الحصار يعمق الألم في قلوب سكان القدس
تعاني مدينة القدس المحتلة أوضاعًا إنسانية كارثية أودت بكافة جوانب الحياة
الفلسطينية، ووصلت إلى مستويات غير مقبولة، ويسعى الاحتلال الصهيوني بصفة دائمة إلى
تهجير الإنسان المقدسي عبر إجراءاته القمعية الإجرامية وحملات تهويد متواصلة لكافة
معالم المدينة.
كما عمد الكيان الصهيوني خلال السنوات الأخيرة إلى تحويل المدينة المقدسة إلى ثكنة
عسكرية كي يسهل السيطرة عليها عبر تقييد الحركة العربية فيها. واتبع الاحتلال في
ذلك وسائل عديدة كإقامة الجدار العنصري والحواجز والمواقع العسكرية في محيطها،
والمستوطنات التي تشكل حزامًا حولها أدى إلى تقييد حركة التوسع الفلسطينية،
بالإضافة إلى هدم المباني المقدسية بحجة عدم الترخيص.
وأينما حللت في القدس المحتلة سترى الانتشار المكثف لمئات العناصر من أفراد الجيش
والشرطة الصهيونيين من كافة الاتجاهات، بينما تقوم الأجهزة العسكرية بتقييد حركة
الدخول والخروج من المسجد الأقصى المبارك وتمنع آلاف المسلمين من أداء الصلاة.
وتؤدي حالة الحصار الصهيونية الممنهجة إلى تدهور الوضع الاقتصادي في المدينة؛ كون
المخطط الصهيوني يهدف إلى تهجير المقدسيين.
بطالة وفقر
في حديثه لمجلة «البيان»، أكد الناشط المقدسي عضو لجنة الدفاع عن حي سلوان فخري أبو
ذياب، أن البطالة والفقر الشديدين باتا سمة الشق الشرقي من المدينة، حيث تجاوزت
نسبة الفقر
75%
بين المقدسيين بسبب منع الاحتلال لهم من العمل في غالبية الوظائف، في خطوة سياسية
تهدف بالأساس إلى دفع المقدسيين للرحيل عن مدينتهم.
وأشار أبو ذياب إلى أن الاحتلال يضع السكان المقدسيين تحت مسؤولية بلدية القدس
العنصرية التي تسخر كل طاقاتها لخدمة المستوطنين الصهاينة.
وأوضح أبو ذياب أن
10
مقدسيين من بين
22
لا يجدون عملًا، فيما لا يستطيع أحد أن يعمل خارج القدس بسبب القوانين الصهيونية
كقانون سحب هويات وأملاك الغائبين، بالإضافة إلى الحواجز العسكرية المعقدة بين
الضفة والقدس والجدار العازل.
ووفقًا لأبي ذياب يقوم الاحتلال بسحب الهويات المقدسية لمن يغادر من القدس ولو
مؤقتًا، في استهداف واضح لكل ما هو مقدسي، ورغبة من الاحتلال في تهجير السكان.
وفي معرض رده على سؤال حول الملكيات، لفت أبو ذياب إلى قيام الاحتلال بفرض ما يسمى
بضريبة «الأرنونة» الخاصة بالملكيات والأراضي وهي باهظة الثمن، بينما ترفض بلدية
الاحتلال إعطاء تراخيص بناء للمقدسيين.
واتهم أبو ذياب الاحتلال الصهيوني بممارسة سياسة التجهيل ضد النساء المقدسيات كما
الرجال، مبينًا أن نسبة البطالة بين السيدات تتجاوز
65%.
ومع اقتراب شهر رمضان الفضيل أعرب أبو ذياب عن خشيته من وصول المدينة إلى مراحل
أصعب خاصة في ظل الاحتياجات المتزايدة في الشهر المبارك.
تغيير ديموغرافي
الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حسن خاطر لخص لمجلة
«البيان» الخطوات الصهيونية لإتمام تهويد المدينة، حيث إن الاحتلال وضع مخططًا من
مرحلتين: تشمل الأولى حصر المقدسيين بمساحة ضيقة حتى تاريخ
2020م،
فيما تشمل الثانية تهجيرهم النهائي وزيادة أعداد المستوطنين الصهاينة لعدة أضعاف
بتاريخ
2030م.
وستؤدي الخطوات الصهيونية بحسب الصحف ومعاهد الدراسات الصهيونية لإنهاء الوجود
الإسلامي والمعالم العربية من المدينة.
ويتبع الاحتلال وفقًا للدكتور خاطر أساليب متعددة في تهجير المواطن المقدسي تبدأ
بهدم المنازل والاستيلاء عليها دون وجه حق عبر الطرد المباشر أو الإبعاد.
وحذر خاطر من إجراءات الاحتلال الهادفة إلى تركيع الإنسان المقدسي سعيًا لطرده من
أرضه والسيطرة عليها، موضحًا أن المؤسسة الصهيونية تركز جل جهدها على الإنسان
المقدسي لكسر معنوياته وإجباره على التراجع وسط صمود أسطوري لسكان القدس.
وكشف خاطر عن مخطط صهيوني أعد علميًّا لاستهداف الشخص المقدسي كونه العقبة الوحيدة
الآن أمام إتمام تهويد المدينة، والذي يشمل فرض الضرائب الباهظة وتشديد الحصار
وترسيخ الاعتقال والقمع والتخويف والتهديد والابتزاز.
تلك الخطوات الصهيونية تم تنفيذ العديد منها على الأرض؛ كون المرحلة الحالية تشهد
صمتًا دوليًّا وعربيًّا وإسلاميًّا مطبقًا في ظل انشغال المنطقة بحروب جانبية
بعيدًا عن الكيان الصهيوني.
شطب الفلسطينيين
من جهته، أكد الكاتب والمتخصص في شؤون القدس المحتلة د.
جمال عمرو في حديث خاص لمجلة «البيان»، أن الاحتلال الصهيوني لن يؤمن يومًا باكتمال
مشروعه دون اكتمال السيطرة على القدس وتهويدها.
وكشف عمرو عن مخططات صهيونية لإحلال اسم
أورشليم بدل القدس، كما بات يروج الكيان لدولة اليهود المسماة بـ«إسرائيل»، مدعيًا
وجود ما يسمى بجبل الهيكل محل الأقصى.
وأوضح عمرو أن الصهيونية تعمل على شطب كل الفلسطينيين من القدس وترحيلهم عنها خاصة
البلدة القديمة التي تحتوي على المسجد الأقصى المبارك والآثار الإسلامية وعدد من
المقدسات المسيحية.
وتبلغ مساحة القدس القديمة
(خلف
الجدار العثماني)،
بحسب الدكتور عمرو كيلومترًا مربعًا من أصل
126
كيلومترًا مربعًا تضم شطري القدس الشرقي والغربي.
وفضح عمرو مشروعًا صهيونيًّا خطيرًا أطلق عليه اسم «2020»،
يهدف إلى بناء
55
ألف وحدة استيطانية لزيادة تعداد المستوطنين بالقدس المحتلة إلى
260
ألفًا بالإضافة إلى الـ240
ألفًا الموجودين بالشطر الشرقي للمدينة يضاف إلى ذلك
550
ألف صهيوني يقطنون الآن بالشطر الغربي من المدينة، أي أن عدد سكانها سيقترب من
مليون.
وأشار الباحث المقدسي إلى أن الاحتلال يريد أن يحصر الفلسطينيين البالغ عددهم نحو
220
ألفًا أي ما نسبته
21%
من سكان القدس على
2.5%
من مساحتها.
معاناة شديدة
ويعاني سكان القدس المحتلة من الاستهداف الصهيوني لهم ولعائلاتهم، فتارة بالتهديد
وأخرى بالعنف، فيما يتعرض آخرون لعمليات ابتزاز مختلفة.
أبو أحمد، مواطن مقدسي عمره
52
عامًا (رفض إدراج اسمه لخوفه من الإجراءات الصهيونية) يعيش بالقرب من إحدى بوابات
المسجد الأقصى المبارك، أكد لمجلة «البيان» أن معاناته الكبيرة جراء سكنه في منطقة
حساسة يسعى الاحتلال يوميًّا لطرده منها والاستيلاء على منزله تعادل نعيم وجوده
بالقرب من المسجد الأقصى فآلة المراقبة الصهيونية موجودة في كافة الجوانب المحيطة
بالمنزل.
ويوضح أبو أحمد، الذي يسكن معه زوجته وثلاثة أبناء، أسباب متعددة أخرى لمعانات
عائلته كقدم المنزل الذي امتلأ بالتشققات والرطوبة بينما يرفض الاحتلال بصفة دائمة
السماح له بترميم المنزل.
ويقول أبو أحمد:
«كل شيء هنا مراقب لا حرية ولا راحة ولا أستطيع الجلوس في شرفة بيتي أو الوقوف
فيها، بل أدهى من ذلك قام الاحتلال بإحاطتها بالحديد كونها تطل على حائط البراق!».
ويزيد:
«نتعرض يوميًّا لشتائم المستوطنين وقوات الاحتلال بل نتعرض للإذلال والاعتداء
المباشر»، متسائلًا عن الدور العربي والإسلامي في نصرتهم!!
اهدم بيتك بيديك!
ويشير أبو أحمد إلى قيام الاحتلال بين الفينة والأخرى بعرض العروض المختلفة عليهم،
فمرة يعرض ملايين الدولارات ليبيعوا بيوتهم وأخرى بالتهديد بالإبعاد والسجن، بينما
يجبر آخرين على هدم منازلهم بأيديهم بحجة عدم الترخيص وإن لم يفعلوا يتم تقديمهم
للمحاكمة العسكرية.
وقال:
«حياتنا معاناة..
دائمًا يضيقون الخناق علينا..
لم تبقَ وسيلة إلا واستخدموها لنترك القدس والأقصى.. ولن ينالوا ذلك».
وكشف أبو أحمد عن صمود أسطوري لأهالي القدس في مواجهة آلة العنف الصهيونية، مضيفًا:
«هذه بلادنا وأرضنا لن نتركها ولن نتحرك قيد أنملة».
انتشار الحواجز
ومن أبرز نقاط المعاناة التي أضحت جزءًا من القدس المحتلة انتشار الحواجز الصهيونية
الأسمنتية والطيارة خاصة في محيط المسجد الأقصى المبارك.
ويقوم الاحتلال عادة بتشديد إجراءاته الأمنية والعسكرية خاصة في كل يوم جمعة، الأمر
الذي يثير سخط وغضب المواطنين الذين يتعرضون للتفتيش المذل والاعتقال بحسب المزاج
الصهيوني، كما يروي لنا «إسلام محمد» (أحد الشبان المقدسيين).
ويضيف الشاب:
«الاحتلال يدعي أن حواجز الإذلال التي ينصبها في كل جنبات وأزقة القدس تأتي لخوفه
من وقوع عمليات طعن لجنوده أو اختطافهم لكنها لم تؤدِ إلى وقف المقاومة الشعبية
يومًا.
وأعرب عن استيائه البالغ من الوقوف لأوقات طويلة على هذه الحواجز وعمليات التفتيش
المستفزة لكل متحرك على الأرض.
حتى الأطفال لم يسلموا!
الاستهداف للمقدسيين لم يكن للكبار فقط وأولياء الأمور ورجال الإصلاح أو قيادات
الفصائل الفلسطينية بل امتد ليطال الأطفال، حيث شهد العام الأخير تصاعدًا واضحًا في
اعتقال الأطفال بمدينة القدس المحتلة، بعد اشتداد حدة المواجهة بين الاحتلال
والمواطنين المقدسيين على خلفية جرائم الاحتلال في حقهم، والتي برزت وحشيتها في قتل
وحرق الطفل
«محمد
أبو خضير»،
كما يروي الناطق الإعلامي لمركز أسرى فلسطين للدراسات رياض الأشقر.
وبيّن الأشقر أن الاحتلال ما زال يعتقل في سجونه
230
طفلًا فلسطينيًّا بينهم
52
من الأطفال المقدسيين، أي ما يشكل
22%
من عدد الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال.
وأوضح الأشقر أن اعتقال الأطفال في مدينة القدس لا يتوقف، فهناك ما بين
4-6
حالات اعتقال لأطفال مقدسيين يتم التحقيق معهم لساعات أو أيام ومنهم من يحول
للمحاكمة.
ووفقًا للمركز فإن حالات الاعتقال في مدينة القدس المحتلة بصفوف الأطفال وصلت في
عام
2013م
إلى
380
حالة، بينما ارتفعت بشكل كبير جدًا خلال عام
2014م
حيث وصلت إلى أكثر من
600
حالة.
وبيّن الأشقر أن قوات الاحتلال تستخدم العنف المفرط خلال عمليات اعتقال الأطفال
المقدسيين، إذ كثيرًا ما تنفذها القوات الخاصة المدججة بالسلاح.
وأوضح الباحث الحقوقي أن غالبية الأطفال المعتقلين من مدينة القدس المحتلة يقوم
الاحتلال بنقلهم مباشرة إلى معتقل المسكوبية في القدس، وهناك تجرى عمليات التحقيق
معهم في ظروف قاسية، دون السماح لذويهم بالحضور أو حتى حضور محامين عنهم؛ حتى
تستفرد سلطات الاحتلال بالطفل الصغير وتقوم بتهديده واستخدام كل أشكال الضغط عليه
لكي يعترف بالتهمة التي اعتقل من أجلها وغالبيتها إلقاء حجارة على سيارات
المستوطنين والجيش.
وطالب الأشقر بفضح سياسة الاحتلال بحق الأطفال المقدسيين وإظهار جرائمه بشكل مستمر،
ودعم صمود المقدسيين في مواجهة إجراءات الاحتلال ومحاولاته لإفراغ المدينة من
أهلها، وتوفير الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي المكثف لأطفال القدس.
الأقصى في خطر
استهداف الإنسان المقدسي لم يأتِ منفردًا بل جاء تزامنًا مع الاستهداف الصهيوني
للمسجد الأقصى المبارك الذي ما زال الاحتلال يقوم بحفريات أسفله متذرعًا بحجج واهية
وباطلة، الأمر الذي يهدد بانهيار المسجد إذا لم توقف تلك الحفريات بشكل فوري.
ووفقًا لخليل التفكجي، مدير مركز الخرائط في جمعية الدراسات العربية، فإن استمرار
الحفريات الصهيونية التي وصلت إلى نقطة الصفر أسفل المدينة المقدسة يهدف بالأساس
إلى إقامة مدينة يهودية خالصة أسفل القدس المحتلة.
وأشار الباحث في الشؤون المقدسية إلى أنه في حال إتمام المدينة اليهودية أسفل القدس
فإن الاحتلال سيكون أحكم سيطرته تحت الأرض وفوق الأرض على ما تبقى من المدينة
المقدسة، محذرًا في الوقت نفسه من سقوط المسجد الأقصى، ودعا الأمتين العربية
والإسلامية إلى إنقاذ القدس قبل أن تُهود، والأقصى قبل أن يُقصى.
عنف صهيوني يواجه بصمود فلسطيني برغم قلة الإمكانيات لكن تبقى الإرادة قوية:
إصرارًا على استعادة الحق المغتصب، وسعيًا لإفشال مخططات الصهيونية العالمية.
وبرغم أن المهمة صعبة إلا أن في هذه المدينة كثيرين لم تحبطهم الحملات الصهيونية،
مقبلين غير مدبرين دون خوف أو وجل بل إيمانًا بنصر الله الذي وعد.
قادرون على المواجهة ..
النائب عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس أحمد عطون، أكد أن ما يقوم به
الاحتلال الصهيوني لم يأتِ عبثًا بل جاء وفق مخططات ومشاريع صهيونية معدة سلفًا بل
من زمن بعيد.
وحذر عطون من حالة انفجار جراء استمرار العدوان الصهيوني غير المسبوق والذي يهدف
بالأساس إلى تغيير الواقع الديموغرافي في المنطقة.
واعتبر
عطون أن لدى العرب والفلسطينيين بطاقات ضغط كبيرة على الاحتلال يستطيعون من خلالها
التغيير عبر إعادة صياغة الخريطة الدولية القادرة على فرض التراجع على الكيان
الصهيوني.
لكن عطون لم يبدِ تفاؤلًا كبيرًا، قائلًا:
«ما نعيشه اليوم لا يوحي بأن هناك أي ضغط على الاحتلال..
الاحتلال يعلن يوميًّا عن مشاريع جديدة ضد الأرض والمقدسات ولم نلمس حتى الآن أي
تغيير يذكر، لكن تبقى إرادتنا الصلبة هي الرهان الوحيد على إفشال المخططات
الصهيونية الحاقدة».
تغيير لطالما سعى إليه المواطن الفلسطيني في القدس فيما لم يذعن الاحتلال حتى
اللحظة لأي منها متحصنًا بآلة البطش التي يمتلكها في مواجهة جماهير مدنية.
حرق وقتل وتدمير.. هي لغة المحتل في مواجهة المقدسيين اللذين أصروا على الاستمرار
في حياتهم الطبيعية برغم كل الإجراءات الصهيونية الوحشية الهادفة لاقتلاع التراث
الإسلامي والعربي من المدينة، فيما ما زالت التساؤلات تجول الخواطر إلى متى الصمت؟!
:: مجلة البيان العدد 337 رمضان 1436هـ، يونيو - يوليو 2015م.