتل حسب ما يمثله هذا السياسي من خطر على المشروع الصفوي، ومثلهم بقية القيادات السنية المعارضة من شخوص دينية وعسكرية وشيوخ عشائر، بات جميعهم معارضين ومؤيدين للحكومة غائبين عن قواعدهم بعيدين عن جمهورهم على النقيض تماماً من أقرانهم في المكونين الآخرين والذين يملكون أحزاباً لها مليشياتها تحميهم ويلتف حولهم جمهورهم وسط قواعدهم.

بعد خروج المحتل شعر أهل السنة بالخطر، وأدركوا بأنهم أخذوا على حين غرة من شعورهم الوطني، وبات ملحاً حاجتهم لتغيير ميزان القوى، ففكر بعضهم في إعلان إقليم فيدرالي ينفصل فيه ببعض محافظات السنة عن السلطة الحكومية لتكوين قوة نظامية سنية، فرفض بعضهم الآخر هذا خشية تقسيم البلد كما رفضت الحكومة ذلك وحاربته رغم أنه حق دستوري هم من وضعه في ذلك الدستور، حتى تعاظم الأمر ووصل  حده، واشتعلت المحافظات السنية في ثورة اعتصامات ظلت سلمية لسنة كاملة، طالب فيها السنة بحقوقهم وإيقاف التهميش والإقصاء، وإدخالهم في المشهد العراقي، أو السماح لهم بإعلان الإقليم، وواجهت الحكومة تلك التظاهرات والاعتصامات بالعنف والمواجهة المسلحة وعدم الإصغاء.

ومن رحم تلك الثورة، جاءت فكرة مشروع تأسيس جيش سني يتكون من أهل السنة أسموه «جيش العزة والكرامة»، كي يكون القوة السنية التي تنافح عن القضية السنية وتوقف تسيد الشيعة على السلطة، وتآمر على المشروع سياسيون سنة كانوا قد انضموا للثورة لأجل التآمر عليها وإجهاضها بأمر من المالكي نفسه جندي إيران، وكان في مقدمتهم «أحمد أبو ريشة» الذي أعلن لاحقاً عن نواياه مع الاعتصام حينما أجهزت الحكومة على ساحات الاعتصام وفضتها بالقوة وما أن فعلت الحكومة ذلك ومن ورائها المتآمرون من  السنة الذين وقفوا معها، حتى انتفضت ساعتها العشائر السنية جميعها وبدون ميعاد في مواجهة مسلحة مع الجيش الحكومي بدأت في الرمادي لتشتعل لاحقاً في الفلوجة والكرمة لتسقط تلك المناطق في أيام بيد تلك العشائر، وبدأت الجهود لجمع تلك العشائر الثائرة تحت قيادة واحدة، لتشكيل ما أرادوا تسميته «مجلس ثوار العشائر» خاصة أن أغلب تلك التنظيمات تعود أصلها إلى فصائل المقاومة العراقية التي ألقت السلاح بعد خروج المحتل.

حدث كل ذلك و«داعش» يراقب، ذلك التنظيم الذي طارده أهل السنة لا غيرهم ونفوه إلى الصحراء عام 2006، ظل يرصد من بعيد ينتظر الفرصة، وبعد أكثر من شهر، ما أن شاهد مدينة الرمادي والفلوجة قد سقطتا بالكامل بيد الثوار حتى تحرك باتجاههما ودخلهما ليعلن لأهلهما ولثوار العشائر آنذاك أه جاء ليساندهم في ثورتهم على الحكومة ومحاولاً إقناعهم أنه لا يحمل أي شر لهم، فدخل المعادلة وأجهض ما قد اكتسبته تلك الثورة من نتائج وانتصارات، وما زال مشروع «ثوار العشائر» وليداً، جاءه هذا الغول هذه المرة قوياً أقوى من ذي قبل، أجهز «داعش» على ذلك الوليد وغدر بهم بملاحقة واعتقال القيادات وشخوصه ومن ثم إعدامهم ووضع عناصرهم أمام خيارين إما الموت أو مبايعته، ولأن الثوار لا يملكون ما يملكه هذا التنظيم الذي استمد قوته اللوجستية التي سرقها من ثورة الشام المجاورة، اضطر الثوار من أهل السنة إلى الانسحاب من المعادلة، وهكذا تعاونت الحكومة الصفوية مع «داعش» في إجهاض مشاريع القوة السنية ليبقى أهل السنة ضعفاء عاجزين عن حماية أنفسهم.

ولم يكن «داعش» أحسن حالاً من غيره بالنسبة لأهل السنة، فبالإضافة إلى التهجير والقتل وتحطيم البنية التحتية والتطرف الفكري الذي تنتهجه عناصره على مناطق السنة وإلصاق تهمة «الإرهاب» عليهم، يقوم تنظيم «داعش» بإعطاء المبررات والحجج لإدخال مليشيات الأحزاب الشيعية إلى مناطق السنة، وهكذا صار المكون السني بين خيارين لا ثالث لهما، أحلاهما مر، فهم إما أن يذهبوا تحت جناح حكومة ولاية السيد الفقيه ذلك المشروع الطائفي والذي ينوي الإجهاز عليهم والقضاء عليهم، أو يذهبوا إلى «داعش».. تلك الفئة الباغية المهلكة الطامعة في السيطرة على أرضهم والتي لن تأتي لهم سوى بالخراب، وحينها سيتم شيطنة أهل السنة ويتم اعتبارهم «دواعش إرهابيين» يجب القضاء عليهم، فهما خياران ذوا نتيجة واحدة، ولا خيار ثالث لمشروع سني يحمل قضيتهم ويأتي بحقوقهم، لذلك تجدهم لأول مرة هم خارج معركة تدور رحاها بأرضهم، لا ناقة لهم فيها سوى الخراب والقتل والخسائر.

في الطرف الآخر، ولأنه لم يجد رادعاً له، استمر المشروع الشيعي في تنفيذ خططه الرامية إلى ابتلاع المكون السني وسياسة قضم الأرض واستمر في تغيير ديموغرافية المناطق السنية، ولأنه يعرف أن المرحلة المقبلة ستشهد تقسيم العراق، رسم لنفسه مشروعاً يقضي بابتلاع محافظة ديالى وسامراء السنيتين من خلال بث التشييع فيها وتسكين الشيعة وتهجير أهل السنة منها واستطاع تحقيق نتائج ملموسة، فضلاً عن خطط ابتلاع بغداد والتي حقق فيها أكبر الإنجازات، وبدأ الآن في مرحلة اقتطاع صحراء الأنبار من محافظة الأنبار والتي تسمى إدارياً ناحية النخيب، وهنا قد يتبادر في الأذهان، لماذا تطمع إيران في صحراء؟، لكن حين النظر من منظور أعمق سيكون الإجابة عن هذا السؤال أسهل، ففضلاً عن احتواء تلك الصحراء -والتي تمثل ثلث مساحة العراق - على أكبر احتياطي للغاز والنفط وفضلاً عن احتوائها على مناجم فوسفات وثروات أخرى؛ يمثل ابتلاع النخيب بالنسبة للمشروع الصفوي هو قطع العمق العربي السني عن سنة العراق، إذ تمتد تلك الصحراء مع الحدود الأردنية غرباً والسعودية والخليج جنوباً، ويعني سيطرة المشروع الصفوي على منفذ عرعر مع السعودية الاستراتيجي، وسيعني تحويل تلك الناحية إلى قاعدة انطلاق لبث سموم المشروع الصفوي نحو الخليج بعد اكتمال هلاله الصفوي حوله، فهل يدرك أهل الخليج ذلك؟.

حتى يعي أهل الخليج ذلك، عليهم أن يعوا أنهم على القائمة الصفوية، فهم يحلمون بدخول مكة فاتحين!، وقد يضحك البعض من هذا الكلام، لكنه واقع!، وإذا لم يتم علاج ذلك السرطان واستئصاله سيصل ذلك المشروع زاحفاً نحو الخليج لا محال، خاصة بعد الاتفاق النووي الذي أهدته أمريكا له، وحينها - لا سمح الله - سيدخلون مكة وسيسيؤون إلى أهلها.

وهنا أقول: إن الحل يكمن في تكوين جيش سني لسنة العراق يواجه المشروع في قاعدة انطلاقه، ينافح من أجل قضية أهل السنة في العراق ويدافع عن أهل السنة في الخليج، على غرار الجيش الحر في الشام والمقاومة الشعبية في اليمن، ويوازي مليشيات الحشد الشعبي الشيعية ومليشيا البيشمركة الكردية.

ولأن حملة «عاصفة الحزم» قد أطلقها تحالف دول تعاون الخليج للدفاع عن المشروع العربي الخليجي السني في المنطقة، فنقول إن تلك الحملة لن تنجح حتى تتكامل في الشام واليمن والعراق سوياً، وعلى المشروع العربي أن يواجه ذلك المشروع شمالاً كما يواجهه جنوباً.

ختاماً: هذه رسالة أوجهها للخليج شعوباً وحكاماً، اتركوا لسنة العراق الحرب فهم قد دخلوها وهم أهل لها، وجنبوا عن أنفسكم ويلاتها، وادعموهم لوجستياً ليشكلوا جيشهم كي يعيد أرضهم من دنس المشروع الصفوي ومن أطماع العصابة الداعشية، ويدافع عن حقوقهم وعن قضيتهم، وليكون درعاً لكم وخلاصكم من ذلك الخطر الذي يقترب منكم يوماً بعد يوم.

:: مجلة البيان العدد  339 ذو القعدة  1436هـ، أغسطس  - سبتمبر  2015م.

أعلى