كيف تعرف المتكبرين وكيف تتعامل معهم؟!
كم مرة صادفت متكبراً هذا الأسبوع؟!
كم مرة تعاملت مع شخص لا تعرفه، ثم ندمت واعتبرت أنك أسأت لنفسك بالتعامل معه!
كم مرة لاطفت شخصاً ثم اكتشفت أنه لا يستحق ذلك؛ لكبره أو لسوء خلقه؟
يتمنى كثيرون لو أن هناك علامات تكشف المتكبر وسيئ الخلق قبل التورط في التعامل معه؛ فإن كنت منهم؛ فما تبقى من أسطر يهمك..
هذه أولاً بعض علامات المتكبر، لكن قبل قراءتها لا بد من التنبيه إلى أن الكبر قد يمارسه صاحبه وهو يعلم، وقد يمارسه وهو لا يعلم، خاصة حين ينشأ في بيئة تتنفس الكبر؛ فإنه قد يتكبر وهو لا يرى ذلك كبراً.
لذلك قد تجد فقيراً متكبراً، وشيخاً متكبراً، بل ربما تجد من يقرأ على الناس بعد الصلاة أحاديث الكبر، فإذا خرج رأيت الكبر فيه!
وقد يقع الإنسان في علامة من علامات الكبر لعارض غير الكبر؛ ولذلك فهي علامات تنبيه أكثر منها علامات جزم.
وفي المقابل فإن علامات الكبر قد تختفي، ولا يظهر كبر الشخص إلا بعد التعامل معه!
وإن كان أحياناً يتسرب ويظهر في صورة سوء خلق؛ فكثير من الناس إنما يسوء خلقه مع من يراهم أقل منه!
لندلف الآن إلى علامات المتكبر التي يمكن رصدها بسهولة:
النظر لغيره من أسفل العين، برفع الوجه قليلاً، وهو ما يعبر عنه العامة بعبارة “رافع خشمه”، وهي فصيحة.
ومن خلال هذه العلامة فقط يمكن اكتشاف كثير من المتكبرين.
شد القامة، حيث يتعمد نصب قامته أكثر قليلاً من الطبيعي.
بطء المشية نسبياً، مع تحريك المنكبين فقط، (مشية المتبختر) بعكس الشخص العادي الذي يحرك كامل يده عند المشي.
التحرك بحركة من هو أكبر حجماً منه، ويتضح ذلك أكثر حين يمشي، فمثلاً قد يكون نحيلاً ويتحرك وكأنه ضخم الجثة!
مرض الوجه، حيث ترى وجه الشخص فلا تجد فيه البشاشة، أقرب لوجه المريض.
إهمال المحاذاة مع من يماشيه، وتعمد التقدم عليه.
ثبات اتجاه نظرة العين لفترة أطول من الشخص العادي، وتعمد إهمال النظر في عيني من يحاور.
يكون حديثه مع جليسه، مقتضباً، جافاً، يكاد يقتصر على التعليق أو الجواب عن سؤال.
أسبابه:
أسباب الكبر كثيرة، أهمها:
1 - العجب بالنفس، إما لنسب أو عرق، أو غيره.
وبسببه يكون الفخر الذي هو درجة من درجات الكبر، ولا تكاد تجد مفاخراً لا يكون في فخره كبر على غيره.
وهو منتشر بين الناس لا ترى محفلاً لا تسمع فيه فخراً!
وكثير منهم لا يرى في الفخر بالأنساب والأحساب شيئاً!
بل تجد في طلبة العلم، من لا يذكر اسمه إلا مسبوقاً بلقب يدل على نسبه!
مع أن الفخر مذموم منهي عنه، وفي الحديث الصحيح:
«إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد».
2 - قلة مخالطة الأنداد، فإن المرء إذا لم يرَ نداً له تكبر.
الحسد أو البغض؛ فليس كل من تكبر عليك يراك أقل منه، بل بعضهم يتكبر عليك وهو يعرف قدرك، وإنما دفعه لذلك حسده، أو بغضه لك، ولا يجد طريقاً ينفس به ما يجد إلا أن يتكبر عليك.
3 - التكبر بسبب الوظيفة، ومما هو مشاهد، تكبر كثير من الأطباء على مرضاهم؛ فبعضهم إذا مر بمن ينتظرونه عند باب عيادته لم يكلف نفسه تحيتهم!
4 - بل منهم من يتعامل مع المريض تعاملاً بيطرياً مع بهيمة، لا يشرح له مرضه إلا بضيق، ولا يعطيه حقه في معرفة ما يحيط بمرضه!
وليقرأ من شاء وثيقة حقوق المرضى ثم لينظر ما مدى تطبيق الأطباء لها؟!
5 - تغطية النقص، وأكثر من رأيت هذا فيهم من يأتون بطرح مصادم لقيم المجتمع من مدعي الحداثة والتنوير، فكثير منهم يمارس استعلاء ممنهجاً على المجتمع، ويتظاهر بأن ما يقوله أعلى من مستوى فهمهم! والهدف هو تغطية هروبه من أي حوار مع خصومه حتى لو كان عبر الهاتف من جهة، ومن جهة أخرى لتبرير لفظ الشارع لهم.
6 - أحياناً يكون الكبر بلا سبب! وفي الصحيح: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر”.
أنواع المتكبرين:
ينقسمون من حيث الوضوح إلى قسمين:
واضح يسهل اكتشافه، وآخر خفي.
الأول: واضح يظهر تكبره بشكل مستفز، لدرجة أنك تشك في عقله، وهذا ينفر منه الناس بسرعة، ويندثر سريعاً، ما لم يكن الناس في حاجة إليه.
الآخر: متكبر خفي، يشعر أنه أفضل ممن حوله، ويعاملهم على هذا الأساس، لكنه لا يجعل المياه تصل حد الغليان، ويبقي مشاعره بالتفوق مضبوطة لا يظهرها إلا بمقدار؛ ومع ذلك يتسرب كبره إلى مشيته، ونظراته، وأسلوب تعامله خاصة مع من لا يعرف.
ماذا تفعل حين تصادف شخصاً لا تعرفه، ولا يغلب على ظنك دماثة خلقه؟
كن مهذباً ورسمياً في الوقت نفسه، ولا تبدأ بملاطفته ما لم يظهر عليه إشارات عملية تفيد بأنه حسن الخلق؛ لأنك إن فعلت، وكان من سيئي الخلق، تكون قد أعطيته فرصة ليسيء أدبه، وأقلها أن يتكبر عليك.
وهناك من ينتظر أي فرصة ليمارس كبره على غيره، فإذا سأله أحد عن شيء رفع أنفه، وأجابه بالقطارة، (هذا إن أجاب)، وإن لم يجد تكبر في مشيته وكلامه.
مثل هذا ينبغي حرمانه من ممارسة عوج سلوكه عليك، بتجاهله وعدم التعامل معه إلا عند الاضطرار، وحينها تفعل آليات التعامل مع متكبر.
وإن كنت رئيساً له تحرمه من أي منصب يتغطرس فيه على الآخرين، وإلا شاركته إثم أذيته للناس.
في المقابل يمكنك توثيق غطرسة أي موظف ثم الذهاب لرئيسه وتنبيهه لسوء خلقه، وأنه سيشاركه إثمه إن سكت عنه.
أول صفعة توجهها للمتكبر هي إيقاف التعامل معه..!
المتكبر لا يستطيع ممارسة كبره ما لم يتقبله الناس منه، ولو أبدى بعض من قابلوه عدم قبولهم لسلوكه؛ لتخلى عنه مرغماً؛ لأن الإنسان تلقائياً ينفر مما يجلب الضرر عليه.
جوهر المسألة أن المتكبر يتعامل مع غيره على أنه أقل منه، ويقبل الآخر ذلك التعامل ولو على مضض؛ فتكتمل الدورة، ولو رفض التعامل من المرة الأولى لتوقفت آلياً دورة الكبر.
ومن أساليب ذلك التعامل استئثار الشخص بشيء أو منزلة، دون مبرر متعارف عليه، وتقبل الآخرين لمثل هذا الاستئثار.
ماذا تفعل حين تصادف متكبراً؟
العاقل يحب التواصل مع كل الناس، لكنه يكره أن يعامل بفوقية، لذلك إن تواصلت مع شخص مرة واثنتين وثلاث، ووجدت لديه كبراً يجعله لا يتنازل لكي يرد السلام عليك كما ترده عليه، أو لا يتبسم لك كما تتبسم له! أو لا يتبعك بعينه حين تحدثه، كما تفعل حين يحدثك؛ فاحرمه مما كان يحصل عليه؛ ولا تتردد في إطعامه من زاده.
وَلِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ
وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ
فَمَنْ رام تَقْوِيمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ
وَمَنْ رام تَعْوِيجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ
ستذل نفسك (ولم يأمرك الله بالذل) إن احترمت من لا يحترمك، وبششت لمن لا يبش لك.
وأُكرم نفسي أن أضاحك عابساً
وأن أتلقى بالمديح مذمما
لكن في المقابل هناك أمور يجب تجنبها؛ لأنها تدعو السفهاء للتكبر عليك، منها:
المبالغة في التواضع، لدرجة أن يعتاد الآخرون تقديم أنفسهم عليك.
وقد قِيلَ: الْإِفْرَاطُ فِي التَّوَاضُعِ يُورِثُ الْمَذَلَّةَ، وَالْإِفْرَاطُ فِي الْمُؤَانَسَةِ يُورِثُ الْمَهَانَةَ.
التواضع في غير مكانه، فالتواضع للمتكبر على سبيل المثال تشجيع له.
وقد قيل في منثور الحكم:
أَظْلَمُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ مَنْ تَوَاضَعَ لِمَنْ لَا يُكْرِمُهُ.
إهمال المظهر؛ فتجد الشخص يهمل مظهره، وهندامه حتى يسوء ظن من لا يعرفه به.
وقد قيل: لا تتصنع تصنع المرأة، ولا تتبذل تبذل العبد.
كثرة المزاح تحت دعوى التلطف والبشاشة؛ فهي تصمك بالتفاهة عند العاقل، وتجرئ عليك السفيه.
في الختام بقي سؤال لا بد منه..
هل تشعر أنك متكبر؟
إن كنت تمارس الكبر وتعلم بذلك؛ فتلك مصيبة، وإن لم يكن؛ فراجع ما سبق من علامات؛ فلعلك واقع فيه..
فالمرء لا يرى أخطاءه، وكثيراً ما تتدفق عليه المبررات ليتكبر على غيره دون أن يفطن!
على سبيل المثال: هل تراعي أن لا تكون عابساً أو جافياً مع كل من تقابل أم أن هناك استثناءات؟
هل ترد السلام على كل من تقابل، أم أن هناك استثناءات؟
إذا لم تجد مبرراً حقيقياً لاستثناءاتك فاعلم أنما منعك هو الكبر، وذرة واحدة منه تكفي لمنعك من دخول الجنة!
:: مجلة البيان العدد 339 ذو القعدة 1436هـ، أغسطس - سبتمبر 2015م.