• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
"أدونيس سارقاً" أدونيس بألوان قوس قزح

"أدونيس سارقاً" أدونيس بألوان قوس قزح

 

قبل سنوات أنشأت فصلاً عن أدونيس وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ناقشت فيه التعليقات التي سجلها الشاعر المتفلسف، علي أحمد سعيد أدونيس، على منتخباته من رسائل شيخ الإسلام ومتونه.

وفي كتاب المختارات بدا الشاعر الملحد متوافقاً مع ما تخيَّره من كتابات العالم النجدي، شيخ الإسلام، صاحب (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد).

وكانت تلكم هي بعض بركات شيخ الإسلام، الذي حظيت متونه الدعوية بما لم تحظَ به متون عقدية إسلامية أخرى، من الشرح، والتحشية، والتوطئة، في غضون التاريخ الإسلامي الحديث.

حيث تعاور أبناء الشيخ، وأحفاده، وتلاميذه، وأتباعه، في أنحاء عديدة من الدنيا، على شرح نصوصه المحكمة.

ولحق بهم جمع آخر من خصوم الشيخ، وبعض المنافقين، ذوي الألوان المتعددة، من أمثال أدونيس، فانتخبوا بعضاً من تراثه وأضفوا عليه من الشرح والتعليق ما اتفق لهم.

ولاحقاً ندم أدونيس على ما كتبه عن شيخ الإسلام، وتنكّر له، وإن لم ينكره، فقد اكتفى بعدم ذكره في قائمة كتبه، التي يحرص على أن يذيّل بها مؤلفاته المبتذلة.

المتاجرة بقضية «باسترناك»

ومن قبل فَعَلَ أدونيس هذا الصنيع؛ فقد تنكر لكتاب آخر، من كتبه، كان قد نشره في خمسينيات القرن الماضي، وهاجم فيه الاتحاد السوفياتي السابق، وأدان فيه قادته الذين حرموا الروائي الروسي، بوريس باسترناك، من تسلّم جائزة نوبل في الآداب، عن روايته (دكتور جيفاكو)، تلك الرواية العظيمة الخالدة التي انتقد فيها باسترناك تاريخ الثورة الروسية.

وقد حمل كتاب أدونيس عنوان (قضية باسترناك)، وقد عثرت عليه صدفة بينما كنت أقلّب كنوز الكتب، التي تباع بأسعار التراب، على سور الأزبكية الشهير. وقد نشر الكتاب أيام الصدام الذي كان بين عبد الناصر والشيوعيين.

وفي هذا الكتاب ذكر أدونيس أن: ”الخاصة الجوهرية للنظام الشيوعي أنه نظام توتاليتاري، وهذا يعني أن الدولة، في هذا النظام، ذات كيان مستقل عن الأفراد والشعب، متعال عليهم؛ لهذا كان من المحتم أن يخضع للدولة كل شيء، فهي المقياس والموجِّه والحَكَم الأعلى.. إذَّاك تمحي شخصية الفرد، ويتخلى، طواعية أو كرهاً، عن أي مطالبة بحقوقه أو حرياته.

ولم تكن ثورة الكتّاب السوفيات، في صميمها، إلا ثورة على طبيعة هذا النظام، رغم أنها كانت، في الظاهر، ثورة أدبية خالصة.. فقد كانوا يهدفون من حركتهم هذه إلى أن يؤكدوا شخصية الفرد وحريته، وأن يبطلوا كلياً تدخّل الدولة في النشاط الأدبي، ثم أن يشكوا بالمستقبل، وبإمكان التقدم، وأن ينتقدوا بالتالي القيم الأخلاقية السوفياتية”.

وقد استلم أدونيس ثمن هجومه على الدولة السوفياتية، من جماعات الاستخبارات الغربية، خاصة منظمة حرية الثقافة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تخوض الحرب الثقافية مع الاتحاد السوفياتي السابق، وتحاول أن تشوّه صورته، لا سيما في الأيام التي علا نجمه فيها، حينما سبق الأمريكيين بارتياد الفضاء.

أدونيس الماركسي

لكن ما مضى عقد من الزمن حتى انقلب أدونيس، وانفك مؤقتاً من عقد ولائه الغربي المشبوه، وأصبح ماركسياً متطرفاً، أو فلنقل أصبح ماركسياً أكثر من ماركس، ولينين، وبولغانين، وستالين.

واستحال إلى داعية ثوري، راديكالي، جذري، كاسح، لا تقف جهوده دون هدم المقومات الثقافية، الراسخة في المجتمع العربي، لتشيّد على أنقاضها الاشتركية المجلوبة من أرض السوفيات.

وهكذا قال، أخزاه الله، في لقاء ضمه بالأدباء السوفيات: “الشعب بالمعنى الثوري، هو الفئات التي تبني المجتمع الاشتراكي، مجتمع المستقبل، أي التي تهدم المجتمع التقليدي، وبما أن الشعب بهذا المعنى لم يتكوّن بعد في المجتمع العربي، فإن الشعب الذي يمكن أن يتوجه إليه الشاعر العربي الثوري، في المرحلة الحاضرة، هو الذي يتكوّن من فئات البرجوازية الصغيرة التقدمية، وفي طليعتها الطلاب والمتعلمون والمثقفون”.

وعندما ألقى كلمة في مؤتمر للأدباء في موسكو، لم يستشهد إلا بلينين، وماركس، وفيورباخ، ونصَّب هؤلاء الكفرة الملحدين قادة وأئمة للفكر في العالم العربي الحديث، وقال: “كان لينين يأخذ على الديمقراطيين البورجوازيين الصغار تقليدهم الذليل للماضي، هذا ما يمكن أن نأخذه على ممثلي الثقافة الرسمية السائدة في الحياة العربية”.

وانتهز الفرصة فشنّ هجوماً عنيفاً على المثقفين العرب، غير الثوريين، ودعا إلى إعلان الثورة الشاملة عليهم، وعلى الثقافة العربية، قائلاً: “إن تجاوز الأشكال والمحتويات التقليدية في التراث، يتضمن بالضرورة تجاوزاً لأشكال الحساسية، والفهم، والتذوق، التي ترافق هذا كله، وتسود في المجتمع”.

وذمَّ جمهور الشعر في العالم العربي، واتهمه بأنه جمور أميّ، لا يعرف من ثقافته غير تسرباتها الدينية، والماضوية، التي لا تناقض التقدم وحسب، وإنما تناقض كذلك الإنسان ذاته.

وقال: ”إننا لا نستطيع أن نرفض عالم الغزالي، دون أن نرفض شكل تعبيره وطريقة تفكيره. لا نستطيع أن نتجاوز الموضوعات التي عالجها الشعر الجاهلي، أو الأموي، دون أن نتجاوز في الوقت ذاته لغته الشعرية. وبالمعنى الواسع لهذه العبارة، إن الثورة تؤدي حتمياً إلى تفكك البنية الحضارية القديمة وزوالها. كل ثورة على المحتوى هي لذلك ثورة على الشكل، وثورة في طريقة الفهم والنظر“.

فهو يعبّر بهذا النص عن ثورة شاملة على التراث العربي، وعلى الذوق العربي، ويدعو من يُدعون بالمثقفين الطليعيين، أو الطلائعيين، إلى أن يحذو حذوه.

ثم جاء وقت قريب حكمت فيه الفرص النهَّازة على أدونيس أن يخاصم أولياءه القدامى من الشيوعيين، فأقذع في نعتهم، وأبدع في وصفهم، بأشنع أوصاف السُّخف.

فنعى عليهم شعرهم، الذي يكتبونه باسم التحرر، وباسم القضايا الإنسانية العظيمة، التي تكاد أمعاؤها تئن، تحت وطأة أثقال تكلفهم.

وقال إن شعرهم في معظمه بليد عقيم.

وقال إن كل كلمة من جملهم الشعرية، هي كالخنجر الذي ينغرز عميقاً في جسد هذه الأمة العظيمة الجميلة: اللغة العربية.

ذات اللغة التي عاد فهاجمها وادَّعى أنها أحد أهم أسباب انحطاط الحياة العربية.

وأضاف كفراً محضاً، فقال: ”العربي لا يخرج عن كونه طفلاً أو هيكلاً عظميّاً.. الله في المنطقة العربية ميت، وكذلك العالم والإنسان“.

أدونيس البعثي

ثم عندما علا نجم النظام البعثي العراقي، مدحه أدونيس، وأشاد بتقدميّته، وعطفه على الأدب، والثقافة.

وغضّ النظر عن دكتاتوريته، وتخلّفه، وإمعانه في إهدار حقوق الإنسان.

ثم لما أشرف القطر العراقي، وحزبه البعثي البدائي، على حافة الخطر في عام 2003م؛ كتب أدونيس مقالاً استفزازياً بعنوان (انظر إلى سيف الطاغية كيف يسحق وإلى الأعناق كيف تتهيأ للضرب)، قلب فيه للشعب العراقي، وحكومته، وحزبها، ظهر المجن.

وخوفاً من أن يتهم بالغدر بأولياء نعمته السابقين، بادر أدونيس فزعم أنه كتب ذلك المقال في الأصل في عام 1969م، ولم يتمكن من نشره حينئذ!

وقد هاجم في مقاله الشعب العراقي بلؤم، وتصميم ذميم، قائلاً: هل رأيت شعباً يحتاج إلى الظلم لكي يشعر أنه موجود؟

بمعنى أن الشعب العراقي لا يحسّ بوجوده إلا في ظل الأحكام الدكتاتورية، ويبيد ويفنى في أجواء الكرامة والحرية.

وشكّك في أصالة شعب العراق، وقال إن عظماءه التاريخيين، وعلى رأسهم أبو نواس، وأبو تمام، والنِّفري (ولاحظ أن أمثال هؤلاء المنحلين، والحلوليين، هم عظماء العراق في نظر أدونيس!)؛ لا يمكن أن يكونوا عراقيين من حيث الأصل!

وإزاء مثل هذه التقلبات الانتهازية المريبة، وصف الشاعر يوسف الخال، صديقه وشريكه في مجلة (شعر)، أدونيس، في لحظة من لحظات سخطه عليه، فقال: ”إنه حين يذهب إلى بغداد يصير بعثياً، وحين يذهب إلى القاهرة يصير ناصرياً، وحين يشارك في المؤتمرات والاتحادات العربية يتحوّل إلى عربي، من عرب السقوط، فهو بحق حاقد على العرب كلهم، يقول إنه يقف على الصف الذي لا يقف عليه العرب“.

وقد صدق الخال، في هذا، وهو غير صدوق.

ولو شئنا أن نتتبّع مساق التاريخ الثقافي لهذا المسخ، المتحوّل غير الثابت، المدعو أدونيس، لألفينا من مثل هذه التقلبات الكثير.

لكن مما يذهل، بعد ذلك، أن ترى كثيراً من المثقفين المفتونين، يبالغون قي تقديسه وتنصيبه رائداً للحداثة وثورة الشعر.

ولهذا نفتح صفحة أخرى من سجلاته المشينة، تتصل بسرقاته الأدبية التي يتلون بها كذلك!

مفهوم الإغارة الأدبية

تحدث النقاد التراثيون، من أمثال الآمدي، والجرجاني، والعلوي، وابن تميم، وابن وكيع، وابن أبي طاهر؛ عن السرقة الأدبية، فذكروا أنها لا تخرج عن أنماط ثلاثة: أولها: النسخ الذي هو أخذ المعنى بلفظه دون تصرف. وثانيها: المسخ، وهو أخذ المعنى دون لفظه، مع التقصير في التعبير عنه. وثالثها: السلخ، وهو أخذ المعنى مع الزيادة عليه، وإحسان التعبير عنه.

وهذه الأنماط كلها غير مستحسنة، إلا أن أحسنها، أو ما يمكن التسامح معه، والرخص فيه، هو النمط الأخير.

وقد استخدم هذه الرخصة (الفنية)، الناقد الحصيف، المنصف، السيد، أبو علي الجرجاني، الذي ألمّ في كتابه الجليل (الوساطة بين المتنبي وخصومه) ببعض سرقات أبي الطيب، واعتذر له عنها بدعوى أنه يجيد الإغارة على معاني غيره، وانتهاب ألفاظهم، ويضيف إليها من عنده، ما يزيدها متانة وبهاء.

فهل هذا هو حال أدونيس مع من انتهب معانيهم وألفاظهم دون حياء؟!

سنرى حاله هذا في غضون هذه الشجون.

قال أدونيس في إحدى قصائده النثرية:

كنا حشداً كبيراً نساء ورجالاً، نسير في طريق النساء

فجأة خرج علينا فهدٌ قطع الطريق، قلت لرجل بجانبي:

أليس هنا فارس يرد عنا هذا الفهد؟

لا أعرف.. لكن أعرف امرأة تردُّه، أين هي؟

سار وسرت معه إلى هودج قريب فنادى:

نَادَا، انزلي وردِّي عنا هذا الفهد

فقالت: أيطيب قلبك أن ينظر إليّ وهو ذكر وأنا أنثى؟

قل له: نَادَا تُحييك وتأمرك أن تفتح الطريق

فحنى الفهد رأسه وغاب!

هذه القصيدة الرثة، ذات المعنى المنقوص، أوحى أدونيس أنها من خالص بنات فكره، ومن رفد خياله الشعري المحض، وقد صدّق أتباعه المغرّر بهم أنها كذلك.

لكن نقّب في خفايا أمرها بعض نقاد أدونيس المترصدين له، ليتحققوا من أكاذيبه وادّعاءاته، ومنهم الأستاذ خ. أ. خليل (تحقق من ذلك في كتابه: مضمون الأسطورة في الشعر العربي ص 29-93)، والدكتور المنصف الوهايبي (تحقق من ذلك في كتابه: الأطروحة ص 49).

وجاء الناقدان المبرزان بأصل الأسطورة، التي ادّعاها أدونيس لنفسه، فإذا هو أصل تراثي عريق.

إذ تحققا من نسبتها إلى الرَّاوية الأشهر لتراث العرب، عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي، المعروف بالأصمعي، فهو الذي افترعها، ورواها في بيان طلي، جلي، كما يلي:

خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، عن طريق الشام، فبينما نحن سائرون، إذ خرج علينا أسد عظيم، هائل المنظر، فقطع على الركب الطريق.

فقلت لرجل بجانبي: أما في هذا الركب رجل يأخذ سيفاً ويرد عنا هذا الأسد؟

فقال: أمَّا رجلاً فلا أعرف، لكني أعرف امرأة ترده من غير سيف.

فقلت: وأين هي؟

فقام وقمت معه إلى هودج قريب، فنادى: يا بنية! انزلي وردِّي عنا هذا الأسد.

فقالت: يا أبت، أيطيب قلبك أن ينظر إليَّ الأسد وهو ذكر وأنا أنثى؟ ولكن قل له: ابنتي فاطمة تقرئك السلام، وتقسم عليك بالذي لا تأخذه سنة ولا نوم، إلا ما عدلت عن طريق القوم.

قال الأصمعي: فوالله ما استتمّت كلامها حتى رأيت الأسد ذاهباً أمامنا.

فهذه هي القصة بحذافيرها.

وهكذا رواها الأصمعي، بأجلى وأحلى من اللفظ الذي رواها به أدونيس.

ومع ذلك لم ينسبها الأصمعي إلى فن الشعر، بل رواها في أسلوب النثر الفني العربي، الذي عُرف به مع أئمة هذا الفن الجميل، من أمثال المبرِّد، والجاحظ، والقالي، وابن العميد، وابن الخطيب.

فقد كان الأصمعي أبصر بفن الشعر، من هذا الدَّعيِّ المُدَّعِي أدونيس، ولذلك لم ينسب إليه هذا الجنس الأدبي.

وقد كان طبع الأصمعي يواتيه في فن النثر، بأطيب مما يواتيه في فن الشعر.

وكان رحمه الله يرد إذا سئل لم لا يقول الشعر، رداً مختصراً، فيقول: يَعافُني جيدُه وأعافُ رديئَه!

ولا ريب أن القارئ الكريم ما فات عليه كيف عدَل المدعو أدونيس عن أخذ العبارة، المقتطعة من آية الكرسي، فلم يصطحبها في نصه المقطع.

وربما أغفل هذه العبارة القرآنية حتى لا يُتّهم بالرجعية، أو اتباع النزعة الدينية.

أو ربما لنفوره من النصوص الشريفة، أو لأن النص الشريف أقوى وأشد مناعة من أن يسرق أو ينتحل.

أو ربما - هذا أرجح - لأن الإبقاء على النص القرآني قد يثير شكوك القراء، ويدعوهم إلى فحص الأمر برمته.

وربما قادهم البحث إلى اكتشاف الموطن الأصلي لنص الأصمعي.

وواضح أن النص الأصلي، الذي جاء به الأصمعي، هو النص الأحلى، من الناحية الأدبية الصرفة.

يُقرُّ بذلك كل صاحب ذوق أدبي عالٍ صحيح.

ولا يقول إلا صاحب ذوق مجروح، إن أدونيس قد أضاف من إبداعه شيئاً إلى هذا النص الموروث.

أو حافظ على جماله الأصلي على أقل التقدير.

فهو إذن قد مسخ النص لا غير.

والمسخ هو أسوأ أنواع السرقات بإطلاق!

الكبرياء الأدونيسي

وعندما ضجَّ النقاد من تكاثر سرقات أدونيس، وجابهوه بتلك الممارسة الدنيئة، على أمل أن يقرَّ بإثمه، ويقلع عنها، أصرَّ على خطيئته، واستكبر على ناقديه، وناصحيه، ومريديه، وتعالى على الخلائق أجمعين.

وقال مخاطباً زمرة الناقدين: إن الكتب المقدسة نفسها يأخذ بعضها من بعض!

ورغم أن هذه الإجابة انطوت، ضمناً، على اعتراف بالسطو على أدب الآخرين، إلا أنه اعتراف ممزوج بمنازعة الله تعالى الكبرياء.

وقد جاء في الحديث القدسي الشريف: (الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي قصمته).. أخرجه الحاكم النيسابوري.. وردائي هنا بمعنى صفتي.

فانظر إلى هذا الدَّعي الشقي، أدونيس، كيف لم يرضَ بأن يضع نفسه، في صف واحد، مع البشر العاديين من أمثاله.

ولا مع الشعراء السُّرَّاق من أمثاله.

وإنما تطاول وتعالى، وشبّه نفسه بالله تعالى، وتعالى الله - تعالى - عن ذلك علواً كبيراً.

وجانبُ المغالطة في القول الأدونيسي واضح أشد ما يكون الوضوح.

فإن الله تعالى لم يأخذ من غيره الكلم، وأما أدونيس فقد انتهب الكثير من أشعاره، عن غيره من أهل القريض.

وتعالى الله عما يقوله أدونيس علواً كبيراً.

هل كفَّ عن الانتحال والسرقة؟

هل يا ترى كفَّ أدونيس عن ممارسة السرقة الأدبية أم ما زال يمارسها؟

وهذا السؤال نرفعه، لأن من المعروف عُرفاً أن السارق الذي اعتاد السرقة، قل أن يقلع عنها.

وأن من اعتاد السرقة، قد يسرق لإشباع تلك الهواية، التي هي من قبيل الداء، ولا ينظر إلى ما سرق: أهو يحتاج إليه بالفعل أم هو عنه في غنى؟!

وكما قال الناقد الحصيف شديد الألق، معاوية محمد نور، في تعليقه على سرقات إبراهيم المازني: ”إن المازني مصاب بهذا الداء، لا يستطيع أن يقرأ فكاهة جميلة لمارك نتوين، أو هنري، أو غيرهما من كتاب الفكاهة، في أمريكا، وألمانيا، وإنجلترا، إلا يركبه عفريته، الذي استراح إلى كتفه، كما يقول، ويغريه بسرقتها وادّعائها لنفسه. ولا أدري كيف يستسيغ المازني ذلك، وهو يعرف أن في البلاد أناساً يقرأون مثل ما يقرأ على الأقل، وهم لا بد عاثرون اليوم، أو غداً، على ما كتب وادّعاه لنفسه“!

وقد انتبه شاعر عراقي، يدعى عادل عبدالله، إلى تشابه معنوي ولفظي شديد، بين شعر نشره أدونيس في ديوانه (تحولات العاشق)، ونصوص قديمة من نصوص التراث لمتصوف، شيعي، حلولي، شاطح، هو محمد بن عبد الجبار النِّفري، عاش في القرن الرابع الهجري، بالعراق.

فقد أقحم أدونيس أفكار وعبارات ذلك الصوفي، التراثي، العتيق، في شعره (الحديث)، بلا أدنى حرج، من ارتكاب المحظورين معاً: السرقة على علّاتها، والسرقة من التراث، الذي لا ينفك يدينه، وينهى عن الاقتراب منه، وعن تملي أنماطه، أو الصدور عنها.

ويلاحظ من يقرأ هذه النصوص، التي وثقها الشاعر العراقي توثيقاً جيداً، أن هذا التشابه لا يمكن بحال أن يقع كمجرد توارد خواطر، أو أن يكون أدونيس قد قرأ كلام النِّفري ثم تمثَّله، أو غلب عليه، وتسلط على شعره.

وإنما هو نقل متعمد، وانتحال، وتقمُّص لروح آخر، وليس شعراً نابعاً عن شعور خاص، أو تجربة روحية خاضها أدونيس.

وهذه نماذج مما ضبط به الشاعر عادل عبدالله، الشاعر أدونيس، متورطاً في انتحال كلام النِّفري.

يقول النِّفري في موقف (جاء وقتي):

وقال لي: ”قد جاء وقتي وآن لي أن أكشف عن وجهي.. فإني سوف أطلع، وتجتمع حولي النجوم، وأجمع بين الشمر والقمر، وأدخل في كل بيت، ويسلِّمون عليَّ وأسلِّم عليهم، وذلك لأن لي المشيئة، وبإذني تقوم الساعة، وأنا العزيز الحكيم“.

وقد أعجب هذا المعنى، الحلولي، الشاطح، أدونيس، فانتحله لنفسه، وزجَّ به في ديوانه (تحولات العاشق) قائلاً:

تجتمع حولي أيام السنة

أجعلها بيوتاً وأسرّة وأدخل كل سرير وبيت

أجمع بين القمر والشمس

وتقوم ساعة الحب

أنغمس في النهر يخرج منك إلى أرض ثانية أسمع كلاماً يصير جنائن وأحجاراً أمواجاً أمواجاً

وزهراً سماوي الشوك.

وقال النِّفري في موقف (مخاطبة وبشارة وإيذان الوقت):

“فأنت وجهي الطالع من كل وجه (..) ولا تنامي ولا تستيقظي حتى أتيك..

كذلك أوقفني الرَّب وقال لي: قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الرَّب اخرجي، ابسطي من أعطافك، وسيري حيث ترين فرحك على همك، وأرسلي القمر بين يديك، ولتحدِّق بك النجوم الثابتة، وسيري تحت السحاب، واطلعي على قعور المياه، ولا تغربي في المغرب، ولا طلعي في المشرق، وقفي للظل“.

وقد راق هذا المعنى لأدونيس، فأغار عليه، وحرفه من أصله، وأورده في ديوانه ذاته، فقال:

هكذا يقول السيد الجسد: أيتها المكتوبة بقلم العاشق سيري حيث تشائين بين أطرافي

قفي وتكلَّمي

ينشق جسدي وتخرج كنوزي زحزحي نجومي الثابتة

واستقلي تحت سحابي وفوق

في أغوار الينابيع وذرى الجبال

عاليةٌ عاليةٌ عالية

صبري وجهي الطالع من كل وجه

شمساً لا تطلع من الشرق لا تغيب في الغرب

ولا تستيقظي ولا تنامي.

وقال النِّفري في موقف (نور):

“وقال: يا نور انقبض، وانبسط، وانطو، وانتشر، واخف، واظهر، ورأيت حقيقة لا أقبضُ وحقيقة يا نور انقبض“.

وهو ما انتهبه أدونيس، فقال في (تحولات العاشق):

“وقلت أيها الجسد انقبض وانبسط واظهر واختف، فانقبض وانبسط وظهر واختفى“.

ويقول النِّفري في موقف (من أنت ومن أنا):

“ووقف في الظل وقال لي تعرفني ولا أعرفك، فرأيته كله يتعلق بثوبي ولا يتعلق بي، وقال هذه عبادتي، ومال ثوبي وما ملتُ، فلما مال ثوبي قال لي من أنا، فكسفت الشمس والقمر وسقطت النجوم.. خمدت الأنوار وغشيت الظلمة كل شيء سواه، ولم تر عيني، ولم تسمع أذني، وبطل حسي، ونطق كل شيء فقال الله أكبر، وجاءني كل شيء، وفي يده حربة، فقال لي اهرب، فقلت إلى أين، فقال قع في الظلمة، فوقعت في الظلمة، فأبصرت نفسي، فقال لي لا تبصر غيرك أبداً ولا تخرج من الظلمة أبداً ولا تخرج من الظلمة زبداً“.

ويقول أدونيس مما سطا عليه من هذا النص:

ورأيت ثوبي يميل عني والظلام يغشاني

طلع مني العالم صارخاً كالحربة:

اهبط عميقاً عميقاً في الظلمة، ووقعت في الظلمة

رأيت الحجر ضوءاً والرمل مياه تجري

والتقيت بك ورأيت نفسي وقلت سأبقى في الظلمة ولن أخرج.

وقال النِّفري في (موقف الموعظة وموقف قلوب العارفين):

“واجتمع علي بأقاصي همك.. القول لا تهجم عليَّ“.

وهو المعنى الذي أخذه أدونيس، فقال:

واهجم عليك بقلبي.. اجمع أقاصي همومي.

وقال النِّفري في موقف (الفقه وقلب العين):

“وإذا سميتك فلا تتسم“.

ونهبه أدونيس، فقال:

قلنا لا تسمِّنا لمن يسمي.

وقال النِّفري في موقف (الأعمال):

“دخلت معه إلى قبره فضاق به

ارفع الحجاب بيني وبينك“.

وسرقه أدونيس، وضمنه مجموعته المنهوبة، فقال:

وسأنزل معك إلى القبر.. بيني وبينك حجاب.. ولن تريني.

وقال النِّفري في موقع (وأحلّ المنطقة):

“أفل الليل وطلع وجه السحر وقام الفجر على الساق فاستيقظي أيتها النائمة“.

وضمه أدونيس إلى مجموعته المنحولة، فقال:

خيط من الفجر حامض على العين يوقظنا

النهار يعلن الليل.. استيقظي.

وقد تساءل الشاعر العراقي، عادل عبد الله، بعد استعراضه الموازن لكثير من هذه النصوص، من ديوان (تحولات العاشق)، هل العاشق حقيقة هو أدونيس أم النِّفري؟!

وكان قد صدَّر بذلك الاستفهام مقالاً له بمجلة (الطليعة الأدبية) العراقية، وأعادت نشره صحيفة (الوطن)، ثم استعاده الأكاديمي التونسي، المنصف الوهايبي، في دراسة له بعنوان (الجسد المرئي والجسد المتخيل في شعر أدونيس: قراءة تناصية)، وهي التي نال بها جائزة الدكتوراه، كما استعاره الأستاذ كاظم جهاد، وهو الذي أخذنا منه هذه النصوص المقارنة.

وقد أبدى الدكتور الوهايبي ملاحظة ذكية حول ارتكاب هذه السرقة، شبه النصية، التي حافظت على الإيقاع، على حساب المعنى، فقال: إن التلابس بين اللغة والإيقاع هو الذي يجعل من نص النفري نصاً يتعذر توليده دون تقليده، وتتعذر مجاراة لغته دون مجاراة إيقاعه.. فإذا حاول أحد أن يرفع منه كلمة، ليضع مكانها أخرى، كما فعل أدونيس؛ اضطرب المعنى، ولم يضطرب النغم، وبرز الموروث في حالة تهييج، فكأنه نص عقيم، بعبارة ابن رشيق، أو شجرة رائعة، لا تتمتع بجني كريم، بعبارة عبد القاهر.

وهكذا كان الأهم عند أدونيس أن يراعي النغم والإيقاع، وإن اخترم المعنى المراد، فهي سرقة شنيعة زادها شناعة تشويهها ومسخها للمعنى الأصلي.

أسئلة إضافية

وختاماً، ربما جاز لنا أن نرفع بعض الأسئلة، بجانب أسئلة الشاعر العراقي، عادل عبد الله، وبرجاء أن تكون مشروعة ومحرجة، في الوقت نفسه، وهي:

1- كيف اتفق لأدونيس أن يمارس السرقة مع دعاويه الكبيرة بالتفوق، والتجاوز، والتعالي على ما عند الآخرين، ومحاولة إيهام الناس بأنه شاعر لا مثيل له في السابقين، ولا في اللاحقين، ولن يظهر شاعر مثله إلى يوم الدين؟!

2- هل الإنتاج الذي سطا عليه أدونيس متفوق، وهل تنطبق عليه معايير التجديد، والخلق الجديد، كما يقول؟! إذن فهنالك متفوقون غيره!

3- كأستاذ جامعي كيف يواجه أدونيس أحد طلابه إذا ضبطه متلبساً بالسرقة من أحد المراجع القديمة؟! هل يستطيع أن يلفت نظر ذلك الطالب، أو يوبخه، أو يعاقبه، مع أنه ارتكب مثل صنيعه من قبل، والطالب نفسه عرف ذلك سلفاً؟

4- وإذا عرفنا أن اكتشاف السرقة أمر عسير، لا سيما أن الطريقة التي يسطو بها أدونيس على إنتاج الآخر معقدة نوعاً ما، وفيها استخدام لحيل بارعة، وأن سطوه موجَّه إلى مصادر متنوعة، واسعة، من دواوين الشعراء، التراثيين، والمعاصرين، من العرب، والفرنسيين، والإنجليز، وإذا عرفنا بعد ذلك أن ما اكتشف، حتى الآن، من سرقات أدونيس، كم غفير؛ فهل لنا أن نتساءل: كم يا ترى هو حجم المسروق الذي لم يكتشف بعد؟!

نعم، ربما حُقَّ لنا أن نرفع هذا السؤال، وربما حُقَّ لنا أن نفترض، بالقياس إلى حجم السرقات المكتشف، حتى الآن، أن ما لم يكتشف منها ذو حجم مهول.

وحينها ربما جاز أن يقال لأدونيس ما قيل في سلف له من سُرَّاق القريض:

لو نفضت أشعاره نَفضةً

لانتشرت تطلب أصحابها!

 :: مجلة البيان العدد  318 صفر 1435هـ، ديسمبر  2013م.

 

أعلى