• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أزمة الفكر السياسي العراقي

أزمة الفكر السياسي العراقي

يمرّ العراق بأزمات من بين أكثر الدول العربية التي شهدت تحولات وأحداثاً سياسية، وقد كان لهذه الأحداث والتحولات تضارب أو تلاقٍ في الأفكار والأهداف بين الأطراف والقوى السياسية العراقية المختلفة من جهة، وفي كيفية إدارة الدولة وشؤونها في جميع نواحي الحياة، وبالأخص من الناحية السياسية، من جهة أخرى، التي يمكن أن نعبر عنها بصمام الأمان لاستقرار البلد.

ففي العراق تحديداً أثبتت التجارب منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921م إلى الوقت الحاضر رغم تعاقب القيادات والمذاهب السياسية المختلفة في قيادته؛ أن هناك علاقة وثيقة بين شكل النظام السياسي المتبع واستقرار السياسيين في الدولة؛ فكلما كان نظام الحكم مستوعباً الطبيعة المركبة للمجتمع العراقي، كلما كان قادراً على تحقيق الاستقرار السياسي الذي يتبعه استقرار داخلي على جميع المستويات.

وهذا ما عمد إليه الأمريكان بعد الاحتلال والتحول السياسي الذي جرى في التاسع من نيسان عام 2003م، وإحداث تغيرات عدة في الدولة والمجتمع؛ إذ بدأ الحاكم المدني (بول بريمر) الذي ترأس «سلطة الائتلاف المؤقتة» في 16 /5/ 2003م، تأسيس مجلس الحكم الانتقالي العراقي في 13 /7/ 2003م، الذي مثل أول مؤسسة تشريعية تنفيذية بعد تغيير النظام السياسي في العراق.

وقد وصف (بريمر) تأسيس مجلس الحكم في كتابه (عام قضيته في العراق) ص 133 قائلاً: «مجلس الحكم هو الخطوة الأولى في رحلة ننتقل فيها معاً نحو هدفنا المشترك بحكومة عراقية تمثيلية». وبعد فترة من تأسيس المجلس انتخب رئيس من بين الأعضاء البالغ عددهم 25 عضواً بتاريخ 1 /9/ 2003م.

وعد مجلس الحكم البداية الفعلية للعملية السياسية، واستمر الحكم به ابتداء من حكومة إياد علاوي المؤقتة في 1 /6/ 2004م، مروراً بحكومة إبراهيم الجعفري، ثم ما بعدها حكومة نوري المالكي الأولى في 20 /5/ 2006م، والثانية في 2010.

ورافق التجربة السياسية كثير من الغموض بين النظرية والتطبيق، من التوافق السياسي الذي رافق العملية السياسية منذ 2005م إلى عدم تهميش الكتل السياسية مهما كان الطرف الآخر منتصراً، وبعبارة أبلغ أي أن التوافق السياسي يطغى على الأغلبية السياسية.

وتؤكد بعض الدراسات في النظام السياسي العراقي: بما أن طبيعة العراق تسير على هذا النحو، فهو يعيش تحت مفهوم السياسة التوافقية، وهي وليدة التجارب السابقة والمعتمدة على الحاجة المجتمعية كما في بلدان (النمسا، وهولندا، وسويسرا، وجنوب إفريقيا، ولبنان). وقد جاءت هذه السياسة وليدة الحاجة العملية في مجتمعات تسود فيها الانقسامات المجتمعية؛ لعدم تجانسها من الناحية الدينية والقومية، فيكون هناك ضعف في الوحدة الوطنية يقابله انعدام الاستقرار السياسي، حيث لا يمكن لأي قرار سياسي أن يكسب صفته الشرعية دون موافقة جميع الأطراف، بمعنى أن القرارات ينبغي أن تصدر بإجماع المكونات الداخلة في العملية السياسية.. وبخلاف ذلك لا انسجام في المجتمع ولا يوجد استقرار سياسي، وينعكس ذلك على كل المجالات الحياتية.

لكن على خلاف ذلك كله، يرى رئيس الحكومة نوري المالكي قبل انتخابات عام 2010م وبعدها، أن مبدأ السياسة التوافقية في هذا البلد أصبح من الأمور التي تعطل سير العملية السياسية، وأحد أسباب الأزمات التي تحدق بالعراق، وعقبة في بناء الدولة، وبدأ يؤيّد مبدأ الأغلبية السياسية، وعلى خلاف ذلك صرح الرئيس جلال طالباني: إن ترسيخ التوافق الوطني وسيلة ناجحة لتوحيد الصفوف والأطياف المتنوعة في البلاد. ومن هذه اللحظة بدأ الخلاف واسعاً في وجهات النظر لرسم سياسة الدولة.

إن الواقع السياسي العراقي الذي نحاول الإشارة إليه يختلف اختلافاً جذرياً عن واقع ومفهوم السياسة أو التنظيم السياسي الذي تنهجه دول العالم كأسلوب التنظيم السياسي الواحد أو نظام الحزب الواحد؛ كالمجتمعات الاشتراكية، أو كأسلوب بعض الدول التي أخذت بمبدأ التعددية الحزبية؛ كالمجتمعات الغربية.

إن اختلاف السياسة العراقية جعلها غير ناضجة في إدارة الملف السياسي لتشكيل مستقبل العراق وشكل الدولة.. أتكون إدارة الدولة مركزية أم فدرالية؟.. أم تكون طائفية أو عرقية أو مذهبية؟.. أم يكون شكل الدولة إسلامياً أو يفرق بين الدين والدولة؟

كل هذه الأزمات في وجه السياسة العراقية، حيث لا تعرف أي منحى تتجه إليه، فقد أصبح هذا المزيج السياسي المتنوع في هذا البلد يمثل بحد ذاته أزمة في الفكر السياسي.

:: مجلة البيان العدد  328 ذو الحجة 1435هـ، أكتوبر  2014م.

أعلى