الرئيس الفلسطيني القادم

الرئيس الفلسطيني القادم


لا يمتلك الشعب الفلسطيني خيارًا حقيقيًّا لاختيار الزعامة النضالية التي تمثله وتقدر تضحياته التي يقدمها خلال مسيرة نضال استمرت لأكثر من سبعة عقود، والمشكلة لم تكن مقتصرة على إرادة الشعب الفلسطيني فقط، بل إنها إرادة دولية بالدرجة الأولى، ثم فصائلية فلسطينية بالدرجة الثانية. وما أظهر ذلك جليًّا المرحلة السياسية التي أعقبت فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006م وأعقبها رفض دولي لتصدر حركة حماس للمشهد السياسي في فلسطين. الآلة الإعلامية للأحزاب الإسلامية عزت الخصومة الدولية مع حركة حماس لرفض الغرب والكيان الصهيوني والنظام العالمي لأي مشروع حكم إسلامي، وتم قياس الأمر على ما حصل في الجزائر، وفئة أخرى قالت إن مواقف حماس من التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني هي السبب.

قبل الانقسام الفلسطيني تم تصفية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأثيرت الكثير من الشبهات حول وفاته، لكن السبب المؤكد أن الوفاة ناجمة عن رفض ياسر عرفات تقديم المزيد من التنازلات لصالح أي تسوية مع الكيان الصهيوني، قبيل حادثة تسميم ياسر عرفات تم وضع مروان البرغوثي الخليفة المنتظر لياسر عرفات في السجن، لكي يتخلص الكيان الصهيوني من أكثر الشخصيات الفلسطينية ارتباطًا بالمجتمع الفلسطيني؛ فهو من الطبقة البرجوازية وناضل وعاش مسيرة النضال الفلسطيني وتعايش مع الناس ولم يكن من رواد الفنادق كما هو معلوم عنه، ويعتبر داخل أروقة فتح الوريث الشرعي لياسر عرفات، وفي الضفة الغربية له قبول واسع لدى جميع الفصائل الفلسطينية.

كان الرئيس الحالي محمود عباس أكثر الشخصيات المطروحة قبولًا وأكثرهم قوة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، لذلك استطاع أن يفرض نفسه على الناخب الفلسطيني وسط مقاطعة الجماعات الإسلامية للانتخابات الرئاسية في عام 2005م. وفي ظل وجود مرشحين غير قادرين على التنافس في الانتخابات الرئاسية من قبل اليسار الفلسطيني، فقد أصبح اليسار منذ بداية أوسلو جزءًا من أدوات منظمة التحرير في تسويق علاقتها مع الكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي في المنطقة، بغض النظر عن الشعارات التي لا يزال يحافظ عليها بعض قادة اليسار، أما من بقي يرفع لواء المقاومة فقد تم التخلص منه إما بالسجن مثل أحمد سعدات أو التصفية مثل أبو علي مصطفى.

إن أهمية وجود السلطة الفلسطينية كوصي شرعي من منظور المجتمع الدولي يكمن في الوصاية على مسيرة النضال الفلسطينية وتمرير أي اتفاقات مع الكيان الصهيوني بصفتها الممثل عن الشعب الفلسطيني، كذلك تطويق حالة المقاومة وحصرها في أدوات سلمية لا يمكن أن تؤثر على الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، كذلك القيام بالمهام التي من المفترض أن يقوم بها الاحتلال تجاه الشعب المحتل مثل الخدمات العامة كتوفير الكهرباء والمياه وتنظيم حياة السكان اليومية، وهذا الأمر يزيح عبئًا أمنيًّا واقتصاديًّا كبيرًا على الكيان الصهيوني.

لذلك وفي ظل حالة جمود ملف المفاوضات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني بسبب صعود اليمين فيه وتعنته وعدم امتلاك السلطة الفلسطينية لأية أوراق ضغط تجاه الكيان الصهيوني لإجباره على الجلوس للمفاوضات، والارتهان للحليف الأمريكي؛ فإن السلطة الفلسطينية أصبحت فعليًّا أداة أمنية وإدارية تنفذ أجندة الكيان الصهيوني دون القدرة على الاعتراض القبضة الأمنية التي يفرضها الكيان الصهيوني على مناطق السلطة وسيطرتها وتحكمها بالحدود والاقتصاد. بالمقابل فإن الكيان الصهيوني يرى في حركات المقاومة في قطاع غزة وجهته الأكثر فاعلية لتوقيع إي اتفاق سلام مع الفلسطينيين كونها التي تتحكم بالحالة الأمنية على الحدود مع الكيان، بالإضافة إلى شعبيتها المتزايدة داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل وكذلك بين اللاجئين في الشتات.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم يبلغ من العمر 80 عامًا يعيش حالة من المقاطعة السياسية العربية والغربية، وهذا الأمر بمثابة شهادة وفاة لدوره على صعيد المشهد السياسي الفلسطيني، وقبل ذلك صرح وزير الخارجية السابق في الكيان الصهيوني أفيغدور ليبرمان بأن الرئيس عباس لا يستطيع تقديم شيء على صعيد المفاوضات. أما على المستوى العربي فإن قطر تعتبر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس هو الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني وجميع مشاريعها يتم تمريرها من خلال مؤسسات حماس أو المقربة منها، أما الإمارات فتعتبر القيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان الممثل الوحيد للفلسطينيين لديها وتلعب الدور نفسه  الذي تلعبه قطر وكذلك مصر الجديدة، فدحلان يتمتع بعلاقات قوية معها، ومنذ تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيز للحكم لم يقم عباس سوى بزيارة واحدة للسعودية وهذا يشير إلى ركود في العلاقات بين الطرفين.

في هذا المقام يمكن القول إن أي رئيس فلسطيني قادم يجب أن يحصل أولًا على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وكذلك الدول المركزية في العالم العربي وهي السعودية ومصر والأردن نظرًا لحكم الجغرافيا والدعم المالي، بالإضافة إلى القوى المنطوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية والتي تعتبر حركة فتح أكثرها نفوذًا وقوة.

مثل هذه الشخصيات لن يكون من الصعب حصرها خاصة في ظل المشهد الفلسطيني الحالي الذي يخيم عليه الانقسام والجمود السياسي، وقد كانت إشارات قوية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن مدير المخابرات العامة ماجد فرج أنسب للمهمة، وحاول تسويقه عربيًّا من خلال اصطحابه في لقاءات متتالية إلى الأردن والقاهرة وعدة بلدان عربية، وكذلك تكليفه بمهمات خارجية آخرها قضية المختطفين السويديين في سوريا. ماجد فرج على صعيد أحزاب منظمة التحرير يمتلك القوة ليكون مسيطرًا على أصوات أعضاء اللجنة التنفيذية، كذلك بالنسبة لعباس فإن ماجد فرج الخصم الأبرز لمواجهة نفوذ محمد دحلان داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية، خصوصًا أن ماجد فرج الذي تدرج في مناصب جهاز الأمن الوقائي ثم تولى رئاسة الاستخبارات العسكرية عام 2006 ثم المخابرات العامة 2009 يتمتع بعلاقات واسعة على الصعيد الخارجي وداخل فصائل منظمة التحرير نظرًا لطبيعة عمله الأمنية وقربه من الرئيس محمود عباس الذي جاء به لمواجهة نفوذ محمد دحلان داخل جهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية الأخرى.

من أكثر الأسباب التي قد تدفع لأن يكون ماجد فرج المرشح الأبرز لمنصب رئيس السلطة القادم بموافقة واشنطن والدول المؤثرة في العالم العربي أيضًا، دوره في جهاز المخابرات العامة الذي استطاع من خلاله التعاون مع واشنطن في الكثير من ملفات المنطقة، كذلك مرافقته للدكتور صائب عريقات في ملف المفاوضات مع الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى المعرفة الجيدة للأمريكيين به، واللقاءات المتكررة معهم. كذلك دوره في مفاوضات ملف المصالحة الذي ترعاه مصر، وكان آخرها التهدئة مع غزة في صيف 2014، وعمله القريب من الرئيس، الذي اعتاد على تكليفه في الكثير من الملفات الخارجية التي طغى على الكثير منها السرية.

 وكذلك ساهم ماجد فرج بشكل كبير في تحسين البيئة الأمنية داخل مدن الضفة الغربية بما يخدم السياسة الأمنية الصهيونية واتفاقات التنسيق الأمني بين الكيان والسلطة الفلسطينية، أما من الجانب المصري والأردني فقد قدم ماجد فرج خدمات جليلة للأجهزة الأمنية المصرية، فقد نشرت وكالة قدس برس للأنباء تفاصيل وثيقة فلسطينية أكدت أن المخابرات العامة الفلسطينية ساعدت الأجهزة الأمنية المصرية في القبض على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع في أغسطس الماضي.

بالإضافة إلى ما سبق نشرت صحيفة الوطن الليبية على موقعها على الإنترنت الجمعة بتاريخ 22/11/2013، أن وكالة المخابرات الأمريكية استفادت من معلومات قدمتها المخابرات الفلسطينية للقبض على أبو أنس الليبي في العاصمة الليبية طرابلس في أكتوبر عام 2013.

كل ما سبق يؤكد أن ماجد فرج يمتلك المقومات التي تريدها واشنطن لتولي رئاسة السلطة الفلسطينية، واستمرار المسيرة التي يقودها محمود عباس للحفاظ على حدود الصراع بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني واحتواء أي أزمات من شأنها هدم ما بني على اتفاقية أوسلو التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية.

:: مجلة البيان العدد  338 شوال  1436هـ، يوليو  - أغسطس  2015م.

أعلى