• - الموافق2025/03/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المماليك واقتلاع بقايا الصليبيين من سواحل الشام

أن الانتصار الإسلامي الساحق والشامل على الصليبيين في حطين، لم يكن قطعًا لدابر وجودهم الاستيطاني الاستعماري في بلاد الشام، وإن لم يعودوا يُشكّلون خطرًا على الإسلام وأهله، كما كانوا قبل حطين، وقد استمر وجودهم في الشام بعد وفاة صلاح الدين، حوالي مائة عام أخر


كانت موقعة حطين (583هـ/1187م) نهاية لخط الجهاد المتصاعد، والذي انطلق من الموصل بعد سنوات قليلة من الاحتلال الصليبي للقدس (492هـ/1198م)، بقيادة الأمير مودود، ثم آق سنقر البرسقي، ثم عماد الدين زنكي، ثم ابنه نور الدين محمود، وأخيرًا، وليس آخرًا، صلاح الدين الأيوبي[1]، الذي استطاع -بفضل توفيق الله له، ثم بإخلاصه وحُسْن تدبيره وأساليبه القيادية الفذَّة- الاستفادة من جهود كلّ مَن سبقوه من القادة، واستغل الفرصة التي سنحت له للإيقاع بالصليبيين في معركة حطين؛ تلك المعركة الخالدة، التي لم تكن مجرد هزيمة عسكرية للصليبيين في الشام، بل كانت كارثة شاملة حلَّت بهم جميعًا، وقضت على آمالهم وزهرة فُرسانهم، وبخاصة مملكة بيت المقدس، التي كانت تتركز فيها كتلتهم الرئيسية، فقد انتهى أمرها تمامًا، وانتهى المطاف بمَلكها أسيرًا في إحدى قلاع نابلس.

تداعيات موقعة حطين

بعد هزيمة الصليبيين المدمّرة في حطين، تداعت مدن الساحل في السقوط في يد صلاح الدين؛ إحداها بعد الأخرى، بسرعة مذهلة، مثل عكا وقيسارية وحيفا وصيدا، وبيروت وجبيل وعسقلان، وغزة واللد والرملة، وغيرها كثير.

ثم توّج صلاح الدين انتصاراته الظافرة بتحرير القدس، والتي كانت، بمكانتها في الإسلام، المُحرّك الأساسي ليقظة المسلمين، وانطلاقتهم الجهادية التي ظلت تتصاعد باستمرار، على مدى تسعين عامًا، وذلك في ظهيرة الجمعة (27 رجب 583هـ/2-10-1187م). ولم يتبقَّ من الموانئ التابعة للمملكة الصليبية الزائلة، سوى صور، التي لجأت إليها فلول الناجين من سيوف المسلمين في حطين.

ورغم الحملة الصليبية الثالثة، التي احتشدت فيها جيوش أوروبا بأَسْرها، وقادها ثلاثة من أعظم ملوكها -أشهرهم ريتشارد (قلب الأسد)؛ ملك إنجلترا (586/1190م)-؛ لإعادة احتلال بيت المقدس، واستعادة الأراضي التي طردهم منها صلاح الدين، إلا أنها فشلت في ذلك، باستثناء مدينة عكا، التي سقطت في أيديهم بعد استماتة حاميتها في الدفاع عنها، وكذا شريط من المدن الساحلية يمتدّ من عكا إلى يافا.

ونتيجة لذلك الفشل، فقد تخلَّى ملك إنجلترا عن عناده وغطرسته، ودخل في مفاوضات مع صلاح الدين، انتهت بعقد صلح الرملة (588هـ/1192م)، والذي نصَّ على أن يَترك للصليبيين شريطًا من الساحل يمتد من صور إلى يافا، والاحتفاظ ببعض القلاع في الداخل، وأن يُسمَح لهم بالحج إلى بيت المقدس، ثم ركب ريتشارد البحر وعاد إلى بلاده.

وكان صلاح الدين، قد رأى أن من الحكمة عقد هذا الصلح، لكي يلتفت إلى شؤونه الداخلية، ولإراحة عساكره. وكان صلاح الدين يعتزم -لو امتد به الأجل- أن يستكمل إجلاء الفرنجة عن جميع بلاد الشام، بل أن يستولي على الجزر، التي كانت في عرض البحر المتوسط، والتي كانت الحملات الصليبية تتجمع فيها، قبل أن تصل إلى سواحل الشام، وبذلك يتسنَّى له قطع دابر مَن تبقَّى بها من الصليبيين، والحيلولة دون مجيء حملات صليبية جديدة إليها، ولكنَّه لم يُعمّر طويلًا، بعد ذلك، فقد وافاه الأجل بدمشق في (27صفر 589هـ/4-3-1193م)، وهو في الـ57 من عمره.      

عوامل بقاء الصليبيين بعد صلاح الدين

وهكذا نرى أن الانتصار الإسلامي الساحق والشامل على الصليبيين في حطين، لم يكن قطعًا لدابر وجودهم الاستيطاني الاستعماري في بلاد الشام، وإن لم يعودوا يُشكّلون خطرًا على الإسلام وأهله، كما كانوا قبل حطين، وقد استمر وجودهم في الشام بعد وفاة صلاح الدين، حوالي مائة عام أخرى، وذلك لأسباب عديدة؛ من أهمها:

1- إن المملكة الكبرى التي بناها صلاح الدين، تفكَّكت بعد وفاته، إلى دويلات بين أبنائه وإخوته وأقاربه، حدث ذلك في مصر ودمشق وحماة وحمص وحلب وميافارقين وبعلبك، واشتدت المنازعات بينهم، بسبب تعلُّقهم بالدنيا، وتطلُّع كل منهم إلى ما تحت يد الآخر... كل هذا وغيره أدَّى إلى ركود حركة الجهاد لأكثر من أربعة عقود، بل إن بعضًا من هؤلاء الأمراء، لم يتورَّع عن مساومة الصليبيين على مقدسات الأُمَّة؛ تحقيقًا لمصالحه، ونكايةً بإخوانه.

2- إن أولئك المستوطنين الغزاة، كانوا يستمدّون وجودهم وقدرتهم على البقاء، من الدعم المُقدَّم لهم، باستمرار، من الممالك والإمارات الصليبية في الغرب الأوروبي؛ فوجود مراكزهم على الساحل، كان يُحقِّق لهم اتصالًا بحريًّا آمنًا مع وطنهم الأم، وكانت البابوية، لا تَفتأ تُحرِّض الرعاع، وتمنحهم صكوك الغفران، وتدفع بهم نحو «أرض اللبن والعسل»؛ حملةً وراء حملة.

3- إن المدن التي بقيت في أيديهم -مثل إنطاكية وطرابلس وصور وعكا-، كانت حصينة جدًّا، وكانوا قد زادوا من تحصينها، وشيَّدوا القلاع المنيعة لحراستها، وحفروا فيها الآبار، وخزَّنوا فيها أطنانًا من المؤن والسلاح بما يكفيهم للصمود في وجه الحصار لمدة طويلة. فكان اقتلاعهم منها، بالتالي، يحتاج وقتًا طويلًا وتكاليف باهظة بشرية ومادية، في الوقت الذي كانت فيه الجيوش الإسلامية، قد ملَّت مِن القتال المستمر منذ تسعين عامًا.

4- إن المسلمين لم يكادوا يستفيقوا من صدمة الصليبيين المتعصبين، حتى هزَّتهم صدمة التتار المتوحشين، الذين اجتاحوا الشرق الإسلامي كله، ودمَّروا مُدُنه وحواضره العظام، وارتكبوا فيها الفظائع، ثم انقضُّوا على بغداد ودمّروها وذبحوا سكانها، وأسقطوا الخلافة العباسية بها (656هـ/1258م)، وقتلوا الخليفة المستعصم شر قتلة. وكانت تلك الفترة أشد الفترات رعبًا في تاريخ المسلمين، فقد حُوصِرُوا بين فكَّي كماشة غربية شرقية.

قيام دولة المماليك ودورها الجهادي

درج السلاطين الأيوبيون -الذين انقسموا على أنفسهم، وتعدَّدت إماراتهم في مصر والشام بعد وفاة السلطان الناصر صلاح الدين- على شراء أعداد كثيرة من المماليك الصغار، الذين كان يَجْلبهم النخّاسون من أسواق الرقيق، في آسيا الوسطى والقوقاز، وقد حرص أولئك السلاطين، على تربية هؤلاء المماليك الصغار، تربية إسلامية عربية، وتنشئتهم تنشئة عسكرية، ليكونوا أعوانًا لهم في التصدي للأخطار الداخلية والخارجية التي تتهدّدهم. فشبَّ هؤلاء المماليك، بالتالي، وقد تعرَّبوا وتشرَّبوا تعاليم الإسلام، وبالتالي، كرَّسوا جهودهم للدفاع عن أرضه وأهله ومقدساته وجهاد أعدائه.

وكانوا يُشكِّلون الغالبية في جيش الدولة الأيوبية في مصر، وحقَّقوا انتصارًا ساحقًا على الحملة الصليبية السابعة على مصر، في معركة المنصورة، وأسروا قائدها لويس التاسع ملك فرنسا (648هـ/1250م). فقويت بذلك شوكتهم، وبخاصة بعد وفاة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، خلال المعركة، ولمَّا لم يُحسن السلطان الجديد (توران شاه) التعامل معهم، قتلوه ونصبوا واحدًا منهم سلطانًا على مصر بدلًا عنه، وهو عز الدين أيبك (المعز)، وكان ذلك بداية ظهور دولة المماليك، التي استمرت لأكثر من مائتين وخمسين عامًا.

وكان هؤلاء المماليك في الثلث الأول من حكمهم، سيفًا قاطعًا ضد التتار المتوحشين القادمين من الشرق، وضد الصليبيين المتعصبين القادمين من الغرب، وضد النصارى الأرمن الحاقدين، الحلفاء لكليهما، فقد استطاع المماليك أن يُحطِّموا أسطورة التتار في معركة عين جالوت (659هـ/1260م) بقيادة السلطان المظفر سيف الدين قطز (657-658هـ/1259-1260م)، ثم طردوهم من الشام بعد ذلك، وحالوا دون عبورهم لنهر الفرات للعودة إليها مرة أخرى.

كما أن المماليك أدركوا، بعد أن ثبت لهم تعاون الإمارات الصليبية المتبقية في سواحل الشام مع التتار، أنه لا بد من اقتلاع هذه الإمارات من جذورها، وبخاصة أن وجودها في سواحل الشام، يُشكِّل نقطة ارتكاز أساسية، يمكن أن تعتمد عليها أيّ حملة صليبية جديدة قادمة من الغرب الأوروبي، كما حدث مرارًا في السابق.

لذلك وجَّه المماليك جهودهم منذ وقتٍ مبكّر لاستئصال تلك الغدد السرطانية المزمنة من سواحل الشام، وتم ذلك فعلًا على أيدي أربعة من كبار سلاطينهم، وهم: الظاهر بيبرس (658-676هـ/1260-1277هـ)، والمنصور قلاوون (678-689هـ/ 1279-1290م)، والأشرف خليل بن قلاوون (689-693هـ/1290-1293م)، والناصر محمد بن قلاوون (698-708هـ/1299-1308م).

جهود الظاهر بيبرس ضد الصليبيين

بدأ السلطان الظاهر بيبرس حربه الشاملة ضد الصليبيين في الشام بتحرير المدن الساحلية الثلاث: قيسارية وحيفا وأرسوف (663هـ/1264م). وفي رمضان (664هـ/1266م)، حرّر قلعة صفد وإقليم الجليل. ثم حرَّر ثلاث قلاع وستة عشر برجًا محصنًا بين مدينتي حمص وطرابلس (665هـ/1267م). ثم حرَّر مدينة يافا الساحلية وقلعة الشقيف الواقعة بالقرب من صيدا، وأدَّب نصارى جبل لبنان لتعاونهم مع الصليبيين (666هـ/1268م).

وفي هذا العام أيضًا أرسل حملة عسكرية بقيادة قلاوون دمَّرت مدن مملكة أرمينية الصغرى، الواقعة في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى؛ لمساندة ملوكها للصليبيين في الشام، ولكونهم كانوا طلائع للتتار ومشاركين في اقتحامهم لبغداد ومدن الشام، وفي ارتكابهم الفظائع بحق أهلها.

وفي رمضان من العام نفسه (666هـ/1268م)، ضرب بيبرس ضربته الكبرى، والمتمثلة بتحرير مدينة أنطاكية، واقتلاع أهم مستعمرة صليبية كانت باقية في الشام حتى ذلك الوقت. ثم حرّر حصن صافيتا، وحصن الأكراد (قلعة الحصن)، وحصن عكار، وكانت هذه الحصون الثلاثة أمنع المعاقل الصليبية المتبقية، وكانت خط دفاع عن مستعمرة طرابلس الصليبية.

ثم حاصر مستعمرة طرابلس ذاتها، وانتهى الحصار بعقد هدنة لمدة 10 سنوات مع ملك قبرص، الوصي على أمير طرابلس الطفل، وحذت عكا حذو طرابلس في عقد الهدنة وذلك في العام (670هـ/1271م). ثم حرّر قلعة مرقية ومدينة بانياس الساحلية (675هـ/1276م).

وتوفي السلطان الظاهر بيبرس، وقد أذل الصليبيين وأذاقهم الويلات، وأجبرهم على دفع الجزية، ولم يكن قد بقي للصليبيين يوم وفاته، سوى إمارتي طرابلس وعكا، وعدة معاقل متناثرة.

جهود المنصور قلاوون ضد الصليبيين

بعد فترة قصيرة من وفاة السلطان الظاهر بيبرس، تولَّى الحكم المنصور قلاوون، الذي كان يده اليمنى، فبدأ السلطان قلاوون عهده بمهادنة الصليبيين، لكي يتفرغ لقتال التتار الذين تجدَّد خطرهم في عهده، وأيضًا لمواجهة حركات المنشقين الداخليين، وما أن صدَّ هجوم أولئك، وأحبَط مؤامرة هؤلاء، حتى سعَّر الحرب ضد الصليبيين من جديد، فحرَّر قلعة المرقب المنيعة الواقعة بالقرب من بانياس (684هـ/1285م)، ثم حرّر مدينة اللاذقية الساحلية، آخر بقايا مستعمرة أنطاكية الصليبية الآفلة (686هـ/1287م).

ثم سجَّل أعظم انتصاراته بتحرير مدينة طرابلس الساحلية، واقتلاع آخر مستعمرة صليبية كانت لا تزال باقية في الشام حتى ذلك الوقت (688هـ/1289م). وبذلك لم يبقَ للصليبيين من المدن والمعاقل الكبرى بالشام سوى مدينة عكا الساحلية، والتي صارت مركز «مملكة بيت المقدس»، بعد تحرير القدس، إضافةً إلى معاقل قليلة أخرى هنا وهناك مغلوبة على أمرها. وعندما أدرك الصليبيون في عكا أن الدائرة ستدور عليهم قريبًا، بادروا بتجديد الهدنة مع السلطان قلاوون لمدة 10 سنوات أخرى.

ولكن بعد ذلك بقليل، وصلت إلى عكا جموع صليبية جديدة من الغرب الأوروبي (689هـ/1290م)، ولم يُقدِّروا خطورة الموقف الذي بات فيه إخوانهم في الشام، أو يحسبوا حساب قوة السلطنة المملوكية، فدفعهم تهوُّرهم وتعصُّبهم الأعمى إلى قتل بعض التجار المسلمين داخل مدينة عكا. ولمَّا علم السلطان قلاوون بذلك، استشاط غضبًا، وقرَّر الخروج فورًا على رأس جيشه؛ لتأديبهم، وتحرير عكا منهم، غير أن المرض داهمه قبل مغادرته القاهرة، فمات بها.

اقتلاع آخر الصليبيين من عكا

وقد خلف السلطان المنصور قلاوون ابنه الأشرف خليل بن قلاوون، الذي لم يكن يقل شجاعةً وإقدامًا وفروسية عن أبيه، لذلك فقد عزم على أن يُكمل ما بدأه والده، فخرج على رأس الجيش إلى الشام، وانضم إليه المتطوعون، وحاول الصليبيون في عكا إرضاءه، لكي ينصرف عنهم، ولكنه أبَى، وقصد مدينة عكا، وحاصرها حصارًا شديدًا وضيَّق الخناق عليها.

وقد أبدى الصليبيون المتحصنون داخلها مقاومة شديدة وعنيدة، لكونها آخر أمل لوجودهم في الشام، إلا أن المدينة المنيعة سقطت في النهاية في أيدي السلطان؛ نظرًا لكفاءة جيشه، ومعداته العسكرية، وبخاصة المجانيق الضخمة التي دكَّت أسوار المدينة، وكان ذلك في جمادى الآخرة (690هـ/أيار1291م)، بعد حصار دام أربعة وأربعين يومًا. ولجأ مَن بقي بها من الصليبيين إلى السفن الراسية في الميناء، هروبًا من الموت الأحمر، الذي كان يُطاردهم، ولم تكن تلك السفن تكفيهم، فاكتظوا فوقها بالمئات، فغرقت بعضها بهم في عرض البحر لثقل حمولتها، فكانوا طعامًا للحيتان.

ولم يتبقَّ للصليبيين في الشام بعد ذلك، سوى عدة مراكز قليلة متناثرة هنا وهناك، مثل صور وصيدا وبيروت وطرطوس وعتليت، وكانت هذه المدن قد فهمت الدرس، لذلك فقد بادرت بالاستسلام واحدة بعد الأخرى، دون أيّ مقاومةٍ تُذْكَر، وسارع الصليبيون بها بإخلائها والرحيل إلى جزيرة قبرص، وأمر الأشرف بهدم الحصون التي تحمي تلك المدن لقطع أمَلهم في الرجوع إليها.

طرد الصليبيين من جزيرة أرواد

باقتلاع الصليبيين من عكا، يكون الساحل الشامي قد تم تطهيره تمامًا من هؤلاء الغزاة. بَيْد أن بعض فرسان الصليبيين، وبخاصة فرسان الاسبتارية وفرسان الهيكل، والذين يتبعون البابوية رأسًا، وعُرِفُوا بتعصُّبهم الشديد وشدة عدائهم للمسلمين ونكايتهم بهم، لم يعتبروا اقتلاعهم من سواحل الشام نهاية المطاف، فتجمعوا في جزيرة «أرواد»، القريبة من ساحل طرطوس، وقاموا ببناء سور حولها، وحصَّنوها، وأطلقوا عليه اسم «عكا الصغرى»، وجعلوها قاعدة للقرصنة ضد السفن والمراكب الإسلامية، التي تتردد بين مدن الساحل الشامي، وأيضًا لمهاجمة هذه المدن الساحلية ذاتها، مثل طرابلس وبيروت وصيدا، وفرضوا من خلالها حصارًا بحريًّا على طرابلس، وأخذوا المئات من التجار المسلمين أسرى، وسجنوهم بها، واشتد أذاهم وعظم خطرهم، وكثرت الشكاوى منهم، ولمَّا علم السلطان الناصر بن المنصور قلاوون بذلك، بعث لهم أسطولًا داهمهم في الصباح الباكر، وهم في غفلة من أمرهم، وفرض الحصار على الجزيرة، وهدمها على رءوسهم، فقتل منهم زهاء ألفي مقاتل، وأسر الباقين، وتم تخليص جميع من كان في الجزيرة من الأسرى المسلمين، وغنم المسلمون كل ما في الجزيرة، وعادوا على ظهر الأسطول إلى قواعدهم سالمين غانمين. وكان ذلك في يوم الأربعاء (2 صفر 702هـ/25-9-1302م).

وبتحرير هذه الجزيرة طُويت الصفحة الأخيرة من تاريخ الصليبيين الأسود الممزوج بالنار والدم، في المشرق الإسلامي.


 


[1] دون أن ننسى الدور الجهادي المبكر للإمارة الأرتقية في ديار بكر، فقد تصدى أمراؤها (سقمان وإليغازي وبلك بن بهرام) بشجاعة لهجمات الصليبيين العدوانية على حلب خلال السنوات (513-518هـ)، وألحقوا بهم هزائم ساحقة. [انظر، عماد الدين خليل: الطريق إلى حطين (583هـ-1187م): دراسة في مفهوم تكامل الجهد عبر المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي، مجلة آفاق التراث والثقافة، أم القرى، العدد 25-26، يوليو 1999م].

 

 

أعلى