نار العراق ستلتهم أخضر العرب ويابسهم!
أخيراً وضعت الانتخابات
البرلمانية أوزارها في العراق بعد حملات انتخابية طائفية بامتياز، ولم تكن نتائجها
مفاجئة على الإطلاق، فكل المعطيات التي سبقتها كانت تؤكد أن الأحزاب والقوى
الشيعية ستكتسحها وسط تراجع مثير لما يسمى القوى السنية المشاركة في العملية
السياسية على خلفية مواقفها الهزيلة من أزمة الأنبار، وقناعة كردية بما تحقق لها
من مكاسب طوال السنوات المنصرمة التي أعقبت 2003 حتى يومنا الحاضر.
لا تبدو عملية الغوص فيما
تمخّضت عنه الانتخابات عملية معقدة؛ لأن الأمر وببساطة يبدو وكأنه مسرحية معدّ لها
سلفاً، ففي الدورة الانتخابية الماضية كان الحديث عن حكومة الأغلبية من المحرمات،
لا سيما بعد أن نجح الائتلاف السني، بمشاركة إياد علاوي، في حصد الصدارة بأكثر من
90 مقعداً، بينما جاء ائتلاف دولة القانون بالمرتبة الثانية، وحصل ما حصل حينها من
تدخل المحكمة الاتحادية وآلت الأمور إلى استحواذ الائتلاف الشيعي على السلطة
برئاسة نوري المالكي. أما اليوم وبعد انتخابات 2014 التي سجلت فيها الأحزاب
الشيعية نتائج كبيرة، صار الحديث عن حكومة الأغلبية على كل لسان، والسبب بسيط وهو
أن خطة تشييع العراق المرسومة في إيران تسير بشكل لم تكن تحلم به حتى إيران نفسها
وسط صمت عربي لا يمكن وصفه.
نعم إنها الحقيقة التي لا
يمكن للعرب أن يتغافلوا عنها كما تفعل النعامة عندما يقترب منها الخطر فتدس رأسها
في الرمال وتترك باقي جسمها في العراء.. العراق يسير بسرعة مرعبة نحو الضياع
والخروج من حضنه العربي والإسلامي بفعل ترك العرب السنة في العراق يواجهون لوحدهم
هذا المصير وسط توترات إقليمية تتزايد يوماً بعد آخر، بدءاً بالوضع السوري المرعب،
مروراً بتفاعلات معركة السيطرة على اليمن من قبل الحوثيين، وصولاً إلى ما تشهده
ليبيا وما يجري في البحرين ومصر ولبنان. والسؤال الذي بات يحيّر كثيراً من
المراقبين هو: لماذا تسكت دول المنطقة، لا سيما دول الخليج العربي، عمّا يجري في
العراق؟
إنّ الواقع الذي فرضته
نتائج الانتخابات أثمر معطيات خطيرة في مقدمتها أن القوى السنية على ضحالة مواقفها
السياسية كانت الخاسر الأكبر، بينما كان الرابح الأكبر هم الشيعة ومن بعدهم
الأكراد، وذلك يعني أن البرلمان القادم سيمرر الكثير من القوانين التي ستزيد من
إبعاد العراق عن حضنه العربي والإسلامي وتدفعه أكثر نحو السيطرة الإيرانية المطلقة
ورعاية أمريكية تقوم على غزل بين الطرفين من تحت الطاولة.. ترى كيف يمكن للعرب، لا
سيما الذين يجاورونه غرباً وجنوباً، أن يتحملوا أن تصبح إيران جارتهم وهي التي
تعمل بهدوء ومباركة خفية من الغرب على امتلاك سلاحها النووي، الذي إن تحقق فسيصبح
أمن دول المنطقة ريشة في مهب الريح.
قد تبدو الصورة قاتمة السواد
إن اتصل الحديث عن العراق بالوضع الكارثي في سورية وسط ما نراه من تهاون عربي إزاء
ما يحدث، إلا أن الأمور ما زالت لم تخرج عن نطاق السيطرة، فالعرب، وعلى رأسهم دول
الخليج العربي، قادرون على تدارك الأمور ومد يد العون للعرب السنة في العراق
ولأشقائهم في سورية، فكثير من أوراق الضغط التي يملكونها إن فعّلت يمكنها أن تقلب
الطاولة على المشروع الإيراني.
وربَّ سائل يتساءل كيف
ذلك؟ وهنا نجيب: إنّ توحيد كلمة العرب في المحافل الدولية واقتران ذلك بخطوات
عملية متمثلة في دعم سياسي ومادي ولوجستي للعرب السنة في العراق بشكل علني ودون
مواربة؛ سيفرض على الجميع إعادة حساباتهم، وفي المقدمة منهم إيران، وهو دعم
بالضرورة سيفرض تأثيره على الملف السوري واللبناني واليمني على حد سواء، مثلما
سيترك أثره أيضاً على الأوضاع في البحرين، ونحن نعلم أنّ جميع هذه البلدان العربية
هي محور ملف التشيع الذي تعمل إيران على تحقيقه بأسرع وقت.
ليس
ما نذكره من باب التمني، لكنه محاولة لرمي حجر في بركة العرب الراكدة إزاء ملفات
أقل ما توصف أنها لو استمرت فإن قادم الأيام سيحمل مزيداً من الإحباط للشارع
العربي، وعلى من يتصدى لدفة السلطة في دول الخليج العربي أن يعي أن ضياع العراق
وسورية سيتبعه ضياع اليمن ومن ثم البحرين، والنار ستمتد إلى الباقي بسرعة لا
يتصورها عقل.. فهل يستيقظ العرب من سباتهم ويقدّروا حجم الخطر القادم من الشرق؟
:: مجلة البيان العدد 325 رمضان 1435هـ، يوليو 2014م.