التوازنات الاستراتيجية وأثرها في حسم الصراعات
تخوض الدول
فيما بينها صراعات على مستويات عدة: سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وغيرها
من المستويات، وتكون قمة احترام الصراعات النزول إلى الميادين العسكرية.
وقد تفعل
الدول ذلك من خلال كياناتها المستقلة، أو من خلال تحالفات تعقدها مع دول أخرى ترى
مساحات الاتفاق فيما بينها تفوق مساحات الاختلاف، فتتشكل من خلال ذلك تجاذبات بين
تلك التحالفات بقصد تحقيق أكبر ما يمكن من المصالح ودرء أقصى ما يحكى من المخاطر،
وتنتج عن كل ذلك أنواع من التوازنات، بعضها مستقر وبعضها حرج، وهذا أخطرها.
إن كل دولة
(كيان جغرافي سياسي) لن تستطيع أن تنعم بالاستقرار إلا إذا استوفت عدة مقومات،
فإذا اختلت هذه المقومات، كلها أو بعضها، فإن هذا الكيان سيصيبه الخلل، وتتوسع
زاوية ذلك الخلل بقدر انحراف كل مقوم عن مؤشر الاستقامة، وسيتجه ذلك الكيان نحو
التدهور بقدر ذلك، حتى ربما يصل إلى حالة الانهيار الشامل والسقوط الكامل، وأما
التحالف بين الدول فإنه يتأثر بنوعين من الخلل، الأول: هو الخلل الناشئ في كل دولة
من مكوناته (أي الخلل الذاتي)، والآخر: هو الخلل الناشئ من تعارض مصالح تلك الدول
في بعض المساحات التي تتقاطع فيها المصالح العاملة لها.
وسأقسم
حالات التوازن إلى قسمين:
الأول:
التوازن القطري.
الآخر:
التوازن الأممي.
أولاً:
التوازن القطري:
لكي يتحقق
التوازن في أي قطر (دولة) لا بد من أن يحوز المقومات التالية:
ميثاق حكم
(دستور).
الاستقرار
السياسي (وجود نظام حكم).
العدل
وإعطاء الحقوق (أي عدم الظلم، وتفقد الاحتياجات الفردية والجماعية).
المتانة
الاقتصادية (وتشمل توافر الموارد البشرية والزراعية والحيوانية والركازية).
الأمن
الاجتماعي (أي سيادة السلم وعدم التعرض للتهديد بالحروب أو الاجتياح، وكذا تحقق
الطمأنينة الفردية والجماعية واحترام الكرامة الإنسانية).
الدعامات
الأخلاقية (وتتضمن التحلي بالأخلاق الفاضلة، ومحاربة الفساد من رشوة وسرقة وزنى
وخمور وتهتك، وغير ذلك من ألوان الفساد).
إن مصدر استقاء هذه المقومات إما أن
يكون: بشرياً أو ربانياً.
فإن كان
بشرياً أصابه من القصور أو الانحراف بقدر ما في أولئك البشر الذين وضعوه من قصور
أو انحراف.
وإن كان
ربانياً فإنه سيستوعب عوامل النجاح جميعاً.
وإن كان
بشرياً من وجهة وربانياً من وجهة أخرى فسيصيبه من الخلل بقدر ما حصل من شرك بين
المصدرين.
إن
المتمعّن في حال دول العالم أجمع يتبيّن له دون أدنى ضبابية استقاءها من المصدر
البشري (وربما استثنينا دولة أو دولتين ممن حصل فيها أو فيهما الخلط بين
المصدرين)، وذلك يعني أن دول العالم تتجه منحدرة نحو قعر الوادي، أي أنها تحمل
بذور انكفائها في صميم بنيانها. ولكل دولة من تلك الدول حظها الخاص بها من ذلك الانكفاء،
وربما تفاوتت أزمان وصولها إلى قعر الوادي (ويقدر ذلك بالعقود أو بالقرون)، لكنها
في النهاية ستستقر فيه جميعاً وقد تمزقت كل ممزق. إن المستثنى من ذلك كله هو زمن
الخلافة الراشدة الموعودة التي ستكون على منهاج النبوة، والتي سيمتد نفوذها وفق
انبساط أممي[1].
إن التقدم
التقني الذي يسود العالم اليوم لن يكون حائلاً دون ذلك التدهور، بل ربما سرعه فيما
لو توج ذلك التقدم بحرب نووية تبيد الحضارة الحالية.
ورب قائل
يقول: أممكن أن تتحقق تلك المقومات للتوازن القطري وفق المصدر الرباني؟ الجواب:
نعم، ذلك ممكن. فإنه قد تحقق فعلاً بشكله المثالي في دولة العهد النبوي، ثم تحقق
بشكله الوافر في عهد الخلافة الراشدة الأولى، وسيتحقق كذلك في عهد الخلافة الراشدة
القادمة التي ستكون على منهاج النبوة، كما نوهت سابقاً. إن انكفاء الدول الحالية
باتجاه التلاشي القيمي عقدياً ومادياً، هو أمر محتوم، حتى إن لم يكن ذلك بفعل
اصطدامها مع أي كيان إسلامي تتحقق فيه تلك المقومات، وذلك لسببين:
الأول: عامل الحث
الذاتي والتآكل البنائي الناشئ من هشاشة لبناته.
الآخر: اعتراضها
طريق المسار الكوني السنني.
وعندما
يحين وقت الخلافة الراشدة الموعودة فإن تلك الدول جميعاً وبفعل السببين المذكورين
لن تتمكن من الصمود إزاء التوسع الجغرافي للخلافة الراشدة، ولن تحول دون ابتلاعها
تلك الدول جميعاً وستفتتح القسنطينية مرة أخرى وستسقط روما في أحضان المسلمين. إن
مقومات التوازن القطري التي ذكرتها تكاد تكون كأنها سراب في أهم دول العالم، فضلاً
عن الدول العربية والإسلامية.
أضواء على
مقومات التوازن القطري في العهد النبوي:
1 - ميثاق
الحكم، أي منهجه، وقد كان الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ
اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْـحَقِّ} [المائدة: ٤٨]، وقال
تعالى: {فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].
2 -
الاستقرار السياسي، وقد حققه النبي صلى الله عليه وسلم من خلال:
المؤاخاة
بين المهاجرين والأنصار.
إبرام عهود
بين المسلمين واليهود.
تحصين
مواقع القرار من عبث وكيد المنافقين.
تثبيت مبدأ
الشورى (وليس الديمقراطية).
الإعداد
الجهادي وممارسته تعبوياً وميدانياً لحماية وصيانة دولة المسلمين.
وقد كان من
مستلزمات الاستقرار السياسي مقاتلة اليهود أو إجلاؤهم بعد أن نقضوا عهودهم.
3 -
المتانة الاقتصادية: لقد تحقق ذلك بالتدريج وبلغ أوجه عندما وزع النبي صلى الله
عليه وسلم الغنائم العظيمة بعد غزوة حنين، وكذا من خلال المساهمة الشعبية في سد
احتياجات الدولة كما حصل في التجهيز لغزوة تبوك.
والأمثلة
في ذلك كثيرة. وفي نهايات العهد النبوي توافرت الموارد البشرية بكافة الاختصاصات
التي يحتاج إليها البناء التنموي في الدولة، وقد بلغ عدد الحجيج في حجة الوداع ما
فاق المائة ألف. وكذا توافرت الموارد الزراعية خاصة بعد فتح خيبر وكذا اليمن،
فضلاً عن توافرها أصلاً من خلال الأراضي الزراعية التي كانت في المدينة المنورة
وتوابعها. وأيضاً فإن الموارد الحيوانية كانت وفيرة، حتى إنه خصصت أماكن لرعاية
إبل الصدقة. أما الموارد الركازية كالنفط والغاز فلم تكن شائعة في ذلك العصر بما
يمكن أن يقال إن الدولة تنهار اقتصادياً بسبب قلتها. نعم كان الناس يستعملون الزيت
والحطب كمصادر للوقود، وكان ذلك كافياً للاحتياجات الفردية وقتئذ.
4 - الأمن
الاجتماعي: وقد كان ذلك موفراً في العهد النبوي، ولم يكن لأحد أن يفكر في انتهاك
حرمة المدينة النبوية دون أن يحسب حساباً لما ينتظره. وقد عاش المسلمون في ذلك
العهد بأمان وطمأنينة في ظل احترام صارم للكرامة الإنسانية.
5 -
الدعامات الأخلاقية: لقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم جيلاً فريداً في أخلاقه،
بكل ما تحمل كلمة الأخلاق من امتدادات في المعاني وأصالة في المباني. وقد كان
النبي صلى الله عليه وسلم سيد القدوة المثلى في كل ذلك، وقد مدحه ربه تعالى فقال: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤].
6 - العدل
وإعطاء الحقوق: لقد تحقق العدل بأسمى معانيه في العهد النبوي وأخذ كل ذي حقه، ولم
لا وقد قال عز وجل: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ}
[النحل: ٩٠].
تلك مجرد
إشارات سريعة لتوازن الكيان القطري في عهد النبوة، وقد كان ذلك كله في ظل الوحي
المنزل الذي لا تزال تتلى آياته إلى اليوم محفوظة من كل تبديل أو تحريف أو نقص،
قال تعالى: {إنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] فهو كتاب {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢].
إن الجامع
العام للبنود الستة المذكورة هو ما توافق عليه أهل العلم من أن الإسلام قد شرع من
حيث الوجود والعدم قواعد الضرورات الخمس المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل
والنسل والمال، وهي المقاصد العظمى للشريعة الإسلامية.
ثانياً:
التوازن الأممي:
تسعى
الدول، على المستوى الأممي، إلى التحالف فيما بينها لتحقق مصلحتين:
الأولى:
الاستفادة من إيجابيات مقومات التوازن القطري الذي ترى نقصانه لديها لكنه متوافر
لدى غيرها من الدول، فتتحالف معها لترتقي بمستوى توازنها القطري.
الأخرى:
تجميع إمكانياتها بغية تحقيق هدف مشترك.
وقد ترتبط
هاتان المصلحتان بانبعاث من عقيدة مشتركة أو تكون متحررة من ذلك، وستتضح صورة ذلك
فيما سيأتي.
ويقع
التوازن الأممي بين التحالفات، وهو في الواقع توازن صوري وليس جوهرياً حقيقياً،
فكما أن توازنات الدول حالياً على المستوى القطري هي توازنات صورية لفقدانها
المقومات الحقيقية للتوازن أو فقدان بعضها، فكذلك الشأن في التوازن الأممي، وما
أسرع اختلاله في وقت ما بسبب ظروف تطرأ على الساحة العالمية، فهو توازن أممي هش قد
تذروه رياح الصراعات في زمن ما.
ومن أبرز التحالفات الأممية ما يلي:
أولاً: التحالف
الأمريكي الأوروبي:
تجمع بين
طرفي هذا التحالف عقيدة واحدة وهي النصرانية، ويجمع بينهما أيضاً الاتفاق في
المصالح من حيث الجملة وكذا إرادة فرض الهيمنة على العالم والتحكم في مسارات
ومساحات حركته، ورغم الوهن الذي يدب في مقومات التوازن القطري في كل دولة من دوله،
إلا أنه يحاول تعويض ذلك بمحاولة التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري، غير أن تلك
المحاولة لم تسلم أيضاً من العراقيل الناشئة من اختلاف وجهات النظر بين الطرفين في
بعض المسائل، وكذا عدم الثقة المتبادل أحياناً.
إن أهم ما
يرمي إليه هذا التحالف هو:
أن يتفوق
شمولياً على المعسكر الشرقي الذي من أبرز دوله روسيا والصين.
أن تكون
المسارات البحرية الدولية للتدفق البترولي تحت سيطرته.
أن يمارس
الضغوط التي تحقق مصلحته على جميع العالم، خاصة دول العالم الثالث.
أن يتمكن
من الوجود العسكري في مواقع بؤر الصراعات لتحقيق المصالح العليا له، كما فعل في
أفغانستان والعراق.
أن يواصل
سعيه لإعاقة البروز الدولي للإسلام، وذلك بتوظيف كثير من إمكانياته في كافة
المجالات للوصول إلى هذا الهدف، وقد وضع لذلك شعاراً هو «محاربة الإرهاب»، وتحت
هذا الشعار تتم محاربة أي توجه ينحى لإعلاء كلمة الإسلام بما في ذلك الجهاد.
أن يشكل
مظلة داعمة للكيان اليهودي في فلسطين.
وهناك
مصالح أخرى يرمي إليها هذا التحالف لا تعدو في جملتها من أن تقع تحت بند من البنود
الستة المذكورة.
لكن لا
يسلم هذا التحالف من وجود ما يخلخل ترابطه، من ذلك مثلاً:
1 - فضيحة
التجسس بين دوله بعضها على بعض، خاصة المستوى الخيالي الذي بلغه التنصت الأمريكي
على الاتصالات الهاتفية التي بلغت بالمليارات، ولم يسلم منها حتى رؤساء الدول من
مثل المستشارة الألمانية ميركل وزعماء نحو 35 دولة أخرى. وقد أدت هذه الفضيحة إلى
زعزعة الثقة بين أطراف هذا التحالف، خاصة بعدما تبيّن عدم انفراد أمريكا بذلك، بل
تمارسه باقي دول التحالف إزاء بعضها بعضاً.
2 - اختلاف
وجهات النظر بين دول التحالف فيما يتعلق ببعض القضايا الدولية المهمة، من مثل:
- الوضع في
سورية.
- معالجة
الأزمة النووية الإيرانية.
- الموقف
من استيلاء العسكر على الحكم في مصر ما أدى إلى إصابة الديمقراطية المستوردة من
الغرب في مقتل.
- النظرة
التحليلية لما سمي الربيع العربي وما نجم عن تفاعلاته.
- أسلوب
التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة بعد استمرار اضطراب الأوضاع في البحرين
ورفض السعودية مقعد مجلس الأمن الذي اختيرت لشغله.
- معالجة
الاهتزاز الاقتصادي الذي تعرّضت له الولايات المتحدة بسبب وصولها للحد الأعلى لسقف
الديون المسموح بها، وأثر ذلك دولياً وعلى التحالف خصوصاً.
3 -
التناقض بين الهيئات الحكومية في بعض دوله مع ما تسعى إليه مؤسسات المجتمع المدني
لديها التي كان لها بعض المواقف المستنكرة والمستهجنة للانتهاكات الفظيعة لكل معنى
إنساني في تلك الدول المذكورة.
إن هذا
التناقض يغذي استمرارية الفضائح الأخلاقية لتلك الدول التي تحاول أن تدرأ ذلك عن
نفسها ببعض المعونات الإنسانية التي لا تخلو أيضاً من ابتزازات سياسية وتبشيرية،
ولا يخلو الأمر من تبادل التهم بين أعضاء تلك الدول في هذه الدائرة المذكورة (أعني
دائرة إرسال المؤمن وقبول اللاجئين السوريين وتأمين الأدوية وما شابه).
وبناء على
ما ذكرنا فإن هذا التحالف ليس تحالفاً متوازناً، لا في داخل كياناته ولا بين دوله،
غير أن ما يطيل أمد استمراره هو أن أنظمة الحكم في داخل دوله تحكمها المؤسسات وليس
الآراء الشخصية لرؤسائه. والمؤسسات المقصودة هي مؤسسات الدراسات الاستراتيجية
والمؤسسات السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى. وكذلك مما يطيل أمد استمراره هو
انخراطه في صيغة قانونية توحد دوله من خلال الحلف الأطلسي، وكذا المرونة الاقتصادية
التي تتمتع بها دوله من خلال التعامل بالدولار واليورو والجنيه الاسترليني، وعدم
ممارسة القمع البوليسي ضد المخالفين والمعارضين.
ثانياً: التحالف
الروسي الصيني الإيراني:
لا تجتمع
دول هذا التحالف على عقيدة واحدة، بل عقائدها متباينة؛ فروسيا خلعت ثوبها الشيوعي
بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي وارتدت زياً رأسمالياً. وأما الصين فعقيدتها شيوعية
بحتة ولا تزال ملتحفة باللون الأحمر. أما إيران فعقيدتها شيعية منسوبة إلى
الإسلام. لكن ما يجمع دول هذا التحالف هو ما يلي:
تعد إيران
سوقاً واسعاً لها استقطابات شاسعة جاذبة للاستثمارات الروسية والصينية.
تعد كل من
روسيا والصين إيرانَ معبراً مهماً يوفر لهما إطلالة استراتيجية على الخليج العربي
ودوله بما يتيح لهما الاستفادة الاقتصادية من البترول والغاز الخليجي.
الوصول إلى
مضيق هرمز بما يعنيه ذلك من إمكانية الإحكام العسكري على فوهة الخليج العربي والحد
من انفراد الولايات المتحدة بذلك.
تعد إيران
فرصة مربحة للاستثمار النووي الروسي.
وحدة
الموقف من دعم النظام الحاكم في سورية رغم اختلاف كل منها عن الآخر فيما يرمي إليه
من تحقيق مصالح خاصة به.
تعد إيران
كلاً من روسيا والصين عمقاً استراتيجياً لها فيما يتعلق بتخفيف حدة آثار الحصار
الاقتصادي الغربي لها، وكذلك فيما يتعلق بتغلغلها في بعض الدول الإفريقية على سبيل
الخصوص.
ترمي إيران
إلى الاستقواء بكل من روسيا والصين لتتمكّن من السير قدماً في خططها الرامية إلى
تصدير ثورتها الشيعية إلى دول كثيرة، من أهمها دول الخليج العربي، والتي قد تنشأ
بسببها توترات عسكرية خطيرة، خاصة مع المملكة العربية السعودية.
تسعى إيران
للاستفادة من التقدم التقني في كل من روسيا والصين لصالح تطور صناعاتها، خاصة
الصناعات الحربية.
إن هذا
التحالف من وجهة النظر السننية يعد تحالفاً هشاً للأسباب التالية:
إنه تحالف
مصلحي، أي أن توازنه قابل للاختلال في أي لحظة عند الاختلاف على مضامين المصالح.
ليس لهذا
التحالف عمق تاريخي يغذي استمراره.
اختلاف
المنطلقات العقدية بين دوله.
الاختلال
الكبير في التوازن القطري لكل دولة من دوله، وذلك لفقدانها المقومات الرئيسة الستة
في توازن الدولة وفق المفهوم السنني.
سيادة
الرؤى الدكتاتورية في طريقة الحكم في كل من الصين وإيران، وكذلك استظلال دول هذا
التحالف جميعاً بخطة القمع البوليسي.
اجتماع هذه
الدول على اضطهاد المسلمين السنة في الأقاليم التي تحكمها، وإخضاعهم بالحديد والنار
للقوانين السيادية الحاكمة فيها.
وبناء على
ما ذكرنا فإن هذا التحالف الأممي لا يشكل حالة مستقرة بالمفهوم الاستراتيجي.
مؤشر الاتزان بين التحالفين:
التحالفان:
الأمريكي الأوروبي من جهة، والروسي الصيني الإيراني من جهة أخرى:
متوازنان
من منظور (التفاني النووي)، (فهو توازن) رعب.
غير
متوازنين من المنظورين الاقتصادي والتقني، ويحاول كل تحالف أن يوظف تفوقه على
الآخر في حالة ما لصالح تحقيق أكبر ما يمكن من مصالحه على حساب التحالف الثاني.
متفقان على
محاربة الإسلام.
ثالثاً: التحالفات
الإسلامية:
لا توجد
تحالفات إسلامية بالمعنى المصطلحي للكلمة، لكن يوجد ما يعبّر عن حالات تجمع مؤسسية
يمكن أن نطلق عليها تحالفات من الناحية المجازية، من أبرزها:
منظمة
التضامن الإسلامي.
الجامعة
العربية.
مجلس
التعاون الخليجي.
إن هذه
التحالفات لا تشكل أدوات فاعلة ومؤثرة على المستوى العالمي من حيث السياسات
المؤثرة في الصراعات الاستراتيجية. ونستثني من ذلك مجلس التعاون الخليجي بما له من
تأثير في منطقة دولية تصطرع فيها المصالح، وأعني بها حوض الخليج العربي ومنطقة
الشرق الأوسط.
إن هذه
التحالفات لا تشكل توازناً حيوياً من المنظور السنني، وذلك للاعتبارات التالية:
اختلال
التوازن القطري لدى دولها لافتقارها إلى معظم (أو كل) مقومات التوازن القطري التي
ذكرناها سابقاً.
الإسلام
ليس هو المرجعية (بالنسبة لمعظمها)، بل المرجعية هو الدستور الوضعي.
اختلاف
المصالح السياسية بالنسبة للدول المكونة لها (أي للتحالفات).
تأثر هذه
الدول بشعارات الحرب على الإرهاب والأصولية.
رابعاً: التحالف
الإفريقي:
هذا
التحالف له صفتان:
عدم تأثيره
الحقيقي في الصراعات الدولية، لكن له بعض التأثير في الصراعات الإفريقية، خاصة في
دعم الدول الإفريقية التي تحارب الإسلام.
اختلال
التوازن القطري لكل دولة من دوله.
آثار التحالفات:
التحالفات
التي ذكرتها لها آثار متعددة الاتجاهات، لكن سأفرد الحديث عن تلك الآثار في ثلاث
قضايا:
- القضية
الفلسطينية.
- الوضع في
سورية.
- حوض
الخليج العربي.
أولاً:
القضية الفلسطينية:
لا يختلف
اثنان على أن كلا التحالفين؛ الأمريكي الأوروبي والروسي الصيني (تستثنى إيران من
هذا التحالف فقط من الناحية الإعلامية)، يقفان بقوة مع الكيان اليهودي؛ لأن ذلك
يؤدي إلى:
وجود رأس
حربة حقيقية لمحاربة الإسلام في عقر دياره.
الاستفادة
من ذلك الكيان اليهودي من جهة اعتباره أداة ضغط تستخدمه تلك الدول لابتزاز الدول
العربية والإسلامية وفرض الشروط عليها، أي استخدام ذلك الكيان كفزاعة، لكنها فزاعة
حقيقية ومتفرقة.
لأن ذلك
الكيان يؤمّن محضناً استراتيجياً عسكرياً فيما يخص البحر الأبيض المتوسط.
تعد دولة
الكيان اليهودي مكاناً آمناً لاستقبال المهاجرين اليهود، فمن جهة تتقوى بهم كأعداد
واختصاصات، ومن جهة تتخلص تلك الدول من اليهود الذين في ربوعها، خاصة أنهم يشكلون
امتداداً لتاريخ أسود سطرته أيديهم على مر القرون في تلك البلاد.
استفادة
دول التحالفين من التقنية المتقدمة لدولة الكيان اليهودي، خاصة في المجال العسكري
والنووي والطبي وسواها.
وتستفيد
دولة الكيان اليهودي من دول هذين التحالفين في مجالات عدة، من أبرزها:
استعمال حق
النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مقترحات القرارات التي تدينها أو ليست في صالحها.
الاستفادة
من الدعم العسكري.
الاستقواء
بتلك الدول لتحقيق مشاريعها الاستراتيجية الكبرى على المستويات السياسية
والاقتصادية وغيرها.
والناتج
الحقيقي من هذا التبادل المصلحي بين دولة الكيان اليهودي ودول هذين التحالفين، يصب
في نهر المصالح اليهودية، من أهمها:
زيادة
الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
توسيع
الاستيطان اليهودي في فلسطين عموماً، وفي القدس خصوصاً، حيث أضحى أكثر من ثلث
القسم الشرقي من القدس مصادراً من قبل سلطات الكيان اليهودي و250 ألف مستوطن
مقيمين في الأحياء الفلسطينية، وفي غزة فرضت السلطات اليهودية منطقة عازلة عرضها
ما بين مائة وخمسمائة متر داخل الجدار الأمني، مانعة بذلك وصول السكان إلى 17% من
الأراضي. وكل ذلك هو في صالح مشروع الاستيطان اليهودي (انظر: لوموند ديبلوماتيك،
نوفمبر 2013).
استمرار
الاحتلال اليهودي لفلسطين كلها، أي بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة (ملاحظة:
مناطق الحكم الذاتي مندرجة في الأراضي المحتلة).
تهويد
القدس ودعم اعتبارها عاصمة لدولة الكيان اليهودي.
هدم بيت
المقدس وإقامة الهيكل على أنقاضه.
دعم وتوسيع
النفوذ اليهودي في البلاد العربية والإسلامية، وذلك على مستويات التأثير السياسي
والبرامج الاقتصادية.
تمكين
الكيان اليهودي من محاولة تحقيق تطلعاته لإيصال دول الجوار إلى حلة الانهيار
الشامل (كما في سورية حالياً وربما مصر لاحقاً).
تمكين
الكيان اليهودي من بسط نفوذه على الشرق الأوسط وحوض الخليج العربي.
دعم الكيان
اليهودي في اضطهاده للفلسطينيين.
دعم الكيان
اليهودي في وقوفه بإصرار ضد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
استمرار
الكيان اليهودي في حرمان الفلسطينيين من المياه، حيث إن 17% من مياه الضفة الغربية
يستولي عليها اليهود.
أوراق الضغط الأوروبية على دولة
الكيان اليهودي:
كما أن
دولة الكيان اليهودي لها أوراق ضغط قوية تحدد مجمل التحرك الأمريكي في توجيهه
لتحقيق مصالحها، فإنها تفتقد لذلك كله في الاتجاه الأوروبي؛ لأنه هو الذي يملك
أوراق الضغط الكبرى على الكيان اليهودي، وينتج عن ذلك كله أحياناً اختلال في الرؤى
الاستراتيجية بين أمريكا وأوروبا عندما تكون دولة الكيان اليهودي طرفاً في
المعادلة.
إن من أبرز
ما يمكن ذكره في إطار إمكانيات الضغط الأوروبي على دولة الكيان اليهودي، ما يلي:
إن أوروبا،
ومع حجم مبادلات تصل إلى نحو 30 مليار يورو سنوياً، فإنها تشكل الشريك التجاري
الأول لدولة الكيان اليهودي، أي أن أوروبا بإمكانها ممارسة ضغط اقتصادي قوي على
تلك الدولة، خاصة أنها تشتري ربع صادراتها منها.
يملك
الاتحاد الأوروبي الضغط على دولة الكيان اليهودي من خلال اتفاقية الشراكة الموقعة
بين الطرفين عام 2000م، وأن يعلق أي مفاوضات من أجل تعزيزها.
يستطيع
الاتحاد الأوروبي تجميد الاتفاقات النوعية القائمة حالياً أو التي يجري التفاوض
عليها.
بإمكان
الاتحاد الأوروبي إيقاف استيراد المنتجات المصنعة أو المجمعة في المستوطنات
اليهودية في الضفة الغربية، وقد قدر تجمع من 22 منظمة غير حكومية هذه الواردات في
عام 2012 بـ 230 مليون يورو، وهو ما يزيد 15 مرة عن الواردات الأوروبية من المصدر
الفلسطيني.
التفعيل
الحقيقي للقانون التوجيهي الأوروبي القاضي بحظر أي اتجار بالتجهيزات العسكرية التي
تستعمل في ممارسة القمع الداخلي (انظر: أوروبا تفشل في فلسطين، لورانس بيرنار،
ليموند ديبلوماتيك، نوفير2013، بتصرف).
إن الدول
العربية، فيما لو أرادت، بإمكانها استعمال هذه الأوراق لخلخلة التوافق القائم بين
دولة الكيان اليهودي وكل من أمريكا وأوروبا.
ثانياً:
الوضع في سورية:
يعمل
التحالفان (متضامنان أو متضادان) على إبقاء حالة المواجهة بين النظام الحالي في
سورية وبين المعارضة إلى أطول فترة ممكنة (قد تمتد أكثر من عشر سنين)، حيث يعمل
التحالف الأول على احتواء المعارضة والتحالف الثاني على دعم النظام الحاكم. إن
الدور الخطير الذي يقوم به التحالف الأول هو الحد من قدرة المعارضة على حسم الصراع
لصالحها، وذلك من خلال الابتزازات السياسية، مستعملاً واجهات سوريّة تعتبر نفسها
واجهات وطنية، خاصة الائتلاف السوري المعارض والمجلس الوطني السوري (وهو جزء مؤثر
في التحالف أيضاً)، ولا يخلو الأمر من استعمال التلويح بالمساعدات العسكرية
للمعارضة لدعم تحقيق أهدافه السياسية. أما التحالف الثاني فهو مزيج من ألوان الدعم،
حيث تقوم روسيا بتقديم الدعم العسكري، سواء بالمعدات أو بالخبرات، وتأجيل
المستحقات المالية التي لها على الحكومة السورية وتقديم الدعم السياسي المطلق في
المحافل الدولية، خاصة مجلس الأمن. وتقوم إيران وربيبها «حزب الله» اللبناني
بتقديم الدعم العسكري المباشر (حيث تعمل مئات الكتائب الإيرانية إضافة لكتائب حزب
الله على محاولة الترجيح العسكري لكفة النظام الحاكم)، وكذلك الدعم المالي إلى
الدرجة التي أوصلت إيران إلى مستوى الإرهاق. أما الصين فتقوم بتقديم الدعم السياسي
للنظام الحاكم في سورية من خلال نفوذها السياسي عموماً، ثم من خلال حق النقض
(الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار لا توافق عليه الحكومة السورية.
إن النتائج
المترتبة على كل ذلك ما يلي:
- استمرار
المواجهات العسكرية على الأرض السورية، مع قابلية الانتشار الإقليمي لدى حدوث
تطورات مؤثرة.
- تدمير
الجيش السوري وشل فاعليته بحيث لا تقوم له قائمة بعد استتباب الأمور، سواء ببقاء
النظام الحاكم أو بسقوطه، أي إخراج الجيش السوري (على مدى عقود) من دائرة الصراع
مع الكيان اليهودي.
- تحطيم
البنية التحتية السورية، ما يعطي الفرصة لشركات دول التحالفين لوضع استثمارات
بالمليارات في مرحلة إعادة البناء عندما يتوقف إطلاق النار وتخمد المعارك وتستقر
الأمور (ولا يبدو ذلك لائحاً في الأفق لحد الآن).
- تركيع
وإضعاف الحالة المعنوية للشعب السوري، خاصة مع ازدياد أعداد القتلى والجرحى
والأسرى والمعتقلين والمهاجرين والمشردين.
- تقسيم
سورية إلى دويلات، من أبرزها دولة للنصيريين (العلويين)، وأخرى للأكراد، مع ملاحظة
حظوظ كل من الدروز والإسماعيليين.
- استنزاف
دول الدعم التي تدعم طرفي الصراع (إيران، حزب الله، تركيا، بعض دول الخليج).
- تطوير
زمن الصراع إلى أن يتحول إلى حالة حرب معلنة بين السنة والشيعة تأكل الأخضر
واليابس.
- تهيئة
الأجواء لتدخلات أجنبية لفرض الأمر أو لتغييره لصالح تحقيق المصالح الكبرى لدول
الحلفين.
- إنهاك
الشعب السوري وإدخاله في مواجهات أهلية حتى لو سقط النظام الحاكم.
- تأمين
حالة سلام طويلة الأمد للكيان الصهيوني في فلسطين.
إن تلك
الغايات العشر تتحقق من خلال عمل كل من التحالفين على ترجيح كفته، فإن رجحت كفة
أحدهما على الآخر لجأ إلى التلويح بقدراته النووية لإعادة مؤشر توازن الرعب إلى
مركزه الصفري، ما يعني عدم توهج أي بصيص نور لحل الأزمة، والنتيجة النهائية لكل
ذلك هي تحقيق المصالح العظمى للكيان اليهودي.
لكن من جهة
أخرى، فإن هناك مصالح للجانب الإسلامي، من أبرزها:
عودة الناس
في سورية إلى ربهم.
تأهيل
حالات جهادية بخبرات ميدانية حقيقية لتحقق في المستقبل وجوداً إسلامياً جهادياً
على حدود دولة الكيان اليهودي.
إيجاد
محاضن جهادية متعددة في داخل سورية لاستقبال المجاهدين من الدول العربية
والإسلامية، وكذا المجاهدين المسلمين من كافة دول العالم، ما يحوّل سورية إلى
مدرسة جهادية عالمية قد تكون منطلقاً لتغيير استراتيجي هائل في العالم.
تعميق
كراهية المسلمين للغرب والشرق من النصارى واليهود والمشركين، بما يعيد المفهوم العملي
لمعاني الولاء والبراء.
تعزيز
مفاهيم التكافل الإسلامي بما يقوم به العرب والمسلمون من دعم للاجئين السوريين،
وكذا الدعم الإنساني المرسل إلى الشعب السوري في الداخل.
النتيجة:
إن توازن
الرعب بين التحالفين سيبقي الحالة السورية مشتعلة، ربما لسنوات عديدة، إلا أن يشاء
الله ما يشاء.
ثالثاً:
حوض الخليج العربي:
هو بؤرة
توتر خطيرة، وبحر تتقاطع على أمواج مياهه المصالح المحلية والإقليمية والدولية،
وٍأختصر الحديث حول هذا الموضوع تحت بضعة عناوين، كالتالي:
إيران ماذا تريد؟
تريد إيران
السيطرة على الوضع في حوض الخليج العربي بغية مد النفوذ الصفوي الشيعي، وذلك من
خلال ما يلي:
1 - محاولة
إسقاط النظام الحاكم في البحرين، أو على الأقل ترجيح الثقل الشيعي في الإدارة
السياسية والهيمنة على مفاصل الحكم الرئيسة.
2 - إقلاق
المملكة العربية السعودية وتشتيت توجهاتها بواسطة تحريك الشيعة في المنطقة الشرقية
ودعمهم اقتصادياً ليتمكنوا من التمدد في الأماكن المقدسة (مكة والمدينة) وكذا في
الرياض وجدة، وأيضاً بواسطة دعم الشيعة الحوثيين في اليمن، ما يؤدي إلى تشتيت
تركيزها العسكري وبعثرته بين الشمال والجنوب.
3 - زيادة
القوة العسكرية الإيرانية، خاصة البحرية والجوية والبرية وسلاح الصواريخ بأنواعه،
مع زيادة العديد وتكثيف التدريب وترادف المناورات للقوات المسلحة التي تضم الجيش
الإيراني وقوات الحرس الثوري والجيش الشعبي (يعد بالملايين)، وكل ذلك يعزز:
هيمنتها
على الخليج العربي، خاصة مضيق هرمز.
استمرار
احتلالها جزر الإمارات الثلاث.
إبقاء
إحكام احتلالها للأحواز.
قمع أي
تحرك لسنة إيران (عددهم يفوق30% من إجمالي السكان).
تهديدها
الكيانات السياسية في دول الخليج العربي.
مشاغلة
الجيش السعودي من جهة الشرق.
خلخلة
الأوضاع الداخلية لدول الخليج وتهديد استقرارها.
تشتيت الاجتماع
العسكري الخليجي (درع الجزيرة) لاضطراره إلى التوزيع الجغرافي لحماية دوله (كما
حصل من إرسال بعض قوات درع الجزيرة إلى البحرين لتعزيز دفعاته ضد المخاطر الداخلية
والخارجية).
تهديد
الممر الخليجي المائي الدولي بما يؤثر على الإمداد البترولي الخليجي لدول العالم،
خاصة دول شرق آسيا، وأهمها اليابان.
التأثير
على القرار السياسي الخليجي وتهديد استقلاليته، وذلك لما يجده من أهمية مراعاة عدم
الاصطدام مع النظام الإيراني.
السعي
الإيراني الحثيث تجاه افتتاح البوابة النووية.
التأثير
على القرار السياسي العراقي من خلال المد العسكري داخل العراق، خاصة المنطقة
الجنوبية.
ومن
الناحية الواقعية فإن إيران تنطلق في كل ما ذكرنا من حقيقة رجحان كفتها على
المستويات البشرية والاقتصادية والتقنية قياساً بدول الخليج العربي، مع ملاحظة أن
إحكام الحصار الغربي عليها لم يغير هذه المعادلة، خاصة مع ما تحصل عليه من دعم
روسي وصيني، وكذلك مع ما تقوم به من مساعٍ لمنع حصول احتكاك عسكري جدي بينها وبين
تركيا بسبب الموقف الإيراني من دعم النظام السوري.
موقف الكيان اليهودي من إيران
النووية:
تعد دولة
الكيان اليهودي حصول إيران على تقنية إنتاج السلاح النووي تهديداً خطيراً، ويؤثر
على استفرادها بالهيمنة على عموم منطقة الشرق الأوسط، بما فيها الخليج العربي، وهو
تهديد استراتيجي يرتقي إلى وضع إيران، فيما لو أنتجت القنبلة النووية، في حالة
توازن رعب نووي مع دولة الكيان اليهودي، ما يؤدي إلى عدم استفراده بالقرارات
السياسية المؤثرة في المنطقة التي يريد أن تعمل لصالحه. إن صبر دولة الكيان
اليهودي على استمرار المساعي الإيرانية في ذلك التوجه يكاد ينفد، لكنها ربما لا
تملك القدرة منفردة على الدخول في حالة حرب مع إيران إن تخلفت الولايات المتحدة
والدول الغربية عن الوقوف معها ودعمها عسكرياً ولوجستياً.
حوض الخليج العربي والخلل في
التوازن الدولي:
منذ ثورة
الخميني حتى الآن والعلاقات الإيرانية بأمريكا والغرب مصابة بالشلل، وقد صب ذلك في
مصلحة استفراد روسيا بتعزيز علاقاتها مع إيران بشكل خرج عن حسابات التوقعات
الأمريكية والغربية، ما ساعد روسيا على الاستفادة إيجابياً من العلاقات الإيرانية
مع دول شرق آسيا كالصين وغيرها، فقفز بالاستثمارات الروسية قفزة هائلة إلى الأعلى،
خاصة مع تصادف زيادة أسعار المحروقات من النفط والغاز، فانتشل ذلك روسيا من الحضيض
الاقتصادي الذي مرت به بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي، وبناء عليه فإن روسيا تعد
إيران ليست مجرد منفذ على حوض الخليج العربي، بل رهاناً استراتيجياً على استمرار
ارتفاع أسهمها الاقتصادية، حيث تشكل إيران سوقاً ضخماً للمنتجات الروسية المدنية
والعسكرية. إن روسيا اليوم تمكنت من كسر الأحادية القطبية الأمريكية للنظام الدولي،
وأضحت تشكل ثقلاً في جميع قمم الدول الصناعية العشرين، واستطاعت بالتعاون مع دول
مجموعة (بريكس): (روسيا، الصين، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا)، إضعاف الثقل
الاقتصادي للدولار الأمريكي في السلة العالمية، كل ذلك جعل لروسيا ومن خلال دعمها
لإيران، إطلالة مباشرة على الخليج العربي، مدعومة بقوة الدفع الناشئة من إحراز
موسكو الإنجازات السابقة، وجعل إيران أكثر اندفاعاً نحو روسيا لإسناد ظهرها إلى
ركن شديد يجمع بين القوة الذاتية والندية للقوى الغربية (الولايات المتحدة
وأوروبا). إن حوض الخليج العربي قد يكون مسرحاً لمحاولة الولايات المتحدة تفكيك
عرى هذا التماهي الإيراني الروسي. وقد بدأت فعلاً الخطوات العملية لذلك من خلال
سلوك خطوات التقارب بينهما، والتي توجت مرحلتها الأولى بالمحادثة الهاتفية التي
تمت بين الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الإيراني روحاني، وستنعكس نتائجها على
الإعلان عن (حلحلة صورية) للملف النووي الإيراني، وربما تدفع بعض دول الخليج ثمناً
ما لهذا التقارب الأمريكي الإيراني.
ولا شك
أيضاً في أن هذا التقارب سيعرقل حتماً أي توجه عسكري يمكن أن تسير نحوه رؤى دولة
الكيان اليهودي، كما أنه سيعطل إمكانية إعادة إنعاش التلويح بضربة عسكرية للنظام
الحاكم في دمشق، وبقدر تأرجح هذا التقارب باتجاه السلب أو الإيجاب ستتأرجح مواقف
أمريكا فيما يخص الثورة السورية. إن حوض الخليج العربي سيكون رهينة المقايضات
التوازنية بين كل من الحلفين: روسيا والصين وإيران من جهة، وأمريكا والغرب من جهة
أخرى. وربما تدفع بعض دول الخليج العربي ثمناً غالياً لهذه المقايضات أو ربما تكون
هي الثمن أصلاً.
إن محاولة
الولايات المتحدة سحب إيران من ذلك التحالف وإعادتها للتحالف الأمريكي الأوروبي
كما كانت في عهد الشاه؛ واردة على المدى البعيد، وذلك من خلال:
- الوعود
بفك الحصار عن إيران.
- عقد
اتفاقيات اقتصادية ضخمة معها.
- التعهد
بتحديث بنيتها التحتية.
- عدم
تدخلها في الشأن الإيراني الداخلي.
- عدم
انتقادها نظام الحكم الشيعي فيها.
- دعم تحرك
الشيعة في البحرين وعموم منطقة دول الخليج.
- إعطائها
الأولوية في تسويق بترولها عالمياً.
- تأمين
إمدادها بالتقنيات الحديثة.
- وغير ذلك
من المغريات.
وستستفيد
إيران سياسياً واقتصادياً من تنافس روسيا وأمريكا لخطب ودها. ولا ينبغي التغاضي عن
أن حظوظ روسيا في إرساء مزيد من ثقلها في الربوع الإيرانية لا تزال قوية وهي في
تنامٍ مستمر، خاصة مع ما بلغته روسيا من قدرات كبيرة في مجال الإنتاج البترولي (10
ملايين برميل يومياً)، وكونها تمتلك أكبر احتياطي غاز في العالم، أما الولايات
المتحدة فهي منغمسة في محاولة عدم الغرق في ديونها التي بلغت 17 تريليوناً من
الدولارات، والتي لا يظهر أن النفط الصخري الأمريكي الواعد سيكون قادراً على حل
إشكالاتها. وإذا استطاعت إيران من خلال تقديمها تنازلات أو تسهيلات للولايات
المتحدة جرها أو تقريبها إلى ساحتها، فإنها بذلك سترفع أو تخفف الضغط الأمريكي على
نظام الحكم السوري، وسيصب ذلك كله في صالح استمرار وجود الحرس الثوري وقوات حزب
الله في سورية، إلا أن المعوقات الداخلية في الولايات المتحدة سيكون لها تأثير
كبير على عموم المشهد.
ومن أبرز
تلك المعوقات الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن:
- الموقف
من إيران المتسم بالغموض وعدم الحسم.
- الموقف
من دعم المعارضة السورية.
- الموقف
من رفع سقف الديون.
- الموقف
من برنامج الدعم الصحي الذي يتبناه أوباما.
إن مجموع
تلك العوامل تؤثر في الحركة الاستراتيجية الأمريكية على:
المستوى
الفيدرالي.
المستوى
العسكري.
المستوى
الخدماتي.
المستوى
المعيشي (العجز عن دفع الرواتب).
الخلاصة:
هناك تداخل
كبير بين القضايا الثلاث: الفلسطينية والسورية والخليجية.
وقد أظهر تحليلنا السابق أن خللاً بدأ يتسرب إلى
التوازن بين التحالفين (الأمريكي الأوروبي - الروسي الصيني الإيراني)، وأن بوادر
ذلك الخلل تشير إلى أن كفة التحالف الثاني بدأت ترجح شيئاً فشيئاً على كفة التحالف
الأول، بما سيترك ظلاله وتأثيراته على القضايا الثلاث المذكورة وقضايا عالمية
أخرى، كما ينبغي أخيراً الإشارة إلى أن هذا الخلل في التوازن العالمي سيشتد مع
تفاقم عدم التوازن القطري في الدول على مستوى العلم ككل.
::
مجلة البيان العدد 322 جمادى الآخرة
1435هـ، إبريل 2014م.
[1] ربما
يقوم نظام حكم في دولة ما على أساس الإسلام كنظام حكم ولكنه في الأغلب سيكون
كياناً قطرياً وليس أممياً.