• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الحوار غير المجدي مع الروافض حول مفترياتهم على الصحابة

الحوار غير المجدي مع الروافض حول مفترياتهم على الصحابة

 

ملأ الشيعة صفحات كتبهم بالطعن على الصحابة رضي الله عنهم، وعمّروا - بل خربوا - مجالسهم وحشَوا مصادرهم بالحديث عما يسمونه مثالب الصحابة، وهذه الظاهرة - أو قل: الحالة المرضية - أصبحت ملازمة لهم، لا ينفكون عنها بحال، حتى وصف العلامة موسى جار الله حالهم - وقد عاش بينهم ما يزيد على سنة - بقوله: «وأول كل حركة وكل عمل - أي عندهم - هو الصلاة على محمد وآل محمد، واللعن على الصديق والفاروق وعثمان الذين غصبوا حق أهل البيت وظلموهم بزعمهم.. وهو عندهم أعرف معروف؛ يلتذ به الخطيب، ويفرح عنده السامع، وترتاح إليه الجماعة، ولا ترى في مجلس أثر ارتياح إلا أخذ الخطيب فيه، كأن الجماعة لا تسمع إلا إياه، أو لا تفهم غيره»[1].

وقد أجاب شيخ الإسلام عما يثيره الروافض في هذا الباب بجواب مفصل[2]، وبجواب مجمل ملخصه ما يلي: أن المثالب التي تنقل عن الصحابة نوعان:

النوع الأول: ما هو كذب؛ إما كذب كله، وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن. وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب، مثل: أبي مخنف لوط بن يحيى، وهشام بن السائب الكلبي، وأمثالهما من الكذابين الذين شهد الأئمة بكذبهم وسقوط أخبارهم.

النوع الثاني: ما هو صدق، وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها من أن تكون ذنوباً، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب.

وما قدر من هذه الأمور ذنباً محققاً، فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة؛ لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة، منها: التوبة، ومنها: الحسنات الماحية للذنوب؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، ومنها: المصائب المكفرة[3].

ولهم وسائل خفية ماكرة في محاولة تشويه صورة الصحابة السامقة كشفها العلماء المحققون، ومنها: «أنهم ينقلون ما يدل على مطاعن الصحابة، وما يستدل به على بطلان مذهب غير الرافضة عن كتاب يعزون تأليفه إلى بعض كبراء أهل السنّة، وذلك الكتاب لا يوجد تحت أديم السماء»[4]. فهو اسم بلا مسمى، وكتاب لا وجود له إلا في خيالاتهم، اخترعوا له اسماً، وعزوه إلى إمام، ونسبوا له مقالاتهم الكاذبة، حتى يتوهم الجاهل أو الغِرُّ، أو من لا يعرف ألاعيبهم؛ أنهم يوثقون مقالاتهم من مصادرها.

ذكر الألوسي والسويدي أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنة مشتملة على مطاعن في الصحابة وبطلان مذهب أهل السنة[5]، وهي من كذبهم وافترائهم، مثل: كتاب «سر العالمين» الذي نسبوه للإمام الغزالي، وهو منه بريء، بل هو من وضعهم ولا تصح نسبته إليه ألبتة[6].

وقد ينقلون أخباراً دالة على مطاعن الصحابة عن كتب عزيزة الوجود لأهل السنة ليس في تلك الكتب منها أثر، والأردبيلي أكثر ما ينقل في «كشف الغمة» من هذا القبيل، وكذا الحلي في الألفين، وابن طاووس، وغيرهم[7]. ومكرهم وتلبيسهم في هذا الباب كثير[8].

وعلى أي حال فلا يضير الصحابة طعون الروافض، بل يزيدهم شرفاً، كما قيل:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي بأني كاملُ

فالصحابة خير القرون، وصفوة هذه الأمة، وأفضل الناس بعد النبيين، فهم أفضل جيل، وأقوم رعيل، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وتبليغ شريعته، ولو لم يأتِ الثناء عليهم في الكتاب والسنة، لكانت سيرتهم وهجرتهم ونصرتهم كافية في معرفة قدرهم وعظيم منزلتهم. قال الخطيب البغدادي: «على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين؛ القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم»[9].

ومن أصدق الكلمات في وصف حالهم قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: «من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً. قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم»[10].

فحبهم وموالاتهم والترضي عنهم من أوكد حقوقهم على الأمة؛ لأنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمَلة الدين، ونقلة الشريعة، فهم أحبابه وأصحابه وأصهاره وأنصاره، فالطعن فيهم طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام مالك وغيره من أئمة العلم: «هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين»[11].

والطعن فيهم طعن في دين الأمة؛ لأنه وصلنا من طريقهم، قال الإمام أبو زرعة الرازي - رحمه الله -: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة»[12].

بل إن الطعن فيهم قدح في حكمة الله جل وعلا في اختيارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وتبليغ شريعته، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدصلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه»[13].

وقد حقق الله على يد الصحابة حفظ كتابه، ونشر سنته، وتبليغ دينه وشريعته في مشارق الأرض ومغاربها، فأقاموا حضارة لم تعرف الدنيا لها مثيلاً، وأخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وكسروا الأكاسرة، وهزموا القياصرة، وأقاموا حضارة كبرى في مدة زمنية قصيرة، لم تعهد في تاريخ الشعوب والأمم والحضارات، في ربع قرن من الزمان، مما لم يعرف في ماضي التاريخ ولا حديثه.

ولقد رأيت في كثير من المنتديات والمواقع والفضائيات والمكتبات، كمّاً كبيراً من الكتب التي ترد على الرافضة، وانشغل رعيل من أهل السنة وصرفوا جل اهتمامهم إلى الرد على شبهات الروافض حول الصحابة، وهي مواجهة مع الروافض في غير ميدان؛ ذلك أن الروافض يثيرون هذه الشبهات لتحقيق أمرين:

الأول: إشغال أهل السنة بهذه الشبهات حتى لا يتفرغوا لنقد كتبهم، ونصوصهم، ورجال رواياتهم.

الثاني: إقناع الحائرين والمتشكّكين من أهل طائفتهم بدعوى أن ما هم عليه من شذوذ - بزعمهم - هو موضع اتفاق بين السنة والشيعة.

وإثارة الشيعة لهذه القضايا هو في حقيقة أمره تستر على السبب الحقيقي لموقفهم من الصحابة، وهذا السبب هو الأصل الذي يقوم عليه دينهم، وتنبثق منه سائر معتقداتهم[14]، وبحسبك أن تعرف أن الصحابة رضوان الله عليهم لو كانوا في عصمة من كل خطأ، وفي حرز من كل ذنب؛ لما رضي عنهم الإمامية؛ لأن ذنب الصحابة عند هؤلاء هو بيعتهم لأبي بكر دون علي، وكل ذنب يغتفر إلا هذا الأمر، كما أن من جاء بقراب الأرض خطايا ومعه جواز الولاية فقد نجا.

فقد جاء أحدهم إلى إمامه يقول: «إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم (يعني الرافضة) ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق. قال: فاستوى أبو عبد الله جالساً فأقبل عليَّ كالغضبان، ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله. قلت: لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء. قال: نعم»[15].

ومهما كان عمل الصحابة الصالح وجهادهم العظيم، فلا وزن لذلك في دين الرافضة ولو جاؤوا بحسنات كالجبال ولم يوقف لهم على زلة؛ فلا يشفع ذلك لهم حتى يدينوا بدين «السبئية الرافضة»، حتى زعموا أن الله قال - كما يفترون -: «يا محمد! لو أن عبداً يعبدني حتى ينقطع ويصير كالشَّنِّ ثم أتاني جاحداً لولايتهم، ما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي»[16]. وادَّعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب؛ لأكبه الله عز وجل بالنار»[17]، «ولو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيّاً ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي»[18].

لأن العبادة عندهم لا قبول لها إلا بالإيمان بولاية الاثني عشر، ففي «البحار» للمجلسي: «... لو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبيّاً، ما تقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم»[19].

وعقدوا في مصادرهم المعتمدة أبواباً في تقرير هذا المبدأ، مثل: «باب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية»، وحشدوا فيه أكثر من سبعين رواية من مروياتهم التي وضعوها ونسبوها لبعض من يدّعون إمامتهم[20].

ولذلك؛ فإن مدار الدين وأصل الإيمان في اعتقادهم يقوم على إثبات إمامة الاثني عشر. لقد أدخل الإثنا عشرية الإيمان بالأئمة الاثني عشر في مسمى الإيمان، بل جعلوه هو الإيمان بعينه.

جاء في أصول الكافي: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله»، ثم ذكر بقية أركان الإسلام، ثم قال: «الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً»[21].

وهذا أشد غلوّاً في الإرجاء من اعتقاد المرجئة الغلاة الذين كفّرهم الأئمة، كأحمد ووكيع؛ لأن المرجئة الغلاة الإيمان عندهم هو معرفة الله، أما هؤلاء الروافض فالإيمان عندهم هو معرفة الإمام.

ويقولون إن الثواب في الآخرة ليس على الإسلام، إنما هو على الإيمان، وعقد لذلك صاحب الكافي باباً بعنوان: «باب أن الإسلام يحقن به الدم وأن الثواب على الإيمان»[22].

ولهذا قال ابن المطهر الحلي: «إن مسألة الإمامة (إمامة الاثني عشر) هي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن»[23].

وقال محمد جواد العاملي: «الإيمان عندنا إنما يتحقق بالاعتراف بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، إلا من مات في عهد أحدهم، فلا يشترط في إيمانه إلا معرفة إمام زمانه ومن قبله»[24].

وقال أمير محمد القزويني (من شيوخهم المعاصرين): «إن من يكفر بولاية علي وإمامته - رضي الله عنه - فقد أسقط الإيمان من حسابه وأحبط بذلك عمله»[25].

فإذا كان هذا هو مقياس الإيمان عندهم، وميزان الحسنات والسيئات في اعتقادهم؛ فيخطئ من يحاور رافضيّاً حول ما يسمونه «مثالب الصحابة» وما يفترونه في ذلك؛ لأن الصحابي لو لم يؤثر عنه زلة لم يكن عندهم إلا مشركاً كافراً؛ لأن مفهوم الكفر والشرك والظلم عندهم خلاف مفهومها الشرعي الذي جاء في الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها.

فمن يدَّعي أن له حقّاً في تولي الحكم على الأمة، فهو كافر وإن لم يحكم؛ ولذا قالوا: «من ادّعى الإمامة وليس من أهلها فهو كـافر»[26]، وأهـلهـا هـم الأئمـة الاثنا عشر أو من ينوب عنهم من فقهاء الشيعة، وهذا تكفير لجميع حكام المسلمين من لدن أبي بكر - رضي الله عنه - إلى أن تقوم الساعة.

وقالوا أيضاً: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما[27] في الإسلام نصيباً»[28]. وهذا تكفير للحكام والمحكومين ولجميع المسلمين.

وقـال شيخهم ابن بابويه القمي صاحب «من لا يحضره الفقيه»[29] في كتابه «الاعتقادات» الذي يسمونه «دين الإمامية»: «فمن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون، وقال النبي - صلى الله عليه وآله -: مـن جحد عليّاً إمامته من بعدي فإنما جحد نبوتي، ومن جحد نبوتي فقد جحد ربوبيته. وقال الصادق: من شك في كفر أعـدائنا والظالمين لنا فهو كافر».

وقال عالمهم نعمة الله الجزائري: «لم نجتمع معهم - الأشاعرة ومتابعوهم - على إله ولا على نبي ولا على إمام؛ وذلك أنهم يقولون إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا»[30].

وقال مفيدهم: «اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة؛ فهو كافر ضالٌّ مستحق للخلود في النار»[31].

وقال: «اتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار، وأن على الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم، فإن تابوا من بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان، وأن من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار»[32].

وقال شيخهم الطوسي: «ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر؛ لأن الجهل بهما على حد واحد»[33].

وقال المجلسي: «وقد وردت أخبار متواترة أنه لا يقبل عمل من الأعمال إلا بالولاية»[34].

ورواياتهم وأقوال شيوخهم في هذا الباب كثيرة؛ لأن هذا هو دينهم وعمدة اعتقادهم، وهو أساس الحكم على الآخرين؛ فمن آمن بالولاية فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن كفر بها فهم – في مقاييس هؤلاء – في جهنم خالدون، فقد وضع هؤلاء دين الولاية للأئمة موضع العبادة لله الذي هو أصل دين الرسل، وأساس دعوتهم، كما قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ - رضي الله عنه - لما بعثه إلى اليمن: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله...»[35].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على ابن المطهر الحلي في دعوى أن الإمامة هي مدار الإيمان: «فقد قال الله تعالى: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ 2 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 3 أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: ٢ - ٤]، فشهد لهؤلاء بالإيمان من غير ذكر للإمامة.

وقال تعالى: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]، فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر للإمامة.

وقال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْـمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْـمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ وَالْـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، ولم يذكر الإمامة.

وقال تعالى: {الـم 1 ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ 2 الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 3 وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 4 أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [البقرة: ١ - ٥]، فجعلهم مهتدين مفلحين، ولم يذكر الإمامة.

وأيضاً: فنحن نعلم بالاضطرار من دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن الناس كانوا إذا أسلموا لم يجعل إيمانهم موقوفاً على معرفة الإمامة، ولم يذكر لهم شيئاً من ذلك، وما كان أحد أركان الإيمان لا بد أن يبيّنه الرسول لأهل الإيمان ليحصل لهم به الإيمان، فإذا علم بالاضطرار أن هذا مما لم يكن الرسول يشترطه في الإيمان علم أن اشتراطه في الإيمان من أقوال أهل البهتان»[36].

ولذلك؛ فإن الأصل في الحوار معهم حول الصحابة ينبغي أن يتوجه ابتداء إلى هذا الأصل الخرافي الذي يقوم عليه دينهم (الإمامة)، وقد تنبّه إلى هذه الحقيقة المهمة القاضي عبد الجبار المعتزلي فقال: «وكثيراً تسأل الإمامية عما كان من عثمان في تولية أقاربه وغير ذلك، وفي سير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، وما ذاك إلا لضعفهم وانقطاعهم؛ لأن عثمان لو لم يولِّ أقاربه ولم يصنع ما صنع لكان كافراً مشركاً عندهم بادّعائه الإمامة لنفسه ولأبي بكر وعمر، ولو كان طلحة والزبير وعائشة في عسكر أمير المؤمنين وفي المحاربين معه ما كانوا إلا مشركين باعتقادهم إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فمن يكلم الإمامية في إثارتهم لهذه المسائل كمن يكلم اليهود في وجوب النية في الطهارة، أو يكلم النصارى في استحلالهم الخمر، وإنما يكلم في هذا من قال: لا ذنب لعثمان إلا ما أتاه من الحمى، وتولية الأقارب، ولولا ذلك لكان مثل عمر، ومن قال: لا ذنب لطلحة والزبير وعائشة إلا مسيرهم إلى البصرة، ولولا ذلك لكانوا مثل أبي عبيدة وعبد الرحمن وابن مسعود. فاعرف هذا ولا تكلمهم فيه ألبتة، وكلمهم فيما يدعونه من النص فهو الأصل»[37].

 

:: مجلة البيان العدد  324 شعبان 1435هـ، يونيو  2014م.


[1] «الوشيعة» (ص 17).

[2] انظر: «منهاج السنة» (3/19) وما بعدها.

[3] «منهاج السنة» (3/19).

[4] «مختصر الصواقع» (ص 51) (مخطوط). وانظر: «نقض عقائد الشيعة» (ص 25) (مخطوط).

[5] «مختصر التحفة الاثني عشرية» (ص 33)، وانظر: «نقض عقائد الشيعة» السويدي (ص 25) (مخطوط).

[6] وقد ذكر د/ عبد الرحمن بدوي أن ثلاثة من المستشرقين ذهبوا إلى القول بأن الكتاب منحول (جولد تسيهر، بويج، ومكدونلد). ويذهب عبد الرحمن بدوي إلى هذا الرأي ويقطع به ويحتج لذلك فيقول: «والأمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في ص 82 من قوله: (أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي شيخ الإسلام)، فإن المعري توفي سنة (448هـ)، بينما ولد الغزالي سنة (450هـ)، فكيف ينشده لنفسه؟!» (مؤلفات الغزالي ص 271).

[7] «مختصر الصواقع» (ص 51) (مخطوط). وانظر: «نقض عقائد الشيعة» (ص 25) (مخطوط).

[8] انظر للمزيد: «مسألة التقريب» (1/58) وما بعدها.

[9] «الكفاية» (ص 49)، وانظر مثل هذا المعنى في: «المواقف» للإيجي (ص 413).

[10] «جامع بيان العلم وفضله» (2/947)، و«الحجة في بيان المحجة» (2/519).

[11] انظر: «مجموع الفتاوى» (4/429).

[12] «الكفاية في علم الرواية» (ص 49).

[13] أخرجه الإمام أحمد (ح 3600)، والبزار (ح 1816)، والطبراني في «الأوسط» (ح 3602)، و«الكبير» (ح 8582)، وصححه الشيخ أحمد شاكر.

[14] انظر تفصيل ذلك في: «أصول مذهب الشيعة» (2/653) وما بعدها.

[15] «أصول الكافي» (1/375).

[16] «بحار الأنوار» (27/ 169).

[17] «أمالي الطوسي» (1/314).

[18] «بحار الأنوار» (27/172).

[19] «البحار» (27/197).

[20] «البحار»: (27/166) وما بعدها.

[21] «أصول الكافي» (2/24).

[22] «أصول الكافي» (2/24).

[23] «منهاج الكرامة في معرفة الإمامة» (ص 1).

[24] «مفتاح الكرامة» (2/80).             

[25] «الشيعة في عقائدهم وأحكامهم» (ص 24).

[26] «الكافي»، كتاب الحجة، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، (1/372).

[27] يعنون بهما اللذين أقاما دولة الإسلام بعد النبي ونشرا دينه، الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر.

[28] «الكافي» (1/373)، وانظر: «تفسير العياشي» (1/178)، و«تفسير البرهان» (1/293)، و«البحار» (8/218).

[29] أحد كتبهم الأربعة المعتمدة عندهم في تلقي المذهب. انظر للتفصيل: «أصول مذهب الشيعة» (1/354) وما بعدها.

[30] «الأنوار النعمانية» (2/279).

[31] «المسائل» عن «البحار» (8/366).

[32] «أوائل المقالات» (ص 53)، وانظر: «البحار» (8/366).

[33] «تلخيص الشافي» (4/131)، وانظر: «البحار» (8/368).

[34] «البحار» (8/369).

[35] أخرجه البخاري ح (1458)، ومسلم ح (19).

[36] «منهاج السنة النبوية» (1/ 108-109).

[37] «تثبيت دلائل النبوة» (1/294).

أعلى