الشيعة وتهديد الأكراد بالمهدي المنتظر
عدَّ جلال الدين الصغير، القيادي في المجلس الإسلامي
الأعلى وخطيب جامع براثا، أن الكرد هم المارقة المذكورون في كتب الملاحم والفتن
الذين سينتقم منهم الإمام المهدي حال ظهوره. وقال الصغير في محاضرة له «إن أول حرب
سيخوضها المهدي ستكون مع الأكراد، وإنه لن يقاتل أكراد سورية أو أكراد إيران
وتركيا، بل سيقاتل أكراد العراق حصراً».
جاء ذلك خلال محاضرة له ناقش فيها وقائع سياسية حاضرة بناءً على مرويات في كتب
الملاحم والفتن تتحدث عن علامات آخر الزمان وظهور المهدي.
وناقش الصغير أحداث سورية قائلاً «إن المرويات تؤكد ضرب
دمشق بقنبلة نووية، وستخرب سورية كلها عدا منطقة اللاذقية»، الأمر الذي استغربه
متابعون عدّوا ذلك مساندة للنظام العلوي، باعتبار أن اللاذقية هي العاصمة المرتقبة
لهم.
والشيخ الشيعي (الصغير) هو أحد عتاة الطائفية المحرضين
على إنهاء دور أهل السنة والجماعة في العراق، وكان مسجده (براثا)، الواقع في جانب
الكرخ من بغداد، أحد المراكز الرئيسية للتحريض الطائفي.
وقد تعرَّض الصغير لحملة شديدة من قبل الكتَّاب
والباحثين الكرد، فضلاً عن مواقع الإنترنت والفيسبوك، واتهموه بأنه يريد بهذه
المحاضرة تخريب العلاقات الكردية - الشيعية التي كانت على طول الخط متينة.
وهناك عديد من الروايات والآثار المنسوبة إلى الأئمة
المتبوعين عند الشيعة، وتحديداً الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والإمام
السادس جعفر الصادق - رحمه الله - المتوفى سنة 148هـ، والإمام الثاني عشر المهدي
المنتظر، وإلى محدثي الشيعة: الكليني، وابن بابويه القمي، والمسعودي المؤرخ،
والطوسي، وابن إدريس الحلي، وابن فهد الحلي، والشهيد الثاني، وعلي الطباطبائي،
والجواهري، ومن المعاصرين أبو الحسن الأصفهاني؛ تحضّ كلها على مقاطعة الكرد وعدم
إقامة علاقات المصاهرة والتجارة معهم باعتبارهم قوماً من الجن كشف الله عنهم
الغطاء.
ويُرجع عديد من الباحثين سبب صدور هذه الروايات المفبركة
على لسان الأئمة، إلى العداء التاريخي الذي نشأ بين الكرد والشيعة على خلفية أن
أعظم قائد كردي في التاريخ الإسلامي، وهو صلاح الدين الأيوبي، قد قضى على أكبر
دولة شيعية في التاريخ الإسلامي (العبيدية المسماة مغالطة بالفاطمية) سنة 567هـ،
وأرجع مصر حاضرة هذه الدولة إلى حظيرة الخلافة العباسية السنية.
لقد تعرّض الكرد، باعتبارهم من أهل السنة، خلال تاريخهم
الطويل؛ لحملات عديدة من التشويه طالت جنسهم وتراثهم، لكن لم يصل الحد بأحد إلى
التنبؤ بمستقبلهم، وكيف أنهم سيستولون على مناطق ليست جزءاً من بلادهم، وأنهم
يعيثون في الأرض فساداً. والغريب أن هذه النبوءات منسوبة زوراً إلى آثار تعود إلى
الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وعند مقارنة هذه الآثار بالحقيقة
وأدوات البحث العلمي، فإنه سرعان ما تنهار انهيار بيت العنكبوت، حيث يبدو التهافت
والتحريض الطائفي واضحاً في أثناء هذه النصوص البشرية الموضوعة أصلاً لغايات
سياسية وعنصرية تخدم أهدافاً محددة.
ويحاول الصغير اجترار ما دوَّنه سادته من علماء الشيعة
القدامى والمعاصرين، وتوظيفه في المستجدات السياسية الحالية (الخلاف بين المالكي
والبارزاني)، على أساس أن الكرد قد خرجوا عن الطوق، وأن ظهور المهدي المنتظر كفيل
بردعهم وتطهير البلاد من دنسهم، واستند في ذلك إلى أقاويل عبارةً عن تنبؤات المهدي
المنتظر الشيعي الذي سيظهر في عنفوان قوة الكرد للانقضاض عليهم، وتخليص البشرية من
شرهم.
ينقل الحاج الشيخ محمد مهدي زين العابدين النجفي في
كتابه الموسوم (بيان الأئمة للوقايع الغريبة والأسرار العجيبة) الجزء الأول من
الخطبة الطنتجية المنسوبة للخليفة الراشد علي بن أبي طالب في الصفحة 279 و535 تحت
باب (نور الأنوار) جاء فيها ما نصه: «وارتفع علم العماليق في كوردستان، وفي رواية
أخرى قال: وعقدت الراية لعماليق كردان. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ويل
للبغداديين من سيوف الأكراد». وفيما بعد يشرح مؤلف الكتاب النجفي الخطبة
والمصطلحات الواردة فيها كالعماليق وكردستان قائلاً: «العماليق جمع العمالقة وهم
طائفة وفرقة من الأكراد، وهم من أولاد عمليق بن آدم بن سام بن نوح (عليه السلام)،
وهم متفرقون في أطراف الأرض، وفي الزمان السالف كان منزلهم الشام. وكردستان منطقة
جبلية تقع بين الأناضول وأرمينيا وأذربيجان والعراق وتتقاسمها تركيا والعراق
وإيران والاتحاد السوفيتي، سكانها أكراد، فهؤلاء الأكراد عبّر عنهم بالعماليق لأن
أصلهم من أولاد عمليق بن آدم، فأما تحركهم دولة أخرى كما يظهر من قوله (علي بن أبي
طالب) وعقد الراية لعماليق كردستان بأن يعقدها لهم شخص آخر ودولة أخرى فيرتفع
علمهم، وأما أنهم يقومون بثورة ويتحركون فيطلبون الاستقلال والدولة».
وفي الصفحة 535 - 536 يتكلم الشيخ النجفي عن كوردستان
بقوله: «وسكان هذا الإقليم كلهم أكراد، وهؤلاء الأكراد، أي سكان هذا الإقليم خاصة
وهو إقليم كردستان، لهم ثورة قبل ظهور الإمام القائم - المهدي المنتظر (عجل الله
فرجه) يطلبون فيها المملكة والدولة والاستقلال، فيقومون بثورة ويرفعون شعاراتهم في
إقليمهم، وذلك عند ضعف الحكومات المجاورة لهم وعدم وجود من يكون معارضاً لهم،
فينهضون ويثورون بعشائرهم وقبائلهم ويرفعون العلم الخاص بهم ويعقدون للكتائب من
جيشهم راية خاصة لهم بعد أن يرتبون (هكذا) دولة لهم، ففي بعض الروايات أنهم يحكمون
البلاد المجاورة لهم من السليمانية وكركوك وأربيل وخانقين وأطراف هذه البلاد ويكون
شمال العراق بأجمعه».
وفي شرحه لاحتلال الكرد بغداد عملاً بالرواية آنفة
الذكر، يقول: «وفي بعض الروايات أنهم يهجمون على بغداد ويقتلون من جيش بغداد جمعاً
كثيراً (هكذا) ويوقعون واقعة عظيمة في بغداد، كما يدل على ذلك الخبر المتقدم عن
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: ويل للبغداديين من سيوف الأكراد».
وقد صرّح محيي الدين بن عرب في منظومته التي نظمها في
علائم ظهور الإمام الحجة (بحسب وصفه): «إن الأكراد يملكون بغداد وأطرافها من شمال
العراق»، حيث قال: وتملك الكرد (بغداد) وساحتها إلى خريسان من شرق العراق، فلعله
وجد الرواية المصرحة بهذه الواقعة، وأن الأكراد يملكون بغداد وما حولها من طرف
الشمال مدة قصيرة إلى خريسان، خريسان تقع بالقرب من خانقين من قضاء مندلي وشهربان
(وهي غير خراسان الواقعة في شرق إيران)، ولذا فإن النهر الذي يجري من إيران إلى
هذه البلاد أي إلى مندلي وشهربان يسمى نهر خريسان (لعله يقصد نهر ديالى أو أحد
فروعه)، فهذه البلاد والقرى تكون تحت أيدي الأكراد وتحت تصرفهم وسيطرتهم. والظاهر
أنهم يبقون حتى يظهر الإمام الحجة (عليه السلام) على شوكتهم وقوتهم وإن كانوا تحت
إمرة غيرهم. فإذا ظهر الإمام (عليه السلام)، ففي الرواية كما سيأتي في بيان خاص أن
في الحجاز والعراق طوائف تحارب الإمام القائم (المهدي المنتظر) عليه السلام،
ويحاربهم منهم أعراب الحجاز، وأعراب العراق، والأكراد.
فالأكراد من الطوائف التي تحارب القائم عليه السلام،
ويحاربهم فيقضي عليهم ويغلبهم فيقتل من يقتل منهم والباقي يكونون تحت طاعته
ويمتثلون لأوامره ونواهيه فيدخلون تحت سيطرته طوعاً أو كرهاً، كما سيقضي على كل من
يحاربه من الطوائف والدول. (الصفحة 535 - 538 من كتاب بيان الأئمة).
وعند مناقشة هذه النصوص المارة الذكر مناقشة علمية
هادئة، يتبيّن لنا تهافتها، وأن واضعها كان يبغي هدفاً معيناً يخدم بها طرفاً
معيناً، ألا وهو إيران، فالكتاب مطبوع في إيران في عهد الجمهورية الإسلامية!
والمعلومات الواردة فيه ترجع دون شك إلى نهاية النصف الثاني من القرن العشرين،
فالإمام علي بن أبي طالب استشهد سنة 40هـ فكيف يتطرق إلى ذكر بغداد التي بنيت بعد
استشهاده بأكثر من مائة سنة في 145-149هـ في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر
المنصور؟ كما أن العمالقة الذين اعتبرهم (الشيخ النجفي) طائفة من الكرد هم أصلاً
من الكنعانيين الذين كانت فلسطين تسمى باسمهم (بلاد كنعان)، وهم قبائل عربية كانت
تستوطن بلاد كنعان (= فلسطين) قبل أن تهاجر إليها القبائل البلستينية (الفلسطينية)
من الجزر اليونانية كريت وغيرها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعلومة بصورة
تفصيلية أثناء المحاورة التي جرت بين يوشع بن نون (هوشع في التوراة) قائد بني
إسرائيل بعد وفاة النبي موسى (عليه السلام) وبين جموع بني إسرائيل، عندما طلب منهم
يوشع دخول الأراضي المقدسة، فكانت حجة بني إسرائيل أنهم لا يستطيعون دخولها لأن
فيها قوماً جبارين (العمالقة)، وهم الكنعانيون حسب رأي غالبية المؤرخين والباحثين
من الأجانب والعرب، ولهذا كثيراً ما كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يردد
في معرض الفخر والتحدي بأننا شعب الجبارين، كما أن القرآن الكريم أشار إلى قتل نبي
الله داود (عليه السلام) قائد الفلسطينيين العمالقة جالوت (= جيليت في التوراة)
وسيطرته على مدينة يبوس (أورشليم - القدس).
والعمالقة الكنعانيون هم من الجنس السامي، أما الكرد ففي
رأي غالبية الباحثين هم من الجنس الهندو - إيراني (الآري)، أو على أقل تقدير ليست
لديهم علاقة أثنية مع الساميين.
وعند شرح الشيخ النجفي للخطبة المنسوبة خطأً إلى الإمام
علي، يذكر أن الكرد تحركهم دولة: «وعقد الراية لعماليق كردستان بأن يعقدها لهم شخص
آخر ودولة أخرى فيرتفع علمهم».
وفي اعتقادي أن المقصود بها (جمهورية مها باد الكردية في
إيران) عام 1946م التي أسسها (القاضي محمد) بدعم سوفييتي أثناء سيطرته على شمال
إيران في الحرب العالمية الثانية، ولما كان الشيخ النجفي الإيراني مخلصاً لشاه
إيران (رضا بهلوي)، الذي قضى على هذه الجمهورية، وأعدم قادتها، ومنهم (القاضي
محمد)؛ فإنه جاء بهذه الدسيسة ونسبها زوراً وبهتاناً إلى الإمام علي - رضي الله
عنه - لكي يثبت للعالم أن الكرد لن تقوم لهم قائمة إلا اعتماداً على الدعم
الأجنبي، وهذا هو نفس الأسلوب التي يردده أعداء الكرد حالياً من أنهم ينتظرون
الدعم الغربي والإسرائيلي، وأنهم يتحينون الفرص للانقضاض على الأنظمة التي تحكم
الأجزاء العديدة من بلادهم كردستان.
فبينما يردد البعض شعارات سياسية ضد الكرد، نلاحظ أن
الشيخ النجفي اعتمد على آثار دينية تراثية (تنبؤات) أشبه بالميثولوجيا، لإثبات أن
الكرد يستغلون الفرص اعتماداً على قوى أجنبية، وإذا حالفهم الحظ فإن دولتهم أو
كيانهم سرعان ما يزول وإن طال أمده على يد القائم (المهدي المنتظر).
ولكي يحول هذا الأثر المزعوم إلى واقع، شكل مقتدى محمد
صادق الصدر جيش المهدي، (= يعتقد أن غالبيتهم من فدائيي صدام)، والذي كان له دور
خبيث في اغتيال وتهجير الآلاف من أهل السنة في بغداد والمحافظات في سنوات
2006-2007م.
ويظهر أن تصريحات الشيخ الشيعي حول إبادة
(المهدي المنتظر) للكرد وفي روايات كثيرة قبلها للعرب؛ تشبه إلى حد كبير تصريحات
الحاخام اليهودي عوفاديا يوسف حول إبادة الماشيح (المسيح المنتظر) للعرب.. فهل
هناك أوجه تشابه بين الميثولوجيا الشيعية واليهودية؟
** إيران تنخر كيان
الأمة ( ملف خاص )
:: مجلة البيان العدد 307 ربيع الأول
1434هـ، فبراير 2013م.