• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أمن الإنسان العربي... بين التباس المفهوم وغموض المقصود

  ثمة تساؤلات وجدالات عدَّة يطرحها ويثيرها مفهوم (الأمن) Security الذي تمتلئ به التقارير الدولية التي تصدر حول منطقتنا العربية، لا سيما في مجالات حقوق الإنسان والتنمية البشرية والإنسانية؛ فعادة ما تُواجَه تلك التقارير والمفاهيم والتفسيرات الواردة فيها بالرفض من قِبَل الجهات الرسمية، في حين تلقى القبول والترحاب من قِبَل الجهات المحكومة والشعبية. وبين الرفض والقبول قد تضيع الحقائق وتندثر البراهين وتُزيَّف الإرادات. ولعل المثال الأبرز في هذا الإطار ما أثاره تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 الذي يصدره المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP من اتهامات بشأن تحيُّز التقرير وإغفاله الاحتلال والتدخل الأجنبي كأبرز التهديدات التي تحيق بالأمن الإنساني العربي، لا سيما في العراق وفلسطين والسودان والصومال. وقد استند المشكِّكون في نزاهة مثل هذه التقارير إلى واقعة انسحاب الدكتور (مصطفى كامل السيد) أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة (الذي سبق له أن قام بإعداد تقرير التنمية الإنسانية لعام 2007، وكان من المفترض أن يكون الباحثَ الرئيس في تقرير 2009) إثر خلافات على حجم ونوعية التغييرات التي أُجْرِيت على الصيغة النهائية للتقرير من قِبَل جهة الإصدار، والتي وُصفت – بحسب الدكتور السيد - بأنها: (تغييرات جوهرية)[1]. (الأمن)... قراءة في تطورات المفهوم: تتلخص الدلالات اللغوية لمفهوم (الأمن) في مجملها حول معاني: السكينة والطمأنينة والاستقرار، سواء على المستويين: الفردي أو الجماعي؛ فقد جاء في لسان العرب: أمِنَ يأْمَنُ أَمْناً وأمَاناً وأَمِنَهُ: اطمأنَّ، وضدُّ خاف، فهو أَمِنَ وأمِين. والأمان ما يقابل الخوف من الطمأنينة والعهد والحماية والذمة[2]. من ذلك قوله - تعالى -: {لإيلافِ قُرَيْشٍ #!١!#) إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ #!٢!#) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ #!٣!#) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: ١ - ٤]. بَيْدَ أن ثمة أسئلة جدلية عدَّة يثيرها هذا المفهوم من الناحيتين: التنظيرية والعملية. لعل أهمها: لِـمَن الأمن؟ هل هو لفرد واحد؟ ومن هو هذا الفرد؟ أم أنه لبعض الأفراد أم لمعظمهم أم لهم جميعاً؟ وهل هو للمجتمع أم للدولة؟ وإذا كان للدولة؛ فهل هو لدولة واحدة أم لبعض الدول أم لمعظمها أم لكل الدول؟[3]. وقد تفسِّر لنا محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تطوُّر مفهوم «الأمن» مع بروز ثلاثة اتجاهات لتعريف المفهوم من الأضيق إلى الأوسع إلى الأشمل أو الأكثر اتساعاً، ومن الأمن «القومي» National إلى الأمن «المجتمعي» Community وصولاً إلى الأمن «الإنساني» Human الذي يعتمده تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 كمفهوم محوري للتحليل وكهدف جوهري يسعى للوصول إليه بزعم تجذيره في البيئة العربية. ويفرق التقرير بين مفهومَي: التنمية «الإنسانية» والتنمية «البشرية»؛ حيث يجعل الأول الركيزة الأساسية للثاني، باعتبار أن التنمية البشرية تُعنى بتوسيع قدرات الأفراد وتعظيم الفرص المتاحة لهم، في حين أن التنمية الإنسانية تُعنى بتمكين الإنسان من احتواء أو تجنُّب المخاطر التي قد تهدِّد حياته وسُبُلَ معيشته وكرامته، ويضاف إلى ذلك أن لتنمية الإنسان علاقة بحقوقه؛ لأن احترام حقوق الفرد الأساسية هو الذي يمهد السبيل لخلق الظروف المواتية لأمنه ومن ثَمَّ لنموه وتقدُّمه الذي يُعنى به مفهوم التنمية البشرية. ومفهوم التنمية الإنسانية بهذا المعنى يُعَدُّ مدخلاً شاملاً يجمع بين مكونات أمن الأفراد تمهيداً لتنميتهم؛ حيث يهدف في التحليل الأخير إلى تحقيق السلام والأمن والتنمية المستدامة، كما أنه قد حوَّل الاهتمام من أمن «الدولة» إلى أمن «الإنسان»، ووسَّع مجالات الأمن لتشمل أبعاداً غير عسكرية، مثل: تأمين الغذاء والدواء والسكن، مؤكداً أن هذا التركيز على أمن الإنسان لا يتعارض بالضرورة مع الأمن القومي أو أمن الدولة بل هو مكمِّل لمقوماته، وركيزةٌ لتحقيقه، ودعامةٌ لترسيخه. الإنسان العربي... بين تهديدات الخارج وانتهاكات الداخل: لقد أدرج تقرير التنمية الإنسانية لعام 2009 بين طياته أبرز التحدِّيات التي تواجه أمن الإنسان العربي: كالبطالة، والفقر، وانتهاكات حقـوق الإنسان، وخاصـة حقوق المرأة، وكذلـك تزايد النمــو السـكاني الـذي قد يصـل – وَفْقـاً للتقرير - إلى 395 مليون نسمة بحلول عام 2015، كما أكد التقرير على عوامل جديدة يتضمنها مفهوم الأمن، منها: البيئة، وندرة المياه، والتصحُّر، والاحتباس الحراري، والصراعات القومية، والاختلافات الطائفية والدينية واللغوية. غير أن ما يثير الجدل في هذا الإطار، هو ما أكدت عليه دراسات التقرير من تجاوُز أعداد ضحايا الصراعات في العالم العربي لأعداد ضحايا الاحتلال والتدخُّلات الخارجية. وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بأنه محاولة للتقليل من شأن الاحتلالين: الصهيوني والأمريكي في كلٍّ من فلسطين والعراق، وإلصاق تهمة انعدام أمن الإنسان العربي بالنظم السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة في المنطقة العربية. وربما يدفع معدُّو التقرير هذه التهمة عن أنفسهم بادِّعائهم أنَّ التهويل المفرط لدور المحتلين وأثرهم السلبي فيما يتعلق بأمن الإنسان العربي من شأنه أن يعطي مبرراً للنظم القائمة للاستمرار في جرائمها بانتهاك حقوق المواطنين، وانتهاك أمنهم (السياسي والاجتماعي والاقتصادي والغذائي والبيئي). غير أنه يمكن الرد على ذلك الدفع بالتأكيد على أن ترسيخ الأمن في البيئة العربية ببُعْدِه الإنساني لا يعني المحاباة غير المبرَّرة للمحتلين بالتستر علـى جرائمهـم؛ فبين تهـديدات الخارج وانتهـاكات الداخل لا ينبغي أن تضيع الحقيقة، ولا ينبغي أن يكون أمن الإنسان العربي أداةً لتكريس واقع الاحتلال بدعوى إقامة الحريات وتدشين الديمقراطيات المزعومة، ولا مطيةً للنظم القائمة في المنطقة العربية بزعم تقوية الداخل وحِفْظ أمن الدولة في مواجهة الأعداء والمتربصين. قيمة «الأمن» أم أمن «القيمة»؟ ما سبق من جدل بشأن مبررات إغفال أثر الدور الخارجي فيما آل إليه أمن الإنسان العربي، يجعلنا نثير أسئلة قد تبدو فلسفيةً من جهة المنطق والتنظير؛ بَيْدَ أنها تكتسب أهميتها الواقعية البالغة من جهة الوصف والتفسير. هذه الأسئلة تتمحور حول ماهية «الأمن» وهل هو «قيمة» في حد ذاته؟ أم أنه «أداة» و «وسيلة» لتحقيق «قيم» معينة؟ وهل تبحث تقارير التنمية البشرية والإنسانية وحقوق الإنسان وجميع التقارير المتعلقة بواقعنا العربي في «قيمة الأمن» Value of Security؟ أم في «أمن القيمة» Security of value؟. يطرح أرنولد ولفيرز في تعريفه لمفهوم الأمن Wolfers Arnold إجابته عـن هـذه الجدلية بشـأن ماهيـة الأمـن وما إذا كان قيمة فـي حدِّ ذاته؟ أم أداة لحفــظ قيمـــةٍ ما أو منظومة من القيم؟ حيث يرى «أن الأمن في جانبه الموضوعي يعني: غياب أيَّة تهديدات تجاه قيمٍ مكتسبة، وفي جانبه الذاتي فهو يعني: غياب الخوف من أن يحصل المساس بأي من هذه القيم»[4]. ويؤكد هذا المعنى أيضاً ما طرحه كلٌّ من تريجر وكرونبيرج Trager and Kronenberg في تعريفهما لمفهوم الأمن؛ حيث أكدا على أن «القيم الحيوية الوطنية تشكِّل جوهر سياسة الأمن الوطني، ويتحدد الأمن بأنه: ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يستهدف إيجاد شروط سياسية ووطنية ملائمة لحماية أو توسيع القيم الحيوية ضد الأعداء الحاليين والمحتملين»[5]. وبهذه الصفة لا يُعَدُّ مفهوم الأمن قيمة في حد ذاته، إنما هو مجرد مرادف للمصلحة الوطنية National Interest، وكيفية تعزيزها بالاعتماد على القوة في شقَّيها: الصلد والناعم على حد سواء. ومن ثَمَّ فإن الأمن بهذا المنطق ليس إلا أداة أو وسيلة لفرض منظومة القيم (الغربية، الأمريكية) وَفْقاً لرؤيةٍ براغماتية بحتة تستند إلى المصالح الوطنية العليا لتلك القوى الدولية. وعلى الرغم من أن مكونات الأمن الإنساني ومصادر تهديده موجودة تاريخياً؛ فإن بروز هذا المفهوم بشكله الحالي الذي تؤكد عليه التقارير الدولية ذات الصلة به، إنما ظهر مؤخراً مرتبطاً بعملية العولمة Globalization التي يراها بعضهم مرادفاً للأمركة Americanism، والتي تهدف في أبسط معانيها إلى ربط مصائر ومصالح العالم بمنظومة القيم الأمريكية؛ وذلك نظراً لما تقوم عليه فلسفة تلك العملية من فتح لحدود الدول لانتقال السلع والخدمات وكذلك القيم والثقافات؛ بزعم تحرير الاقتصاد العالمي وصَهْر الشعوب في بوتقة واحدة لإلغاء الفوارق بين البشر وتغليب الوجه الإنساني في العلاقات الدولية! وكثيراً ما تسعى القوى الدولية الكبرى (وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية) إلى إضفاء البعد الإنساني، الذي يحمل بريقاً خادعاً من الزيف لسلوكها الدولي ذي النزعة الإمبريالية بهدف تغليف مصالحها الإستراتيجية بصبغة مقبولة عبر استخدام أجهزة وأدوات النظام الدولي، مثل: الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها؛ لتحقيق تلك المصالح الإستراتيجية؛ لذلك فلا غرو أن يصدر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1999 بعنوانٍ فجٍّ يؤكد على هذا المعنى وهو: «عولمة ذات وجه إنساني» Globalization with a Human Face بما يحمله هذا العنوان من دلالات الزيف والخداع باسم الإنسانية. وتهدف القوى الغربية إلى تحقيق مصالحها الإستراتيجية باستخدام القوة بمفهومها الشامل موقَّعة بختم تحقيق الأمن الإنساني المزعوم في مناطق النزاع أو المناطق الإستراتيجية أو في الدول المناوئة لها شريطة أن يجري ذلك بطريقة تبدو قانونية، وجماعية، وتحت مظلة المنظمات الدولية؛ بدعوى أن الدول والمنظمات الإقليمية والدولية (الحكومية وغير الحكومية) يجب أن تتفاعل معاً لتشكيل قواعد العمل في مجالات الأمن الإنساني؛ حيث لا تستطيع دولة بمفردها مواجهة مصادر تهديد ذلك الأمن. غياب الأمن العربي.. صناعة إستراتيجية غربية: ولكن يبدو أن هناك فارقاً كبيراً بين المبادئ والتوصيات والقرارات والشعارات النظرية المثالية وبين الحقيقة الملموسة والممارسات الواقعية، وخير دليل على ذلك، هو أن ذلك الغرب الديمقراطي المناصر للحريات وحقوق الإنسان هو ذاته الذي يتولى تصنيع وتصدير السلاح، وشنَّ الحروب المدمرة، وإيقاع الأذى بالمدنيين، وممارسة العنف النفسي والاجتماعي ضد السكان الوافدين والمهاجرين إليه من الدول الأخرى، وهو الذي يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويسعى لتطويرها واحتكار أسرارها. ومن البدهي أن يسعى الاقتصاد القائم على صناعة السلاح وتصدير العنف إلى إيجاد وخَلْق الصراعات التي تضمن له استخدام واستهلاك ذلك السلاح؛ لذلك فإن الدول المصنِّعة والمصدِّرة للسلاح (وجُلُّها غربي بالأساس) إنما هي مصدر العنف والإرهاب والحروب وغياب الأمن الإنساني في العالم. بل إن القوى الغربية تسعى لفلسفة منطقها بنشر ثقافة العنف كسبيل للوصول إلى الأمن الإنساني عبر طنطنات فارغة من قَبِيل: الفوضى الخلاَّقة، وآلام المخاض لشرق أوسط جديد، وَفَقاً لتعبير وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في معرض تعليقها على العدوان الصهيوني الأخير على لبنان صيف 2006؛ بزعم أن للعنف جانباً إيجابياً لا يمكـن إغفاله أو التغاضي عنه، وهو دوره في صنع الحضارة الإنسانية التي يهدد العنف أيضاً وجودها في الوقت ذاته؛ فالعنف إذن - وَفْقـاً لهذا المنطق - عامل خلق وتدمير في وقت واحد، وقد أدت الحـروب والاعتـداءات في كثير من الأحيان إلى القضاء على كثير من ألـوان التخلف مع إحلال مظاهر ونظم جديدة أكثر تطـوراً وَرُقيّاً بدلاً منها[6]. وطبقاً للمنطق الإمبريالي الغربي؛ فإنه إذا جاز لنا اعتبار التاريخ الإنساني مليئاً بالعنف والقتل والدماء وأنه تاريخ دموي إلى حدٍّ كبير، إلا أن ذلك العنف الدموي كان دائماً أداة ووسيلة، بل إستراتيجية لنشر الحضارة والتقدم والرقي البشري، في إطار النزعة الرسالية للرجل الأبيض التي يؤكد عليها رائد الحريات وحقوق الإنسان المزعوم (بارون دي مونتسكيو) Montesquieu Baron de في معرض دفاعه عن استرقاق الشعوب الإفريقية واستلاب أراضيهم من قِبَل الأوروبيين إبان الحقبة الإمبريالية؛ حيث يقول: «إذا طُلِب مني أن أدافع عن حقنا المكتسب لاتخاذ الزنوج عبيداً، فإني أقول: إن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أمريكا الأصليين، لم ترَ بُدّاً من أن تستعبد شعوب إفريقيا؛ لكي تستخدمها في استغلال كل هذه الأقطار الفسيحة. والشعوب المذكورة ما هي إلا جماعات سوداء البشرة من أخمص القدم إلى قمة الرأس وأنفها أفطس فطساً شديداً؛ بحيث يكون من المستحيل أن تــرثيَ لهــــا، ولا يمكن للمرء أن يتصور أن الله وهو ذو الحكمة السامية قد وضع روحاً – على الأخص روحاً طيبة – داخل جسم حالك السواد. إنه من المستحيل أن نفترض أن هؤلاء الناس بشر؛ لأننا إذا افترضنا أنهم بشر؛ فإننا سنبدأ في الاعتقاد بأننا لسنا مسيحيين»[7]. الأمن التابع والأمن المستقل: هذا التناقض بين المنطق والسلوك يدفعنا إلى التأكيد على أن سيل التقارير الغربية التي تُعنى بالأمن الإنساني والتنموي للبشر إنما يُقصَد به بالأساس الإنسان الغربي الأبيض المتحضر المنوط به نشر القيم والثقافة الغربية المسيحية بين الشعوب الأخرى، وإن كان ثمة درجة من درجات الأمن تنشدها تلك التقارير لهذه الشعوب غير الغربية؛ فإنها تصبُّ في نهاية المطاف لصالح أمن الإنسان الغربي ورفاهيته، ومن ثَمَّ فإن أمن الإنسان العربي الذي تزعم التقارير التنموية والإنسانية دعمه وتنميته إنما هو تابع لأمن الإنسان «الحقيقي» الغربي لا مستقلاً أو مُنبتّاً عنه. إن غياب الأمن في المجتمعات العربية الذي يؤكد عليه تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، إنما هو نتاج الأوضاع المتردية التي يعاني منها الإنسان العربي الذي يشعر إزاءها بقسوة الحياة وتعرُّضِه للظلم والتهميش نتيجة انتشار الفقر والبطالة والفساد. كل هذه المظاهر إنما تمثِّل بيئة خصبة لانتشار ثقافة العنف وانعدام الأمن والتي تغذيها قوى الخارج وتابعوها من قوى الداخل؛ حيث يتآمر الجميع على الإنسان العربي ذاتِه مع ادعائهم دوماً أنهم يهدفون إلى تحقيق أمنه وتنميته، وربما فاتهم أن يضيفوا إلى الجملة السابقة جمـلة أخـرى مكمِّـلة ومتمِّمـة للمعنـى وهـي: «بما لا يتنافى مع أمنهم وتنميتهم لا مستقلاً عنهما». وإذا كان القائمون على إصدار التقارير الإنسانية والتنموية العربية يلقون باللائمة دوماً على الأنظمة الحاكمة فيما آل إليه حال الإنسان العربي وأمنه؛ فلماذا يدعمون تلك الحكومات ويساندونها ما لم يكن ذلك الدعم وتلك المساندة تخدم مصالحهم وإستراتيجياتهم في المنطقة؟ لقد تحولت تلك التقارير إلى أدوات للضغط على من يريدون تحقيق مزيد من التواطؤ والخنوع لأهدافهم ومصالحهم، كما أنها باتت على الجانب الآخر صكوك غفران تُمنح لمن يدفع الثمن أو لمن يريدون أن يبيِّضوا صفحته من العتاة والمجرمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان وغيرها. فمتى يتحول أمن الإنسـان العـربي إلى مفهــوم مستقل له خصوصيتـه واحتـرامه؟ بدلاً من كونه - في غـــالب الأحوال - مفهوماً تابعاً لمـراد السيِّد المهيمن علـى مقاليـد الأمور، سواء في الداخل أو في الخارج، ومتى نجد من المراكز البحثية والمنظمات والهيئات العربية المعنيَّة من يضطلع بالقيام بإصدار تقارير ودراسات جادة ورصينة تهدف إلى تحقيق الأمن الإنساني العربي بشموله وخصوصيته من دون أجندات خفية أو أهداف مستبطنة؟ ذلك الأمن الذي حَرَص الشَّارع الكريم على تحقيقه بشقيه: - المادي الظاهر المتجلي في السعادة والراحة الدنيوية، بعيداً عن الحروب وإزهاق الأرواح وغيرها. - والمعنوي ببُعده العقدي والإيماني. إنه أمن الحفاظ على سلامة العقيدة وصحة الإيمان؛ ذلك الأمن الذي إذا لم يتوفر للإنسان العربي بخصوصيته الإسلامية ولم يتحقق له فلا قيمة حينئذٍ لأي أمنٍ أو سعادةٍ أو راحة دنيوية يحياها الإنسان مهما بلغت درجة رِفعَتِها ورُقيِّها. (*) سكرتير تحرير التقرير الإستراتيجي لمجلة البيان. [1] الجزيرة نت: 18/7/2009.   [2] ابن منظور، لسان العرب، على هذا الرابط: http://lexicons.sakhr.com/openme.aspx?fileurl=/html/7058937.html   [3] David A. BaLldwin, “The Concept of Security”, Review of International Studies, vol.23,no.1, 1997. pp.14-15.   [4] Arnold Wolfers, Discord and Collaboration: Essays on International Politics, (Baltimore: The Johns Hopkins Press), 1962, pp. 67- 80   [5] Trager&Kronenberg, Considiration of National Security Administration: The Presidency, Policy Making and Military, Public Administration Review, Vol. 34, No. 1, Jan. – Feb., 1974, Pp 82-88.   [6] أحمد أبوزيد، ثقافة العنف، مجلة العربي، وزارة الإعلام الكويتية، العدد 614، يناير 2010، ص 32.   [7] حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999، ص 435 - 436.  

أعلى