خمسة مقاصد حددها العلماء لتربية الأطفال وتأديبهم
أول مخطوط في أدب الطفل عَرَفه العالَم
(المنهج الإسلامي)
هو الدستور الأمثل في تربية النشء
لقد أخطأ الذين اعتقدوا أنَّ (أدب الأطفال) لم تعرفه الحضارة
العربية الإسلامية إلاَّ بعد معرفة الغرب له؛ فالمسلمون هم السابقون الأوَّلون في
مختلف العلوم والمعارف بشهادة الغربيين أنفسهم!
وقد تمَّ العثور مؤخراً على أول مخطوط إسلامي اهتم بأدب الأطفال،
يرجع تاريخه إلى القرن العاشر الهجري، ويضم 64 ورقة، عدد سطور كلٍّ منها 21 سطراً،
وقد نقل هذا المخطوط من أروقة أحد المساجد المهجورة بالقاهرة إلى مكتبة الأزهر
الجديدة.
المخطوط بعنوان:
(تحرير المقال في آداب وأحكام وقوانين يحتاج إليها مؤدبو الأطفال)
ومؤلفه هو الشيخ العلَّامة الفقيه (أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي
الأنصاري)، وهو فقيه موسوعي ولد عام (909هـ - 1504م) بإحدى قرى محافظة الغربية في
مصر تدعى (محلة أبي الهيتم) وتُوفي بمكة المكرمة عام (974هـ -1560م).
وقد تم تسجيل المخطوط بمكتبة الأزهر في نطاق علم التربية والأخلاق،
ويحمل رقم 743 خاص ورقم 34106 عام. والمخطوط نفيس في بابه، وهو دليل على تفتُّح
العقلية العربية على آفاق الإبداع والتأليف في الفنون المستجدة.
مناهـــــج تربيــــة الأطفــــــال:
أوضح مؤلف المخطوط القواعد التربوية الصحيحة التي يجب أن ينهجها
المربون والمعلمـون وأولياء الأمور في تربية النشء، وتربية الكبار من المريدين
والأتباع، كما تحدث عن علم التربية وأصوله، واستعرض آراء علماء التربية والاجتماع،
مثل: ابن خلدون، وابن سينا، وغيرهما من علماء الإسلام، وأشار إلى أن علماء التربية
المسلمين ينقسمون إلى فريقين:
فريق بنى آراءه في التربيـة على دراسات نفسية وتجريبية، تتصل
اتصالاً وثيقاً بعلم النفس وفي مقدمتهم الغزالي.
وفريق آخر بنى آراءه في التربيـة على قواعد الدِّين الإسلامي
الحنيف؛ بمعنى أنه يقررها مستندة إلى أحكام الإسلام، فيجيز ما تجيزه أحكام الدين
ويمنع ما لا تقرُّه.
وأكد المؤلف أن أكثر العلماء من الفريقين لم يُخصِّصوا مسائل
وموضوعات في التربية بمؤلفات خاصة بها؛ بل أدخلوها تارة في علم الأخلاق والتصوف كما
فعل الغزالي، وتارة في علم الاجتماع كما فعل ابن خلدون. وأوضح الهيتمي أنه لاحظ
أنَّ هؤلاء العلماء حين تكلموا في مبادئ التربية والتعليم والتقويم والسلوك؛ قرروا
أولاً تعليم القرآن الكريم وتعليم السنَّة النبوية الشريفة، وما ينبغي أن يتحلَّى
به المعلِّم والمتعلم، وبيان الطريقة المثلى في دراستهما وبلوغ الهدف منهما؛ ذلك أن
القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، وهو دستور العلم الصحيح الخالد الذي يجمع كلَّ
الأصول الصحيحة في مختلف العلوم.
سبب تأليف المخطوط:
مخطوط (تحرير المقال في آداب وأحكام وقوانين يحتاج إليها مؤدبو
الأطفال) في جوهره رسالة موجزة، وضع فيها مؤلفها الشيخ (أحمد بن محمد بن علي بن
حجـر) قواعد تربية النشء المسلم على أحكام الدين الإسلامي الحنيف؛ فأقرَّ من قواعد
التربية ما أقرته أحكام الشريعة الإسلامية، ورفض ما رفضته الشريعة الغرَّاء.
والسبب في تأليف هذا المخطوط النادر الذي يعتبر باكورة أدب الأطفال
في الإسلام أنَّ أحد المؤدِّبين في مصر أرسل إلى المؤلِّف يستفتيه في بعض الأمور
مثل موقفه من الطلبة الذين يتغيَّبون عن حضور حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتعلُّم
العلوم الأخرى؟ وهل يرسل لهم من يُعيدُهم للانتظام في الدراسة؟ وهل يجوز الصرف في
هذا المجال من أموال الوقف المرصود للكتاب أمْ على نفقة المعلم أو المؤدب؟ وهل يجوز
للمعلِّم أن يَضرِب مَن يتخلَّف عن دروس التحفيظ أو مَن يأتي بتصرفات لا تليق
بتصرفات من يتلقون العلم الإسلامي؟ وهل يجوز أن يقوم التلاميذ بتدريب من يحتاجون
إلى مساعدة مَن هم أقدر منهم على الحفظ والتحصيل.
المقاصد السبعة:
لقد تضمَّن المخطوط العديد من المواقف المتصلة بأدب الأطفال
وتأديبهم، والمتعلقـة بمُعلِّمي القرآن الكريم، وغير ذلك من الموضوعات. وقد بنى
المؤلف رسالته المخطوطة في هذا المجال على سبعة مقاصد مهمة: فتحدث في المقصد الأول
عن الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على شرف أهل القرآن الكريم. وتناول المقصد
الثاني بعض الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في فضل مُعلِّمي القرآن الكريم
وتعليمه. وتناول المقصد الثالث الأحاديث الشريفة الدالة على جواز أخذ الأُجرة على
تحفيظ القرآن الكريم والرُّقية به ونحوهما؛ فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنَّ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء (أيْ بأهل
ماء) وفيهم لديغ أوْ سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم مِن راقِ؛
فإنَّ في الماء رجلاً لديغاً أوْ سليماً، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على
شاة فبرئ؛ فجاء بالشاة إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذتَ على كتاب الله أجراً؟
حتى قدموا إلى المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجراً، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله».
كما عرض المؤلف في المقصد الرابع الأحاديث النبوية الشريفة الدالة
على امتناع أخذ الأُجرة من تعليم القرآن الكريم مما رواه ابن ماجه عن أُبَيِّ بن
كعب، قال: علَّمتُ رجلاً القرآنَ الكريم - هو الطفيل بن عمرو الدوسي - فأهدى إليَّ
قوساً، فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال «إن أخذتها أخذت قوساً من
النار».
وفي المقصد الخامس تحدَّث المؤلف في مخطوطه عن سبب اختلاف العلماء
في الأخذ بالأحاديث السابقة؛ فأورد آراء علماء الإسلام بشأن جواز أخذ الأجرة أمْ
لا؟ وبيَّن أدلتهم في هذا الشأن. وقام المؤلف بالترجيح فيما بينها، وَفْقَ أدلته
التي تميل إلى الواقع وروح العصر على أيامه. كما خصَّص المؤلف فصلاً حول الأسئلة
والأجوبة التي دعت إلى تأليف المخطوطة، حيث رتَّبها في تسع مسائل مهمة.
موسوعية ابن حجر الهيتمي:
ابن حجر الهيتمي - رحمه الله تعالى وعفا عنه - هو شهاب الدين أبو
العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي، أحد فقهاء الشافعية
المتأخرين، له قدم راسخة في الفقه، وله - مع هذا - علم واسع بالحديث. وكتبه فيها
خير كثير وتحقيقات حسنة، وله جهود كبيرة في الدفاع عن عقائد أهل السنَّة، وله جهوده
الطيبة في الدفاع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد عدوان الشيعة
الروافض وافتراءاتهم، وقد ألَّف في ذلك كتاب (الصواعق المحرقة على أهل الرفض
والضلال والزنادقة). وقد امتاز (ابن حجر الهيتمي) بثقافته الإسلامية الواسعة
والإنتاج العلمي الوفير؛ لذا نال - وهو في العشرين من عمره - إجازة إصدار الفتاوى،
والقيام بالتدريس، ويعتبر أحد علماء المذهب الشافعي، وهو أحد كبار فقهائه
وشُرَّاحه، كما يُعتبر مخطوطُه من أهم المخطوطات الإسلامية النادرة التي تحدثت عن
أدب الأطفال منذ وقت مبكر.
من أبرز مؤلفاته:
(أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل)، (مبلغ الأرب في فخر العرب)،
(الإفصاح عن أحاديث النكاح)، (الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة)،
(الفتح المبين بشرح الأربعين)، (تحفة المحتاج في شرح المنهاج)، (الدر المنضود في
الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود)، (المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية)،
(إتحاف ذوي المروة والإنافة بما جاء في الصدقة والضيافة)، (الإعلام بقواطع
الإسلام)، (الفتاوى الفقهية الكبرى)، (الزواجر عن اقتراف الكبائر)، (كف الرَّعاع عن
محرمات اللهو والسماع).