التصعيد الأخير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
شهد الشمال السوري تصعيداً خطيراً بدأته قوات النظام بدعم روسي قوي يستهدف ريف حماة الجنوبي وإدلب، وكان من العنف والشدة بحيث يبدو كأنه المعركة الأخيرة، وأنه لا وجود لاتفاقيات خفض التصعيد! ولكن ردَّة فعل فصائل المعارضة غيرَ المتوقعة والتي جُمعَت تحت قيادة موحدة ودُعمَت بقوة تركيّاً، وكذلك الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدتها قوات النظام وميليشياته والميليشيات التابعة للروس... كل ذلك جعل الروس يطلبون بإلحاح وَقْفَ إطلاق النار. وهنا نقف أمام حقائق تبيَّنت من الأحداث الأخيرة، منها:
أنه مع استكمال الروس لتفرُّدهم بالتحكم بالنظام السوري وبَدْء تهميش النفوذ الإيراني فإن توقيت الهجوم كان خاطئاً؛ فالنظام السياسي في تركيا لا يمكن أن يتحمل أية موجة نزوح جديدة؛ ولذا فإن إشغال تركيا بملف إدلب سيجبرها على تأجيل العمليات ضد الأكراد وتنشيط الحوار مع أمريكا التي تنفَّست الصعداء؛ فقد كانت العلاقات مع تركيا تمرُّ بمرحلة حرجة لكثرة الملفات العالقة: من دعم الأحزاب الكردية، ومحاولة الانقلاب، والحرب الاقتصادية، والتقارب مع روسيا... ومثل هذا الحوار لا تريده روسيا.
ومن جهة أخرى كان الرد الإيراني على التفرد الروسي هو الامتناع عن المشاركة الفعالة في العمليات؛ بل يتضح من مقابلة (حسن نصر الله) مع قناة المنار توتر العلاقة مع الروس حول سوريا؛ ففي معرض تبريره لتخفيض وجود الحزب بسوريا، ادَّعى أن ذلك بسبب انتفاء الحاجة وتعافي الجيش السوري! وهو يسلِّم بوضوح بأن الروس هم الذين يديرون النظام ويوضح بقوله: «ما يسمعه الإيرانيون والسوريون من الروسي هو أنه غير مقتنع حتى الساعة بوجوب أو ضرورة خروج حزب الله أو المساعدة الإيرانية وبقية محور المقاومة... وحتى الساعة لا مصلحة لروسيا في أن تخرج إيران من سوريا». إن أقرب وصف لهذا التصريح هو المثل القائل: «كاد المريبُ أن يقولَ: خذوني!» فلا شك أن سلبية إيران وحلفائها حتى من فِرَق الجيش السوري الموالية لها لعبت دوراً في التخبط في المعركة وبداية انزلاق الروس المباشر في العمليات الأرضية، وهو خيار مرعب إذ إن مشروع الدولة الطائفية في سوريا عموماً معرَّض للخطر؛ فالنظام يعاني من تصدُّع الطائفة النصيرية الداعمة له نتيجة الإنهاك البشري إذ الخسائر لم تعد متحملة، ويزيد من التململ تعديل نظام التجنيد وهو ما يعني استدعاء آلاف الطلاب.
ومما يزيد الأمر تعقيداً كذلك أن هناك حديثاً عن تزايدٍ لعمليات تجنيد النصيرية الأتراك؛ وهو ما سيحرف الدور الروسي من تعويم النظام في سوريا والاستقرار في قواعد الساحل الجوية والبحرية إلى تبعات تعويم الطائفة النصيرية في المنطقة.