• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الثوابت.. بين التضخيم والتحجيم

الثوابت.. بين التضخيم والتحجيم

 

موضوع الثوابت هو حديث الزمن المتجدد، فما من خلاف يقوم أو قضية تُثار إلا ويكون موضوع الثوابت حاضراً. والإشكال الكبير أن المختلفين يتذرعون بتلك الثوابت حجة لهم. وتجد هذه الكلمة «الثوابت» منتشرة في كل ميدان، في الصحف والمجلات والقنوات والمنتديات، ومع انتشارها وظهورها إلا أن التقصير جلي وواضح في ضبط مفهوم تلك الكلمة ونطاقها ورسم حدودها ومعالمها.

وفي هذه المقالة أكتب شيئاً عن هذا الموضوع «الثوابت» من خلال تلك العناصر الثلاثة:

مقدمة.

نطاق الثوابت.

الخارمون للثوابت.

مقدمة

إن من خصائص هذا الدين بناءه على أساس متين وواضح، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: ٢٤]. وشجرة الإسلام نمت ونبتت على أصل طيب ثابت، فلا تهزها ريح التفرّق ولا تغيّرها عوامل الفساد. وقيمة وجود تصوّر لثبات هذا الدين بمقوماته وقيمه، هي (ضبط الحركة البشرية، والتطورات الحيوية، فلا تمضي شاردة على غير هدى - كما وقع في الحياة الأوروبية عندما أفلتت من عروة العقيدة، فانتهت إلى تلك النهاية البائسة -. وقيمته هي وجود الميزان الثابت الذي يرجع إليه الإنسان بكل ما يعرض له من مشاعر وأفكار وتصورات، وبكل ما يجدّ له في حياته من ملابسات وظروف وارتباطات، فيزنها بهذا الميزان الثابت ليرى قربها أو بعدها من الحق والصواب، ومن ثم يظل دائماً في الدائرة المأمونة، لا يشرد إلى التيه، الذي لا دليل فيه من نجم ثابت، ولا من معالم هادية في الطريق)[1].

والثبات على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة منّة عظيمة يمنّ بها الله تعالى على عباده المؤمنين، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِـمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: ٢٧].

(فيثبّتهم الله في الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها)[2]. وكيف يستطيع المؤمن أن يثبت دون ثوابت يحيا بها وعليها، وعلى أي شيء يكون الثبات إذا لم يكن ثمة أصول وقواعد ينطلق منها المسلم في حياته.

فمن خصائص الفكر الإسلامي ثبات الشريعة التي يقوم عليها، (فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحكم من أحكامها... فلا زوال لها ولا تبدّل، ولو فرض بقاء التكليف إلى غير نهاية لكانت أحكامها كذلك)[3].

وهي - أي الشريعة الإسلامية - مع كونها تقوم على أساس ثابت، فهي صالحة لكل زمان ومكان (وصلاحية الأحكام الشرعية هي نتاج التفاعل التشريعي للمعايير والقواعد الشرعية الثابتة في ظل الظروف المتجددة في الخلق زماناً ومكاناً)[4].

وقد ذكر ابن عاشور أن هذه الصلوحية تحتمل أن تتصوّر بكيفيّتين، هما:

الأولى: أن هذه الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للانطباق على مختلف الأحوال، بحيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر.

الثانية: أن يكون مختلف أحوال العصور والأمم قابلاً للتشكيل وَفق أحكام الإسلام دون حرج ولا مشقة ولا عسر[5].

ثم ذكر أنه (لا يجدر بحال أن يكون معنى صلوحية الشريعة للبشر أن الناس يحملون على اتباع أحوال أمة خاصة مثل أحوال العرب في زمان التشريع، ولا على اتباع تفريعات الأحكام وجزئيات الأقضية المراعى فيها صلاح خاص لمن كان التشريع بين ظهرانيهم، سواء لاءم ذلك أحوال بقية الأمم والعصور أم لم يلائم... فتعين أن يكون معنى صلوحية شريعة الإسلام لكل زمان أن تكون أحكامها كليات ومعاني مشتملة على حكم ومصالح، صالحة لأن تتفرع منها أحكام مختلفة الصور متحدة المقاصد. ولذلك كانت أصول التشريع تتجنب التفريع والتحديد)[6].

ومما يميز الفكر الإسلامي توازنه بين الثبات والصلوحية أو الثبات والمرونة، ويدل على هذا التوازن جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه حين سأله: إنك تبعثني في أمر أفأكون فيه كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب»[7].

ومعرفة الثابت في الشريعة الإسلامية والحفاظ عليه، هو صيانة للأمة من التفرق والاختلاف، قال ابن تيمية: (فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وما تنازعت فيه الأمة وتفرقت فيه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، إلى أن قال: (والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع ومنعهم من الخوض في التفاصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله)[8].

ولهذا أمرنا الله جلَّ وعلا حين التنازع بالرد إلى الله والرسول، قال تعالى: {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩]. والأمر بالرد إلى الله والرسول دليل على أن كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أصل ثابت يرجع إليه حين التنازع.

لذا؛ فإن تجلية ثوابت الدين هي حفظ للأمة وهويتها وقيمها في ظل تلك العولمة التي ألقت بثقلها في واقع الأمة الإسلامية وظلت تؤثر على الأفكار والعقول والمبادئ والقيم، فكان من الواجب على العلماء والمفكرين والمثقفين أن يولوا موضوع الثوابت اهتماماً بالغاً؛ حمايةً لحماها، ورسماً لحدودها، وإيضاحاً لمعالمها، حتى يدرؤوا بذلك تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين.

تعريف الثوابت ونطاقها

الثوابت هي: الأحكام الشرعية الدائمة التي لا تتغير بتغير الزمان.

والمراد بـ (الأحكام)[9]: عموم الأحكام المتضمنة نص الشارع، وكذلك الأثر المتعلق بهذا النص.

نطاق الثوابت:

وأعني بذلك معرفة مساحة الثوابت وحدودها؛ لأن معرفة ذلك (كفيل ببحث النفوس على احترامها، وكما أن لله في كونه سنناً لا تتبدل، فإن له في شرعه ثوابت لا تتغير، ورعاية هذه الثوابت صيانة للفتوى من التخبط والاضطراب، وللبشرية من الزيغ والانحراف)[10].

وبالنظر إلى عموم الثوابت نجد أن هناك قسمين لها[11]:

الأول: الأحكام الثابتة في جميع الشرائع، وهي مما لا يختلف حكمها باختلاف الأحوال والأزمان، ولم يجر فيها النسخ والتبديل أبداً، فهي ثابتة قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في جميع الشرائع، وقد مثل على هذا النوع ابن تيمية حيث يقول: (ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئاً لا لضرورة ولا لغير ضرورة، كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض، وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]؛ فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع، وبتحريمها بعث الله جميع الرسل)[12].

الثاني: الثوابت في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت أصول تلك الثوابت وبعض فروعها، داخلةً في القسم الأول، أي أنها من الثوابت في جميع الشرائع.

وهذه الثوابت هي ما عبّر عنها ابن تيمية بالشرع المنزل، حيث ذكر أن لفظ الشرع يقال في عرف الناس على ثلاثة معانٍ: «الشرع المنزل»، وهو (ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة، وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه، وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعاً له.. وأما «المؤول»، فهو ما اجتهد فيه العلماء من الأحكام، فهذا من قلد فيه إماماً من الأئمة ساغ ذلك له، ولا يجب على الناس التزام قول إمام معين.. وأما «الشرع المبدل»، فهو الأحاديث المكذوبة والتفاسير المقلوبة والبدع المضلة التي أدخلت في الشرع وليست منه.. والحكم بغير ما أنزل الله، فهذا ونحوه لا يحل لأحد اتباعه...)[13].

وهي أيضاً ما عبّر عنه الشاطبي بـ «صلب العلم»، حيث ذكر أن من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو من ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا من ملحه.

وذكر أن «صلب العلم» (القسم الأول) هو الأصل والمعتمد، وهو ما كان قطعياً أو راجعاً إلى أصل قطعي، وأن الشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه؛ ولذلك كانت محفوظة في أصولها وفروعها، كما قال تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]. وذكر أن لهذا القسم خواص ثلاث، وهي: العموم والاطراد، والثبوت من غير زوال، وكونه حاكماً لا محكوماً عليه.

القسم الثاني: وهو المعدود في ملح العلم لا في صلبه ما لم يكن قطعياً، ولا راجعاً إلى أصل قطعي، بل إلى ظني، أو كان راجعاً إلى قطعي، إلّا أنّه تخلف عنه خاصة من تلك الخواص، أو أكثر من خاصة واحدة.

القسم الثالث: وهو ما ليس من الصلب ولا من الملح، وهو ما لم يرجع إلى أصل قطعي ولا ظني، وإنما شأنه أن يرجع على أصله أو على غيره بالإبطال، ثم ذكر أنّ هذا القسم ليس بعلم، لأنه يرجع على أصله بالإبطال، فهو غير ثابت، ولا حاكم، ولا مطرد أيضاً[14].

وما عناه ابن تيمية والشاطبي بالقسم الأول نجد أنه هي الثوابت، وأما القسم الثاني فيقصد به ما يسوغ فيه الاجتهاد، ولذلك نجد أن كثيراً من المتقدمين والمتأخرين قد قسموا الأحكام الشرعية إلى قسمين: قسم لا يسوغ فيه الاجتهاد، وقسم يسوغ فيه الاجتهاد، يقول الشيرازي[15]: (وأما الشرعية فضربان: ضرب يسوغ فيه الاجتهاد، وضرب لا يسوغ فيه الاجتهاد، فأما ما لا يسوغ فيه الاجتهاد فعلى ضربين:

أحدهما: ما علم من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة، كالصلوات المفروضة والزكوات الواجبة وتحريم الزنى واللواط وشرب الخمر وغير ذلك.

والثاني: ما لم يعلم من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة، كالأحكام التي تثبت بإجماع الصحابة وفقهاء الأمصار، لكنها لم تعلم من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة. وأما ما يسوغ فيه الاجتهاد فهو المسائل التي اختلف فيها فقهاء الأمصار على قولين وأكثر)[16].

ولذا يعدون من شروط تسويغ الاجتهاد والاختلاف: أن لا يكون القول مخالفاً لدليل ثابت واضح القطعية في دلالته، كالنصوص الثابتة القطعية الواضحة في قطعيتها[17].

فالثوابت إذاً هي الشرع المنزل، وهي صلب العلم، ولا يسوغ فيها الاجتهاد، وقد اختلفت أيضاً أساليب المتأخرين في عدّها وتحديدها، وإن كانوا يتفقون في الجملة على مضمونها ونطاقها، يقول الصاوي: (ومجال هذه الثوابت إنما يكون في كليات الشريعة، وأغلب مسائل الاعتقاد، وأصول الفرائض، وأصول المحرمات، وأصول الفضائل والأخلاق، وأبرز ميادينها العقائد والعبادات والأخلاق وأصول المعاملات)[18].

ويذكر الخادمي أن الثوابت تشمل: (جملة القواطع المضمونية، والتي هي العقائد والعبادات والمقدرات وأصول المعاملات والفضائل وكيفيات بعض المعاملات. وتشمل كذلك القواطع المنهجية، وذلك على نحو الجمع بين الكليات والجزئيات والنظرة الشمولية ومراعاة التدرج والأولويات في معالجة الأمور، وغير ذلك)[19]. وقد جعل أيضاً الوسائل نوعين: الوسائل الثابتة والوسائل المتغيرة، ويمثل على الوسائل الثابتة باشتراط الطهارة والنية، وستر العورة، واشتراط النصاب وحولان الحول[20].

ويمكن إجمال نطاق الثوابت وحدودها على النحو التالي[21]:

أولاً: النصوص الشرعية القطعية[22]:  فهذه ثابتة بوعد الله تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]. فالنص الشرعي إما أن يكون قطعياً، وإما أن يكون ظنياً، (فإن كان قطعياً فلا إشكال في اعتباره، كأدلة وجوب الطهارة من الحدث، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتماع الكلمة، والعدل، وأشباه ذلك. وإن كان ظنياً فإما أن يرجع إلى أصل قطعي أو لا، فإن رجع إلى قطعي فهو معتبر أيضاً، وإن لم يرجع وجب التثبت فيه ولم يصح إطلاق القول بقبوله...)[23]. وكذلك الظني الراجع إلى أصل قطعي إعماله أيضاً ظاهر، وعليه عامة أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب، لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].

ومثال ذلك ما جاء في الأحاديث من صفة الطهارة الصغرى والكبرى، والصلاة والحج، وغير ذلك مما هو بيان لنص الكتاب... إلخ[24]. بل جعل بعضهم قطعية الدليل وظنيته ضابطاً للتفريق بين الأصول والفروع، وأن ما دل عليه دليل قطعي فهو أمر ثابت راسخ بخلاف ما دل عليه دليل ظني، وتكون الأمور الراسخة أصولاً وتكون الأمور المظنونة فروعاً[25].

ويدخل في هذا القسم ما دلت عليه النصوص من جملة القضايا والتصورات التي يجب أن يؤمن بها الإنسان على سبيل القطع والتسليم، ومثالها الإيمان بالله تعالى، وبجميع أسمائه وصفاته وأفعاله، والتصديق بجميع الرسل والأنبياء، وكتبهم ورسالاتهم، والإيمان بالبعث والجزاء، وغير ذلك من مسلمات العقيدة المبسوطة في النصوص الصحيحة.

ثانياً: الإجماع القطعي: فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع الله أمتي على الضلالة أبداً»[26].

والإجماع القطعي قسمان[27]:

الأول: الذي يعلم وقوعه من الأمة ضرورة، وهو ما كان من قبيل نقل العامة عن العامة.

الثاني: الإجماع السكوتي الذي لا يسوغ خلافه، وهو البيّن القطعية، لظهور قرائنه الدالة على القطع.

وقد نص ابن تيمية على أن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصاً عليه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف لله، وأنه لا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول، لكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، وأن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة[28].

فما اجتمع عليه علماء الأمة فإنه يعتبر من الثوابت[29]، وتحرم مخالفته، وهذا مذهب الأئمة الأعلام، قال الفتوحي[30]: (وَتَحرمُ مُخَالَفَتُه أَي مُخَالَفَة الإجْماعِ الواقِع عَن اجتِهَاد أَو قِيَاسٍ عِندَ الأَئِمةِ الأَربَعَةِ وغَيرِهم).

وبالجملة، فإن القرآن والسنة هما أصل الثوابت ومردها، والإجماع وسيلة ثابتة تابعة لهما، قال الجويني[31]: (فالمتبع في حق المتعبدين الشريعة، ومستندها القرآن، ثم الإيضاح من رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيان، ثم الإجماع المنعقد من حملة الشريعة من أهل الثقة والإيمان؛ فهذه القواعد، وما عداها من مستمسكات الدين كالفروع والأفنان)[32].

وعلى التفصيل نقول إن نطاق الثوابت يشمل:

أولاً: الأحكام والمقدرات الثابتة، وهذه قسمان:

الأول: أصول الدين وقواعده ومقاصده؛ كمسائل الاعتقاد، وكليات الشريعة، والقيم والمبادئ الأخلاقية.

الثاني: ما شرع من الأحكام لعلل ثابتة؛ كأحكام العبادات، وأصول المحرمات، والمقدرات الشرعية.

فالأول أصول الدين وقواعده ومقاصده، ويدخل في هذا النوع أربعة أمور:

أ - مسائل الاعتقاد والإيمان: فهذا بابه الإخبار، وتغيير خبر الشارع تكذيب له، فكل ما جاءت به النصوص الصحيحة الصريحة في باب الاعتقاد أو في باب الإيمان، هو حق ثابت لا شك فيه.

ب - أدلة الأحكام، ودلالات الألفاظ الشرعية، والأحكام الوضعية: كأسباب الأحكام، وشروطها، وموانعها، فالأصل في الأحكام الوضعية الثبات والدوام؛ لأنها من باب الأخبار كذلك، لكن قد يرد التغيّر لا على ذواتها، بل على سبيل تنزيلها على المكلفين، وذلك بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.

ج - كليات الفقه وقواعده، ومقاصد الشريعة القطعية: فأصول الفقه في الدين قطعية، والدليل على ذلك رجوعها إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي[33]، و(كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان ملائماً لتصرفات الشرع مأخوذاً من أدلته، فهو صحيح يبنى عليه ويرجع إليه، إذا كان ذلك الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعاً به)[34].

وأما مقاصد الشريعة فهي مرتبتان: قطعية وظنية - كما ذكر ابن عاشور -، وقد مثّل للمقاصد القطعية بما يؤخذ من متكرر القرآن تكرراً ينفي احتمال قصد المجاز والمبالغة، نحو كون مقصد الشارع التيسير.

ثم ذكر الأدلة على هذا المقصد نحو قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثتم ميسرين»[35].. فمثل هذا الاستقراء يخول للباحث عن مقاصد الشريعة أن يقول: إن من مقاصد الشريعة التيسير؛ لأن الأدلة المستقرأة في ذلك كله عمومات متكررة، وكلها قطعية النسبة إلى الشارع، لأنها من القرآن، وهو قطعي المتن[36].

ومن ذلك المحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض، (فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة عليها، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد)[37].

ثم إن الأساس الضروري لنشوء علم المقاصد هو تعليل الأحكام الشرعية، ودراسة أسرار ومعاني وعلل الأحكام[38]، والعلة المنصوص عليها ثابتة لا تتبدل.

وقد جعل بعض المتأخرين العلل الشرعية ضابط الثبات في تطبيق الأحكام في الوقائع، وذلك أن الشارع قد اطردت عادته بإجراء الأحكام محالة على العلل الشرعية مطلقاً[39].

د - القيم والمبادئ الأخلاقية: فإن القيم والمبادئ الأخلاقية في الإسلام لا تتغير ولا تتبدل، (والمقصود بالثبات في الأخلاق هو استمرار الفضيلة الخلقية المستحسنة، والتسليم بها مثالاً للسلوك المحمود، فالصدق في المعاملة، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد؛ كلها فضائل خلقية ثابتة مستقرة ومحمودة في كل زمان ومع كل أحد، لما لها من الآثار الخيرة والثمار الكريمة)[40].

وخصيصة الثبات في الأخلاق من أبرز الخصائص وأهمها؛ لأن القول بثبات الأخلاق يجعل طريق الإنسان واضحاً مستقيماً، ويعني أيضاً أن هناك أخلاقاً رفيعة ينبغي أن ينطلق إليها الفرد، ويسمو إليها المجتمع، ثم إن ذلك يضمن أيضاً وجود مبادئ مستقرة يحكم بها على سلوك الأفراد ومواقف المجتمعات، وحين تغيب هذه الخصيصة فإن المعيار يرتد للحكم على الأفعال بالحسن والقبح إلى اللذة والمنفعة والنسبية، وإلى الأهواء والرغبات، فما هو خير اليوم قد يكون شراً في الغد، وما هو حسن عند فرد قد يكون سيئاً عند آخر، وحين تُفتقد المعايير الخلقية الثابتة يفقد الناس كل باعث على الارتقاء بأخلاقهم، والسمو بأنفسهم، وتشيع الفوضى، ويتسلط الأقوياء على الضعفاء، فلا يبقى هنالك أصل ثابت يرجع إليه في وزن ولا تقييم[41].

ومع كون القيم الإسلامية ثابتة لا تتغيّر، إلّا أنها صالحة لكل زمان ومكان، وتتسم بالمرونة في وسائلها وتطبيقاتها، من دون أن تفقد جوهرها وأصالتها، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 90 وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: ٩٠، ٩١].

ثانياً: ما شرع من الأحكام لعلل ثابتة، ويدخل فيه سبعة أمور:

أ - أحكام العبادات المختلفة، من صلاة وصيام وحج، ويدخل ضمن ذلك القسم مواسم العبادة والأعياد، وجمل أحكام الجنائز.

ب - أحكام أصول المحرمات، كالربا، والزنى، والقتل، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والسرقة، والميسر، وشرب الخمر، وغيرها.

ج - أحكام أصول المباحات، كحل البيع وعموم التصرفات، والطيبات من الرزق.

د - أحكام الزكاة والصيد.

هـ - أحكام الأسرة.

و - أحكام المواريث.

ز - المقدرات المحددة والعقوبات الثابتة من حدود وقصاص وكفارات.

فهذه الأمور من العبادات والمقدرات هي من الثوابت التي لا تتغيّر ولا تتبدل بتغيّر الأزمان، وقد جاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»[42].

وقد اتفق العلماء – رحمهم الله – على أن العبادة لا تصح إلّا إذا جمعت أمرين؛ أولهما: الإخلاص، والثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. والمتابعة لا تتحقق إلّا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة: سببه، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه. فإذا لم يوافق الشريعة في هذه الأمور الستة، فهو باطل مردود؛ لأنه إحداث في دين الله ما ليس منه.

الخارمون للثوابت

يتمثل خرم الثوابت في ثلاثة اتجاهات، فقوم أنكروا أصل الثوابت أو شككوا فيه، وقوم جعلوا بعض الثوابت من المتغيّرات، وآخرون أدخلوا في الثوابت ما ليس منها. ولكل اتجاه منها صور متعددة[43]:

الاتجاه الأول: التشكيك في أصل الثوابت

ومضمون هذا الاتجاه هو محاولة هدم الثوابت والتشكيك في ثبوتها، من خلال الطعن في موثوقية السنة النبوية، أو تأويلها لما لا تحتمله الألفاظ، أو القول بأن تلك النصوص هي مقصودة لزمن دون زمن.

ومن صور هذا الاتجاه:

• فريق يدَّعي قراءةً جديدة للنصوص الدينية، تأثروا ثقافياً بالفكر الغربي، وتشبّعوا به، حتى أصبحت كبرى قضاياه مسلمات بالنسبة إليهم، فجاؤوا بتلك المسلمات ليسقطوها على النص الديني باعتبارها مدلولاً من مدلولاته، ومن تلك المسلمات لديهم على سبيل المثال، فكرة التغيّر المطلق التي انبنت عليها الفلسفة الغربية في تقديرها للطبيعة كما بدا في نظرية التطور، فهذه الفكرة حملها أصحاب هذه القراءة ليسقطوها على النص الديني، ذاهبين إلى أن النص لا يحمل قيماً موضوعية ثابتة، وإنما قيمة كلها متغيّرة بتغيّر الظروف والأوضاع[44]. لقد تأثر هؤلاء أيضاً ببعض المستشرقين الذين يرون أن التطوير هو (الانتقال من حالة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية وأهدافها إلى حالة الالتزام بالقوانين الوضعية وأهدافها)[45]، يقول المستشرق جب: (ليس لدى الإنسان أنظمة كبرى في العقيدة والفكر والإدارة من شأنها أن تظل ثابتة أكثر من عشرة قرون)[46]، ويقول ولفرد سميت: (إنّ كل دين عند تحليله إنما تتعدد أشكاله بعدد معتنقيه، إنها حقيقة تاريخية أساسية لا غنى عنها لإدراك الدين وتاريخه)[47].

و«التطور» و«العصرانية» من المصطلحات المتشابهة في الفكر الغربي، وهي عبارة عن حركة تجديدية واسعة لتغيير مفاهيم الدين ونظمه.

فالعصرانية هي: (الانفعال بالمعطيات الاجتماعية والفكرية للحضارة الغربية؛ مؤسسات، ونظماً، ومناهج فكرية، ومدارس أدبية وفنية، وربط الناس والمجتمع العربي بها، بحيث تكون لهذه المعطيات الأولوية على الثوابت)[48]، يقول فرج فودة: (قواعد الدين ثابتة وظروف الحياة متغيرة، وفي المقابلة بين الثابت والمتغير لا بد وأن يحدث جزء من المخالفة، وذلك بأن يتغير الثابت أو يثبت المتغير، ولأن تثبيت الحياة المتغيرة مستحيل، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بتغيير الثوابت الدينية...)[49].

• ومن هؤلاء من يشكك في موثوقية الحديث النبوي ويقول إن الحديث النبوي تعرض لعملية انتقاء واختيار وحذف تعسفية، يقول أركون: (لقد حدثت عملية الانتقاء والتصفية هذه لأسباب لغوية وأدبية وتيولوجية وتاريخية)[50].

وفريق ضمن هذا الاتجاه نحى منحى التأويل للنصوص الدينية، وقد وُجد قديماً وحديثاً من يسلك هذا المسلك، إذ لا يكتفي بالوقوف عند حد ما تقتضيه الاحتمالات في دلالة اللغة على معانيها باللفظ أو بالنظم، وإنما يتجاوز ذلك إلى إهدار تلك الدلالة أصلاً في مجال ما هو قطعي ثابت، فإذا بالنص الديني قرآناً أو حديثاً لا يتحصل منه معنى مستقر. وقد يضيق هذا التأويل عند البعض ليقتصر على قسم من النص الديني، وقد يتسع عند آخرين ليعمه جميعاً، فلا يبقى حاملاً لمعنى ثابت من الدين. وقد تداعى أفراد هذا المنهج من مشرق ومغرب ليتعاملوا مع هذا النص الديني تعاملاً تجاوزوا به مجال الاحتمالات التي تجيزها الدلالة الظنية ليقتحموا مجال الدلالة القطعية، فأفضى الأمر بهم إلى أن لم يبقَ من الدين الذي عرفه المسلمون طيلة أربعة عشر قرناً شيء ثابت[51].

يقول أركون: (القرآن هو عبارة عن مجموعة من الدلالات والمعاني الاحتمالية المقترحة على كل البشر، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تثير أو تنتج خطوطاً واتجاهات عقائدية متنوعة بقدر تنوع الأوضاع والأحوال التاريخية التي تحصل فيها أو تتولد فيها... القرآن نص مفتوح على جميع المعاني ولا يمكن لأي تفسير أو تأويل أن يغلقه أو يستنفذه بشكل نهائي و«أرثوذكسي»)[52].

ومن هؤلاء فريق آخر ينهجون القول بتاريخية النصوص، ويرون أنّ (الخطاب الإلهي خطاب تاريخي، وبما هو تاريخي فإن معناه لا يتحقق إلا من خلال التأويل الإنساني أنّه لا يتضمن معنى مفارقاً جوهرياً ثابتاً له إطلاقية المطلق وقداسة الإله)[53]. ويعتبر أركون أن الخطاب القرآني بصيغة «يا أيها الناس» المقصود به: (الجماعة الأولى التي كانت تحيط بالنبي والتي سمعت القرآن من فمه لأول مرة)[54].

وتبعاً لهذا المنهج، فإن بعض هؤلاء أسقط بعض الأحكام الثابتة اعتباراً منه أنها خاصة بالمجتمع الأول في عهد النبوة، فيذكر محمد الشرفي: أن إقامة الحدود في المجتمع آنذاك هي (أقل الحلول شراً، وأدناها مضرة، لأنها على ما فيها من وحشية تمثل وقاية لمجتمع تلك الفترة مما هو أسوأ وأعنف وأكثر فظاعة، ولهذا السبب فإن القرآن لم ينص آنذاك على جرائم تقام فيها الحدود إلى جانب مخالفات أخرى يعاقب عليها بالسجن، وإنما اقتصر القرآن على ذكر الحدود لعدم وجود السجن في الجزيرة آنذاك)[55]، ويقول عن الإرث أيضاً: (قد كان صالحاً في ذلك العصر، بل كان مثار إعجاب أحياناً، لكنه ينبغي أن يتجاوز اليوم، لأن الظروف تبدلت تبدلاً بعيداً والأحوال تغيرت تغيراً كبيراً)[56].

وربما يستشهد بعض هؤلاء بقاعدة «تغير الأحكام بتغير الزمان»، لكن (القاعدة ليست على ظاهرها، بل هي محمولة على أن الأحكام المرتبطة من أصلها بما قد يتبدل من الظروف والأمكنة والأحوال، ويتغير بتغير أعراف الناس ومصالحهم وحاجاتهم ومتطلباتهم التي لم يحكم فيها، كأمثلة الأعراف القولية والعملية والمسائل المرتبطة بعللها ومناطاتها، والمتوقفة على ما نيطت وارتبطت به وجوداً وعدماً)[57].

ولهذا نجد أن ابن القيم أورد تلك القاعدة بلفظ الفتوى، فقال (فصل في تغيير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد)[58].

ولا ريب أن التعبير بلفظ الفتوى أحسن وأضبط.

الاتجاه الثاني: تقليص الثوابت ونطاقها

ومضمون هذا الاتجاه هو المبالغة في التوسع والتساهل، وتضييق مساحة الثوابت، وجعل بعضها من المتغيرات، وله صور متعددة، منها:

• من جعل بعض الثوابت من المتغيرات بدعوى جلب المصالح أو تحقيق المقاصد، فهؤلاء يعتبرون أن أحكام الشريعة لم تشرع إلا لتحقيق مقاصدها، فأحكام الحدود مثلاً لم تشرع إلا لردع مقترفي المعاصي، ومنع الربا لم يشرع إلا لتحقيق مقصد العدالة، وهكذا الأمر في كل حكم من أحكام الشريعة بحيث لا تحمل هذه الأحكام قيمة في ذاتها، وإنما فقط في مقاصدها[59]، فتتخرم من جراء ذلك عرى الثوابت بدعوى تحقيق المقصد أو المصلحة.

يقول محمد الشرفي: (إن التأويل المقاصدي هو التأويل الأنسب من الوجهة الدينية، وينبغي ألا يطول البحث في تحليل الكلمات، بل لا بد من البحث عن روح القرآن وراء المعاني الحرفية، وتناول كل مسألة حسب وضعها ضمن المقاصد الإلهية الشاملة)[60].

ويصرح بعض هؤلاء بأن النصوص إذا لم تحقق المصلحة فإن المصلحة تقدم على النص، يقول فهمي هويدي: (النصوص إذا لم تحقق المصلحة تحت أي ظرف فالثابت عند أغلب الفقهاء أن المصلحة تقدم على النص)[61]. ومنشأ الغلط هنا هو في (إعمال تلك المقاصد في نقض الجزئيات، والمطالبة بإعادة الصياغة للفقه الإسلامي، بمعنى إعادة البناء واستئناف التأسيس من جديد، بحيث تغيب عنه مراعاة غاية التعبد لله عزّ وجلّ، وإخراج النفوس من داعية الهوى، وهذا يوجد أكثر ما يوجد في تضاعيف النصوص الشرعية، والجزئيات الفقهية، وهو ما يشق على ذوي الأهواء الإذعان له)[62].

فليست الغاية إذاً هي تحقق مقاصد الشريعة دون إيقاع أحكامها، ولو كان كذلك (لجاء النص الديني بتوجيهٍ يفيد المخاطب بأنه مهما تحقق له المقصد بأي كيفية وبأي سبب فإنه يكون في حِل من الأحكام التي حُددت من أجل تحقيقها، ولكن شيئاً من ذلك لم يرد به نص لا بتلميح ولا بتصريح)[63].

ولهذا فإن المحققين قيّدوا العمل بالمصالح أو المقاصد وفق شروط وضوابط[64]، فقد جعل ابن عاشور المقاصد الشرعية نوعين: معان حقيقية، ومعان عرفية عامة، ويشترط في جميعها أن يكون ثابتاً ظاهراً، منضبطاً، مطرداً، والمراد بالثبوت أن تكون تلك المعاني مجزوماً بتحققها أو مظنوناً ظناً قريباً من الجزم، والمراد بالظهور الاتضاح بحيث لا يختلف الفقهاء في تشخيص المعنى، ولا يلتبس على معظمهم بمشابهة، والمراد بالانضباط أن يكون للمعنى حد معتبر لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، بحيث يكون القدر الصالح منه لأن يعتبر مقصداً شرعياً قدراً غير مشكك، والمراد بالاطراد أن لا يكون المعنى مختلفاً باختلاف أحوال الأقطار والقبائل والأعصار[65].

ويذكر الخادمي أيضاً ضوابط للعمل بالمقصد والمصلحة المرسلة، وهي:

1 - عدم معارضتها النص أو تفويته.

2 - عدم معارضتها الإجماع القطعي.

3 - عدم معارضتها القياس.

4 - عدم تفويتها مصلحة أهم منها أو مساوية لها.

ويضيف: إن ضوابط المقصد المعتبر في الاجتهاد هي نفسها ضوابط المصلحة، بناء على أن مدار المقاصد وجوهرها تحقيق المصالح الشرعية بجلب المنافع للناس ودرء المفاسد عنهم[66]. ولا بد للمجتهد أن يوازن بين المقاصد والأدلة الأخرى، وأن يراعي مراتب المقاصد؛ الضروري فالحاجي فالتحسيني.

والشريعة الإسلامية وإن كانت وضعت لمصالح العباد، (فهي عائدة إليهم بحسب أمر الشارع وعلى الحد الذي حده لا على مقتضى أهوائهم وشهواتهم)[67]. ويستدل الشاطبي على أن النصوص الشرعية مقدمة على المصلحة بأنه (لما منعت العرب الزكاة عزم أبو بكر على قتالهم، فكلمه عمر في ذلك، فلم يلتفت إلى وجه المصلحة في ترك القتال، إذ وجد النص الشرعي المقتضي لخلافه، وسألوه في رد أسامة ليستعين به وبمن معه على قتال أهل الردة، فأبى لصحة الدليل عنده بمنع رد ما أنفذه رسول الله)[68].

ومن تأمّل أحكام الشريعة وجدها إنما جاءت لتحقيق مصلحة العباد، ولم تهمل مصلحةً قط، ولا تعارض بين النصوص الشرعية والمصالح والمقاصد الثابتة، إنما الخطأ هنا أن يكون تقدير المصالح مبنياً على استصلاح العقول والأهواء، يقول الجويني: (وعلى الجملة من ظن أن الشريعة تتلقى من استصلاح العقلاء ومقتضى رأي الحكماء، فقد رد الشريعة، واتخذ كلامه هذا إلى رد الشريعة ذريعة)، ثم قال (وهذه الفنون في رجم الظنون، ولو تسلطت على قواعد الدين لاتخذ كل من يرجع إلى مسكةٍ من عقل فكره شرعاً، ولانتحاه ردعاً ومنعاً، فتنتهض هواجس النفوس حالّة محل الوحي إلى الرسل، ثم يختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، فلا يبقى للشرع مستقر وثبات)[69].

• وفريق آخر يَدخُل في هذا الاتجاه «تقليص الثوابت ونطاقها»، وهم من تساهل في بعض الثوابت بحجة وجود الخلاف، فجعلوا مجرد وقوع الخلاف دليلاً على جواز المختلف فيه، وإن كان ممنوعاً في الأصل، يقول الشاطبي: (وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية، حتى صار الخلاف في المسائل معدوداً في حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل، كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف، فإن له نظراً آخر، بل في غير ذلك، فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لم تمنع والمسألة مختلف فيها، فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفاً فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة، حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً وما ليس بحجة حجة)[70].

ولهذا نجد أن ابن القيم أنكر إطلاق القول بأن «مسائل الخلاف لا إنكار فيها»، وذكر أن: (الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل، أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله، وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار.. وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم)[71].

الاتجاه الثالث: المبالغة في توسيع نطاق الثوابت

ومضمون هذا الاتجاه هو جعل بعض المتغيرات من الثوابت، أو إدخال ما ليس من الثوابت فيها، سواء كان دافعه الغلو والتشدد، أو كان الجهل والضلال، أو التحريف والتبديل.

وقد أنكر ابن تيمية على أهل الكلام إطلاق اسم أصول الدين على ما ليس من أصوله، يقول: (وهذا كما أن طائفة من أهل الكلام يسمي ما وصفه «أصول الدين»، وهذا اسم عظيم، والمسمى به من فساد الدين ما الله به عليم، فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك قال المبطل: قد أنكروا أصول الدين. وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين، وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فالدين ما شرعه الله ورسوله، وقد بين أصوله وفروعه، ومن المحال أن يكون الرسول قد بين فروع الدين دون أصوله)[72].

ومن جنس هذا نجد أن الرافضة يجعلون الإمامة والعصمة والولاية من أصول الدين وأركانه، فقد (روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذا - يعني الولاية)[73].

ويقول محمد رضا المظفر: (ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من سنّ الطفولة إلى الموت عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من الهوى والخطأ والنسيان)[74]. ويقول المجلسي: (ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمة عليهم السلام والإذعان لهم من جملة أصول الدين وأفضل من جميع الأعمال البدنية لأنها مفتاحهن)[75].

• ومن صور هذا الاتجاه «المبالغة في توسيع نطاق الثوابت» ما يراه غلاة الظاهرية الذين ينفون أن تكون الشريعة معقولة المعنى، أو أنها معللة مقاصدها وعللها ومصالحها، وأن ظواهر النصوص كافية لمعرفة الأحكام، وأنه لا عبرة لما وراء ذلك من أقيسة واستصلاح وعرف واعتبار المآل وغيره[76].

يقول الشاطبي: (فأصحاب الرأي جردوا المعاني فنظروا في الشريعة بها واطرحوا خصوصيات الألفاظ، والظاهرية جردوا مقتضيات الألفاظ فنظروا في الشريعة بها واطرحوا خصوصيات المعاني القياسية)[77]. وهذا المسلك قد يوقع المتّبع في تفويت واجبات ومستحبات، أو أن يقع في محظورات ومكروهات.

يقول ابن تيمية: (وكثير منهم من أهمل مصالح يجب اعتبارها شرعاً بناء على أن الشرع لم يرد بها، ففوّت واجبات ومستحبات أو وقع في محظورات ومكروهات، وقد يكون الشرع ورد بذلك ولم يعلمه، والقول الجامع أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة)[78].

ولا ريب أن من أهمل النظر إلى المقاصد والمصالح، وجمد على النصوص دون اعتبار عللها ومقاصدها، فإنه بذلك يوجب الحرج والمشقة والوقوع في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله.

وقد قال ابن القيم عند كلامه عن تغيّر الفتوى واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة: (هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل)[79].

• وفريق آخر داخل ضمن هذا الاتجاه قد جعل أقوال السلف أو العلماء أو الأئمة في منزلة النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء وإن لم يصرحوا بهذا الأمر، إلا أنهم قد جعلوه منهجاً لهم في كثير من المسائل، وبنوا عليه أحكاماً، فهم (لم يكتفوا بإطلاق النص على كل ألفاظ ومأثورات وروايات الكتاب والسنة، وإنما أضافوا إلى النص كل ما كتب الأقدمون في مذاهب الإسلاميين)[80].

والمشكلة كما يذكر الزنيدي هي لدى فريقين:

أحدهما: من يتشبث بذلك التراث أفكاراً وتطبيقات ويغالي حتى يكاد أن يحجبه عن الوحي، بل ربما نظر إلى الوحي من خلاله، بحيث تتحول الاجتهادات والتطبيقات الزمنية من قبل المسلمين السابقين إلى المصدر الأساس.

والثاني: من ينحو منحى التطرف المضاد لذلك الفريق، فيتنكر للتراث ويسقط قيمته، ويرى أن ارتباطه بالزمن من جهة، وبالفعل البشري الذي أنتجه من جهة أخرى؛ كافٍ في تجاوزه جملةً وتفصيلاً[81].

قال ابن القيم: (وليس في قول العالم: إن هذه المسائل قطعية أو يقينية، ولا يسوغ فيها الاجتهاد؛ طعن على من خالفها، ولا نسبة له إلى تعمد خلاف الصواب، والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثير)[82].

ويدخل في هذا المسلك الاغترار بدعوى وجود الإجماع على حكم معين، فقد ينقل بعض المتقدمين الإجماع على حكم قد ثبت النزاع فيه، يقول ابن تيمية: (وإذا نقل عالم الإجماع، ونقل آخر النزاع، إما نقلاً سمى قائله، وإما نقلاً بخلاف مطلقاً ولم يسم قائله، فليس لقائل أن يقول: نقل خلافاً لم يثبت، فإنه مقابل بأن يقال ولا يثبت نقل الإجماع، بل ناقل الإجماع نافٍ للخلاف، وهذا مثبت، والمثبت مقدم على النافي... فتبيّن أن مثل هذا الإجماع الذي قوبل بنزاع، ولم يثبت واحد منهما، لا يجوز أن يحتج به)[83]، فمراتب الإجماع متفاوتة، وليس كل إجماع منقول هو إجماع متيقن[84].

• وفريق آخر ضمّن هذا الاتجاه إشكاليته في فهم الثابت وتطبيقه على الواقع، فهو يعلم أن الولاء والبراء مثلاً من الثوابت في الدين، لكنه يخطئ في تطبيقات هذا الأصل، وهكذا في كثير من الثوابت الدينية، فقد ساد في الخطاب الإسلامي لدى كثير من الدعاة وطلاب العلم اجتهادات أخذت صفة القطعية في مسائل كثيرة بناءً على أصل هذه المسألة وموقعها في الثوابت[85].

هذا ما تيسَّر إيضاحه في هذه المقالة، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير، وأن يهدينا لما يحب ويرضى.


 

:: مجلة البيان العدد  321 جمادى الأولى 1435هـ، مارس  2014م.


[1] سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي 79 - 80.

[2] السعدي: تيسير الكريم الرحمن 425.

[3] الشاطبي: الموافقات 45 - 46.

[4] عبد الجليل زهير: الحكم الشرعي 321.

[5] انظر: مقاصد الشريعة 325 – 327.

[6] مقاصد الشريعة 327.

[7] أخرجه الإمام أحمد في «المسند»: (2/62/ رقم: 628)؛ والبخاري في «التاريخ الكبير»: (1/177/ رقم: 538)؛ والمقدسي في «الأحاديث المختارة»: (1/388/ رقم: 739)؛ وقد صححه الألبـاني في «السلسلة الصحيحة»: (4/527/ رقم: 1904).

[8] مجموع الفتاوى 12/ 237.

[9] عرف الشوكاني الحكم بأنه: الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، انظر: إرشاد الفحول 1/ 25.

[10] المزيني: الفتوى وتأكيد الثوابت الشرعية 12.

[11] انظر عبد الجليل زهير: الحكم الشرعي 72.

[12] مجموع الفتاوى 14/470.

[13] مجموع الفتاوى 11/507.

[14] الموافقات 45 -50.

[15] الشيرازي: أَبُو إسْحاق إِبْرَاهيم بن عَلِي بنِ يوسف الفَيْروزآبَادِي، الشيرَازِي، الشَّافِعِي، توفي سنة 476 هـ ببغداد، انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 453.

[16] اللمع في أصول الفقه 129.

[17] انظر العوني: اختلاف المفتين 46 - 123.

[18] الثوابت والمتغيرات 39.

[19] الاجتهاد المقاصدي 34.

[20] الاجتهاد المقاصدي 54.

[21] انظر المزيني: الفتيا المعاصرة 381 – 383.

[22] الدليل القطعي في اصطلاح العلماء يطلق بإزاء معنيين، الأول: أن يراد به ما لا احتمال فيه أصلاً. والثاني: أن يراد به ما لا يكون في احتمال ناشئ عن دليل. وأما الدليل الظني فيقصد به: ما يحتمل النقيض احتمالاً قوياً. انظر الشثري: الأصول والفروع 191 - 192.

[23] الشاطبي: الموافقات 475 - 476.

[24] انظر الشاطبي: الموافقات 476.

[25] انظر الشثري: الأصول والفروع 218.

[26] أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (1/200/ رقم: 394)؛ والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه»: (رقم: 413)؛ وقد صحح سند الحديث الألباني في «بداية السول في تفضيل الرسول»: (ص 70).

[27] انظر العوني: اختلاف المفتين 50 - 51.

[28] مجموع الفتاوى 19/194.

[29] انظر السفياني: الثبات والشمول 2/502.

[30] الفتوحي: محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، تقي الدين أبو البقاء، الشهير بابن النجار: فقيه حنبلي، توفي سنة 972 هـ، انظر: الأعلام للزركلي 6/ 6.

[31] الجويني: أَبو المَعالِي عبْد المَلكِ ابْن الإِمَام أَبي محَمَّد عَبْد اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ الله بن يوسف بنِ محمد بن حَيوَيه الجُوينِيّ، ثُم النيْسابُوْرِي، ضِيَاء الديْن، الشَّافعِي، إِمَام الحَرَمَيْن، صاحب التَّصانِيف، توفي سنة 478 هـ، انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 468.

[32] الغياثي 434.

[33] الشاطبي: الموافقات 18.

[34] الشاطبي: الموافقات 24.

[35] أخرجه البخاري في «الصحيح»:( كتاب الأدب، باب قول النبي: يسروا ولا تعسروا، رقم: 5777).

[36] مقاصد الشريعة الإسلامية 231 - 238.

[37] الشاطبي: الموافقات 23.

[38] الخادمي: علم المقاصد الشرعية 49.

[39] انظر عبد الجليل زهير: الحكم الشرعي 197.

[40] العمرو: الأخلاق بين المدرستين السلفية والفلسفية 216.

[41] انظر العمرو: الأخلاق بين المدرستين السلفية والفلسفية 216، وانظر سيد قطب: في ظلال القرآن 3/1258.

[42] أخرجه البخاري في «الصحيح»: (كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم: 2550)؛ ومسلم في «الصحيح»: (كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم: 1718).

[43] وقد اقتصرت على ذكر الاتجاه وبعض صوره مع عدم الاسترسال في ذكر الأمثلة درءاً للإطالة.

[44] انظر النجار: القراءة الجديدة للنص الديني 104 - 105.

[45] السفياني: الثبات والشمول 2/ 589.

[46] السفياني: الثبات والشمول 2/ 578، نقلاً عن الاتجاهات الحديثة في الإسلام 26 - 27.

[47] المصدر السابق 2/583، نقلاً عن الاتجاهات الحديثة في الإسلام 11-41.

[48] الزنيدي: المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية 68 - 69.

[49] الحقيقة الغائبة 32.

[50] تاريخية الفكر العربي الإسلامي: 146.

[51] انظر النجار: القراءة الجديدة للنص الديني 8-12. وقد أحسن الدكتور حفظه الله عرض هذا المنهج وسمّاه «الباطنية الجديدة».

[52] تاريخية الفكر العربي الإسلامي 145.

[53] نصر أبو زيد: النص، السلطة، الحقيقة 33.

[54] الفكر الأصولي 30.

[55] الإسلام والحرية 79 - 80.

[56] الإسلام والحرية 100.

[57] الخادمي: الاجتهاد المقاصدي 126.

[58] إعلام الموقعين 532.

[59] انظر النجار: القراءة الجيدة للنص الديني 69.

[60] الإسلام والحرية 124.

[61] القرآن والسلطان 39 «بتصرف يسير».

[62] المزيني: المبالغة في التيسير الفقهي 29.

[63] النجار: القراءة الجديدة للنص الديني 148 - 149.

[64] انظر ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية 251 – 258، والخادمي: الاجتهاد المقاصدي 133، والمزيني: الفتيا المعاصرة 303 - 306.

[65] مقاصد الشريعة الإسلامية 251- 253.

[66] الاجتهاد المقاصدي 143 – 169.

[67] الشاطبي: الموافقات 320.

[68] الموافقات 320.

[69] الغياثي 353.

[70] الموافقات 805.

[71] إعلام الموقعين 706.

[72] مجموع الفتاوى 4/ 56.

[73] الصلابي: فكر الخوارج والشيعة 85. نقلاً عن الكليني: أصول الكافي 2/18.

[74] الصلابي: فكر الخوارج والشيعة 94. نقلاً عن محمد رضا المظفر: عقائد الإمامية 104.

[75] الصلابي: فكر الخوارج والشيعة 85. نقلاً عن المجلسي: مرآة العقول 7/102.

[76] انظر الخادمي: الاجتهاد المقاصدي 137.

[77] الشاطبي: الموافقات 859.

[78] مجموع الفتوى 11/ 344.

[79] إعلام الموقعين 532.

[80] محمد عمارة: معالم المنهج الإسلامي 100 «بتصرف يسير».

[81] انظر المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية 247 - 251.

[82] إعلام الموقعين 706.

[83] مجموع الفتاوى 19/ 271.

[84] انظر الزركشي: البحر المحيط في أصول الفقه 3/ 575.

[85] انظر الزنيدي: المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية 142 - 143.

 

 

أعلى