عرض كتاب:
في ظل (الصراعات المسلحة) يذهب الكثيرون لمتابعة (ساحة المعركة)، محاولين الاصطفاف (مع أو ضد) طَرَف تجاه آخر، ومن ثمَّ قراءة الأمور بـ (عين الرضى) أو (عين السخط)، من أجل نيل مصالح ذاتية أو فئوية. وقليلون هم أولئك الذين يقفون خارج أرض المعركة ليبحثوا عن (مصدر الفتنة)، متجردين فكرياً ونفسياً من أي تأثير (تضليلي)، قاصدين من ذلك الخروج من الأزمة وليس التَّعيُّش منها. هذا ما يخرج به قارئ كتاب: (الحوثية في اليمن... الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية)، والذي صدر عن مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث بصنعاء بالتعاون مع المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة. هذا الكتاب الذي يمثل بحثاً مطولاً ودراسة شاملة حول الحوثية كحركة والحرب كأزمة، حتى شهر ذي الحجة من عام 1429هـ - كما تفيد المقدمة - أعدَّه مجموعة من الباحثين. وهو جريء في طرحه، مليء بالشواهد والبيانات والمعلومات، عميق في تحليله، صادق في لهجته وخطابه، يربط بين التاريخ والدين والسياسة رغم سهولة طرحه وبساطة عبارته. وهو وإن لم يكن الجهد الأول على الساحة اليمنية الذي يتناول القضية، لكنه قدَّم الموضوع بشمولية تُنَاسب حجمه. إن الصراع الذي بدا محدوداً قبل خمس سنوات بين الدولة اليمنية وتمرُّد الحوثي، أصبح اليوم مثاراً لاهتمام الأنظمة الخليجية والعربية والدولية على الصعيدين: (السياسي والإعلامي) وإلى حدٍّ ما على الصعيد الديني. وهو - حسب رأي الباحثين - نتيجة تراكمات سابقة وتفاعلات ماضية، وزَرْعٌ آتى أُكُله، فأصبح اليمانيون يجنون الشوك في (زمن الحصاد). ورغم استياء الباحثين من الدماء التي تُهراق والأنفس التي تُشرَّد والمصالح التي تُدَمَّر، إلا أنهم لم يترددوا في تقديم شهادتهم على الواقع وَفْقاً لما لديهم من معلومات وحقائق (للمسيء بإساءته وللمخطئ بخطئه)، حتى لا تتكرر الزلة وتتعاظم الفتنة ويغيب الحق؛ وحتى لا يلج الأعداء من الأبواب المشرعة؛ وحتى تُراجع الأطراف أنفسها؛ لأن للمقدمات نتائج. وقد أعطى الباحثون في مدخل الكتاب خلفية عامة حول الجغرافيا الدينية والمذهبية لليمن خلال تاريخها بشكل موجز، باعتبار أن هذا الاستقراء التاريخي يقدِّم دليلاً على أن اليمن – نظراً لموقعها الجغرافي - تقع في دائرة الاستهداف (السياسي المؤدلج)، وهو ما جعلها تضم تشكيلة (فسيفسائية) من الأديان والفِرَق خلال تاريخها؛ إلا أن دخول الفِــرَق - الخوارج والشيعة تحديداً - إلى اليمن جعل منها مسرحاً للصراعات المسلحة المستندة إلى (العقيدة) و(المذهب). كما رسم الباحثون ملامح المنطقة العربية، التي أصبحت تعيش بين مطرقة الصراعات الداخلية وسندان التآمر الخارجي؛ مبيِّنين كيف أن هذه الأوضاع، التي يصدق عليها وَصْف (الفوضى الخلاَّقة)، بالإضافة إلى أجواء يمنية محلية - أتى الكلام عنها في ثنايا البحث - هيأت لحركة الحوثي فرصة لا تُعوَّض. الحوثية النشأة والمسار: هذا هو عنوان الباب الأول من الكتاب، وقد شمل أربعة فصول: الفصل الأول: كان تمهيداً يبحث في مواطن الافتراق والالتقاء بين الزيدية والإمامية[1] (الإثني عشرية)؛ حيث يؤكد الباحثون على أن الاختلاف بين هذين الفريقين مثبَت تاريخياً وعقدياً؛ فقد كفَّر كلٌّ من الطرفين الآخر وَفْقَ أصول مذهبه، وحدثت بينهما مواجهات مسلحة. لكن على الرغم مسائل الخلاف بين الزيدية والإمامية (الإثني عشرية) فقد كان هناك آراء مشتركة بين الجارودية (وهي من فرق الزيدية، وينتمي إليها بدر الدين الحوثي وغيره من المرجعيات المذهبية في صعــدة) وبين الإماميــة (الإثني عشرية)، وهو ما جعل بدر الدِّين الحوثي يؤلف رسالة في هذا الشأن. ومن ثمَّ يرى الباحثون أن الجارودية شكلت بوابة للإثني عشرية، وهذا ما يفسر طبيعة الالتقاء بين فكر الحوثيين المنتمين إلى الجارودية والثورة الإيرانية (الإثني عشرية). وفي مبحث آخر يتحدث الكتاب عن أثر سقوط دولة الإمامة على يد أتباع المذهب الزيدي في اليمن، والذي شكَّل منعطفاً مهماً في شعور أتباع المذهب الذين خاضوا معارك شرسة لاستعادة مركزهم السياسي الذي يمثل جزءاً من فكرهم السياسي ونظريتهم العقدية في السياسة. ويرصد الباحثون مجريات الأحداث التي تحوَّلت معها مشاعر بعض عناصر الزيدية من السلبية إلى الفعل والحركة والظهور. وفي مبحث ثالث يتناول الباحثون أثر (ولاية الفقيه) وقيام الدولة الإمامية (الإثني عشرية) في إيران بإعادة الأمل لدى الزيدية لاستعادة دولتهم. وما ترتب على وجود القواسم الفكرية والمصلحية المشتركة بين الطرفين: من التقاء وتقاطُع سياسي انعكس في حركة الحوثي؛ حيث لم تُغفِل الثورة الإيرانية موقع اليمن من مشروعها التوسعي في المنطقة، في حين يرى الحوثيون فيها أسوة لهم لاستعادة مجدهم القديم. وفي المبحث الرابع: يحلل الباحثون موقف الجمهورية اليمنية من المذهب الإمامي (الإثني عشري)، وكيف أن القوى الثورية لم تكن تملك مشروعاً فكرياً وسياسياً موحَّداً تتفق عليه غير القضاء على (حكم الإمام) بوصفه حكماً ظالماً مستبداً، ومن ثمَّ فلم تكن الدولة الناشئة ذات بُعْد أيديولوجي مصادم للدين والمذاهب المنتسبة إليه. ويسجلون موقف اليمن الداعم للثورة الإيرانية في بداياتها ثمَّ اصطفافها إلى جانب العراق والدول العربية في مواجهة ما عُرف في ما بعد بتصدير الثورة الإيرانية. وهو ما سُجل على اليمن إيرانياً، وظل محفوراً في ذاكرة القيادة (الإثني عشرية) في إيران، وهي التي لا تنسى المظلوميات التاريخية. ومن ثَمَّ بدأت بالتبشير بأفكارها منذ مطلع الثمانينيات في اليمن ومن خلال مسار متصاعد أغفلته حكومة اليمن، ربما بِحُسن نية أو جهل. الفصل الثاني: يتناول مولد ونشأة الحوثية، ويستوقفنا هنا ربط الباحثِين بين ظروف المنطقة التي شهدت مولد الثورة الإيرانية، وكيف أن هذه الثورة بدأت تبحث عن موطن قَدَم لها في بقية المناطق التي يوجد فيها الشيعة، وكيف استطاعت التغلغل في اليمن؛ لِتُوجد نشاطاً ثقافياً وفكرياً يتقاطع معها ويلتقي في قواسم مشتركة من خلال ما عُرف بـ (تنظيم الشباب المؤمن). ويتطرق الباحثون إلى قضية مهمة، وهي حقيقة الخلاف بين الزيدية والحوثيين، عبر مناقشة فكرية وتقييم لمواقف الأطراف من بعضها البعض وتبادل الأدوار بينهم. الفصل الثالث: يقابلنا فيه الحديث عن منهج الحوثية وفكرها ومسارها الحركي؛ حيث يقدِّم الباحثون في المبحث الأول لمحة عن الأبعاد المذهبية والطائفية في حركة الحوثي، وفي المبحث الثاني تحدثوا عن الانتماء الفكري والولاء السياسي للحوثية وطبيعة التعاطي (البراغماتي) الذي تمارسه الحوثية في الحركة والسياسة. أما المبحث الثالث فيَعرِض لأهداف وأجندة حركة الحوثي السياسية، والتي يمكن اختصارها في قيام تنظيم سياسي مذهبي ذي طابع حركي وفكري وثوري مسلح؛ ليكون قوة محلية وإقليمية على غرار (حزب الله) في لبنان. وفي المبحث الرابع يقدِّم الباحثون الملامح العامة لحركة الحوثي. الفصل الرابع: يحدد الكتاب مصادر القوة التي امتلكتها حركة الحوثي في هذا الفصل، من خلال ثلاثة مباحث: المبحث الأول: يتناول نقاط القوة الذاتية والموضوعية التي توفرت للحركة، والفرص التي تهيأت لها. ومن ذلك - حسب رأي الباحثين - استناد الحركة إلى مذهب ينتسب لـ (آل البيت)، وانطلاقها من بيئة حضنت المذهب لأكثر من ألف عام، وتتميز بولائها له، وعاشت خارج سلطة الدولة، وتوفُّر السلاح وتجارة السلاح في منطقتها. ومنها أيضاً وجود غطاء سياسي، وحلفاء سياسيين، وتقاطُع سابق مع الحزب الحاكم، وقوى متغلغلة في السلطة موالية للتيار مؤمنة بأفكاره. المبحث الثاني: يبيِّن نقاط الضعف التي وفرت للمتربصين أرضاً خصبة لزرع بذور التمرد على السلطة وتحريضهم ضدها. المبحث الثالث: يشير الباحثون فيه إلى المخاطر التي تجاهلها الحوثيون فــي سـَـيْرهم الحركــي ومواقفهم، ومنهـا - حسب رأي الباحثين - التوجُّه إلى ممارسة العنف، والذي يمثل في بيئة كاليمن ولوجاً إلى المنطقة المحرَّمة، ومنها أيضاً التركيبة السكانية للمجتمع اليمني، والتي تزخر بتنوُّع عِرقي ومذهَبِي وسُلالي وطَبَقي، وذلك يجعلها قابلة للتفتت والتطاحن في حال أثيرت فيها فتنة؛ وهو ما قــد يؤدي إلى حــرب أهلية، لا سمح الله. كما يرى الباحثون أنها تجاهلت الأطماع الأجنبية في التدخُّل في شؤون البلاد والمجتمع على حين صراع وغفلة من أهله؛ هذا إضافة إلى أن المؤشرات جميعاً (الاقتصادية والاجتماعية، الثقافية والتعليمية، الأمنية والسياسية) تدل على أنَّ أوضاع اليمنيين، وإن بدت في ظاهرها تتحسن؛ إلا أنها تعود إلى الوراء؛ وليس ينقصها ما يزيد من تدهورها. المواجهة والنتائج والمواقف والآثار: تحت هذا العنوان جاء الباب الثاني، وهو كسابقه مليء بالمعلومات والنقولات، ويغطي جزءاً كبيراً من البحث. ويضم الباب الثاني تمهيداً وأربعة فصول: الفصل الأول: يتحدث عن الحرب وجهود المصالحة؛ حيث تناول الباحثون في خمسة مباحث مجريات الحروب الخمسة، التي دارت رحاها خلال خمسة أعوام، بين الدولة والحوثيين، بشيء من الاستطراد والتتبع، وبصورة تربط بين الأحداث والمواقف والمجريات التي رافقت هذه الحروب، وهو ما يعطي القارئ رؤية شاملة وقدرة على التحليل الذاتي. أما المبحث السادس فخُصِّص للحديث عن جهود الوساطة والمصالحة الداخلية والخارجية، والفشل المستمر الذي لحق بها. وقد عرض الكتاب للجان الوساطة والاتفاقيات والشروط التي كانت تطرح، والنتائج التي كانت تَعقُب كل مرحلة من مراحل الوساطة. الفصل الثاني: تناول الباحثون فيه مواقف الأطراف الداخلية بشيء من التحليل؛ ومنها موقف الحزب الحاكم وحكومته في المبحث الأول؛ وموقف أحزاب المعارضة في المبحث الثاني. المبحث الثالث: يَعرِض لمواقف علماء اليمن باعتبارهم قوة اجتماعية لها تأثيرها. الفصل الثالث: يَعرِض لمواقف أطراف خارجية، ومنها: الموقف الأمريكي والسعودي والإيراني. الفصل الرابع: تطرَّق إلى الآثار التي خلَّفتها الحرب على اليمن (سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً). من المستفيد؟ وما هو المستقبل؟ تحت هذا العنوان جاء الباب الثالث الذي توزع على خمسة فصول. الفصل الأول: يتناول الأطراف المستفيدة من بقاء الأزمة؛ وهو أول سؤال يخطر للمتابع عند الحديث عن هذا الصراع. ويناقش الكتاب الاحتمالات الواردة في الأطراف التي يمكن أن تستفيد من الحرب، سواء ما يُطرح حول وجود تيار مســتفيد فــــي الســلطة اليمنيـة أو القيــادة السـياســية، أو الأطراف التي يتهمها الحوثيون، والتي تتأرجح من القيادة السياسية التي تهدف إلى إبادة (الهاشميين) والقضاء على (الزيدية) – بزعمهم - إلى أطراف ينعتونها بـ (الوهابية) تارة، و(السلفية) تارة أخرى، و(الإخوانية) ثالثة، باعتبارهم أعداء للمذهب ومتحالفين مع السلطة؛ وتمتد للتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية دولياً والسعودية[2] إقليمياً. كما يناقش فكرة أن يكون الحوثيون أنفسهم - كحركة ترى في الحرب سبيلاً لتجييش القوى المذهبية والاجتماعية في مشروعها السياسي المسلح بحافز الدفاع عن وجودها ومصالحها - طرفاً مستفيداً من الحرب الدائرة عليهم. كما يناقش الكتاب أيضاً فكرة أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً مستفيداً من الحرب؛ خاصة وأنها لم تَغِب عن الموضوع وهي المستهدَفة بشعار الحوثيين: (الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل)، في حين أنها ترفض إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب حتى الساعة. ثمَّ يناقش الكتاب مدى استفادة إيران الساعية إلى توسيع دائرة نفوذها السياسي في المنطقة؛ لتمتلك مزيداً من نقاط القوة في تفاوضها مع الغرب والتأثير على بُعدِها الإقليمي. وبالإضافة إلى إيران يناقش الكتاب مدى استفادة ليبيا كطرف جرى الحديث عنه بقوة في الأزمة؛ فليبيا تريد منذ زمن بعيد موطن قدم لها في اليمن، وتجمعها بإيران صِلات مشبوهة، ويدعو زعيمها في أكثر من مناسبة إلى إقامة «الدولة الفاطمية الثانية» وهي ترعى اليوم الطرق الصوفية والشيعية في إفريقيا. الفصل الثاني: يتناول الكتاب العوامل المساعدة على بقاء الأزمة، والتي تتوزع بحسب الباحثين على الظرف الزماني والمكاني والبيئة والأطراف المتصارعة عموماً. وهي بمجموعها تتفاعل معاً لتعيد صياغة ذاتها بشكل أو بآخر؛ فالجهل، والفقر، والفساد الوظيفي، وتوفُّر السلاح، وضعف سلطة القانون، وغياب الرادع الديني والأخــلاقي، وغيــاب أو ضعف النظر إلى مصالح الوطن العليا. هذا بالإضافة إلى ضعف تقدير الوضع، أو تقديره خطأ، كل ذلك أوقع البلد في مصائد الحوثيين. كما أن هناك العوامل الخارجية التي كانت وستبقى سبباً في تأجيج الأزمة. الفصل الثالث: يتحدث عن مستقبل الحرب وآثارها على المنطقة، وذلك في إطار موقف الأطراف المباشرة للصراع وتقييم أدائها، وفي ظل معطيات الجغرافيا والواقع الاجتماعي. ويقدِّم الباحثون رؤيتهم هذه في ظل مؤشرات الحروب السابقة، والتي أثبتت أن هناك سابِقَ إعداد من قِبَل الحوثيين وإصراراً على مواصلة القتال؛ لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية للحركة. الفصل الرابع: يَعرِض الكتاب فيه لمستقبل الطائفية في اليمن، على خلفية الآثار التي نتجت عن حرب الحوثيين، وعلى خلفية بعض التصريحات التي بدأت تُطلِقها رموز زيدية. هي في الحقيقة موالية للحوثيين، والحملات الإعلامية التي تشنها صحف محلية حول بعض التيارات والمذاهب السُّنية في اليمن. الفصل الخامس: يطرح الباحثون فيه الأسس الكفيلة بإنهاء الحرب ومعالجة الأزمة من وجهة نظرهم؛ لأن هناك شبه إجماع على أن تمرُّد الحوثي يقوم بالدرجة الأولى على أساس عقدي وفكري، وهو ما يعني أن المنتمي لهذه الحركة يرى أن ما يقوم به واجباً دينياً؛ لذلك فإن أَولَى الأسس الكفيلة بحل الأزمة هو الحوار. وهذه الأسس – بحسب الباحثين - تتوزع على القيادة السياسية التي يجب أن تُراجع حساباتها، وأن ترجع إلى العلماء والمفكرين وتوسع دائرة الشورى؛ وكذلك الأحزاب والقيادات الحزبية التي أهملت الإسلام كمرجعية عليا للأمة. وتتسع آليات هذه الأسس على الحوارات، والمناهج العلمية، وتفعيل القضاء كجهاز مستقل، والإعلام كوسيلة لِبَث الوعي وخَلْق حالة من الأُلفة. السبيل للخروج من الأزمة: يقدِّم الباحثون في الباب الرابع جملة من النتائج، وهي في نظرهم خلاصة ما توصلوا إليه، وهي تمثل منطلقاً يجب الأخذ به عند وَضْع الحلول المباشرة والتفصيلية للأزمة؛ فهي تمثل أساساً لفهم المشكلة وأبعادها، ومقدمة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. كما يرى الباحثون وهم يضعون جملة من التوصيات، أنه لا يمكن تقديم توصيات مباشرة، كون الأزمة الحالية أعمق مما هي عليه في السطح، لكنهم يقدِّمون حزمة من القواعد التي يجب التزامها لحل الأزمة. وهي حزمة يخاطب فيها الباحثون القيادة السياسية والسلطة والعلماء ومشايخ القبائل وعموم أبناء المجتمع، وحتى الدول المجاورة لليمن باعتبارها المتضررة من أي انفلات في اليمن. لقد حاول الباحثون الإجابة عن الأسئلة المطروحة في الأزمة: مالدوافع مِن ورائها؟ مَن الأطراف الحقيقية اللاعبة فيها؟ وكيف جرت الأمور حتى بلغت حدَّ المواجهات المسلحة؟ وهل بُذلت مساعٍ لتفادي الحرب، أو إنهائها؟ ومن يتحمل مسؤولية ما يجري؟ ولماذا؟ وما هي النتائج المترتبة على هذا الحدث الذي استمر قرابة خمسة أعوام ما بين مدٍ وجزر؟ ومن المستفيد منه؟ وما مسـتقبل هذه الأزمــة والحــرب؟ وما هو السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة؟ لقد جاء الكتاب في عمومه مليئاً بالمعلومات والبيانات؛ وجَمَع بين القراءة التاريخية والفكرية والسياسية للحدث؛ وهو - بدون شك - استفاد من كمِّ المراجع والمصادر التي شملت كافة الكتب والتقارير والمجلات والصحف والمواقع التي تُقَابِلنا في هوامش البحث؛ لذا جاء أكثر شمولاً؛ بحيث يمثل مرجعاً مهماً في القضية. ويُشهَد للكتاب أنه لم يقف مع أي طرف من أطراف النزاع ضد الآخر، بل انطلق من رؤية موضوعية حيادية مستقلة، باعتباره لا يمثل جهداً صادراً عن مصلحة ذاتية؛ لهذا توقع الباحثون ابتداءً عدم رضا بعض أطراف الصراع عنه. ويؤكد الباحثون في نهاية البحث على أن جَهْل الكثيرين بأبعاد القضية واعتمادهم على ظواهر الأمور دفع بهم إلى تسطيح المسألة وتناولها في إطار من الإثارة أو المكايدات؛ وأن تغييب الكثيرين لجانب الفكر والتأثير الديني حصر زاوية النظر في الجانب العسكري والمسلح فقط؛ وأن تعتيم الدولة وحركة الحوثي لأبعاد المسألة وطبيعة الخلاف الذي على أساسه انطلقت الشرارة الأولى فتح أبواب التأويلات المتباينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تُطلَق لفظة (الإمامية) في اليمن على كل ما له صلة بحكم الأئمة الزيديين؛ فهي تحمل معناً سياسياً وليس عقدياً، على خلاف مفهوم (الإمامية) في كتب العقائد. لذا جرى التمييز والتنبيه!
[2] جرى إقحام السعودية في الصراع الدائر في صعدة في الخطاب التعبوي للحوثيين وعلى الصعيد الإعلامي لهم قبل استهدافهم لها بفترة طويلة، وكان الهدف من ذلك هو إشعار أتباع الحركة بوجود صراع (طائفي – سياسي) تتولى السعودية كِبْره إضافة إلى الولايات المتحدة. انظر - مثلاً - اتهام يحيى الحوثي للسعودية بأنها «احتلت بلدنا»، وبأن الحكومة اليمنية تتهرب من اتفاق الدوحة وتواصل متاجرتها بالدماء اليمنية «تنفيذاً لرغبة السعوديين؛ لذلك فإن التوقعات تقول بأن الحرب ستكون طويلة»، من مقابلة له مع وكالة «قدس برس» للأنباء، www.almenpar.com، في 12/7/2008م. وانظــر: قول عبــد الملك الحوثي: «موقف السعودية - كما يبدو - سلبي وللأسف، وكما نلحظ؛ فإن السعوديين يستَعْدوننا، مع أنَّا لسنا أعداءً لهم، ولم يسبق منَّا أي اعتداءات عليهم، ولا يوجد لدينا أي مشاريع تآمرية عليهم، لكنهم يدورون في الفلك الأمريكي، ويتسابقون مع النظام اليمني أيهم يتقرب إلى الأمريكان واليهود أكثر « في حوار مع صحيفة الأهالي، www.almenpar.com، في 24/6/2008م.