• - الموافق2025/03/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الاحتراز في القرآن

استخدام الاحتراز في القرآن قد زاد وأبانَ وفَصَّل المعنَى المراد، وهو مِن أهم المحسَّنات البديعة التي يُمكن مِن خلالها الوقوف على المزيد مِن جلال القرآن وبلاغة أساليبه وإعجازه البياني..


احتوى القرآنُ المَجيدُ على أروع أساليب البلاغةِ وأجملها؛ كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، والتكرار، والمُشاكَلَة، والسخريّة، والعتاب، والتعجُّب، والإضمار، والالتفات، والفصْل والوصْل، والإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير، والعدول عن المطابقة، والمُغايرة بين الألفاظ، وتوافُق المعنَى والمبنَى، وغيرها من الأساليب التي حفلَ بها الكتابُ العزيز. 

ومِن تلك الأساليب البديعة التي استعملها القرآنُ: (أسـلوب الاحتـراز).

  «الاحتِراز» أوْ «الاحتِراس» هو أَنْ يكونَ الكلَامُ مُحتَمِلًا لِشَيءٍ بَعِيد، فَيُؤتَى بِمَا يَدفع ذَلِكَ الِاحتِمال. يقول الإمامُ عبد القاهر الجرجاني: «الاحتراس هو أنْ يأتي في كلامٍ يُوهِم خلاف المقصود بما يَدفعه؛ أيْ: يُؤتَى بشيءٍ يدفع ذلك الإيهام».

وفي القرآن مواضع كثيرة ورد فيها هذا الفن البلاغي «الاحتِرَاس»؛ نذكُر منها:

  قَول الله -جلَّ جلاله-: ﴿اسلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [النمل: 12]؛ احتَرَسَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ عَن أَنْ يكون ذَلِكَ بسبب بَرَصٍ أو مَرَضٍ.

وكذلك قَولُهُ -تَباركت أسماؤه-: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: 18]؛ احتَرَسَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ عَنْ أَنْ يكون ذَلِكَ مِنْ سُلَيْمَانَ وَجُنُودِهِ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُم، بل مِنْ عَدلِ سُلَيْمَانَ وَفَضْلِه، وَفَضْلِ جُنُودِهِ لَا يَحطِمُونَ النَملَ، إِلَّا بِأَلَّا يَشعُرُوا. وكان تَبَسَّمَ سُليمَان -عليه السلام- سُرُورًا بِهَذِهِ الكَلِمَة، وَأَكَّدَ التَّبَسُّمَ بِالضَّحِكِ؛ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ تَبَسُّمَهُ فيه بهجة وسُرُور.

وقَولُهُ تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 54]؛ احتَرَسَ بِقَولِهِ: ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ عَنْ أَن يكون ذَلِكَ لِضَعفِهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَو اقتَصَرَ عَلَى وَصفِهِم بِالذِّلَّةِ؛ لَتُوُهِّمَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبَهُ الضَعفُ، فلمَّا ذَكَرَ عِزّتَهُم عَلَى الكَافِرِينَ، عُلِمَ أَنَّهَا مِنْهم تَوَاضُعٌ وَعَطْف، وليست ضَعفًا.

وقَولُه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾؛ فلمَّا كانت ﴿أَنَّى﴾ تحتمل معنييْن: كيف، وأين. فاحترسَ بقوله: ﴿حرثَــكُمْ﴾؛ لأنَّ الموضع المكروه ليس بحَرْث، والحرث موضع الزرع.

وقَولُه: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ...﴾ [النساء: 23]؛ فالاحتراس في قوله: ﴿اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ احترز مِن اللاتي لم يدخل بهنَّ، وفي ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾؛ احترس من اللاتي ليست في الحجور.

   وقوله: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: 21]؛ حيث كان بعضُ الأموات ممَّا يعتريه الحياة سابقًا أوْ لاحقًا كأجساد الحيوان والنُّطَفِ متى يُنشِئها الله -تعالى- حيوانًا، احتُرز عن ذلك، بقوله: ﴿غَيْرُ أَحيَاء﴾؛ أيْ: لا تعتريها الحياة أصلًا، فهي أمواتٌ على الإطلاق.

وقوله: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]؛ فلمَّا كان الإنفاق على أيِّ وجه كان مُثابًا عليه العبد، سواء كان قليلًا أوْ كثيرًا، مُحبَّبًا للنفس أمْ لا، وكان قوله: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، ممَّا يُوهِم أنَّ إنفاق غير هذا المقيَّد غير نافع، احترز -سبحانه- عن هذا الوهم بقوله ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾؛ أيْ: يُثيبكم عليه بحسب نيَّاتكم ونفعه.

وقوله: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 95- 96]؛ تأمل حُسْن الانتقال من حالةٍ إلى أعلى منها، فإنه نفَى التسوية أولًا بين المجاهد وغيره، ثمَّ صرَّح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة، ثمَّ انتقل إلى تفضيلهِ بالمغفرة والرحمة والدرجات. وهذا الانتقال من حالةٍ إلى أعلى منها عند التفضيل والمدح أوْ النزول من حالةٍ إلى ما دونها عند الذم؛ أحسن لفظًا وأوقْع في النفس. وكذلك إذا فضَّل -سبحانه- شيئًا على شيء وكل منهما له فضل؛ احترز بذِكْر الفضل الجامع للأمريْن؛ لئلَّا يتوهم أحد ذمّ المُفضَّل عليه.

وقوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير﴾ [الحج: 78]؛ فلمَّا كان قوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ ربما توهم مُتوهِّم أنَّ هذا من باب تكليف ما لا يُطاق، احترز منه بقوله: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾؛ أيْ: مشقَّة، بلْ يَسَّره غايةَ التيسير، فما أمر -سبحانه- إلاَّ بما هو سهل وهيِّن، وإذا عرض بعض الأسباب الموجِبة للتخفيف، خفَّفَ ما أمر به، إمَّا بإسقاطه، أو إسقاط بعضه؛ فسبحانه مِن ربٍّ حكيمٍ عليمٍ!

وقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: 10]؛ لمَّا كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز -سبحانه- مِن هذا بقوله: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾؛ أيْ: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعدَهم الجنّة، وهذا يدلّ على فضل الصحابة كلهم؛ حيث شَهِد اللهُ لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة.

وقوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 78]؛ لمَّا كان الكذب قد يُطلَق على ما لم يُتعمّد، بلْ وقع خطأ؛ احترز عنه بقوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾؛ أيْ: أنه كذب، لا يَشكُّون فيه.

وقوله: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 91]. لمَّا كان أحد من المنافقين بهذه الصفة احترز عنه بقوله: ﴿إِذَا نَصَحُوا﴾؛ أيْ: في تخلُّفهم وجميع أحوالهم.

وقوله: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: 48]؛ بعدما نبَّه سيّدنا إبراهيم -عليه السلام- قومه على خيبة مسعاهم؛ قال غير جازم بإجابة دعوته وقبول عبادته إجلالًا لربِّه وهضمًا لنفسه: «عَسَى أَلَّا أَكُونَ»؛ أيْ: كونًا ثابتًا كأنه احترز بذلك عمَّا لا بدَّ للأولياء منه في الدنيا من البلاء.

وقوله: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأحقاف: 12]؛ لمَّا كان الكتاب قد تقوم الأدلّة على مصادقته لكُتُب الله، ويكون بغير لسان المكذِّب به، فيكون في التكذيب أقل ملامةً، احترز عن ذلك بقوله: ﴿لِسَانًا﴾؛ أيْ: أشير إلى هذا المصدِّق القريب منكم زمانًا ومكانًا وفهمًا حال كونه عربيًا في أعلى طبقات الفصاحة مع كونه أسهل الكتب تناولًا وأبعدها عن التكليف، ليس هو بحيث يمنعه علوّه بفخامة الألفاظ وجلالة المعاني وعلوّ النظم ورصانة السبك ووجازة العبارة، وظهور المعاني، ودقّة الإشارة مع سهولة الفهم وقرب المتناول وبُعْد المغزى.

وقوله: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ [الواقعة: 21]؛ لمَّا كان في لحم الطير ممَّا يُرغَب عنه، احترز عنه بقوله: «مِمَّا يشتهون»؛ أيْ: غاية اللذَّة.

وقوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل: 75]. فقوله: ﴿لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف؛ لأنهما يقدران على التصرف.

وقوله: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾(النساء: 23]؛ فقوله ﴿الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ احترز به من زوجة المُتبنَّى فلا تَحرم حليلته، كقضية زيد مع رسول الله #.

وقوله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: 1]؛ جملة ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُه﴾ معترضة بين الجملتيْن المتعاطفتيْن، وهذا الاعتراض احتراز ودفع إيهام مَن يسمع جملة «والله يَشهد إنَّ المنافقين لكاذبون» أنه تكذيب لجملة ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾، فالمسلمون كانوا يومئذٍ محفوفين ببعض المنافقين، فكان المقام مقتضيًا دَفْع الإِيهام، وهذا من الاحتراس».

وقوله جلَّ شأنه: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *  وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ *  وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *  وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 13-19].

هذه الوصايا التي أوصى بها لقمانُ -عليه السلام- ابنه، والتي تجمع أُمهات الحِكَم، وتستلزِم ما لم يذكر منها، وكل وصيّةٍ يقرن بها ما يدعو إلى فِعْلها، إنْ كانت أمرًا، وإلى تركها إنْ كانت نهيًا. وهذا يدلّ على أنها العِلْم بالأحكام، وحُكْمِها ومناسباتها، فقد أمره بأصل الدِّين؛ وهو التوحيد. ونهاه عن الشرك، وبيَّن له المُوجِب لتركه، وأمره بِبِرّ الوالديْن، وبيَّنَ له السبب الموجب لبرِّهما، وأمره بشُكْرهِ وشُكْرهما، ثمَّ احترز بأنَّ محل بِرِّهما وامتثال أوامرهما ما لمْ يكن في معصية، ومع ذلك فلا يَعقّهما، بلْ يُحسِن إليهما، وإنْ كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة اللّه، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً من الخير والشر إلاَّ أتى بها.

   مِن هنا نعلم: أنَّ (الاحتـراز) مِن بدائع الأساليب القرآنيّة التي تُوضِّح وتَكشِف، وتُجلِّي براعة النص ودقَّة المعنى المُراد، وعظمة التنزيل الحكيم، وأنَّ ذلك يُبيِّن معاني مُخبأَةً يُظهرها الاحتراز. أيْ: أنَّ استخدام الاحتراز في القرآن قد زاد وأبانَ وفَصَّل المعنَى المراد، وهو مِن أهم المحسَّنات البديعة التي يُمكن مِن خلالها الوقوف على المزيد مِن جلال القرآن وبلاغة أساليبه وإعجازه البياني... فسبّح باسْم ربّكَ العظيم!

 

 

للاستزادة؛ يُنظَر المصادر التالية:

[1] أبو حيّان الأندلسي، تفسير البحر المحيط، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.

[2] تفسير أبي السعود، مكتبة الحلبي.

[3] برهان الدين البقاعي، نظْم الدرر في تناسُب السوَر، دار المعارف العثمانية، 1389هـ.

[4] الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسيّة للنشر، تونس، 1419هــ.

 

 

 


أعلى