القدس في اتفاقيات السلام والثوابت الإسرائيلية
بمرور 20 عاماً على اتفاق
أوسلو عام 1993م، الذي كان بمنزلة أمل للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؛ ظلت القدس
إلى جانب قضايا الحدود واللاجئين، تمثل الإشكالية الرئيسية في المفاوضات
الفلسطينية - الإسرائيلية. ولعل الطابع الديني الذي طغى على المكون الجغرافي
والتاريخي لمدينة القدس، جعل من رمزيتها الدينية تفوق أهميتها الاستراتيجية
المميَّزة؛ لذلك لم تتغيّر التصورات الإسرائيلية حول القدس ومستقبلها فيما يسمى
«عملية السلام»، فقد ظلت بشقيها الغربي المحتل عام 1948م، والشرقي المحتل عام
1967م؛ عاصمة قائمة لدولة إسرائيل.
ورغم وضوح هذه التصورات
الإسرائيلية تجاه مدينة القدس ومستقبلها، لم يفلح العرب والمسلمون في الوصول إلى
حلول أو تصورات من شأنها مواجهة التهويد المستمر والمتسارع الذي يجتاح معالمها
الجغرافية والتاريخية والدينية والديمغرافية، ما يهددها بالخطر.
نظرة على تهويد القدس منذ عملية أوسلو
أجَّل
اتفاق أوسلو قضية القدس إلى ما سمي «مفاوضات الحل النهائي»، ما مكّن الإسرائيليين من
تثبيت تصوراتهم واعتبارها خارج التسوية، الأمر الذي شجعهم على تهويدها من خلال
تغيير معالمها بهدف سلخها من مكانتها العربية والإسلامية، وخلق أمر واقع يصعب
تجاوزه، ما يجعل من مسألة التسوية السياسية أمراً مستحيلاً.
ويؤكد
تقرير أعده المركز الفلسطيني للإعلام في سبتمبر الماضي حول التوزيع الديمغرافي في
القدس، أن الكثافة العربية متركّزة في البلدة القديمة، فيما احتل الصهاينة الأحياء
الاستيطانية الجديدة، حيث شكل العرب 85 ٪ من سكان البلدة القديمة، بينما شكل اليهود 60 ٪ من مجموع السكان في البلدتين القديمة والجديدة
والضواحي. وقد ركز الاحتلال على زيادة
عدد المستوطنين في القدس، بعد عام
1967، وتحديداً في البلدة القديمة وأحياء القدس الشرقية، لتصبح كثافتهم العددية
فيها أعلى من كثافة السكان الفلسطينيين، أصحاب البلاد الأصليين، وقد وصل عدد
المستوطنين الصهاينة في الأحياء الاستيطانية حول القدس القديمة عام 1987، إلى
148 ألف مستوطن، مقابل
351 ألف مواطن عربي.
وخلال
توقيع اتفاق أوسلو عام
1993، ضمّت إسرائيل عدداً من المستوطنات إلى حدود القدس الإدارية، حيث أصبح عدد
الصهاينة في شرقي القدس، وللمرة الأولى في التاريخ، أعلى من عدد المواطنين
الفلسطينيين، إذ وصل عدد المستوطنين إلى 160 ألفاً، مقابل 155 ألف عربي فلسطيني. أما في القدس بشقيها الشرقي والغربي، فبلغ عدد
المستوطنين اليهود 407 آلاف، مقابل 161 ألف فلسطيني.
وعند
إجراء مقارنة بسيطة على عدد اليهود المستوطنين في مدينة القدس الشرقية، قبل وبعد
اتفاق أوسلو؛ سنجد أن عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقدس الشرقية وصل
إلى أكثر من 500 ألف، نصفهم تقريباً في القدس
الشرقية، في حين لم يتجاوز عدد المستوطنين قبل عام 2000،
203 آلاف داخل أراضي
1967، بما فيها القدس الشرقية.
وتشير
الإحصائيات الأخيرة لعدد سكان القدس، وفقاً لمعهد القدس للدراسات الإسرائيلية
الإحصائية؛ إلى أن عدد سكان القدس الكبرى وصل إلى 801 ألف، منهم نحو 475 ألف مستوطن يهودي، مقابل
281 ألف عربي، إلى جانب أكثر من
30 ألفاً
من المسيحيين وديانات أخرى.
وهنا
نلاحظ أن تزايد أعداد المستوطنين اليهود يزداد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة،
وتحديداً السنوات التي أعقبت اتفاقية أوسلو.
ولم
يتوقف الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لمدينة القدس عند الوسائل التي من شأنها توطين
اليهود في المدينة، إنما تعدَّى ذلك من خلال اتباع سياسة التضييق على المواطنين
العرب، كتحديد أعمار المصلين في المسجد الأقصى. ولعل من أهم الأساليب الإسرائيلية الأخيرة ما أعلن عنه
الكنيست الإسرائيلي مؤخراً حول تحويل أحد المواقع الأثرية الإسلامية الواقعة بجوار
المسجد الأقصى، إلى مغتسل للنساء اليهوديات اللواتي يقتحمن المسجد الأقصى من وقت
لآخر، إلى جانب الإجراءات التفتيشية الصعبة بحق المقدسيين، ومنعهم من تطوير
منازلهم، وهدم كثير منها بحجة عدم قانونيتها، حيث وصلت عمليات هدم المنازل خلال
السنوات العشر الأخيرة إلى نحو
1124 مبنى في القدس الشرقية، ما أسفر عن تشريد ما يقارب 5000 مقدسي.
هذا
إضافة لقانون أملاك الغائبين والحفريات التي تجريها إسرائيل تحت المسجد الأقصى،
وأخيراً ما عرف بمشروع القانون الذي ينوي الكنيست التصويت عليه، والخاص بعدم
التنازل عن القدس الشرقية مستقبلاً بحيث يتم استثناؤها من المفاوضات، وهو ما يمكن
اعتباره نوعاً من استباق المفاوضات لتحقيق مكاسب إسرائيلية جديدة في القدس قبل
الوصول لأي اتفاق مع الجانب الفلسطيني.
موقع القدس في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية
يقول
بن غوريون، أحد أهم مؤسسي الدولة العبرية وأول رئيس وزراء لها: «لا معنى لوجود إسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون
الهيكل»، وهذا ما يؤكد أن نظرة
اليهود للقدس لا تقل أهمية عن نظرة المسلمين للحرم المكي، وكذلك الحال بالنسبة
للمسيحيين وكنيسة المهد في بيت لحم.
ومنذ
احتلالها القدس بدأت الحركة الصهيونية ترويج مسألة الهيكل لليهود من خلال جعله
شعاراً رسمياً للدولة اليهودية «نجمة داود»، وتأويل نصوص توراتية وتلمودية لكي تتواءم ومقتضيات هذه
المسألة، وقد أنشأت العديد من المنظمات الصهيونية لإثبات ذلك، ولعل أهمها: «جماعة أمناء الهيكل، حركة الاستيلاء على الأقصى، وحركة
كاخ»، وقد بدأت هذه الجماعات
المتطرفة بمساعدة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على القيام بأعمال الحفريات أسفل
المسجد الأقصى، حيث وصل عدد هذه الحفريات وفقاً لأطلس «Dan Bahat»، إلى 65 حفرية منذ عام 1967. وعلى الرغم من فشل إسرائيل
حتى الآن في الوصول لأي آثار لما تدّعيه، إلا أنها لا تزال تصر على البعد الديني
لإثبات حقائق للاستناد عليها حول أحقيتها في القدس.
استخدام القدس في إدارة الصراع
على
الرغم من أهمية القدس وموقعها المهم في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية
المزعومة، إلا أنها بالمفهوم السياسي كانت ولا تزال من أهم الأدوات التي تستخدمها
إسرائيل في إدارة الصراع مع الجانب الفلسطيني. وعلى النقيض من التأكيدات الإسرائيلية التي ترى في القدس
أساساً للدولة العبرية، وهو ما تحاول التأكيد عليه من خلال تغيير كثير من رمزيتها
الدينية الإسلامية؛ إلا أن الرؤية الثاقبة المبنية على الشواهد المتعلقة بالتصرفات
الإسرائيلية تجاه القدس منذ عام
1967، تؤكد أن أساس الصراع العربي الإسرائيلي لا يقتصر على قضية القدس، إنما
هناك مسألة أهم وأخطر ترتبط بالوضع الديمغرافي لإسرائيل؛ لذلك أزعم أن إسرائيل
ستكون مستعدة للتنازل عن أجزاء من القدس الشرقية والمقدسات الدينية الإسلامية
مقابل تنازل الفلسطينيين عن الدولة كاملة السيادة.
وهذا
التصور يأخذ أهميته كون القدس الشرقية على الرغم من محاولات تهويدها المستمرة إلا
أن السكان العرب هم الأغلبية في حال استثناء المستوطنات الجديدة التي ضمها
الاحتلال للمدينة.
وعند
النظر لهذه التعقيدات المرتبطة بالقدس وموقعها من مفاوضات السلام، سنجد أن إسرائيل
تستخدمها كأداة تناور بها الخصم الفلسطيني من وقت لآخر، وهو ما يمكن توضيحه في
أمرين:
الأول: استخدام القدس كوسيلة لتحقيق مكاسب وتنازلات جديدة على
حساب الفلسطينيين، فتحاول من فترة لأخرى تطبيق قوانين جديدة من شأنها استفزاز
العرب بهدف دفع الجانب الفلسطيني للتنازل عن الملفات الأكثر أهمية بالنسبة للقضية
الفلسطينية؛ كملف حدود الدولة الفلسطينية واللاجئين الذي يمثل عصب القضية، فتنازلُ
الجانب الفلسطيني عن ملف اللاجئين يعني إنهاء القضية.
الثاني: تستخدم إسرائيل القدس كوسيلة لإفشال المفاوضات، ففي 28 سبتمبر زار رئيس الوزراء الأسبق «شارون»
المسجد
الأقصى، ما أثار حفيظة المسلمين، حيث تزامنت الزيارة مع وصول المفاوضات لمراحل
متقدمة بين الجانبين، الأمر الذي أسهم في إفشالها.
المفاوضات والخيارات العربية
لم
تعد للعرب خيارات كثيرة في القدس على وجه التحديد؛ لأن الصراع عليها يسير باتجاه
حسم هويتها الدينية والثقافية، والهوية السكانية، وهذا ما يجعل من صراع البقاء أحد
أهم الأسلحة التي يمكن الاعتماد عليها فلسطينياً، خاصة أن التوازن الديمغرافي لعدد
السكان يتجه في صالح السكان العرب، على حساب السكان اليهود، وهو ما تؤكده دوماً
المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، التي تؤكد أن العرب داخل أراضي عام 48 يشكلون تهديداً استراتيجياً ووجودياً لإسرائيل.
أيضاً
هناك خيار آخر لا يقل أهمية عن الخيار الأول، ويتلخص في تقديم كافة أشكال الدعم
لسكان القدس بهدف إحباط المحاولات الإسرائيلية التي تسعى لتهجيرهم، وهنا لا بد من
أن يتنوع الدعم بين السياسي والمالي المباشر للسكان العرب، وغير المباشر من خلال
التشجيع على الاستثمار العربي في المناطق والأحياء العربية للمدينة.
أيضاً
الدعم القانوني الذي يعدّ من الخيارات التي لا تقل أهمية عن الخيارات السابقة، فمن
المهم أن يكون الدعم داخل إسرائيل وخارجها، هذا إضافة للدعم الإعلامي الذي يهدف
لاستثارة المسلمين والشعوب الحرة، بهدف فضح الممارسات تجاه السكان العرب والمقدسات
الإسلامية.
الثوابت الإسرائيلية في المفاوضات
يسيطر
الهاجس الأمني الذي يضع إسرائيل في حالة صراع دائم، على نظرية الأمن القومي للكيان
الصهيوني؛ لذلك تتجه للعنف والقوة العسكرية وخلق الحقائق السياسية والاستيطانية
لتحقيق تطلعاتها التوسعية.
ولعل
فكرة الحرب الأزلية مع العرب التي تهدد الأمن الإسرائيلي باستمرار، تعد من أهم
ركائز الأمن القومي لديها.
وهذا
ما يدفعنا للقول إنه في حال وضع تصورات عكسية لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي،
يمكن الوصول إلى الثوابت الإسرائيلية التي ستشكل محور الدراسة.
الثابت
الأول: عدم قبول دولة قوية في محيطها
هناك
قناعة إسرائيلية تقوم على أن حمايتها وبقاءها مرتبط بتجزئة وتقسيم الدول العربية
والإسلامية المحيطة بها.
فهذا
الثابت في نظرية الأمن القومي للكيان، يفرض نفسه بقوة على التفكير الاستراتيجي،
خاصة أن إسرائيل تعتبر نفسها نقطة في بحر من الأعداء العرب؛ لذلك نجحت في تحقيق
كثير من تطلعاتها المتعلقة بعدم قبول دولة قوية في محيطها، فلعبت خلال السنوات
الأخيرة على تحييد الأردن وكسبه لصفها من خلال التلويح بالمكاسب الاقتصادية حتى
يشارك في عملية حصار الفلسطينيين واستيعابهم داخل أي إطار سياسي اقتصادي، ليتحولوا
من قوة ذاتية داخل التشكيل الحضاري العربي إلى مجموعة بشرية مشتتة ذات توجهات
اقتصادية ضيقة.
وقد
استطاعت خلال عام 1973 أن تحمي جبهاتها الشمالية
الشرقية مع سورية من خلال احتلال هضبة الجولان ذات الموقع الاستراتيجي المميز،
وكذلك الحال بالنسبة للحدود الشرقية مع مصر، حيث يعتبر اتفاق كامب ديفيد عام 1979 بمنزلة انتصار للكيان الصهيوني الذي حجّم من
تحركات الجيش المصري في ذلك الوقت، ولعل دورها في دعم الانقلاب العسكري ضد الرئيس
المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو الماضي، جاء بمنزلة
عقاب له على دوره الداعم للمقاومة الفلسطينية في غزة أثناء الحرب الإسرائيلية على
قطاع غزة نهاية عام 2012م.
ولا
يقتصر الدور الإسرائيلي على إضعاف العرب وتفكيك قوتهم من خلال مواجهتهم بشكل
مباشر، بل تعدى الأمر إلى مستوى أبعد من ذلك، من خلال محاصرة الأعداء العرب والعبث
بأمنهم القومي، فالتحرك الإسرائيلي في إفريقيا واعتبار الأخيرة جزءاً من دوائر
أمنها القومي؛ بات يشكّل تهديداً واضحاً لمياه النيل التي تشكل شريان الحياة لمصر
والسودان، كما أسهمت بشكل أو بآخر في عزل دول المغرب العربي عن محيطها الإسلامي
والعربي، حتى إن مفهومها عن الشرق الأوسط لا يتضمن دول المغرب العربي، وهو ما
أكدته دوماً في مفاوضاتها مع الدول العربية بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م.
الثابت
الثاني: جعل المعركة خارج حدود إسرائيل بالاعتماد على التكنولوجيا العسكرية
يؤكد
الخبراء العسكريون الإسرائيليون أن عمق الكيان الاستراتيجي لا يتعدى 40 ك م، وهو عمق لا يسمح بأي انسحاب إسرائيلي لحدود عام 1967، ورغم أن التطور التكنولوجي في مجال الأسلحة قلص إلى حد
بعيد من أهمية العمق الاستراتيجي؛ فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ما زالت
تصرّ على تواجدها العسكري على نهر الأردن، وهو ما ظهر جلياً خلال المفاوضات
الجارية بعد طلب إسرائيل بقاء قواتها العسكرية في منطقة الأغوار، ومحاولاتها جعل
حدود الدولة الفلسطينية خارج جدار الفصل العنصري، فهيمنة المفهوم التقليدي للأمن
على التفكير الاستراتيجي لدى قطاع من المفكرين وصنّاع القرار الإسرائيلي، جعل من
هاجس ضعف العمق الاستراتيجي دافعاً للقيام بالمعارك خارج حدود الدولة التي ليس
بمقدورها تلقي أي ضربات عسكرية.
كما
أن المجتمع الإسرائيلي يكون أكثر ميلاً للهجرة العكسية خلال المواجهات المسلحة مع
الفلسطينيين، حيث أكدت بعض التسريبات من داخل إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على غزة
عام 2012، أن السفارة الروسية في تل
أبيب كانت قد تلقت نحو
250 ألف طلب للهجرة خلال الأيام الأولى للحرب.
تسعى
إسرائيل مؤخراً لتبنّي الخطة الجديدة القائمة على حقيقة أنها باتت تمثل قوة عالمية
في ثلاثة مجالات حربية رئيسة، جميعها تقوم على توظيف التقنيات المتقدمة في الجهد
الحربي، وهي: وسائط القتال غير المأهولة،
لا سيما الطائرات من دون طيار، وأنظمة النيران الدقيقة، وتوظيف الفضاء الإلكتروني
في الأغراض العسكرية، وذلك بهدف التغلب على مسألة إصابة عمقها الاستراتيجي، وجعل
القتال خارج الحدود.
الثابت
الثالث: قوة الردع
تعتمد
إسرائيل على احتكار السلاح النووي وترفض أي محاولات يقوم بها بعض دول الجوار
لتطوير قدرات نووية، حتى إن كانت سلمية؛ ففي عام 1981 قام سلاح الطيران الإسرائيلي بإجهاض المحاولات
النووية العراقية، من خلال قصف مفاعل «تموز» النووي، كما عملت أجهزة
المخابرات الإسرائيلية طوال العقود الماضية على تصفية علماء الذرة العرب، أمثال «د.
يحيى
أمين المشد» الذي قتل في العاصمة
الفرنسية باريس عام 1981، وكذلك الحال بالنسبة
للعالم النووي سمير نجيب، والدكتور نبيل القليني الذي تم اختطافه منذ عام 1975 في أوروبا الشرقية، والقائمة تطول.
لكن
في هذا الصدد من المهم الحديث عن رفض الكيان الصهيوني التوقيع على معاهدة حظر
انتشار الأسلحة النووية، وذلك من أجل الاحتفاظ بقوة الردع النووية التي كان لها
أثر مهم في حرب أكتوبر عام
1973، حيث لوحت إسرائيل باستخدام هذا السلاح خلال حرب الاستنزاف، وهو أحد
الأسباب التي دفعت مصر لوقف إطلاق النار في ذلك الوقت.
الثابت
الرابع: التوسّع الاستيطاني لتحقيق التفوق الديمغرافي
يبقى
معيار الديمغرافيا واحداً من أهم الثوابت التي تؤرق الساسة وصنّاع القرار في
إسرائيل، فعدد العرب الذي يفوق
300 مليون، يقابله نحو
7.5 مليون يهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما تعتبره إسرائيل أمراً
خطيراً، خاصة أن هذا الواقع الديمغرافي قد ينعكس مستقبلاً على موازين القوى
العسكرية والاقتصادية والسياسية؛ لذلك تسعى إسرائيل لاستغلال الأراضي الفلسطينية
المحتلة عام 1967، واستقطاب الجاليات اليهودية
لتوطينهم في الكتل الاستيطانية التي يتم إنشاؤها تباعاً؛ لذلك تصر إسرائيل مؤخراً
على فكرة توسيع الاستيطان رغم استمرار ما يسمى مفاوضات السلام.
ووفقاً
لدراسة حديثة نشرت في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية بتاريخ 21/12/2011، فإن هناك وجهتي نظر داخل إسرائيل
حول التحولات الديمغرافية وتوقعاتها المستقبلية، أما الفئة الأولى فتقول إن
إسرائيل لا تواجه مشكلة ديمغرافية، وبالتالي لا مبرر إطلاقاً للتفكير بحلول
سياسية، على شاكلة «الانفصال» الذي تم في عام 2005 عن قطاع غزة. أما الفئة الثانية، وهي الرأي الغالب، فتؤكد احتمالات
تفاقم المشكلة الديمغرافية في المستقبل؛ لذلك فهي تؤكد على الحلول السياسية للصراع
التي تضع في صلبها غاية الحفاظ على الطابع اليهودي الصهيوني لإسرائيل.
ويأتي
هذا التخوف كون الرؤية الصهيونية تقوم على أساس أن معدل النمو الديمغرافي
الفلسطيني بوتيرته الأسرع من وتيرة النمو اليهودي، يمكن أن يؤدي إلى تهديد الهوية
القومية للدولة اليهودية، وقد تبدأ آثار ذلك بالتجسد مع عام 2025 وفقاً للدراسات الإسرائيلية؛ لذلك تحاول خلال
السنوات الأخيرة التأكيد على فكرة يهودية الدولة، بهدف توفير الحجة لطرد السكان
العرب من داخل أراضي 1984 المحتلة، وبذلك تكون قد
تخلصت من عبء المشكلة الديمغرافية في الداخل الإسرائيلي، خاصة أن عدد السكان العرب
في إسرائيل يصل إلى 35 ٪ من عدد السكان، وهو ما
يقوّض من مساعي يهودية الدولة.
الثابت
الخامس: الحليف الدولي
شكَّل
الاستناد على الحليف الدولي الاستراتيجي جزءاً مهماً من سلوك إسرائيل السياسي، لكن
هذا الحليف الدولي لا يلعب دور الضامن لإسرائيل التي لا تثق بأي ضمانات دولية،
خاصة أن التجربة التاريخية تشير إلى أن الضمانات التي تقدمها الدول الكبرى لم تحظَ
بتشجيع من الدول الصغرى.
لكن
طبيعة التحالف الأمريكي
- الإسرائيلي
مختلفة، وهو ما أكده أحدث التقارير الإسرائيلية الذي نشره موقع «نيوز وان»
الإسرائيلي
بتاريخ 21 أكتوبر 2013، مبيّناً أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية بلغت أعلى عمليات التنسيق والتحالف منذ 50 عاماً، فرغم الخلافات التي يمكن أن تطرأ على العلاقات
بين الدولتين، إلا أنها تبقى في الإطار التكتيكي، خاصة أن إسرائيل ظلت خلال
السنوات الخمسين الماضية تعتمد على الظهير الأمريكي. ولا يعني اتجاه إسرائيل نحو التطور العسكري أنها لم تعد
بحاجة للدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي والسياسي مستقبلاً، فالأمر يبدو صعباً؛
لأن مبدأ الاعتماد على الذات في علاقات إسرائيل مع الجانب الأمريكي، يبدو أمراً
مستبعداً؛ لأن التحالف بين الجانبين لا يمكن حصره في الجانب الأمني فقط، خاصة أن
المسألة لها كثير من الاعتبارات، فالتحالف يبدو متعدداً بين السياسي والعسكري
والاقتصادي، وربما يصل إلى مستوى التحالف القيمي؛ لذلك نستطيع القول إن استخدام
العلاقات المتميّزة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة؛ دعامة من دعائم أمنها،
أي قوة ردع مساندة لها في مواجهة محيطها العربي.
ختاماً: لا بد من التأكيد على أن الحدود الآمنة هي الحدود التي
تمكّن إسرائيل من السيطرة على كل المنطقة، وهذا الفهم الخاص جداً للحدود الآمنة هو
الذي يحدد الموقف من قضية التسوية مع العرب، فالسيطرة بالمفهوم الإسرائيلي ليست
السيطرة بالمعنى العسكري، بل تشمل السيطرة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية،
والسيطرة الديمغرافية بالدرجة الأولى، فلا وجود ولا مستقبل بالمنظور الاستراتيجي
للدولة العبرية إلا بالسيطرة الفعلية والكلية من خلال الوجود السكاني الخالص
لليهود في حدودها.
المصادر:
- صلاح زكي،
نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، دار ابن زيدون، بيروت 1986.
- محمد المصري،
نظرية الأمن الإسرائيلي، مركز الأسرى للدراسات، 2009.
- سليم سلامة،
ترجمة: إسرائيل
ديمغرافياً
2010 - 2030 في الطريق نحو دولة دينية، المركز الفلسطيني للدراسات
الإسرائيلية «مدار»، 2011.
- وليد عبد
الحي، التحديات الاستراتيجية للفكر الصهيوني، مركز الزيتونة للدراسات السياسية، 2012.
- سلام الربضي،
إشكالية مشروع إسرائيل الجديدة، مركز الزيتونة للدراسات السياسية، 2007.
- عبد الوهاب
المسيري، نظرية الأمن الصهيونية، المركز الفلسطيني للإعلام.
- إياد صبري أبو
جبر، البرنامج النووي الإيراني وأثره على توازن القوى في الشرق الأوسط، رسالة
ماجستير، القاهرة
2009.
- كمال الأسطل،
مستقبل مدينة القدس في ظل السياسات والإجراءات الإسرائيلية الهادفة لتغيير الواقع
الجغرافي بعد عام
1967، الجامعة الإسلامية - غزة، 2011.
- إبراهيم أبو
جابر وآخرون، مستقبل القدس وسبل إنقاذها من التهويد، المركز الفلسطيني للإعلام، 2013.
- ألون بن
مائير، مواجهة الحقيقة حول القدس، 2013.
- علي بدوان،
نحن والقدس والتقسيم، الجزيرة نت.
- صالح النعامي، دور السلطة الفلسطينية
في تهويد الضفة الغربية، الجزيرة نت، أكتوبر 2013.
::
مجلة البيان العدد 319 ربيع الأول 1435هـ،
يناير 2014م.
:: البيان تنشر ملف
خاص بعنوان (( قضية فلسطين.. والصراع على القدس))