• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خذوا زينتكم .. لا يفتننكم الشيطان

خذوا زينتكم .. لا يفتننكم الشيطان

  أسكن الله - عز وجل - آدم وحواء الجنة، وحذرهما من الأكل من الشجرة، كما حذرهما من إغواء الشيطان وإغرائه، وأخبرهما بعداوته لهما. قال - تعالى -: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْـجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: ٧١١]، وقال - عز وجل -: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: ٦٣]، ويظهر من النصوص القرآنية أن الإخراج من الجنة كان هو العقوبة البارزة للأكل من الشجرة؛ ولذلك ورد في الحديث الصحيح أن موسى - عليه السلام - قال لآدم - عليه السلام - في محاجَّته له: «وأخرجتنا من الجنة»[1].
غير أن الذي يلفت النظر، ما ورد في عدد من الآيات القرآنية من ربط انكشاف سوءات آدم وحواء بالأكل من الشجرة، وذلك في مثل قوله - تعالى -: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: ٠٢]، وقوله - تعالى -: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه: ٨١١] وقال بعدها:{فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} [طه: ١٢١].
وبعد أن ذكر الله - سبحانه - قصة آدم وحواء - عليهما السلام - في الأعراف توجه بالخطاب إلى بني آدم يحذرهم فتنة الشيطان الذي أغوى أبويهم، غير أنه ربط هذا التحذير بالتذكير بنعمة اللباس الذي يواري السوءات، وجعل ظهور سوءات آدم وحواء - عليهما السلام - مقروناً بالخروج من الجنة، فقال - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٦٢ - ٧٢]، ثم يعقب ذلك بقوله - تعالى -: {وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٨٢]، ثم يأتي بعد ذلك الأمر بستر العورة عند القيام لأداء الصلاة، وذلك في قوله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ١٣]، ثم يختم ذلك بالتذكير مرة أخرى بنعمة الزينة التي على رأسها اللباس الذي يستر العورة، وسائر النعم الأخرى، فيقول - سبحانه -: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ١٣].
ولعل الآيات القرآنية توحي بأن التعري الذي صاحب الخروج من الجنة من أعظم الفتن التي يتعرض لها الإنسان في الحياة، بدليل قوله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٧٢]، والشيطان قد لا يكون  على علم بما يترتب على الأكل من الشجرة من ظهور السوءات، ولكن الله - تعالى - جعل الشيطان كأنه قصد إلى ذلك؛ لأن انكشاف السوءات مما يرضي الشيطان، بل ذلك من أعظم الوسائل التـي يسعى الشيطان مـن ورائهـا لفتنـة بنـي آدم. وأهم ما سعى إليـه الشيطان ابتـداءً هو إيقاعهما في المعصية، مع رغبته في ما يترتب على ذلك من العقوبة، ومن سوء الحال في الجملة؛ فكان من أهم مظاهر السوء إبداءُ السوءات التي كانت بالنسبة لبني آدم مفتاح شر مستطير، ولَـمَّا جُبِل الإنسان على سَتْر نقائصه عند سلامة فطرته، كان ظهور العورة عند آدم وحواء من النقائص؛ ولذلك بادر بسترها، كما قال - تعالى -: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٢].
ومعنى ذلك أن الإنسان لا يتوجه إلى كشف عورته دون خجل أو شعور بالنقص إلا كان ذلك دليلاً على فساد فطرته، وكمال انحراف سلوكه؛ لأن سَتْر العورة مما استقر في الفطرة البشرية واتفقت معها الشريعة الإلهية فيه. وعدم الشعور بقبح ظهور العورة، دليل على السقوط في الطبيعة الحيوانية الشهوانية، ودليل أيضاً على تجرد المجتمع - الذي يصبح فيه كشف العورات ظاهرة - من أي مظهر من مظاهر الحضارة؛ لأن غلبة الطبيعة الحيوانية على الإنسان سقوط في درك الحيوانية.
وهذا الخروج عن الفطرة السليمة نذير شؤم على الحياة العامة للإنسان؛ لأنه خروج عن سنن الله - تعالى - التي تستقيم بها الحياة، وتَفسُد بغيابها كل صورة من صورة الحياة السليمة، بل هو مِعْوَل هدم لكل مظاهر الحياة، ودخول في دروب الشقاء والتعاسة التي تلازم الإنسان في كل منعطفات حياته؛ ولذلك ربط الله - سبحانه - حياة الإنسان بهذه الأرض التي إن استقام الإنسان معها استقامت له الحياة، وإن أفسدها بالانحراف شقي فيها أيما شقاء؛ لأن استقامة الحياة وسعادة الإنسان مرهونين بلزوم طريق الهدى. قال - تعالى - موضحاً علاقة الإنسان بالأرض: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: ٥٢]، وقد جاءت هذه الآية مع الآيات سابقة الذكر في سياق واحد.
وإذا كانت حياتهم مرهونة بهذه الأرض فكأنه يأمرهم بحُسْنِ التعامل معها، ومن ذلك عمرانها بما يكسب لهم الحياة الطيبة.
ومن الملاحظ أنه بعد أن ذكر الله - سبحانه - قصة آدم في سورة طه قال - جل ثناؤه -: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ٣٢١ - ٤٢١]، والمراد بالذكر في الآية (القرآن) كما جاءت تسميته بذلك في عدد من الآيات[2]، ومن ذلك قوله - تعالى -: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]. والقرآن قد جاء بأنواع من التشريع التي تستقيم بها حياة الإنسان، ومن ذلك: الأمر بالزينة، وغضِّ البصر، وقد ذكر من بين العقوبات في الآخرة في آية طه العمى، ولعلَّ الحِكمة من ذكر العمى هنا - والله أعلم - أنَّ مَنْ استباح كشف العورة استباح النظر إلى العورة، وعرَّض نظر الآخرين إلى النظر إلى العورة، فكان ذكر العمى مناسباً لنوع الجرم الذي ارتكبه في الدنيا؛ سواء في ذلك العمى في الدنيا الذي يعْني عمى البصيرة عن إدراك سُبُل الهدى بسبب الإغراق في حبِّ الشهوات الذي شغله عن معرفة الحق، أو العمى في الآخرة.
ومما يوقع في هذه المعصية الشنيعة إباحة الاختلاط بين الجنسين المفضي إلى ما وراءه من المعاصي.
وقد ظهرت اليوم نُذُر الدمار للمجتمعات الإباحية، بانتشاء الأمراض الفتاكة، التي كادت تقوِّض هذه المجتمعات من أساسها، وهو ما يزيد المسلمين إيماناً بعظمة هذا الدين الذي أحاط الحياة الدنيا والآخرة بما يُسعد الإنسان ويحميه من السقوط.
وكما أن هذه الآيات التي جاء فيها ذكر نعمة تيسير اللباس، والإرشاد إلى ستر العورة، والتحذير من مكر الشيطان فيها تذكير للمؤمنين بنعم الله - سبحانه - على عباده المؤمنين، تستحق منهم بالغ الشكر عليها، فهي كذلك دعوة للمشركين ليقلعوا عما كانوا عليه من الضلال، ويلزموا هدى الله؛ فقد كان المشركون يطوفون بالبيت عرايا، وربما طافت المرأة به عارية وهي تقول:
اليومَ يبدو كلُّه أو بعضُه
وما بدا منه فلا أُحِلُّهُ
وَلْنتأمَّل في قوله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: ٧٢]؛ حيث لم يذكر - تعالى - من مظاهر الفتن سوى نزع اللباس لتنكشف عوراتهما؛ وكأنه ينبه بني آدم إلى عدم الانجراف وراء إغواء الشيطان إذا ما أراد أن يحملهم على كشف عوراتهم؛ كونها من أفظع القبائح، وفي هذا دلالة واضحة على اهتمام الشيطان بكشف سوءات بني آدم، وأنه يُسَرُّ لذلك؛ لما يترتب عليه من الوقوع في الفحشاء وإشاعة المنكر.
ومن خلال هذه النصوص ندرك مدى فظاعة انتشار جريمة الزنا واستباحة الأعراض التي حذر الله - سبحانه - حتى من الوسائل التي توقع في ذلك، مثل العري، وأن التحصُّن - خاصة من قِبَل المرأة - أمر محمود، بل ضرورة مُلِحَّة لسلامة الحياة، ونحن نرى اليوم ما وصلت إليه المجتمعـات التي اسـتباحت ممارسـة الجنـس دون ضوابط ولا حدود، ولا تقييد بشرع ولا آداب.
لقد وصلت إلى حدِّ أن الأمراض الفتاكة اليوم تهدد كيانها، وتنذر بخطر ماحقٍ للحياة كلها، وصارت هذه الأمراض شبحاً يلاحق هؤلاء الإباحيين الذين تملَّكتهم شهواتهم، واستحكمت فيهم أهواؤهم؛ وهم اليوم يتجهون بكل وسيلة لإلحاق الدمار بمجتمعات المسلمين بوسائل الإغراء والإغواء، وتحت ذريعة الدفاع عن حقوق المرأة، أو يسعون من خلال المؤتمرات، والمنظمات، والمساعدات، والاتفاقيات أن يجرُّوا المسلمين إلى هذا المستنقع الذي سقطوا فيه، وهم بهذا يريدون من المسلمين أن يحذوا حذو المجتمعات الغربية، وحقاً ما قاله بعض الدعاة: إن اليهود اليوم يخططون للحرب القادمة بينهم وبين المسلمين، وهي حرب الأخلاق لا حرب الجيوش؛ لأنهم يعرفون أن دمار الأخلاق سلاح فتَّاك بالشعوب؛ لكن المُغَفَّلين من المسلمين لا يعقلون، ولا يفهمون، ولا يفقهون، ومن ثَمَّ لا يحذرون.
إنهم يريدون أن يمنعوا تعدد الزوجات، وأن يمنعوا الزواج المبكر للفتاة، وأن يمنعوا الحمل بإشاعة الوسائل المتنوعة المجانية، وكل هذا وغيره إنما يعني الدعوة إلى الجريمة؛ لتقويض مجتمعات المسلمين؛ لأنهم يريدون - كما هو الحال عندهم - تشجيع العلاقات الجنسية المبكرة بين الجنسين؛ فالفتاة تمارس البِغاء من وقت مبكر؛ بحيث لا تبلغ سنَّ التكليف إلا وقد فقدت بكارتها، وهم يعرفون أنه لا بديل لمنع الطرق المشروعة في دين الله - عز وجل - إلا بإشاعة الفاحشة؛ لأن الشهوات المسعورة - خاصة مع وجود وسائل الإعلام التي تثير الشهوات، وتحرك الغرائز - إنما تتجه إلى الحـرام عنـدما يحـال بينهـا وبين الحـلال الـذي شـرعه الله - سبحانه - ويصبح المحرَّم هو المتيسر بحكم العادة، أو القانون الذي يحمي الجريمة، أو الإباحية، في المجتمعات البهيمية، وهذا هدف يسعى إليه أعداء الإسلام؛ لأنهم يعرفون أنه أفتك سلاح يُقَوِّض المجتمعات عندما تنهار الأخلاق وتنتهي القيم العليا، ويصبح الإسلام معزولاً عن الحياة.
ومما يساعد على الوقوع في الفاحشة أيضاً، الأغلال التي وضعها الناس على الزواج المشروع؛ بحيث يصبح الشاب الذي يريد تحصين نفسه بالحلال، لا يجد سبيلاً إليه، وأصبحت المباهات، والمغالاة هي العوائق التي يقع ضحيتها الشاب والشابة، ولم يَعُدْ عند غالب الناس مكان لـ: «إذا جَاءَكُمْ من تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض وَفَسَادٌ». قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ وإن كان فيه؟ قال: «إذا جَاءَكُمْ من تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»[3].
ومن هنا جاء الفساد الكبير؛ فأين الذين يقودون السفينة بحكمة وبصيرة حتى تنجوَ من الهلاك؟ اللهم سلِّمْ سلِّم.


[1] أخرجه البخاري: 6/2439 برقم: 6240، ومسلم: 4/2042 برقم: 2652.
 
[2] انظر: (يوسف: 104)، و (الحجر: 6)، و (النحل: 44)، و (الأنبياء: 2), وغيرها.
 
[3] أخرجه الترمذي في سننه من حديث أبي حاتم المزني، باب: ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، 3/395، برقم(1085).
 

أعلى