المسجد الأموي بحلب.. ما عاد يُسمع صوت للأذان!
المسجد الأموي بحلب، أو كما يحب سكان المدينة أن يسموه بـ«المسجد الكبير»، واحد من
الشواهد الكثيرة على مشاهد القصف والدمار التي طالت المدينة من قبل قوات النظام
السوري.
يؤلم المارين بقربه شدة الدمار الذي لحق به جراء العمليات العسكرية والقصف
المتواصل، فضلًا عن الاشتباكات التي شهدها المسجد العام الماضي بين قوات المعارضة
وقوات النظام، إذ لا تزال آثار الرصاص على جدران المسجد تحكي قصة مأساوية لما حل
به.
بين غبار المعارك وأصوات القذائف المدوية، ليلًا ونهارًا، في أحياء حلب، يضيع
التاريخ ويحترق معه فن العمارة الإسلامية بفعل آلة الحرب. تتبادل الأطراف الاتهامات
ولكن ما الجدوى من ذلك؟ صورة المسجد أصبحت مبكية.
جولة سريعة بين جنبات المسجد، تحيلك إلى الخراب والدمار الهائل الذي أصابه، فهذا
المسجد الذي كان مقصدًا للعبادة والحصول على الطمأنينة، أصبح اليوم متداعيًا وقد
تغيرت معالمه.
كانت قوات النظام استولت على المسجد العام الماضي وحولته إلى نقطة عسكرية، وتقول
مصادر محلية إن قوات النظام أساءت كثيرًا للمسجد وانتهكت حرمة بيت الله على مرأى من
الجميع وبعلم نظام الأسد، ولم يحرك الأخير ساكنًا، فكان الخمر يشرب به جهارًا، وتتم
فيه عمليات اعتقال وتعذيب للمعتقلين، وتحول إلى ثكنة عسكرية للشبيحة والمليشيات
الشيعية الموالية للنظام، حتى إن أصوات الشتائم والكفر وبعض الممارسات الجنسية
الوضيعة كانت تسمع ليلًا من قبل جنود الأسد.
تجرؤ قوات النظام على المسجد الأموي دفع قوات المعارضة إلى الدخول في معركة لطرد
قوات النظام منه، فقام مقاتلو الجبهة الإسلامية بتحرير المسجد لسببين: أولهما أن
المسجد يعد نقطة رئيسة على خط طريق إمداد قلعة حلب الشهيرة التي تتخذها قوات النظام
قاعدة لها، ومنه يتم قطع طريق الإمداد عنها، وثانيهما اتخاذ الجامع مركزًا لاعتقال
الرجال والنساء، حتى وصلت الدرجة بقوات النظام لاستخدام مكبرات الصوت لإسماع قوات
المعارضة أصوات التعذيب والاغتصاب.
أدت المعارك التي دارت في محيط المسجد وداخله، إلى احتراق أجزاء كبيرة منه، وتعرضت
محتويات المسجد لتخريب كبير، فقد احترقت المكتبة الوقفية بعد استهدافها من قبل
قناصة قوات النظام، المتمركزين عند بناية «العدس»، وكانت المكتبة تحتوي على كتب
قديمة ونفيسة نادرة بعد أن تم تحديثها قبل فترة وجيزة من اندلاع الثورة على يد محبي
العلم وبعض المؤسسات الوقفية والعلمية حول العالم.
وكان القصف المدفعي الذي تعرض له المسجد أسفر عن تدمير مأذنته التاريخية، فلم يتبقَ
من أساسيات المسجد إلا القليل، ومنها منبر المسجد الذي نقله مقاتلو الجبهة
الإسلامية إلى مكان آمن، خوفًا عليه من قذائف قوات النظام، وهو منبر نور الدين
الزنكي الذي بنى واحدًا مثله وعزم على وضعه في المسجد الأقصى، إلى أن وافته المنية
ونفذ وصيته الناصر صلاح الدين الأيوبي بعد استرداد بيت المقدس من الصليبيين.
ويوضح أحد القادة الميدانين في الجبهة الإسلامية أن المسجد بات اليوم على خط
الاشتباكات مع قوات النظام، وأنهم يحاولون قدر الإمكان رصد قوات النظام المتمركزة
في دوار السبع بحرات، لكي لا تتخذ ذريعة لاقتحامه، وهم يسعون إلى تحييد المسجد عن
المواجهات، ومع ذلك تستهدف قوات النظام المسجد بقذائف الهاون والقناصة، فقامت قوات
المعارضة ببناء السواتر الرملية عند الطرف الشرقي للمسجد، بعد أن دُمر الحائط
الشرقي بالكامل بقذائف الدبابات، فيما لا تزال القذائف تنهال على ساحة المسجد.
يعد الأذان الذي كان يرفع في المسجد، من أبرز سمات مدينة حلب، أما اليوم فلا أذان
يُسمع من المسجد ولا إمكانية للصلاة بداخله، ويصف الشيخ «أبو محمد» وضع المسجد
بالقول: «المسجد تنهمر له الدموع على وضعه المأساوي والتدمير الهائل الحاصل به حيث
احترق كل شيء من مصاحف قديمة ومن أثاث، ولا نستطيع رفع الأذان فيه لاحتراق كافة
المعدات، أيضًا من غير الممكن الصلاة في المسجد بسبب استهدافه بشكل متكرر من قوات
النظام».
عند تحرير المسجد من قوات النظام، وجدت ملابس نسائية وزجاجات خمر داخل المسجد، كما
تم تحويل غرفة المؤذن والإمام إلى مكان توضع فيه المسروقات، التي سرقها عناصر
النظام من المحال المحيطة بالمسجد.
الجدير بالذكر أن نظام بشار الأسد اعتقل مدير المسجد الأموي في حلب الشيخ يوسف
هنداوي بسبب احتجاجه على تجاوزات قوات النظام داخل المسجد. ويقول ناشطون إن الشيخ
هنداوي كان قد دخل المسجد في الرابع من أيلول/ سبتمبر 2012، فهاله منظر جنود قوات
النظام وهم يتناولون الخمر في المسجد، فتحدث إليهم وقال لهم إن ما يفعلونه انتهاك
لحرمة المسجد، وعند خروجه من المسجد استوقفته عناصر من قوات الأمن وتهجموا عليه
بالكلام قبل أن يعتدوا عليه جسديًا، ثم اعتقل بضعة أشهر، ليتم الإفراج عنه في وقت
لاحق.
:: مجلة البيان العدد 332 ربيع الآخر 1436هـ، يناير - فبراير 2015م.