• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تحتاج المؤتمرات الصومالية في المهجر إلى إعادة النظر؟

المسلمون والعالم


منذ خروج الجالية الصومالية من موطنها الأصلي بعد اندلاع الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط الحكومة المركزية في مقديشو عام ١٩٩١م، وتوجهها إلى دول الجوار الصومالي، ثم إلى أوربا وأمريكا الشمالية، وأخيرًا إلى بعض البلدان الإفريقية، نشطت حركة الدعوة الإسلامية بين الجالية وارتفع رصيدها، وزاد الوعي، وأقبل الناس على التدين بفضل الدعاة والعلماء الصوماليين الذين رافقوا الجالية في كل محطات ومواطن إقامتها سواء كانت مؤقتة أو دائمة.

ولم يكن المهاجرون الجدد يملكون أي مؤسسات أو مراكز تعليمية أو مساجد عند وصولهم إلى أرض المهجر، بل كانوا ضيوفًا على مراكز ومساجد الجالية المسلمة التي سبقتهم إلى هذه البلدان بعشرات السنين، ولم يجد المهاجرون الجدد ما كانوا يأملون من إخوانهم من الجنسيات الأخرى من معاملة تليق بهم، لأن كثيرًا من هذه الجاليات كانت تعاني مشاكل داخلية، جعلت كل واحدة منها تفتتح مركزًا ومسجدًا خاصًا بها.

فاتجهت الجالية إلى تأسيس مراكز ومساجد خاصة بها لتتمكن من إدارة أمور الدعوة aوالتعليم والتوجيه بين أبنائها كما يروق لها، ويتوافق مع موروثها وتقاليدها الشعبية من غير أن يـمسَّ ذلك المسلمات الشرعية.

ومن الأنشطة الجديدة التي طرأت في الساحة الدعوية الصومالية ولعبت دورًا محوريًّا في إفادة الجالية واستقطبت أعدادًا كثيرة من الناس الملتقيات والمؤتمرات الفصلية والسنوية التي حرصت إدارات المساجد والمراكز على إقامتها بصورة منتظمة.

ففي السنوات العشر الأول من بداية هذه المؤتمرات كان انعقادها منحصرًا في عدد محدود من الدول، وكان الناس يأتون إليها من أماكن بعيدة، ولكن بعد ذلك اتسع نطاق المؤتمرات حتى صار لكل مدينة أو مسجد مؤتمره الخاص، أو بالأحرى لكل حركة وجماعة مؤتمرها الخاص.

وهذه المؤتمرات والملتقيات تقدم خدمة جليلة للجالية من جانب، ومن جانب آخر تبدو كأنها مهرجان لاستعراض عضلات ومكانة كل جماعة وحركة في الساحة، وإبراز قدرتها على الحشد وإظهار عدد أنصارها ومؤيديها، أو بيان تصدر مشايخها ودعاتها في المشهد الدعوي.

والظاهر أن هذه المؤتمرات لم يعد لها بريقها وحماسها كما كان من قبل، بل أصابها شيء من الترهل، ولم تستطع الوقوف أمام الدعايات والتهم التي أثيرت حولها.

وأعظم مشكلة تواجهها الحركة الإسلامية الصومالية بكل أصنافها هي عدم خضوعها لأي مراجعة فكرية أو إدارية، مما جعل بعض أعمالها القيمة تتحول إلى كوارث ومصائب، لأن العمل البشري لا يستقيم ولا يبلغ هدفه إلا إذا وجد من يراقبه ويتعهده بالرعاية والنصح والتصحيح.

والمتتبع لأحوال ومسيرة هذه المؤتمرات من بدايتها إلى اليوم يلاحظ أنها تعاني المشاكل والمصاعب التالية:

لم تأخذ حقها من المراجعة والمحاسبة بعد أكثر من عقدين من انطلاقتها وبدايتها لمعرفة الإنجازات حتي يتم تطويرها وتعميمها، والإخفاقات لتجنبها في المستقبل، والأدهى من ذلك أن القائمين عليها لا يقبلون إلا المديح، ويعتبرون كل من يقدم إليهم النصح ولو على صحن من ذهب شخصًا غير مرغوب فيه أو قد يصنف في لائحة من يطلق عليهم أعداء الجماعة أو الحركة أو قد يتطور الأمر إلى الاتهام بمعاداة الدعوة.

تستنزف هذه المؤتمرات ميزانية كبيرة تدفعها الجالية، وتشمل مصاريف تأجير القاعات وتنقّل الدعاة وإعاشتهم وإسكانهم، والشيء المحير في الوقت نفسه أن بعض المساجد مهيأة لاحتضان هذه الملتقيات، ولكنها تفضل استئجار القاعات المكلفة ماديًّا، ثم تكتشف أن الحضور لم يصل إلى العدد المتوقع، مما يوقع في الحرج، والظاهر أنه ليس في الأفق نية لتقليل هذه المصروفات الباهظة والمكلفة أو على الأقل الاكتفاء بالجانب الضروري منها.

الكثير من المواضيع والأوراق المطروحة في هذه المؤتمرات بعيدة كل البعد عن هموم الجالية الحقيقية، بل يغلب عليها الارتجالية والطرح غير المعمق، أو توزيع الموضوعات بحسب رغبة المتحدثين تطييبًا لخاطرهم أو توفيرًا لوقتهم وتسهيلًا عليهم.

تهتم هذه المؤتمرات وتلقي ثقلها بطرح المواضيع التي تخاطب كبار السن رجالًا ونساء، ويضيق الجزء المخصص للشباب من الجنسين ممن هم في حاجة ماسة إلى معرفة دينهم.

اللغة المستخدمة في غالبية هذه المؤتمرات هي اللغة الصومالية، والتي يصعب فهمها على كثيرٍ من فئة الشباب، ولا يوجد بين الدعاة الصوماليين الذين يملكون رصيدًا علميًّا من يجيد اللغات اللاتينية إجادة صالحة للاستخدام، ويوجد بين الوعاظ من هو بلبل في اللغة ولكنه هزيل في العلم الشرعي، مما يجعل المؤتمر لا يلبي إلا حاجة جزء من المجتمع.

ومن أخطر وأسوأ ما يشوه صورة هذه المؤتمرات والملتقيات هو الأسلوب المتبع في اختيار وترشيح المشاركين في إلقاء الكلمات وتقديم الأوراق العلمية، حيث يوضع في المقدمة وأساس الترشيح والشرط الرسمي في بطاقة الدعوة الانتماء الفكري والحركي أو القَبَلِي، فكل حركة وجماعة ومدرسة فكرية لا يشارك ولا يُدعى إلى الإسهام في أنشطتها الدعوية أو الثقافية أو حتى افتتاح مراكزها ومساجدها إلا من هو مقيدٌ اسمه في سجلاتها أو معروف بمناصرتها أو لا يشكل أي خطر ولو كان شبه محتمل على مسيرتها، أو ينحدر من أصول القبيلة التي ينتسب إليها من يتولون إدارة هذه الملتقيات.

فالمنتسبون إلى المدرسة السلفية الحركية لا يقبلون ولا يدعون إلى نشاطاتهم إلا من ينتظم معهم في إطارهم الحركي، ولا يقبلون للمشاركة في نشاطهم الدعوي من ينتقد وجود الحركات ولو من باب النقد البنّاء، وأما الذين يعارضون وجود الحركات الدعوية ويناصبون العداء لهم فلا يقبلون في مشاركة أنشطتهم إلا من يجاهر بعداء هذه الحركات.

فأما المنتمون إلى مدرسة الإخوان المسلمين تنحصر معاملتهم وتعاونهم مع جماعتهم فقط لا غير. وأما مؤتمرات أتباع الطرق الصوفية فلا يحضرها ولا يشارك فيها إلا من كان من مريديها.

وأما من لا يعارض الحركات ولا يرى بأسًا في وجودها ولكنه يفضِّل الاستقلال مع الاستعداد التام للتعاون مع جميعها فلا يدخل في اهتمامات المذكورين.

وأما القبلية فتلعب دورًا محوريًّا في أنشطة ومجريات هذه الملتقيات والمؤتمرات، لأن القبيلة تـمثل الشيء الكثير في المجتمع الصومالي، ولأجل إرضائها وتطييب كبريائها تعاون الصوماليون على تدمير بلادهم وتفتيت وحدتهم، وحملوها معهم في غربتهم وهجرتهم، وتلعب اليوم دورًا مدمرًا في علاقة الصوماليين بعضهم ببعض، ولأجل هذا يضطر القائمون على إدارة الملتقيات إلى إرسال بطاقات الدعوة إلى من يختلفون معه في المشرب والمذهب إرضاء لفصيل ما أو للمجاملة والتمويه معًا.

المخرج من هذا المأزق: إذا كنا نريد حقًّا خدمة الدعوة وإفادة الناس ولإرجاع المؤتمرات إلى هيبتها ينبغي أن نتبع الخطوات التالية:

1- أن يكون هدف إقامة المؤتمرات خدمة الدعوة فقط، وليس خدمة الحركة أو الجماعة.

2- توزيع بطاقات الدعوة على الكفاءة العلمية، سواء كان المدعو عضوًا في الحركة أو لا.

3- إبعاد العنصر القبلي في مجال الدعوة والتعليم، لأن رضا الناس غاية لا تدرك، ولأن ضرر هذا العمل المشين أكثر من الفائدة المرجوة منه.

4- تقليل وتقتير الميزانية الباهظة التي تستنزفها هذه الملتقيات، وصرفها في مجالات أكثر فائدة للمجتمع.

5- أن يقتصر كل بلد على علمائه ودعاته ما داموا يستطيعون القيام بمهمة التوجيه والتعليم.

6- إقامة مجالس استشارية ولجان محلية ممثلة في جميع الأطر والمساجد المختلفة للتنسيق والترتيب في إقامة المؤتمرات، تجنبًا للتنافس المذموم الموجود.

7- إعداد دراسة وافية في كيفية تطوير وتحسين أداء هذه المؤتمرات.

عقد دورات تدريبية للقائمين على إدارة المؤتمرات والملتقيات العلمية.

وأخيرًا هذا رأيي ورؤيتي في هذا الموضوع، وقد خبرته عن قرب، وما أعرضت عنه أكثر مما قلت، وهو الصواب الذي أعتقد، وقد يبدو خطأ لمن يرى عكس ذلك، وما أردت إلا الإصلاح، وما توفيقي إلا بالله، إنه نعم المولى ونعم النصير.

 

:: مجلة البيان العدد  336 شعبان  1436هـ، مايو - يونيو  2015م.

 

googleplayappstore

أعلى