في فهم المسألة الإيرانية بخصوص مصر

في فهم المسألة الإيرانية بخصوص مصر


نتابع في بعض الأحيان تصريحات ومواقف إيرانية متضاربة أحياناً وغير مفهومة أحياناً أخرى.

وعلى سبيل المثال، تصريحات المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية عندما أعلن انتقاد بلاده لما أسماه عنف النظام المصري ضد المتظاهرين، ثم ما لبث أن أعلن مسؤول أعلى أن هذا شأن داخلي مصري، وأن إيران ترى أن من حق الحكومة المصرية أن تتصرف كما تشاء، ثم أعلن أحد قادة الحرس الثوري الإيراني بأحد تجمعات قوات الحرس الثوري الإيراني في إحدى المدن الإيرانية؛ أن الحرس الثوري الإيراني سيقوم بإنشاء فرق له في مصر، أو بمعنى آخر أن مصر ستكون ولاية تابعة لإيران بعد أن يفتحها هذا الحرس الثوري أو يقوم الإسلاميون المصريون بإسقاط النظام لحساب المرشد الإيراني وليس المرشد المصري مثلاً، ثم لماذا لا تكون إيران نفسها تابعة للمرشد المصري، أليس السنة أكثر من الشيعة؟ وأليس مصر سكانها أكبر من إيران مثلاً؟ ومصر هي التي تصدت للتتار والصليبيين... إلخ.. ثم عاد مسؤول أرفع مستوى في الحرس الإيراني فقال إن هذه التصريحات قد أسيء فهمها.

أياً كان الأمر فإن

الموقف الإيراني

يحتاج إلى قدر

من التحليل والفهم

لإدراك المسألة.

بداية، فإن الموقف الحقيقي الإيراني يظهره موقف الخلافة العراقية الموالية لإيران طبعاً، ويظهره أيضاً موقف قطاعات من الطرق الصوفية المصرية المعروفة بولائها الكامل لإيران، وهو قطاع من الصوفية وليس كل الصوفية، وهؤلاء يعلنون جهاراً نهاراً وقوفهم مع السيسي ومبايعتهم له، وقالوا نعم للدستور الأخير، وكانوا ولا يزالون ضد حكم الإخوان. وهذا هو الموقف الحقيقي لإيران، وطبيعي أن إيران لا ترتاح للإخوان المسلمين، لأسباب تاريخية ومذهبية، ولا تريد أن يظهر حكم إسلامي في مصر، حتى لا تنافسها مصر في النفوذ الإسلامي في المنطقة، سواء بمفردها أو بالتعامل مع الحكومة الإسلامية في تركيا، ويكفي إيران أن تتنافس مع تركيا فقط وليس مصر وتركيا أو مصر مع تركيا، وتصبح ممثلة للشيعة فقط في مواجهة ممثلين إسلاميين للسنة، وكذا فإنه بصرف النظر عن طبيعة نظام الحكم في مصر وتوجهاته فإن غياب مصر عن الساحة الإقليمية هو لمصلحة النظام الإيراني.

لكن إيران – وهذا جزء من تكوينها الداخلي - تقسم السلطة في داخلها إلى مواقع متعددة يتحرك كل جزء منها بمفرده في إطار تنسيق غير منظور؛ فهناك المرشد، وهناك الرئيس، وهناك المخابرات، وهناك الحرس الثوري، وهناك الملالي، وكل ملا له ميزانيته ومواقفه، وهذا يأخذ موقفاً، والآخر يعاكسه، فيمكن للرئيس أو وزير الخارجية أن يأخذ موقفاً يعارض موقف الحرس الثوري أو المرشد... إلخ، وهذا ليس أمراً خاصاً بإيران وحدها، فهذا يحدث في إسرائيل وأمريكا؛ فالخارجية ضد المخابرات مثلاً، والرئيس ضد الكونجرس أو مختلف عنه، وهذه لعبة تلعبها الدول ذات الطابع المؤسسي، إلا أن إيران تفوقت في هذا الصدد بشكل يثير الدهشة.

وكذا فإن حسابات إيران الإقليمية تقتضي التمسك بورقة حماس؛ لأن حماس تفيد إيران أكثر مما تفيد إيران حماس، صحيح أن إيران تدعم حماس مادياً بالمال والسلاح، لكن حماس ورقة سنية، ولعلنا ندرك هذا التناقض في المواقف الإيرانية إذا أدركنا مثلاً أن إيران تدعم بكل قوة ومال وسلاح وبشر ودبلوماسية نظام بشار الأسد، ومن المعروف أن الإخوان المسلمين في سورية والعالم يناضلون ضد بشار الأسد، وهذا بالطبع يغضب إيران، لكن إيران تعلمت أو اكتسبت خبرات تجعلها تقسم الأوراق وتؤيد من يدافع عن الإخوان المسلمين مثلاً أو يدافع عن قضايا السنة لأسباب تكتيكية، بل إن الإيرانيين وصلوا من الدهاء بحيث أقاموا علاقات مع بعض عناصر القاعدة ودعموها لأسباب معينة، وفي يوم من الأيام كان بعض قيادات القاعدة موجوداً في إيران، وهناك دعم مادي لبعض مؤيدي القاعدة في العراق أو سورية كورقة ضد أمريكا أولاً، ثم لكي تستخدمهم إيران ضد مصلحة وسمعة المشروع المناهض لبشار في سورية – ربما تكون “داعش” نموذجاً لهذا الأمر، والله أعلم طبعاً.

لكن في كل الحالات فإن فهم الموقف الإيراني من أي قضية يجب أن يأخذ في حسبانه أن هناك تقسيم أدوار حقيقياً متعمّداً أحياناً وغير متعمّد أحياناً أخرى، لكن لمصلحة المشروع الإيراني في النهاية.

:: مجلة البيان العدد  321 جمادى الأولى 1435هـ، مارس  2014م.

 

أعلى