• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصراع على ليبيا

مثَّلت زيارة قائد قوات أفريكوم ورئيس الاستخبارات الأمريكي ويليام بيرنز 13 يناير/ كانون الثاني 2023م الماضي، أهميةً كبرى، فلم يَسبق أن زار مسؤول أمريكي بهذا المستوى ليبيا منذ ديسمبر/كانون الأول 2011م،


ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على كثير من المفاعيل السياسية والاقتصادية في العالم، ويُعدّ ملف الطاقة إحدى الأزمات التي أبرزتها تلك الحرب، والتي صارت ثقيلة الظلال على أوروبا التي اعتمدت لفترة طويلة على إمدادات الغاز الروسي، والذي أصبح مصدر تهديد وابتزاز بعد اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

لقد تعرَّض الأوروبيون لأزمة حقيقية وارتفعت أسعار الغاز أضعافًا، وهو ما شكَّل ضغطًا كبيرًا على تلك الحكومات شعبيًّا واقتصاديًّا، ورفع من أسعار السلع والمنتجات الأوروبية وهو ما أثَّر عليها في الأسواق الداخلية، إضافةً إلى ارتفاع الكلفة الإنتاجية، والتأثير على قدرتها التصديرية.

ومع تجاوز الحرب الروسية الأوكرانية عامها الأول، مع غياب أُفق زمني لإنهائها؛ أصبح توفير بديل للغاز الروسي حاجة ملحّة لأوروبا.

منطقة الشمال الإفريقي وفيرة بمصادر الطاقة. لكنَّ ليبيا خاصةً تتنازعها عدد من المعوقات التي تحول دون استفادتها من قُدُراتها في تأمين الطاقة لأوروبا بشكل آمِن، ومن أهم هذه المعوقات:

أولاً: حالة عدم الاستقرار السياسي والانقسام الداخلي الذي أنتج حكومتين؛ واحدة في الشرق، والأخرى بالغرب. وكثيرًا ما أدَّى النزاع بينهما إلى إغلاق موانئ تصدير النفط، أو إشعال النار بها.

ثانيًا: الوجود الروسي المتمثل بقوات فاغنر، هذا الوجود الذي يُعدّ إحدى أدوات روسيا في تفجير الأوضاع في وجه الغرب إذا تأزمت الحرب العسكرية؛ فلدى روسيا استراتيجية عسكرية لتفجير بُؤَر التوتر في وجه الغرب، فبجانب البلقان الذي تملك روسيا فتيل إشعاله؛ فإن تفجّر الأوضاع في ليبيا سيؤدي أيضًا إلى التأثير على إمدادات الطاقة لأوروبا.

لذا فقد حظيت ليبيا باهتمام غربي في الأسابيع القلائل الماضية، وشهدت زيارة عدد من القادة والزعماء الغربيين لهذا البلد المنقسم.

يُؤشِّر لذلك زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية لليبيا، والقضية هنا لا تتعلق بإيطاليا كوحدة سياسية لها مصالحها المستقلة عن أوروبا؛ فإيطاليا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تملك أنبوبَ غاز مباشرًا متصلاً مع ليبيا؛ تقول موليني: «الزيارة لن تعود على الدبيبة بأيّ نتائج، عكس الحكومة الإيطالية التي ستستفيد سياسيًّا واقتصاديًّا داخل فضائها الأوروبي، لكن بخصوص الاتفاقية النفطية بين الحكومتين فهي اتفاقية تم توقيعها منذ عام 2008م، وكون إيطاليا تملك أنبوب غاز متصلاً بليبيا؛ فالأمر يمثل فرصة للدولة الليبية، في ظل الصراعات الدولية والإقليمية، أن تنهض وتنجو من الدمار الاقتصادي الذي يهدّد مستقبلها». والحقيقة التي لم تقلها؛ أن هذه الاتفاقية تُعدّ فرصة لإيطاليا وللفضاء الأوروبي الذي تنتمي إليه بشكل عام.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فقد بدأت تُولي قوات «فاغنر» اهتمامًا كبيرًا، بعد أن أصبحت تُشكِّل خطرًا عليها وعلى حلفائها الأوروبيين، خاصةً عقب تنفيذ استراتيجيتهم للانتشار في شمال إفريقيا أو جنوب المتوسط، وتمركزهم في ليبيا عبر احتلالهم لقاعدة الجفرة العسكرية الاستراتيجية، وقاعدة براك الشاطئ والقرضابية وبعض المهابط الترابية في جنوب ليبيا.

لقد دخلت «فاغنر» ليبيا أول ما دخلت ضمن اتفاق مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لدعم حربه على العاصمة طرابلس في نيسان/ أبريل 2019م، لكن الأخير لم يتمكَّن من السيطرة على العاصمة وانهزمت قوّاته، فيما لا تزال قوات «فاغنر» موجودة في المناطق المذكورة سابقًا، رغم وجود اتفاق دولي يقضي برحيل القوات الأجنبية عن ليبيا.

«فاغنر» وفي إطار استراتيجيتهم للتمدد في إفريقيا يقومون بأدوار عدة في مالي وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا والسودان، فالعقوبات التي فرضتها واشنطن على هذه القوات ستعمل على تقويض الدعم اللوجستي لهذه العناصر من المرتزقة.

وبينما تسعى أوروبا لدعم الاستقرار في ليبيا من أجل ضمان تدفقات البترول والغاز؛ فإن الولايات المتحدة تنظر للأزمة الليبية بشقَّيْها السياسي والعسكري.

ومثَّلت زيارة قائد قوات أفريكوم ورئيس الاستخبارات الأمريكي ويليام بيرنز 13 يناير/ كانون الثاني 2023م الماضي، أهميةً كبرى، فلم يَسبق أن زار مسؤول أمريكي بهذا المستوى ليبيا منذ ديسمبر/كانون الأول 2011م، عندما التقى وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، رئيس الحكومة المؤقتة برئاسة الراحل عبد الرحيم الكيب، ووزير دفاعه حينها أسامة الجويلي، بعد نحو شهرين من مقتل معمر القذافي، وسقوط نظامه.

بيرنز من الشخصيات الأمريكية المخضرمة التي تعرف ليبيا جيدًا، فهو عرّاب إنهاء المشروع النووي الليبي الذي تخلَّى عنه القذافي طواعيةً بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م.

وكان بيرنز أول مسؤول أمريكي يزور ليبيا بعد عودة العلاقات في 2004م، كما زارها في 2014م، بصفته مساعدًا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط.

وهذه الزيارة الرسمية الثالثة له إلى ليبيا، لكن بصفته مديرًا للاستخبارات الأمريكية هذه المرة، التي تولاها في مارس/آذار 2021م.

وهو يعرف كيف يتعامل مع الواقع الليبي المعقَّد؛ ما يُؤشِّر أيضًا لجدية الولايات المتحدة في التعاطي مع الملف الليبي هذه المرة، فلم تشهد الزيارة مؤتمرات صحفية ولا تصريحات إعلامية، ولم تظهر صور أو فيديوهات لاجتماع خلفية حفتر مع بيرنز، وهو أمرٌ له دلالته، وهو ما يعني أن الزيارة لها أهداف محددة وليست للظهور الإعلامي، وعدم التصريح بنتائجها إعلاميًّا يُؤشِّر إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تُنضج طبختها على نار هادئة.

ربما تكون الأحداث العالمية والإقليمية شكَّلت مسارًا دافعًا للضغط على الفُرقاء الليبيين لإيجاد مخرج لحالة الانقسام الداخلي، ورغم صعوبة إيجاد حالة توافقية؛ إلا أن الغرب لديه من المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية في إيجاد كيان سياسي ليبي موحَّد أكثر من أي وقت مضى.

لقد ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على الأوضاع الليبية فصارت ليبيا حجرًا مهمًّا على حلبة الصراع الدولي.

 

 


أعلى