" واقدساه "
الحمد
لله، والصلاة والسلام
على محمد النبي
المرسل رحمة وهداية
للناس، أما بعد:
فإن القدس بالنسبة
للمسلمين ليست مدينة عادية ككل المدن؛ أرض وبيوت ومزارع ومصانع ومدارس وجامعات،
وهي كذلك عند اليهود؛ إنها الأرض المقدسة المباركة: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله». وما كان مقدساً عند أناس
لا يمكن أن يكون مجالاً للتفاوض، ومن ثم فإن التفاوض بشأنها يكون من باب الخداع
وتحيّن الظروف لحين التمكّن من حيازتها كاملة، فإذا كان التفاوض بين طرفين أحدهما
أشد قوة من الآخر وعنده إصرار، فليس للتفاوض من نتيجة سوى أن يحقق الطرف الأشد قوة
كل أو معظم إرادته، ولا شك أن اليهود اليوم أقوى من العرب بسلاحهم وتدريباتهم،
ويقف في صفهم العالم النصراني بقضه وقضيضه، فلن يكون للتفاوض أي نتيجة سوى التسليم
لليهود بأحقية امتلاكهم القدس، واليهود يتّبعون خطة الالتهام التدريجي شيئاً
فشيئاً، فيتفاوضون، حتى إذا حصلوا على أقصى تنازل ولم يمكن غيره، توقفت المفاوضات،
وبعد فترة يعودون للتفاوض من جديد ويبدؤون من حيث انتهوا ليحصلوا على تنازل جديد،
وهكذا حتى تؤول إليهم كاملة، خاصة بعد تبنّي العرب مقولة «السلام خيار استراتيجي».
إن القدس لا تصلح أن تكون
مجالاً للتفاوض، فالقدس وفلسطين كلها إسلامية ولا بد من عودتها كاملة لأصحابها،
وليس من حق مسلم أن يتنازل عن شبر من أرض الإسلام للكفار، وعلى المسلمين أن
ينشغلوا الآن بإعداد القوة التي تمكّنهم من استرداد أراضيهم بدلاً من إضاعة الوقت
في تفاوض لن يكون له من مردود سوى إضاعة القدس لكن بالتدريج.
وفي
السنتين الأخيرتين ازداد معدل التهويد في القدس، واستغل الصهاينة انشغال الشعوب
العربية بثوراتهم الداخلية، فأخذوا يسابقون الزمن لفرض واقع جديد يتطاولون فيه على
الأقصى خصوصاً، ويتسابقون لتقديم مشاريع سياسية لتقسيمه زمانياً ومكانياً؛ لذا
رأينا في مجلة البيان أن نقدم لقرائنا الكرام عدداً خاصاً عن القدس لنسهم في صناعة
الوعي وإيقاظ الشعوب، ونطلق صرخة نذير للأمة.