مع أن المقال الذي كنت سأكتبه يتناول الأوضــــاع في أفغانسـتان ودراسـة الإستراتيجية الغربيــة الجـديدة أو ما يسمى: خطــة أوباما حول أفغانســتان، إلا أننــي لم أســــتطع تجاوز تصريحات ديك تشيني (نائب الرئيس الأمريكـي الســابق والرجل الأول في أمريكا أيام إدارة بوش) التي يصب جزء منها في المزايدة السياسية حول تردُّد أوباما وضَعفِه وخطورة الحديث عن الخروج من أفغانستان، وأنه سيؤدي إلى دعم الأفغان لطالبان؛ حيث قال: «إن المواطن الأفغاني العادي يسمع كلاماً حول إستراتيجيات للخروج ومتى نخرج من هناك (أي: أفغانستان) بسرعة؟ بدل التركيز على كيفية كَسْب الحرب هناك». ولم يسأل نفسه ولم يسأله أحد أنه: إذا كانت إدارته التي دخلت أفغانستان ورفعت شعار «النصر لنا» لأكثر من سبع سنوات قد فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة؛ فلماذا يطالب إدارة أخرى وصلت إلى الحكم بسبب فشل سياسات إدارته باتباع خطاه أو خطاياه؟ لقد وجدت أمريكا نفسها في محيط متلاطم من المشاكل التي سببها محاولة السيطرة الأحادية على العالم، والقائمة على فكرة التفوق وادعاء الحق المطلق؛ ففي معرض هجومه (أي: ديك تشيني) على أوباما قال: «إنني أؤمن أكثر من أي وقت مضى بالفكرة القائلة: إن أوباما لا يؤمن بالاستثنائية الأمريكية، وأن الأمة الأمريكية أمة خاصة، وأننا الأعظم، وأن الشعب الأمريكي هو الأكثر حرية بين الشعوب التي عرفتها الإنسانية»، وأضاف: «عندما أرى الطريقة التي يعمل بها يزداد اقتناعي بأنه غير ملتزم بالمفاهيم التي التزم بها الرؤساء الذين عرفتهم، سواء كانوا من الديمقراطيين أو الجمهوريين».
إنها شعارات قوية، ولكنه رفعها من على كرسيِّه المتحرك؛ فهو لم يعد قادراً على المشي. والسؤال المهم هنا، هو: هل لنا أن نذهب بعيداً ونقول: إن أمريكا نفسها لم تعد قادرة على المشي دون مساعدة الآخرين وأن نسمي سياسة أوباما بـ: سياسة الكرسي المتحرك؟
نظرية أوباما:
هناك قناعة متزايدة لدى صناع القرار في أمريكا، وهي: أنها وإن كانت قوية، فإنها لم تعد قادرة على الادعاء بقدرتها على تحقيق ما تريد؛ فقد ولَّى عصر القبض على فلان حياً أو ميتاً، ومن ليس معنا فهو ضدنا، وضمان نجاح تحقيق أي مخطط أمريكي؛ فالقوة وحدها كافية؛ فهي الحق وهي الحجة.
إن المشكلة الجديدة التي تواجه أمريكا حالياً هي توفُّر القوة وانتفاء القـدرة، أو بكلمة أخـــرى: إن القـــوة لا تكفـي ومن ثَمَّ فالســياسة بحـــاجة للتفكير بعمق، ســواء للخروج من الأزمــات أو تنفيذ المخططات. وحيث إن الخروج من الأزمة مقدَّم على تنفيذ المخططات، فقد بدأ أوباما بالقاهرة وركب فيها كرسيه وبدأ يبشر بأمريكا الجديدة التي تأخذ برأي الحلفاء ولا تفرض عليهم تنفيذ الأوامر وأن المعركة هي معركة الجميع وبعد بضع كلمات حول عظمة الإسلام طلب من الدول الإسلامية الـمُحِبة للسلام أن تساعد أمريكا في حربها ضد (تيار العنف) ولم يختلف كلامه في إستانبول كثيراً وأبان الموقف من القضية الفلسطينية؛ فقد أعطانا كلاماً نتلهى به حتى ينتهي من ورطتَي (العراق وأفغانستان).
أثناء الحملة الانتخابية كان الطرح الديمقراطي قائماً على أساس أن الحرب على الإرهاب انحرف مسارها بسبب غزو العراق التي لم يجد (أي: أوباما) لها تبريراً يمكن التصريح به ما عدا تكراره لمقولة بوش: إن العــراق أحسـن حــالاً بدون صدام حسين. وأن الهدف الأول لإدارته مواجهة القاعدة والتركيز على أفغانستان؛ ولذا رفع شعار الانسحاب من العراق والتركيز على أفغانستان؛ ولذ فإنه بعد انتخابه قام بمضاعفة القوات الأمريكية التي دخلت قي صراع عنيف تكبدت فيه خسائر فادحة دفعت قائد القوات الأمريكية إلى أن يطلب زيادة جديدة تبلغ أربعين ألف جندي.
تردد أوباما كثيراً في التجاوب مع هذا الطلب لقناعته بأن زيادة القوات بدون إستراتيجية، إنما هي مجرد جعل الهزيمة أكثر فداحة؛ ولذا طلب المهلة تِلْو المهلة لرسم إستراتيجية جديدة حول أفغانستان تقوم على ثنائية جديدة تجمع بين (المكر والقوة)؛ فقد بدأ النسر أخيراً يفكر بعقلية ثعلب شرير.
وقبل أن نتكلم عن الخطة الأمريكية الجديدة في أفغانستان يَحْسُن بنا أن نُلقي بعض الضوء على الأوضاع الحالية في أفغانستان.
تعيش أفغانستان حالياً وضعاً فريداً؛ فالبلد مقسَّم إلى مناطق نفوذ متداخلة ومتغيرة على النحو التالي:
مناطق نفوذ قوات الاحتلال:
نتيجة للرغبة الأمريكية في تجميع أكبر عدد من البلدان وتشجيعها على المشاركة ولو كانت اسمية، فقد سُمح للبلدان المترددة باختيار أماكن تواجدها؛ ولذا يلاحَظ تركُّز العمليات العسكرية في المناطق التي ترابط فيها الدول المرتبطة بقوة مـع أمريكــا كـ (بريطانيا و كندا و أستراليا)، أما الدول الأخرى فقد اختارت مناطق ترى أنها يمكن أن تكون هادئة: إما لأنها مناطق نفوذ لقوى مناوئة لطالبان أو أنها مناطق لا تحرص طالبان على تسخينها حالياً؛ فمثلاً القوات الألمانية اختارت المناطق الشمالية ورابطت في ولاية قندز التي يسيطر عليها التحالف الشمالي، ويسود فيها الهدوء. ونظراً لحرص الحكومة الألمانية الشديد على استمرار الهدوء، فقد تم فتح تحقيق حول تصرُّف القوات الألمانية بطلب دعم جوي أمريكي كانت نتيجته مقتل حوالي مئة مدني من سكان المنطقة، وهو ما عرَّض أمن القوات الألمانية للخطر؛ لتردِّي العلاقة مع السكان المحليين وقد استقال نتيجة لذلك أحد الوزراء وتبعه رئيس الأركان: إنها أحداث توحي بأن المهم هو الوجود الظاهري وليس بالضرورة المشاركة الفعالة. أما القوات الإيطالية، فقد كانت ترابط في منطقة ساروبي قرب كابل التي تتميز بالهدوء، وعلى هذا الأساس رضيت القوات الفرنسية باستلامها وعلى الفور وقعت دورية فرنسية في كمين قُتل فيه حوالي ستة جنود. ومن الغريب أن تداعيات الحادث بدأت في إيطاليا التي وُجِّهت فيها الاتهامات للمخابرات الإيطالية بعدم الشفافية مع الفرنسيين وعدم إطلاعهم على أن الهدوء كان عن طريق علاقات واتصالات سرية مع طالبان. وكنت استغرب دفاع وزارة الدفاع الفرنسية عن الإيطاليين وأنهم تعاونوا بشكل كامل، وأخيراً كشف ناطق باسم طالبان عن أن الفرنسيين يحاولون السير على خطى الإيطاليين ولو بكفاءة أقل؛ فقد صرح قائد جبهة كابل لقناة الجزيرة بأن القوات الفرنسية العاملة في أفغانستان عرضت على الحركة أموالاً طائلة مقابل تعهُّدها بعدم شن هجمات عليها، وأضاف: إن الحركة ترفض مثل هذه العروض، وتصر على انسحاب كافة القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية. وأشار في هذا الإطار إلى أن هناك مجموعات كثيرة تأخذ الإذن من طالبان وتتعهَّد باستلام الأسلحة من القوات الأجنبية عبر الحكومة ونَقلِها إلى الحركة، مضيفاً: إنهم أوفوا بوعودهم وأحضروا تلك الأسلحة للحركة. ويبدو لي أن طالبان حريصة على السيطرة الحقيقية على المناطق المحيطة بكابل واستتباب الهدوء فيها حتى لو كان الثمن السماح بالتواجد الظاهري لقوات الاحتلال غير الأساسية؛ لكون هذه المناطق منطلَقاً لأي عمليات يراد تنفيذها داخل كابل.
حالياً لم يعد سراً أن المال سلاح مهم في أفغانستان ويصرِّح العسكريون والساسة، بل المشرعون بأهمية دفع المال وبرَّروها بأسباب متعددة: مرة بأن ما يُصرَف للأفغان، هو البديل الأجدى من زيادة عدد القوات، وأخرى بدعوى تقليل دعم عامة الأفغان لطالبان، وثالثة بدعوى أنه الوسيلة الوحيدة لتشجيع المسلحين على وَضْع السلاح والانخراط في المجتمع الجديد، وقد أكد وزير الحرب الفرنسي أن بلاده لن ترسل تعزيزات إضافية إلى أفغانستان، واعتبر أن الخطوة الأصح، هي تخصيص مزيد من الأموال لمحاولة استمالة الشعب الأفغاني ومواجهة التعاطف مع حركة المقاومة الإسلامية طالبان بدلاً من إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية.
وكشف الوزير الفرنسي عن أن إرسال جندي واحد إلى أفغانستان يكلِّف الخـزينـة الفرنســية 150 ألف يورو ســنوياً. أما الجنرال الأمريكي ستانلي ماكريستال (قائد القوات الأمريكية والناتو، فقد كلَّف الجنرال جريمي لامب (الرئيس السابق للقوات الخاصة البريطانية) بأن يتولى برنامجاً لتشجيع المقاتلين على التخلي عن المقاومة والقبول بالاحتلال؛ إذ يقول الجنرال لامب: إنه يجب أن نقدِّم للمتمردين أمناً وتدريباً مهنياً ووظائف وعفواً عن جرائهم السابقة، مضيفاً: «لقد جرى عقد مصالحة في السابق مع المتمردين، وتم إعادة دمجهم مرة أخرى في المجتمع في حالات سابقة؛ لذا يجب عقد حوار معهــم يرون من خلالــه أن هناك أملاً وفرصة؛ لأن الطريقة الوحيدة لمكافحة التمرد، هي توفير حياة أفضل لهم. ولكي تؤتي عملية إعادة الدمج أُكُلها، فإن الأفغان بحاجة إلى حكومة يقاتل الناس من أجلها وليس مقاتلتها هي، وحتى الآن لا توجد تلك الحكومة. إن الحديث مع طالبان سوف يؤتي ثماره فقط إذا صاحب ذلك برنامج مكثَّف لإعادة بناء البلاد، يمكنه أن يؤدي إلى إفراز حكومة نظيفة تحمي شعبها وتعطيهم فرصاً حقيقية، ولكن للأسف هذا هو الالتزام طويل الأمد الذي تحاول الولايات المتحدة أن تتجنبه في أفغانستان». وكانت واشنطن قد كشفت الشهر الماضي عن مشروع قانون الإنفاق الدفاعي الأميركي الذي يتضمن بنداً جديداً يقضي بدفع أموال لمقاتلي طالبان الذين ينبذون العنف. ومن جانب آخر قال ناطق باسم وزارة الدفاع البريطانية: إن الحديث عن رشوة طالبان الذي أوردته صحيفة تايمز «عارٍ عن الصحة». وأوضح أن ما ورد في الدليل العسكري الجديد، هو التركيز على أهمية تمويل مشاريع تُدِر فوائد سريعة على المواطنين الأفغان وتعطي نتائج سريعة لكسب ثقة أبناء القبائل. وأضاف المتحدث: إن ذلك يتم عبر تمويل المشاريع التنموية ومشاريع إعادة البناء التي من شأنها الوفاء بالاحتياجات الآنية للمواطنين الأفغان، لكنها لا تعني أن تلك الأموال ستُدفع لشراء المسلحين لكسب ولائهم. لكن الذي لم يذكره الناطق البريطاني، هو: أن القوات البريطانية كانت متفاهمة مع طالبان لضمان الهدوء في هلمند قبل أن تدخل القوات الأمريكية على الخط وتُحوِّل هلمند إلى أكثر المناطق ســخونة. وببساطة: إن أمريكــا لا تريد أن تخوض الحرب لوحدها.
مناطق نفوذ طالبان:
تُقِر قوات التحالف على لسان قادتها بأن طالبان تسيطر بصورة متفاوتة على أغلب الولايات الأفغانية وخاصة المناطق الريفية ويُلقون باللوم في ذلك:
أولاً: على فساد الحكومة الأفغانية.
وثانياً: على قلة عدد قوات التحالف.
ولا يتكلمون عن نجاح طالبان في ضبط الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها مع اعترافهم بعودة طالبان القوية.
ومما يدل على اتساع نفوذ طالبان، هو إصدار طالبان كتيب تعليمات يحدد الإطار الذي تسير عليه الحركة في المرحلة الحالية، وهو ما يوحي بأن مستوى سيطرة طالبان يحتِّم رسم الأطر التي يتعامل وَفْقَها المنتمون للحركة لأهمية السير وَفْقَ التوجيهات الشرعية، وعدم السماح بالتجاوزات غير المنضبطة، خاصة في التعامل مع جنود الحكومة العاديين والمتعاملين مع الاحتلال، وقَصْر معاقبتهم على الإمام أو نائبه. وإليك - أخي القارئ - بعض ملامح هذه التعليمات، كما نُشرت في وسائل الإعلام مع بعض التعليقات عليها:
اسمها: «لائحة المجاهدين في الإمارة الإسلامية في أفغانستان» التي أصدرها أهل الحل والعقد في الإمارة الإسلامية. وأوضحت اللائحة في مقدمتها أن الداعي لها مقتضيات الوضع الراهن في أفغانستان، وأن مصدرها الشريعة الإسلامية، وأن قيادة الإمارة الإسلامية وعلماءها وضعــوا هـذه المبــادئ حتــى يتمكن المســلم أو المجاهد من تحقيق هدفه ومواجهة الأعداء. وجاءت اللائحة في 13 فصلاً و 67 مادة مفصَّلة، ودُوِّنت في كُتيب مؤلَّف من 65 صفحة:
الفصل الأول من اللائحة: حمل عنوان: «القضايا الأمنية»، وتضمَّن موادَّ ونصوصاً عدة، أهمها: «أنه يمكن لأي مسلم أن يوجِّه الدعوة لموظفي الحكومة العميلة لكي يتركوا وظائفهم. ومَن يقبل هذه الدعوة يعدُّ آمناً على نفسه بأمر مسـؤول طالبان في الــولاية أو المديرية» وفي مادة أخرى من هذه الفصل ورد أنه: «إذا تعرَّض أحد المجاهدين لِـمَن أُعطي الأمان، فإنه يُقدَّم للمحاكمة».
الفصل الثاني من اللائحة: جاء تحت عنوان: «السجناء» ومن المواد الواردة فيه أنه: «إذا اعتُقل كافر محارب، فإن قَتْله أو مبادلته أو أَخْْذَ الفدية من باب مصلحة المسلمين. وصلاحيات ذلك للإمام أو نائبه».
وفي مادة أخرى من هذا الفصل جاء أنه: «إذا استسلم جنود للمجاهدين، فإنهم لا يُقتلون، ويكافؤون إذا سلَّموا أسلحتهم».
أما الفصل الثالث من اللائحة: فقد خُصِّص لـ «العملاء»، ومِن مواده أنه: «إذا ثبت أن شخصاً يتجسس لصالح الأعداء، فإنه يعدُّ مفسداً ومن حق الوالي أن يعذِّره أو أن ينفيه. ومن حق الإمام وحده أو نائبه أن يقرر في قتله».
أما الفصل الثالث عشر والأخير في هذه اللائحة: فقد تضمَّن توصيات بشأن هذه اللائحة؛ حيث «لا يحق لأحد تغيير بنودها، ويُعَدُّ أي تغيير من صلاحية الإمام».
من الواضح أن هذه اللائحة تؤكد على مرجعية الملاَّ (محمد عمر) كزعيم لحركة طالبان ويُطلق عليه لقب: الإمام.
إن هذا الكتيب يحدد ملامح تعامل الإمارة الإسلامية مع الواقع والتوازن بين هدف تطهير البلاد من المحتلين وعدم الانجرار نحو صراعات جانبية نتيجة التعامل غير المنضبط مع المتعاملين مع حكومة في ظل الاحتلال أو المحتلين مباشرة، سواء كان تعامُلهم من باب التأوُّل أو النفاق، ورَبْطُ التعامل معهم برأس الإمارة. ولنتذكر هنا صبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس النفاق ابن أبي سلول وأهمية سدِّ الباب أمام النعرات وردود الأفعال القائمة على العصبية عند التعرُّض للزعامات إنه باب فُتح في العـراق وأنتــج ما يسمى بـ: (الصحوات) وإنَّ سدَّه مهم لمنع العدو من تكرار التجربة في أفغانستان تحت اسم: «مبادرة الدفاع».
لا شك أن محاولة تكرار التجربة في أفغانستان ستكون لها الأولوية القصوى لضمان التحول من قتال المحتل الكافر إلى حرب داخلية يتراجع فيها الشعار الإسلامي كلما طال زمنها، كما حصل من اقتتال بين المجاهدين بعد خروج الروس، وهنا أوجِّه كلمة لطالبان وأقولها صريحة: إنني أدعوهم للتفاهم مع حكمتيار وتأليف قلبــه؛ فهــو من القــوى التي تجــاهد العــدو ولا يجوز تجاهله؛ فلا تُسبقوا إليه.
نفوذ الحكومة:
لا يعجب الإنسان من تسارُع الأحداث وتحوُّل الحكومة الديمقراطية والشرعية إلى عنوان الفساد، ومن تصوير حق الناخب الأفغاني في المناطق النائية في المشاركة في اختيار الرئيس وتصوير الحمير وهي تحمل صناديق الانتخاب: «إنها مهزلة أن تُعلَن النتائج بسرعة لا تتناسب مع سرعة الحمار في طريق العودة» ثم بسرعة تتوالى الطعون في النزاهة وفي لجنة الانتخابات التي تُشرف عليها وتزكيها الأمم المتحدة، ويتحول قرضاي وحكومته إلى عنوان الخداع والفشل، ومع ذلك أُعيد تنصيبه مع الطلب منه أن يحسِّن سلوكه. وباركت هيلاري كلنتون تنصيبه؛ فلا بديل له ولا أهمية للخونة إذا لم يتقنوا الدور المرسوم وعاد ممثل الطاجيك (عبدالله عبدالله) إلى الخلف؛ فلم يحن دوره بَعْد وقد لا يحين. لقد تم إسقاط طالبان بدعم مباشر من تحالُف الشــمال من (الطاجيك والأوزبك) ولكـن ما لم يفهموه، هو: أن أفغانستان إذا فشل في حُكْمها العميل البشتوني فغيره سيكون أكثر فشلاً. وما دام الجيش الأفغاني تغلب عليه الأقليات، فهو غير فعَّال في مناطق البشتون الملتهبة؛ ولذا فالخيار هو ميليشيات من القبائل البشتونية؛ إذ ما زالت طالبان هي التي تُحدد المناطق الهادئة أو الملتهبة وليس الحكومة. وما دام الأمريكان لهم دور حتى في حراسة الرئيس، فإننا لا نستطيع أن نتكلم عن نفوذ حكومة منفصل عن مقدار من قوات الاحتلال في كل منطقة؛ فوزير الخارجية البريطاني يقدِّر مدة بقاء الحكومة الحالية بعد انسحاب التحالف بأسابيع معدودة.
خطة أوباما:
تقوم خطة أوباما على أساس القيام بحملة عسكرية كبيرة لتقليل حجم طالبان ومن ثَمَّ إعطاء الحكومة الأفغانية فرصة للثبات، وبالطبع لا بد من الكلام عن حرمان القاعدة من الملاذ الآمن في أفغانستان: إنها خطة غير عملية ومبسطة ويقصد منها إرضاء كافة الأطراف؛ فقد وافق على طلب العسكريين زيادة القوات وفي الوقت نفسه حدد بدء الانسحاب بعد ثمانية عشر شهراً لإرضاء معارضي الحرب من حزبه والسؤال هو: ماذا بعد الانسحاب؟ هل ستبقى طالبان مقزَّمة أم أنها ستمتص ضربة أوباما كما امتصت ضربة بوش؟
نعم: إنها خطة ساذجة بالنسبة لأفغانستان، ولكنها في قمة المكر والخطورة على باكستان التي أرى أنها هي الهدف؛ فقد تعرضت باكستان للضغط وحتى التهديد من أجل الدخول في صراع مع القبائل البشتونية بدعوى التضييق على القاعدة وطالبان. وبدأ مسلسل يذكِّرنا بالعراق: إنها تفجيرات مفهوم بعضها وبعضها الآخر غير مفهوم. وحتى أكون واضحاً؛ فإن حزب الشعب الحاكم قائم على زعامات غير سُنية ولا أستطيع أن أفهم كيف يقوم الجيش بتدمير مناطق القبائل وتهجيرهم، سواء من وادي سوات أو جنوب وزيرستان: إنه حَفْر لأخدود من الحقد والكراهية بين الجيش والسكان ومن ثَمَّ تمرير مخطط إضعاف الجيش وإضعاف القيادات السُّنية فيه. وهنا لا أتصور كيف يكون استهداف كبار الضباط أثناء صلاة الجمعة! والسؤال هو: من سيحل محلَّهم في مناصبهم: هل سيكون ضابطاً شيعياً أو إسماعيلياً أو علمانياً؟ إنه مجرد سؤال يبرز إلى جانب ضرورة أن يكون لكل حركة منهاج تتعامل على أساسة.
إن الجيش الباكستاني يتعرض للإذلال والإلهاء حتى يصل إلى مرحلة تسيطر فيها أمريكا على السلاح النووي، وتعود باكستان دولة مفكَّكة تلعق جراحها. وأنا أسأل: إن كان المقصود، هو: إدخال باكستان في دوامة العنف حتى تصل إلى مرحلة انعدام الدولة؛ فأين القوى السياسية؟ أين الدعاة؟ أين الأصوات المخلصة من الجرائم التي ترتكبها حكومة قد أسلمت قيادها لأمريكا؟ وبلغ بها الأمر حدَّ تسليم مفاتيح السلاح النووي إلى رئيس الوزراء الأقل رتبة، وأُعطيت أمريكا حق «حماية السلاح النووي عند الضرورة». وهنا نلاحظ أن إستراتيجية أوباما تطبَّق في (أفغانستان و باكستان)، وهما الغائبان عنها؛ فقد تشاور أوباما مع حليفه الجديد ساركوزي وأبلغ رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الروسي. أما رئيس الحكومة الباكستانية، فهو يستجدي التشاور مع حكومته ويتساءل: ماذا نفعل إذا ضغطتم على طالبان ودخلوا باكستان؟ والجواب: إنها مشكلتكم أنتم. أما قرضاي، فلا يملك إلا الترحيب وإنه يحتاج إلى خمس سنوات حتى يتمكن الجيش الجديد من القيام بالمهمة؛ أي: رجاءً لا تذهبوا بسرعة.
إنها خطة تقتضي خروج القوات الغربية واستمرار الحرب البينية في بلادنا، في باكستان وأفغانستان والخسائر مجرد حفنة من الدولارات من المطبعة مباشرة إلى الجبهة: إنها بدون رصيد.
إنها خطة يقع عبء تنفيذها على الآخرين. ولمن يبشر بضعف أمريكا أقول: إن أمريكا الضعيفة أكثر شراسة وضرراً من أمريكا القوية المعتدة بنفسها، لقد بدأت تُحس بالحقد على من فَضَحها وترغب بالانتقام ولا نستغرب من موجة اضطهاد للمسلمين في أمريكا بدأت ملامحها في الفترة الأخيرة ولا ننسى كلام صاحب الكرسي المتحرك (تشيني)؛ فهو يعني الكثير.
إنني في هذه العجالة لا أدَّعي أنني أملك حلاًّ، ولكن أدعوا الأمة جمعاء إلى الالتقاء على كلمة سواء أساسها الخوف من الله والتأكيد على حرمة دم المسلم؛ فإن (محمداً لا يقتل أصحابه).